Wednesday 2 October 2019

تدبر آيات من القرآن العظيم - ج 30 -فضائل وفوائد من سورتي ( الفلق ) و ( الناس)

 


صحيح مسلم


تدبر آيات من القرآن العظيم - الجزء الثلاثون - في فضائل وفوائد سورتي الفلق والناس



 من سورة الفلق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَ‌بِّ الْفَلَقِ ﴿١﴾ مِن شَرِّ‌ مَا خَلَقَ ﴿٢﴾ وَمِن شَرِّ‌ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴿٣﴾ وَمِن شَرِّ‌ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴿٤﴾ وَمِن شَرِّ‌ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴿٥﴾}

وفي فضائل سورتي الفلق والناس أنهما:

1- علاج الأمراض بإذن الله ...
عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها؛ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا" . صحيح البخاري

2- حماية من السحرة والشياطين وغيرها من الهوام والدواب بإذن المولى عز و جل ...
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ . صحيح البخاري

- كما روى ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال له : يا ابنَ عباس ألا أدلُّكَ أو قالَ : ألا أخبِرُكَ بأفضلِ ما يتعوَّذُ بِهِ المتعوِّذونَ قالَ بلى يا رسولَ اللَّهِ قالَ: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ }، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (صحيح النسائي)

- قال النسائي أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي عجلان عن سعيد المقبري عن عقبة بن عامر قال :" يا عقبةُ قل فقلتُ ماذا أقولُ يا رسولَ اللَّهِ فسَكتَ عنِّي ثمَّ قالَ يا عقبةُ قل قلتُ ماذا أقولُ يا رسولَ اللَّهِ فسَكتَ عنِّي فقلتُ اللَّهمَّ ارددْهُ عليَّ فقالَ يا عقبةُ قل قلتُ ماذا أقولُ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ:{  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } فقرأتُها حتَّى أتيتُ على آخرِها ثمَّ قالَ: قل ،قلتُ ماذا أقولُ يا رسولَ اللَّهِ،  قالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } فقرأتُها حتَّى أتيتُ على آخرِها ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ عندَ ذلِكَ ما سألَ سائلٌ بمثلِهما ولا استعاذَ مستعيذٌ بمثلِهما " (رواه النسائي، وقال عنه الألباني : حسن صحيح)
-وفي صحيح مسلم عن عقبة بن نافع قال: قال رسول الله ﷺ: " أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، {قُلْ أَعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ}، {وَقُلْ أَعُوذُ برَبِّ النَّاسِ}."

في معاني سورة الفلق:

هذه السورة يأمر الله -جل وعلا- نبيه ﷺ أن يستعيذ برب الفلق، وهو الله -جل وعلا-. " والفلق" هو الصبح في قول جمهور المفسرين.

امره أن يستعيذ من شر ثلاث أشياء؛ أولها: {مِن شَرِّ‌ مَا خَلَقَ ﴿٢﴾
من شر مخلوقات الله جل وعلا فما له شر من هذه المخلوقات فهو داخل في هذه الاستعاذة، من الجن والإنس والدواب والجماد، وكل شيء في الكون له شر فهو داخل في الإستعاذة.

{ وَمِن شَرِّ‌ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴿٣﴾
وهنا تخصيص من بعد التعميم، فخص الليل من مخلوقات الله تعالى فقال ومن شر الليل إذا دخل؛ لأن الليل إذا دخل تتسلط فيه شياطين الإنس، وشياطين الجن والدواب والهوام، وقد جاء عن النبي ﷺ في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-: (أنَّ النبيَّ نظر إلى القمرِ فقال يا عائشةُ استعيذي باللهِ من شرِّ هذا فإنَّ هذا هو الغاسقُ إذا وقبَ .) صحيح
وفيما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله من حديث رسول الله في التحذير من الشياطين في أول المساء قال ﷺ : " إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أوْ أمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ، فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ.
لكن جمهور المفسرين على التفسير الأول، وهو الليل، وقالوا: إن هذا الحديث يدل على أن ظهور القمر علامة على دخول الليل، فالنبي ﷺ أشار إلى علامة دخول الليل.

ثم قال جل وعلا-: (وَمِن شَرِّ‌ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴿٤﴾

وخص أيضا من المخلوقات التي لها شر، وشر عظيم السحرة، فقال: من شر الأنفس التي تنفث في العقد لتسحر الناس؛ لأن السحرة ينفثون في العقد التي يعقدونها، من أجل سحر الناس، وينفثون عليها، و"النفث": هو الريق والهواء الذي يخرج من الفم، أو شيء من الريق وهو دون التفل، وفوق النفخ فهذا يسمى نفثا، فهذه نفث الساحر إذا نفث في العقد. يقول العلماء: نفسه شيطانية فتتكيف مع هذه الأشياء، فيحصل السحر للمسحور.

وهذه السورة أمر الله -جل وعلا- نبيه ﷺ أن يستعيذ فيها من شر المخلوقات أجمعين، ثم خصص ذلك بالليل، وخصه -أيضا- بالنفاثات في العقد.

 { وَمِن شَرِّ‌ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴿٥﴾

أي من شر الحاسد إذا حسد في وقت الحسد الذي يحسد فيه الإنسان؛ لأن الإنسان قد يكون متلبسا بهذه الصفة يحسد الناس، لكنه في بعض الأحيان لا يحسد، لكن في حال حسده فهو مأمور من النبي ﷺ أن يستعاذ به في مثل هذه الحالة.

فخصص النبي ﷺ هذه الثلاثة أشياء؛ لظهور ضررها وعظمها وكثرتها. وهذا يدل على أن الحسد، وهو تمني زوال النعمة عن الغير صفة مذمومة، لا تليق بمسلم؛ لأن الله جل وعلا أمر النبي ﷺ أن يستعيذ من صاحبها، وأما الحسد الذي يكون بالمعنى المقارب للتنافس، فهذا جائز شرعا كما قال ﷺ: (لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهو يَقُومُ به آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فَهو يُنْفِقُهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ.) (رواه مسلم)

فمن حسد أخاه المسلم -بمعنى غبطه- تمنى أن يكون مثله، ولكنه لم يتمن زوال النعمة عن أخيه، فهذا من باب الغبطة، ومن باب الحسد المباح، وأما إذا تمنى زوال النعمة عن أخيه المسلم فهذا من باب الحسد المذموم، الذي أُمر النبي أن يستعيذ من صاحبه.
وقد استعاذ رسول الله من شر الحسد، وعلم أمته أن يقولوا إذا أصبحوا أو أمسوا : " أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ" ( رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما)
ومما ورد أيضا من أدعية النبي: " أَعوذُ بكلِماتِ اللهِ التامَّاتِ، الَّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فاجرٌ، مِن شرِّ ما خلقَ، وذرأَ، وبرأَ، ومِن شرِّ ما ينزِلُ مِن السَّماءِ، ومِن شرِّ ما يعرُجُ فيها، ومِن شرِّ ما ذرأَ في الأرضِ وبرأَ، ومِن شرِّ ما يَخرجُ مِنها، ومِن شرِّ فِتَنِ اللَّيلِ والنَّهارِ، ومِن شرِّ كلِّ طارقٍ يطرُقُ، إلَّا طارقًا يطرقُ بِخَيرٍ، يا رَحمنُ" (أخرجه الإمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع)
وأما الليل والنهار والأيام والليالي فهذه لا تذم لذاتها، ولا يسند إليها شيء؛ لأن الذم والمدح إنما يقع فيها، ولهذا قال ﷺ (لا تسبُّوا الدهرَ فإنَّ اللَّهَ هو الدهرُ، وفي الحديث القدسي: "قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وأنا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهار"

من سورة الناس: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَ‌بِّ النَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ النَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَـٰهِ النَّاسِ ﴿٣﴾ مِن شَرِّ‌ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴿٤﴾ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ‌ النَّاسِ ﴿٥﴾ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴿٦﴾

قال ابن كثير في تفسير سورة الناس: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل وهي: الربوبية والملك والإلهية، فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا في الخيال. والمعصوم من عصمه الله وقد ثبت في الصحيح قول رسول الله ﷺ: " ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ" قالوا: وإيَّاكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: "وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. غَيْرَ أنَّ في حَديثِ سُفْيانَ: "وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ".

وثبت في الصحيحين عن أنس أن صفيَّةَ رضِي اللهُ عنها أخبرته: أنَّها جاءت إلى رسولِ اللهِ ﷺ ليلًا تزورُه - وهو معتكِفٌ في المسجدِ - فحدَّثته، قالت: ثمَّ قمتُ فقام معي – وكان مسكنُها في دارِ أسامةَ بنِ زيدٍ - فمرَّ رجلان من الأنصارِ، فلمَّا رأيا النَّبيَّ ﷺ أسرعا، فقال رسولُ اللهِ ﷺ:" على رِسلِكما إنَّها صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ "، فقالا: سبحانَ اللهِ ! يا رسولَ اللهِ! فقال: "إنَّ الشَّيطانَ يجري من الإنسانِ مجرَى الدَّمِ، وإنِّي خشيتُ أن يقذِفَ في قلوبِكما شيئًا - أو قال: شرًّا"  .

وفيما يروي الحافظ أبو يعلى الموصلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ:" إن الشيطانَ واضعٌ خطمَه على قلبِ ابنِ آدمَ فإنْ ذكرَ اللهَ خنسَ وإنْ نسيَ التقمَ قلبَه فذلك الوَسواسُ الخنَّاسُ" (ذكره ابن كثير في تفسيره، وقال: غريب، وهو ضعيف).

وقال الإمام أحمد عن رديف رسول الله ﷺ قال: عثَرَ بالنَّبيِّ ﷺ، فقلتُ: تعِسَ الشَّيطانُ. فقالَ النَّبيُّ ﷺ: لا تقُلْ: تعِسَ الشَّيطانُ؛ فإنَّكَ إذا قلتَ: تعِسَ الشَّيطانُ، تعاظَمَ، وقالَ: بقوَّتي صرعتُهُ، وإذا قُلتَ: بسمِ اللَّهِ، تَصاغرَ حتَّى يَصيرَ مثلَ الذُّبابِ "  (تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي )، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلب وإن لم يذكر الله تعاظم وغَلب .

في سورة الفلق تعوذ بصفة واحدة وهي الربوبية من أربع أشياء عظيمة، بينما في سورة الناس تعوذ بثلاث صفات من صفات الله تعالى من شيء واحد؛ فتدبر لتعلم أي عدو يلازمك ؟".
خرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: " إقرؤوا بالمُعَوِّذاتِ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ. " (رواه وصححه شعيب الأرناؤوط)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

اللَّهُمُّ لَكَ الْحَمْدَ بِالْإِسْلَامِ، وَلَكَ الْحَمْدَ بِالْإيمَانِ، وَلَكَ الْحَمْدَ بِالْقُرْآنِ ، وَلَكَ الْحَمْدَ بِالْأهْلِ وَالْمَالِ وَالْمُعَافَاةِ
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدَ فِي الْأوْلَى وَلَكَ الْحَمْدَ فِي الْآخِرَةِ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدَ حَمِدَا كَثِيرَا طَيِّبَا مُبَارَكَ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدَ كَمَا ينبغي لِجَلَاَلِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِك

No comments:

Post a Comment