Wednesday 16 October 2019

أحاديث نبوية عظيمة وشرحها- حديث قدسي- صفات أهل الجنة وصفات أهل النار

 

 




حديث قدسي:  صفات أهل الجنة وصفات أهل النار

عن عياض بن حِمار المُجاشعي: أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ ذَاتَ يَومٍ في خُطْبَتِهِ: أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ، ممَّا عَلَّمَنِي يَومِي هذا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا، وإنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِن أَهْلِ الكِتَابِ، وَقالَ: إنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ المَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وإنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلتُ: رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كما اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بمَن أَطَاعَكَ مَن عَصَاكَ، قالَ: وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، قالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الذي لا زَبْرَ له، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ، وإنْ دَقَّ إلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إلَّا وَهو يُخَادِعُكَ عن أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ البُخْلَ أَوِ الكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ." ( رواه مسلم في صحيحه)
شرح الحديث
ألَا إنَّ ربِّي أمَرني أنْ أُعلِّمَكم ما جَهلْتُم مِمَّا علَّمَني يَومِي هذا، كلُّ مالٍ نحلْتُه عبدًا حلالٌ، أي: كلُّ مالٍ أعطيْتُه عبدًا مِن عبادي فهو له حلالٌ، وإنِّي خَلقْتُ عِبادي "حُنفاءَ كلَّهم" جمْعُ حَنيفٍ، وأصل معنى الكلمة هو: المائلُ عَنِ الباطلِ الْمُنقطِعُ لِلحقِّ، ثم صارت تستخدم للطريق المستقيم، أو الطريق الصحيح، الإستقامة على الإسلام الثابت عليه – كما في سورة الروم آية 30 { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا }.
 وإنَّهم أَتتْهمُ الشياطينُ "فَاجتالَتْهم عَن دينهم"، أي: صرَفَتْهم وذَهبَتْ بهم عَن دِينِهم إلى الأباطيلِ، وحرَّمَتْ عليهم ما أحللْتُ لهم، وأمرَتْهم أنْ يُشركوا بي ما لم أُنزلْ به سلطانًا.
 وإنَّ اللهَ نظرَ إلى أهلِ الأرضِ "فَمقَتَهم"، أي: أَبغضَهم أشدَّ البغضِ، عرَبَهم وعجَمَهم، إلَّا بَقايا مِن أهلِ الكتابِ: وهمُ الَّذينَ لم يَزالوا مُتمسِّكِينَ بِالحقِّ ولم يُبدِّلوا دِينَهم، ومن النصاري هم الذين تمسكوا بالقول أن عيسى عليه السلام هو رسول الله، وأن الله رفعه إليه.
 وقال: إنَّما بَعثْتُك، أي: يا محمَّدُ لِأبتَلِيَكَ، أي: لِأمتحِنَك وأَختبرَك وأَبتلِيَ بكَ مَنْ أرسلتُك َإليهم. وأنزلتُ عليكَ كِتابًا لا يَغسلُه الماءُ، أي: لا يَمحوُه ولا يذهبُ به بل يبقى على مرِّ العصورِ؛ لكونِه محفوظًا في الصُّدورِ؛  تقرؤُه نائمًا ويَقظانَ.
 وإنَّ اللهَ أَمرنِي أنْ أَحرِقَ قريشًا، أي: أُهلِكَهم، فقلتُ: ربِّ إذًا "يَثْلغُوا رأسِي"، أي: يَشْدَخُوه ويَشجُّوه، فَيَدَعوُه خُبْزةً، أي: فَيتركُوه مِثلَ الخبزةِ الَّتي تُشْدَخُ وتُكْسَرُ.
 قال: استخْرِجْهم كما اسْتخرَجُوك، أي: أَخرِجْهم مِن ديارِهم كما أَخرَجُوك، واغْزُهم نُغزِكَ، أي: نُعينكَ على غزْوِهم، وأَنفِقْ فَسنُنفِقْ عليكَ، وابعثْ جَيشًا نَبعثْ خَمْسةً مِثلَه مِن جُيوشِ الملائكةِ، وقَاتِلْ بِمَن أطاعَك مَن عَصاكَ.
 ثُمَّ قال : وأهلُ الجنَّةِ ثلاثةٌ، أي: ثلاثةُ أجناسٍ مِنَ الأشخاصِ، الأوَّلُ: ذو سلطانٍ، أي: حَكَمٌ مُقسِطٌ، أي: عادلٌ، مُتصدِّقٌ، أي: مُحسِنٌ إلى النَّاسِ، مُوفَّقٌ، أي: الَّذي هُيِّئَ له أسبابُ الخيرِ، وفُتحَ له أبوابُ البِرِّ.
والثَّاني: رجلٌ رَحيمٌ، أي: على الصَّغيرِ والكبيرِ رقيقُ القلبِ لكلِّ ذي قُربى خُصوصًا. ومُسلمٍ، أي: لكلِّ مُسلِمٍ عمومًا.
والثَّالثُ: عَفيفٌ، أي: مُجتَنِبٌ عمَّا لا يَحلُّ، مُتعفِّفٌ، أي: عَنِ السُّؤالِ، مُتوكِّلٌ على الملِكِ المتعالِ في أمْرِه، ذُو عِيالٍ، أي: لا يحمِلُه حُبُّ العيالِ ولا خوفُ رزقِهم على ترْكِ التَّوكُّلِ بِارتكابِ سُؤالِ الخلْقِ، وتحصيلِ المالِ الحرامِ والاشتغالِ بهم عَنِ العلمِ والعملِ مِمَّا يجبُ عليه، ويُحتملُ أنَّه أشارَ بِالعَفيفِ إلى ما في نَفْسِه مِنَ القوَّةِ المانعةِ عَنِ الفواحشِ، وبِالمتعفِّفِ إلى إبرازِ ذلك بِالفعلِ واستعمالِ تلكَ القوَّةِ؛ لإظهارِ العفَّةِ عَن نفسِه.
 ثُمَّ قال: وأهلُ النَّارِ خمسةٌ، الأوَّلُ: الضَّعيفُ الَّذي "لا زَبْرَ له"، أي: لا رَأْيَ ولا عقْلَ كاملًا يَعقلُه ويمنعُه عَنِ ارتكابِ ما لا ينبغي، الَّذينَ هم فيكم تَبعٌ: يعني به الخدَّامَ الَّذينَ يَكتفونَ بِالشُّبهاتِ، لا يَبغونَ أهلًا، أي: لا يَطلبونَ زوَجةً ولا سُرِّيَّةً، فَأعرَضُوا عَنِ الحلالِ وارتكبوا الحرامَ، ولا مالًا، أي: ولا يَطلبونَ مالًا حلالًا مِن طريقِ الكدِّ والكسْبِ الطَّيِّبِ.
 وفي روايةٍ: فَيكونُ ذلك يا أبا عبدِ اللهِ وهو مُطرِّفُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ راوي الحديثِ عَن عياضٍ؟ قال: نَعمْ، واللهِ لقد أدركْتُهم في الجاهليَّةِ، وإنَّ الرَّجلَ لَيرعى على الحيِّ، ما به إلَّا وَليدتُهم، أي: أَمَتَهم يَطؤُها، والمقصودُ أنَّه أَدركَ في الجاهليَّةِ قبْلَ الإسلامِ أنَّه كان الرَّجلُ في الجاهليَّةِ يَرعى على القومِ الغنَمَ ما به إلَّا وليدَتُهم، أي: أَمَتُهم، يُزانِيها، يَطؤُها، أي: بِالزِّنَا، فَبِذلكَ يَرضَى مِن نَفسِه أنْ يكونَ ذليلًا راعيًا للغنمِ مِن أجل هذه الفاحشةِ نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ.
والثَّاني: الخائنُ الَّذي لا يَخفَى له طمعٌ، أي: لا يَخفى عليه شيءٌ مِمَّا يمكنُ أنْ يطمعَ فيه، وإنْ دَقَّ بِحيثُ لا يكادُ أنْ يُدْركَ إلَّا خانَه، أي: إلَّا وهو يَسعى في التَّفحُّصِ عنه، والتَّطلُعِ عليه حتَّى يجدَه فَيخونَه، وهذا هو الإغراقُ في الوصفِ بِالخيانَةِ.
والثَّالثُ: رجلٌ لا يُصبحُ ولا يُمسي إلَّا وهو يُخادعُكَ عَن أهلِكَ ومالِك، أي: بِسبَبِهما.
الرَّابعُ: البُخلُ أوِ الكذبُ، أي: البخيلُ والكذَّابُ.
والخامسُ: "والشِّنْظيرُ": السَّيِّءُ الخُلُقِ، الفاحشُ، أي: المكثِرُ لِلفُحشِ، والمعنى: أنَّه معَ سُوءِ خُلقِه فحَّاشٌ في كلامِه لِمَا بَينَهما مِنَ التَّلازُمِ الغَالِبِيِّ.
وفي روايةٍ: وإنَّ اللهَ أَوحى إليَّ أنْ تَواضَعوا حتَّى لا يَفخرَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغِيَ أحدٌ على أحدٍ، أي: لا يِظلِمَه.
ومن فوئد الحديث:
في الحديثِ: بيانُ صفةِ أهلِ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ.
وفيه: فضْلُ الوالي العادلِ القائمِ بِطاعةِ اللهِ سبحانه وتعالى.
وفيه: ثوابُ الواصِلِ والرَّحيمِ بِالمسلمِينَ.
وفيه: فضْلُ المحتاجِ المتعفِّفِ.
وفيه: النَّهيُ عَنِ الخيانةِ والبُخلِ وفُحشِ القولِ

نبذة عن راوي الحديث :
هو ((عِياض بن حِمَار بن محمّد بن سفيان بن مجاشع بن دارم التميمي المجاشعي بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.)) الطبقات الكبير.
وفد على النّبيّ ، قبل أن يسلم ومعه نَجِيَبة يهديها إلى رسول الله ، فقال: "آسلمتَ؟" قال: لا: قال: "إنّ الله نهانا أن نقبل زَبْد المشركين". قال: فأسلم فقبلها رسول الله ، فقال: يا نبيّ الله، الرجل من قومي من أسفل مني يشتمني أفأنتصر منه؟ فقال: "االْمُستبَّانِ شيطانانِ ، يتهاتَرانِ ، و يتكاذَبانِ" ( صحيح الجامع للألباني)
 وروي عنه أيضًا غير ذلك كمن الأحاديث، ثمّ نزل البصرة فروى عنه البصريّون.)) الطبقات الكبير.
 ((كان صديقًا لرسول الله قديمًا، وكان إذا قدم مكّة لا يطوفُ إِلّا في ثيابِ رسولِ الله ، لأنه كان من الجملة الذين لا يطوفون إلا في ثوب أحمسي‏‏- أحْمَسَ ، وهو لَقَبَ قُرَيْشٍ وكِنانَةَ وجَديلَةَ ومن تَابَعَهُمْ في الجاهِلِيَّةِ ، لِتَحَمُّسهمْ في دِينِهم، أو لالْتِجائِهم بالحَمْساءِ، وهي الكَعْبَةُ، لأنَّ حَجَرَها أبيضُ إلى السَّوادِ،  كانت العرب عدا قريش لا يطوفون بالبيت فى ثيابهم، يتأولون فى ذلك بأنهم لا يطوفون فى ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش وهم الحمس يطوفون في ثيابهم ومن أعاره أحمسي ثوبًا طاف فيه ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ومن لم يجد ثوبًا جديدًا ولا أعاره أحمسي ثوبًا طاف عريانًا.- )) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((روى عنه مطرِّف ويزيد ابنا عبد اللّه بن الشخير، والحسن. أَنبأَنا الخطيب عبد اللّه بن أَحمد الطوسي بإِسناده عن أَبي داود الطيالسي: بسنده عن  همام قال: عن يزيد بن عبد اللّه ـــ عن عياض قال: قلت: يا رسول الله، الرجل من قومي يشتمني، وهو دوني؟ فقال رسول الله : "الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ، فَمَا قَالاَ فَهُوَ عَلَى الْبَادِىءِ مِنْهُمَا حَتَّى يَعْتَدِيَ الْمَظْلُومُ) ( المصدر : أُسْدُ الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير)

No comments:

Post a Comment