Tuesday 7 February 2023

السيرة النبوية الشريفة فتح مكة --1-الأسباب التي دعت إليها-ومن أهل بدر من كاد ان يفشي السر

  

الفتح الأعظم: فتح مكة المكرمــة

فتْحُ مَكَّةَ (يُسمَّى أيضاً الفتح الأعظم) غزوة حدثت في 17 من رمضان سنة 8 من الهجرة (الموافق 10 يناير 630م)، فتح الله تعالى لرسوله ﷺ مكة المكرمة، وأعز الله به دينه ورسله، وأنقذ به بيته وبلده، واستبشر به أهل السماء، ودخل به لناس في دين الله أفواجاً.

الأسباب التي أدت إليه:

وسببه أن بني بكر الذين كانوا قد دخلوا مع قريش في عهد الحديبية، بينما خزاعة كانوا قد دخلوا مع المسلمين وفي حزبهم بعد الحديبية، وكانت بين القبيلتين؛  بني بكر ، وخزاعة دماء وثأرات في الجاهلية اختفت نارها بظهور الإسلام، فلما وقعت هدنة الحديبية اغتنمها بنو بكر، وأغاروا في شهر شعبان سنة 8 هـ على خزاعة ليلاً، وهم على ماء يقال له: الوتير، فقتلوا منهم ما يربو على عشرين، وطاردوهم إلى مكة حتى قاتلوهم فيها، وأعانتهم قريش سراً برجال وسلاح .

ولأن خزاعة قد دخلت مع المسلمين في عهد الحديبية، وكان قد أسلم عدد منهم، فأبلغوا رسول الله ﷺ الخبر، فقال: والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه.- أي أنه سيساندهم، وينتقم لهم من قريش.

أبو سفيان مسرعا يعتذر عن فعلتهم:

وأول مرة في بيت ابنته رملة بنت أبي سفيان:

وأحست قريش بسوء فعلتها، وخافت نتائجها، فأسرعت بإرسال أبي سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة، فلما جاء المدينة نزل على ابنته أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها، وأراد أن يجلسَ على الفراشِ؛ فطوتْه دونه. فقال: يا بنيةُ ما أدري، أرغبتِ بي عن هذا الفراشِ أم رغبتِ به عني ؟ فقالت: بل هو فراشُ رسولِ اللهِ وأنتَ مشركٌ نجسٌ؟ قال: واللهِ لقد أصابك بعدي شرٌ ! ثم خرج حتى أتى رسولَ اللهِ فكَلَّمَهُ، فلم يردَّ عليه شيئًا .

فذهب إلى أبي بكر ليكلم رسول الله ﷺ فقال: ما أنا بفاعل. فأتى عمر فأبى، وشدد في الكلام، فأتى عليا فاعتذر، وأشار عليه أن يجير بين الناس ويرجع، ففعل.

أما رسول اللهﷺ فتجهز للغزو ، وأمر أصحابه بذلك، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة، وكتم الخبر، ودعا الله :"اللهم خذ العيونَ والأخبارَ عن قريشٍ حتى نبغتَها في بلادِها."  

وزيادة في الكتمان أرسل أبا قتادة رضي الله عنه في أوائل رمضان إلى بطن إضم، وعلى بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة، ليظن الظان أنه يريد هذه الناحية .                    

أحد المسلمين كاد أن يفشي سر الخروج:

عن محمد بن اسحاق، عن عروة بن الزبير، بسنده، قالوا: (لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً -زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنَّهَا سَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، ثم خرجت به.

وأتى رسولَ الله ﷺ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ والزُّبير بْنَ الْعَوَّامِ فَقَالَ: "أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابٍ إِلَى قُرَيْشٍ يُحَذِّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا له من أمرهم"، فخرجا حتى أدركاها بالخليفة..)

وَالقصة في الْبُخَارِيُّ: قال: عن عُبَيْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ: " سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تعجل عليَّ، إني كنتُ امرأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ – يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا- وَلَمْ أكن من أنفسها، وكان مَن معك من المُهاجرين مَن لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببتُ إذا فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عندهم يدًا يحمون قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ»، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سورة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة١)

هذه القصة غلط فيها حاطبٌ رضي الله عنه، والنبي قبل عذره لأنه جهل الأمر وظنَّ أنَّ هذا يُسوغ له مصانعة المشركين بهذه الكتابة؛ ولأنه من أهل بدرٍ، وقد قال الله فيهم: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فكان هذا خاصًّا بهم، أما اليوم مَن ساعد الكفَّار على المسلمين وأبدى عوراتهم فهذه خيانه لدينه، وقومه.

No comments:

Post a Comment