Monday 21 October 2019

أنبياء الله - تعرف عليهم - ج6 -إبراهيم عليه السلام - كان أمةً-ج1



 




الترتيب الزمنى لأنبياء الله وأعمارهم ج6  – نبي الله إبراهيم عليه السلام- كان أمة ج1

6-  إبراهيم الخليل ( أبو الأنبياء ) عليه الصلاة والسلام
وقد ولد بعد الطوفان ب ( 1263) سنة ولد في بابل وفي قرية ) أور ( بالتحديد ، وهو الراجح بين العلماء. ذكر ابن جرير في تاريخه، أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان.
 وتوجد رواياتٌ أخرى ضعيفةٌ أيضاً تقول أنّه ولد عليه السلام في غوطة دمشق في جبل قاسيون أو ترجح أنّه ولد عليه السلام في حران، ولكن الأرجح كما قلنا والأكثر تعارفاً بين العلماء أنّه ولد في بابل.
إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم:
وصف الله تعالى في القرآن الكريم بصفات عظيمة ، منها ما لم يصف به أحداً غيره، فقال عنه : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ( النحل 120-121)
 وقال عنه مادحًا له عليه الصلاة والسلام: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ }( هود 75) ، بل وإن الله تعالى اصطفاه لمرتبة الخلة من من بين الناس، قال تعالى:{ وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } ( النساء 125)
-ملاحظة: إن نبينا محمد له هذه المرتبة عند الله ، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : " لو كنتُ متَّخِذًا من أهلِ الأرضِ خليلًا ، لاتَّخذتُ ابنَ أبي قُحافةَ خليلًا . ولكن صاحبَكم خليلُ اللهِ" ( رواه مسلم)
وقوله : أُمَّةً : أي الرجل الجامع للخير، وهو الإمام الذي يقتدى به. وتأكيد ذلك  يبينه في سورة البقرة التي فيه أول ذكر لسيدنا إبراهيم، قال تعالى فيه : { وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ } ( البقرة 124)، قال أهل التفسير : إن ابتلاء اللّه إبراهيم أي اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي { فَأَتَمَّهُنَّ } أي قام بهن كلهن كما قال تعالى { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ } ( النجم 37)، أي وفَّى جميع ما شرع له فعمل به صلوات اللّه عليه.
 ومن هذه الإختبارات العظيمة التي وفى إبراهيم عليه السلام بها:
- مجادلة أبيه ، وتهديد أباه له بالرجم، وطرده له:
نشأ أبراهيم عليه السلام في بيت كان ربهُ يصنع الأصنام ويعبدها، وقد منح إبراهيم الفطرة السليمة التي ترى عبث هذا لفعل ، فكان أن أراد أن يقنع أبيه بالحسنى لينتهي عن عبادة الأصنام ، فقال له: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأنعام47] ، وقد تذلل له وتعطف عليه وألان له الكلام فناداه بنداء البنوة  وتقرب إليثه وقصر الكلمة لتقصر المسافة، قال يا أبت، ولم يقل : يا أبتي، وهي الأولى حتى يليِّن له قلبه، ويستدرجه ، فقال : ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا  * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيًّا *  يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) ( مريم 43-45) ، لكن والده ظل على عناده ، بل إن الشيطان تملكه وأزه حتى هان عليه أ يطرد ولده الذي يدعوه إلى الخير ، فقال: ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) ( مريم 46)  
واتباعاً لرغبة أبيه بعد ان رفض دعوته له، خرج من عنده – وقد يكون ذلك أنه لا يريد أن يبقى في مكان يشرك بالله فيه-
ولكن إبراهيم الولد البار بوالده والذي يتوق أن يهدتدي أبيه ، ظل يدعو ربه، ويستغر الله له، إلى أن نهاه الله عن ذلك لعلمه أنه لن يؤمن، ولكن متى نهي عن الإستغفار، نذكر  ما قيل في هذه المسألة:
أولا نميز بين الدعاء له بالهداية ، وبين الإستغفار له، فإنه ليس في القرآن الكريم تصريح بأن الله نهى إبراهيم عن الدعاء لأبيه لكن فيه { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة 114]  
أما متى نهي إبراهيم عن الإستغفار لأبيه؟ الصواب أن الأئمة من المفسرين وغيرهم اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه على أقوال عدة : فقيل : عند موته ، كما أخرجه الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما  بإسناد صحيح.
وقيل:يجوز أن يكون في آخر عمره  عليه السلام، ويجوز أن يكون يوم القيامة ، كما جاء في (صحيح البخاري) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال :" يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الابعد ؟ فيقول الله – تعالى - : " إني حرمت الجنة على الكافرين ". وهو قول: سعيد بن جبير، والقولان متقاربان .ويؤيدهما في المعنى وعد النبي لأبي طالب بالاستغفار حين مات على الكفر حتى نهي عن ذلك ، وقد ورد في بعض الأحاديث عند ابن جرير أن النبي قال :" استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي "، ثم نزلت الآية { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة 113] ، فهذه هي الأقوال،  ويرجح منها القول الأخير لأن حديث رسول الله السالف يؤيده، والله أعلم.
فوفى إبراهيم ما أُمر به.
- مجادلته لقومه:
ولما  أصر والده على عبادة الأصنام ، توجه إبراهيم لقومه، وأراد أن يثبت لهم عملًا أن الإله لا بد أن يكون ( الأول ، والآخر ) وأنه ( قيوم السموات والأرض )، فأظهر لهم أنّه يبحث عن إله يعبده ، وما يجب أن تكون عليه صفات إله هذا الكون: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام 76]. وقد فسر البعض هذا النجم على أنه كوكب الزهرة، وتدرج معهم إلى الأعلى أو الأكبر ، ادعى أن القمر ربه ، ولكنه أيضا يأفل ، ثم الشمس، فلما أفلت : { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:78، 79]، فعاد بهم إلى الفطرة ، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول اللّه أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة)، وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول اللّه قال: (قال اللّه إني خلقت عبادي حنفاء)، وقال اللّه في كتابه العزيز: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}( الروم 30)، فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله اللّه أمة قانتاً للّه حنيفاً ولم يك من المشركين ناظراً في هذا المقام، بل هو أولى بالفطرة السليمة والسجية المستقيمة بعد رسول اللّه بلا شك ولا ريب، ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظراً لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا شاكًا في قوله تعالى .  فوفى إبراهيم عليه السلام لربه

- ومنها: توعد إبراهيم قومه في يوم عيدهم بتحطيم اصنامهمن ووفائه بالوعد:
ذلك أنه تربي في بيت وبين قوم يعبدون الأصنام، ويصنعها أقرب الناس إليه والده، أو قيل عمه، ولكن رحمة الله به أن أعطاه الله قلبًا وفطرةً سليمة، قال تعالى عنه: { إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ( الصافات 84)، والله أعلم بخلقه، وهداه إلى الحق من صغيرًا، قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ( الأنبياء 51)
وبمحاولة أخرى أن يثبت إبراهيم لقومه أن الأصنام لا تضر ولا تنفع، وهي أصلا لا تستطيع أن تنفع أو تضر نفسها ، وحانت له الفرصة في يوم عيدٍهم،  وكانوا يخرجون للاحتفال به خارج البلدة.  ووفى دون خوف من العاقبة، قال لهم: {  وَتَاللَّـهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } ( الأنبياء 57-58)،
فانتهز إبراهيم عليه السلام الفرصة ولم يخرج معهم ، محتجًا بأنه مريض ليتركوه وبالفعل تركوه وذهبوا لعيدهم.. قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ . فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات:88- 90].
فلما ذهبوا وتركوه أسرع عليه السلام إلى المعبد الذي فيه أصنامهم ووجد هناك بعض الطعام الذي وضعوه لتباركه لهم آلهتهم المزعومة.. فخاطب إبراهيم عليه السلام هذه الأصنام متهكمًا لِمَ لا يأكلون؟! قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} [الصافات:91، 92]. ثم قام عليه السلام بتكسير هذه الأصنام جميعًا وترك أكبر صنمٍ لهم ولم يكسره وذلك حتى يقيم عليهم الحجة؛ {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:58].
فما كان منهم إلا أن :{ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } ( الأنبياء 68)، ولم يعلموا أن الله تعالى كافٍ عبده الذي وفى، فقد جاءت كلمة السماء مباشرة  بأمر رب النار: { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } ( الأنبياء 69)، فخاب وخسر من أراد به كيدًا: { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} ( الأنبياء 70)
ووفى إبراهيم ما أمر به.
-ومنها تحدية ومجادلته للنمرود وإقامة الحجة عليه:
 قال تعالى: { لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ( البقرة 258)، والذي حاجَّ إبراهيم في وجود ربه هو النمرود، وذلك أنه أنكر أن يكون ثَمَّ إله غيره، وما حمله على هذا الطغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشديدة إلا تجبره وطول مدته في الملك، وذلك أنه يقال إنه مكث أربعمائة سنة في ملكه، قال: { أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ}، وكان النمرود قد طلب من إبراهيم دليلاً على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم: { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي إن الدليل على وجوده، حدوث هذه الأشياء المشاهدة لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له. فعند ذلك ادعى النمرود : { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ} ، قال قتادة: وذلك أني أوتى بالرجلين استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل، وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل، فذلك معنى الإحياء والإماتة،وهو يعلم أن ليس هذه هي الإحياء والإماته، وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عناداً ومكابرة ويوهم أنه الفاعل لذلك، ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة: { إِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } أي لأن الذي يحيي ويمت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق فإن كنت إلهاً كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب؟ فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت، أي أخرس فلا يتكلم وقامت عليه الحجة
فوفى إبراهيم ما أمر به.
-ومنها: فتنته بجبار آخر، ملك مصر:
 ذلك أنه هاجر بعد إلى بلاد الشام، وفلسطين على الأخص ، ومنها إلى مصر،  فكان هذا الملك الجبار كلما سمع بامرأة جميلة أرادها لنفسه فإن كان لها زوج قتله حتى يأخذها لنفسه، وكان إبراهيم عليه السلام يعلم بأمر هذا الملك الجبار ، فأخبر زوجته سارة بأمر هذا الجبار وطلب منها أن تقول إن سألها هذا الملك عن قرابتها بإبراهيم عليه السلام أن تقول إنها أخته، وقد روى البخاري في صحيحه هذه القصة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : « لم يَكْذِبْ إبراهيمُ إلا ثلاثَ كَذِبَاتٍ ، ثِنْتَيْنِ منهنَّ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ . قولُهُ : { إِنِّي سَقِيمٌ } . وقولُهُ : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } . وقال : بينا هو ذاتَ يومٍ وسارةُ ، إذ أتى على جبارٍ من الجبابرةِ ، فقيل لهُ : إنَّ هاهنا رجلًا معهُ امرأةٌ من أحسنِ الناسِ ، فأرسلَ إليهِ فسألَهُ عنها ، فقال : من هذهِ ؟ قال : أختي ، فأتى سارةَ فقال : يا سارةُ ليس على وجهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري وغيركِ ، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُهُ أنكِ أختي ، فلا تُكَذِّبِينِي ، فأرسلَ إليها ، فلمَّا دخلت عليهِ ذهب يَتناولها بيدِهِ فأُخِذَ ، فقال : ادعي اللهَ ولاأضرُّكِ ، فدعتِ اللهَ فأُطْلِقَ، ثم تَناولها الثانيةَ فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ ، فقال : ادعي اللهَ لي ولا أضرُّكِ ، فدعتْ فأُطْلِقَ ، فدعا بعضَ حجبتِهِ ، فقال : إنكم لم تأتوني بإنسانٍ ، إنما أتيتموني بشيطانٍ ، فأخدمها هاجرَ ، فأتتْهُ وهو يُصلِّي ، فأومأَ بيدِهِ : مَهْيَا ، قالت : رَدَّ اللهُ كيدَ الكافرِ ، أو الفاجرِ ، في نحرِهِ ، وأخدمَ هاجرَ ) . قال أبو هريرةَ : تلكَ أُمُّكُمْ ، يا بني ماءِ السماءِ . (رواه البخاري في صحيحه) وقوله أخدم هاجر، أي أعطاها هاجر تخدمها، وقيل في هاجر أنها ابنة ذلك الجبار أو الحاكم، ولم تكن عبدة عنده،  والله أعلم. ووفى إبراهيم ما أمر به.

تنبيه: في قوله ( كذب إبراهيم ثلاث) :
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: في سورة الصافات: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ . فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات:88- 90]:"ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله، حاشا وكلا وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزًا، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني، كما جاء في الحديث: « إنَّ في المعاريضِ لَمندوحةً ، عنِ الكَذِبِ »، ( رواه البيهقي، عن عمران بن الحصين، والأصح أنه موقوف عليه، وهو حسن) ا.هـ. فهو عليه السلام لم يكن يقصد أنه مريض بدنيًا وإنما أراد أنه مريض القلب من عبادتهم الأوثان من دون الله عز وجل.
الحديث عن أبي الأنبياء يطول ولا نوفيه حقة، لذلك وحرصاً على عدم الإطالة فأتوقف هنا ، وللحديث بقية إن شاء الله

No comments:

Post a Comment