Tuesday 22 October 2019

أنبياء الله - تعرف عليهم -ج 7 -إبراهيم عليه السلام كان أمة:ج2

 


 



الترتيب الزمنى لأنبياء الله وأعمارهم ج7  – نبي الله إبراهيم عليه السلام- كان أمة ج2

نكمل م بدأنا من سيرة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: إنه إبراهيم الذي وفى، فقد امتحن وابتلي أبتلاءات فوفى...
-ومنها ابتلائه في أم ولده وولده:
ذلك أن سارة  زوجته وقيل هي ابنة عمه، وهبت إبراهيم عليه السلام خادمتها هاجر التي أعطاها إياها ملك مصر- بعد ما رأى منها من معجزة صرف الله له عنها بعد ثلاث محاولات للنيل منها – وهبتها سارة لزوجها إبراهيم ليتسرى بها لعلها تنجب له الولد الذي يتمناه. وما هي إلى أشهر قليلة حتى رزقه الله سبحانه وتعالى ولده إسماعيل عليه السلام قرة عين لإبراهيم عليه السلام، وفرح به أشد الفرح.. ولكن الغيرة دبت في قلب السيدة سارة شأنها شأن أي امرأة أخرى.. فغارت من هاجر ومن حب إبراهيم لولده إسماعيل.. فأراد الله سبحانه أن ينزع تلك الغيرة من قلبها فأوحى إلى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يأخذ هاجر ورضيعها إسماعيل وأن يتركهم في مكة.. وذلك لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، فلبي إبراهيم امر ربه، وأخذ هاجر وولدها وسار بهم إلى مكة ، وتركهم في فيها حيث لا إنس ولا وحش ولا طير ولا زرع ولا ماء بل صحراء جرداء وجبال شاهقة وشمس حارقة،  ثم تركهم وهمَّ بالذهاب، ودعا ربه متضرعًا إليه أن يحفظهما ، قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، فاستجاب الله دعاءه ، وأجرى الماء من تحت أقدام الرضيع، وفار وارتوت أمه وأرتوى، وصار الناس يأتون إليهم  من أجل الماء، ورزقهم الله تعالى من الثمرات ما لم يخطر ببال إبراهيم عليه السلام أنه سيكون وهو يدعو ربه موقنا بإجابته.
وفي الحديث : " يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ"،  أَوْ قَالَ :" لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " (رواه البخاري) .
 ووفى إبراهيم ما أمر به.
-ومنه ابتلاءه بولده الذي رزق به بعد طول انتظار – إسماعيل عليه السلام- أن يؤمر بذبحه:
ولما صار ولده إسماعيل شابا يافعًا، أراد الله تعالى أن يبتلي إبراهيم مرة أخرى، في ولده إسماعيل،  فأمره أن يذبح ولده الوحيد وفلذة كبده وقد جاء هذا الأمر في رؤيا رآها إبراهيم عليه السلام في المنام: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102]، ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي. فذهب إبراهيم عليه السلام لولده وأخبره بما أمره الله به، فما كان من هذا الولد الصالح إلا أن يستجيب لوالده ويستسلم لأمر الله تعالى صابرًا محتسبًا، مُرضيًا لربه، وبارًا بوالده؛ وهو موقن أن هذا الأمر ليس من نفس أبيه، بل هو أمر إلاهي ووحي أوحاه الله لنبيه إبراهيم، وما كان ليرفض هذا الأمر،  قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات 102].
وبعد أن استسلم الوالد والولد لأمر الخالق، أضجع إبراهيمُ ولدَه على وجهه لئلا ينظر إليه فيشفق عليه، ولما بدى منهما تمام العبودية لله والإستسلام، ووضع إبراهيم عليه السلام السكين على رقبة ولده ليحزها، فسُلِبَت السكين حدها كما سُلِبت النار من قبل إحراقها.. وجاءت البشرى فنودي إبراهيم عليه السلام: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات 104- 106]، فدى الله الغلام بذبح عظيم، فأكرم الأب على طاعته لربه بدون تردد نفس، وطاعة الولد لوالده ، وهو موقن أن الأمر جاء من ريهما.
فوفى إبراهيم ما أمر به.

فبعد أن نجح في الإبتلاء جاءته البشرى بولد آخر من زوجته ساره، لتقر به عينه ويكثر نسله؛ قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:112].
وهنا لا بد أن نؤكد أن سياق القصة في سورة الصافات يظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام ، وليس إسحق كما تدعي اليهود، ويسير في صفها من يمالئها ويأخذ بالإسرائليات، فترتيب الأحداث في سورة الصافات، هي
أن أنجى الله إبراهيم من النار، فدعا إبراهيم ربه قائلاً: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } (100) فاستجاب له ربه فقال: { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، وتستمر القصة { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ....}(102)، ثم قصة الإستسلام للذبح والفداء، وثناء الله على إبراهيم { قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(105)، ثم تكون البشرى له بولد ثان، جزاءً له على طاعة ربه في أشق المهمات على النفس، فجاته البشري {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (112)، فكيف يكون الذبيح هو سحق عليه السلام !!
ويؤكد  هذا القول ما رواه معاوية بن أبي سفيان، قال عن رسول الله أنه: " ابنُ الذَّبيحَينِ : صحَّ أنَّ أعرابيًّا قالَ للنَّبيِّ : يا ابنَ الذَّبيحَينِ، فتبسَّمَ ولَم يُنكرْ عليهِ . وأمَّا أنا ابنُ الذَّبيحَينِ" ( رواه الزرقاني – وقال صحيح) ، ومعلوم أن نسب رسول الله يرجع إلى إسماعيل عليه السلام، وهو الذبيح الأول، والذبيح الثاني هو عبد الله والد النبي، وهنا ينتهي الإشكال.
- ومن ابتلاءات إبراهيم عليه السلام التي اجتازها بنجاح فائق استحق عليه أن يكون أمة: الأمر بإقامة قواعد البيت العتيق، وتطهيره:
أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل برفع قواعد البيت الحرام- حيث أن  آدم أو الملائكة على خلاف بين المفسرين، ولم يرد بهذا خبر صحيح-  هي التي وضعت قواعد البيت ، وهذا أمر تشريف لهما، مع التكليف، فرحل إبراهيم عليه السلام من فوره ملبيًا نداء الله تعالى وسافر من بلاد الشام إلى مكة المكرمة حيث لقي هناك ولده إسماعيل عليه السلام، والحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس يشرح ما حدث بينهما: قال:  «ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ. قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا. قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}» (البخاري).
ثم بعد ذلك أمر الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج؛ قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27]. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "أي: ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فَذُكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: "لبيك اللهم لبيك". هذا مضمون ما روي عن ابن عباس، وغير واحد من السلف، والله أعلم". ا.هـ.
فوفى إبراهيم ما أمر به.
- ووفى ابراهيم عليه السلام حيث لم يقبل من العلم إلا التمام – عين اليقين-
طلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يريه بعين اليقين كيف يمكنه سبحانه إحياء الموتى، ولك يكن ذلك من شكٍ منه في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى،  ولكن ليرى بأم عينه بعد أن تملَّك الحق قلبه واحدة من نعماء ربه ومعجزاته.. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260].
فإبراهيم عليه السلام لم يشك يومًا في وجود ربه تعالى أو قدرته على إحياء الموتى وحاشاه أن يكون كذلك فهو الحليم الأواه المنيب؛ قال : «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }» (رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
تنبيه: هناك ثلاث مراتب للعلم هي: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين. فعلم اليقين يكون بالسمع، وعين اليقين يكون بالبصر، وحق اليقين يكون بالحواس أو بالقلب. قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن): "المرتبة الثانية: عين اليقين... هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه أن يريه كيف يحيي الموت ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين. فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه.
يقول ابن القيم في ( مدارج السالكين) : "وقد ضرب بعض العلماء للمراتب الثلاثة مثلا فقال: إذ قال لك من تجزم بصدقه: عندي عسل أريد أن أطعمك منه فصدقه ، كان ذلك علم يقين، فإذا أحضره بين يديك صار ذلك عين اليقين، فإذا ذقته صار ذلك حق اليقين". ا.هـ.
وبطلب إبراهيم عليه السلام هذا الدليل ، وتحقيق الله ربه لهذه المعجزة العظمى ترقى إبراهيم عليه السلام من علم اليقين إلى عين اليقين ، واطمأن قلبه ورضي بالله ربه
وكان أمة قانتًا لله حنيفًا، أبو الأنبياء وإمام المسلمين.

وفاة إبراهيم عليه السلام:
 فيذكر في الأثر أنّه عاش حياته فارتحل من بابل مولده إلى حران والشام ومن ثمّ إيليا، وماتت زوجته سارة في حبرون أرض كنعان وكان عمرها مائةً وسبعا وعشرين عاماً كما ورد في الأثر، وروي في وفاته العديد من الروايات المختلفة، فمنهم من قال أنّه مات فجأةً ، كما مات سليمان وداوود عليهما السلام، ومنهم من قال أنّه مرض ثمّ مات بمرضه عليه السلام، ويقال أنّه مات وهو يناهز من العمر مائةً وخمسة وسبعين عاماً، وفي رواياتٍ أخرى أنّه كان يقارب المئتي سنة.
ودفن في المزرعة التي اشتراها في (حبرون- الخليل) بفلسطين وفيها قبر زوجته الأولى سارة.  

{ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿١٠٩﴾ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١١٠﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}  الصافات
 

No comments:

Post a Comment