Tuesday 28 February 2023

السيرة النبوية الشريفة فتح مكة ح3

   

الفتح الأعظم: فتح مكة المكرمــة-ح٣

أذهبوا فأنتم الطلقاء 

صلاة الفتح

بعد ما فتح الله له مكة، امر بلالا أن يؤذن من على ظهر الكعبة..

هدم ﷺ الأصنام التي في الكعبة، وبعث ثلاث بعوث لهدم أعظمها عندهم


 

بلال يؤذن على ظهر الكعبة:

وفي يوم فتح مكة حان وقت صلاة الظهر، فأمر النبي بلالاً رضي الله عنه أن يؤذن بالصلاة، فعلا على ظهر الكعبة فأذَّن عليها.

 ذكر ابن هشام وابن كثير في السيرة النبوية، وابن القيم في زاد المعاد: "أن رسول الله دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال، فأمره أن يؤذن، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه. فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه مُحِق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئاً، لو تكلمتُ لَأخْبرَتْ عني هذه الحَصَى، فخرج عليهم النبي ، فقال: "قد علمتُ الذي قلتم، ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول أخبرك".

قول أبي سفيان: "لو تكلمتُ لَأخْبرَتْ عني هذه الحصى" يعني: أنه أدرك أن محمداً نبي يوحى إليه، وسوف يصل إليه الأمر عن طريق الوحي ـ

وهذا صواب ـ، وذلك لأن من معجزات نبينا وإرهاصات نبوته أن الحجر كان يسلم عليه حتى من قبل بعثته، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنتُ معَ النَّبيِّ بمَكةَ ، فخرَجنا في بَعضِ نواحيها فما استَقبلَه جبَلٌ ولا شجرٌ إلَّا وَهوَ يقولُ : السَّلامُ عليكَ يا رسولَ اللَّهِ) رواه الترمذي وصححه الألباني.

 وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي قال: (إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُبْعَثَ إنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ.) رواه مسلم. قال النووي: "فيه معجزة له ، وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة٧٤)

 

لماذا قال الرسول لبلال يوم فتح مكة قم للأذان ولم يقم هو بذلك؟

الإجابــة

فلم يقم بذلك لعدة حِكَم فيما يظهر لنا والعلم عند الله تعالى

 أولا: لأن سنته جرت ألا يتولى الإمام الأذان.

ثانيا: لأن في ذلك إغاظة للمشركين، إذ يرون بلالا الذي كانوا يتفننون في إيصال ألوان الأذى إليه على إسلامه، يصعد أمامهم على ظهر الكعبة لينادي بالأذان –الذي هو شعار الإسلام- وهو في أعز ما يكون، بينما هم في أذل ما يكون، ويؤيد هذا ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية": أن رسول الله أمر بلالا عام الفتح فأذن على الكعبة ليغيظ به المشركين.

ثالثا: لأن في ذلك تكريما لبلال الذي صبر على الأذى في سبيل الله، ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" عن ابن أبي مليكة قال: أمر رسول الله بلالا فأذن يوم الفتح فوق الكعبة، فقال رجل من قريش للحارث بن هشام: ألا ترى إلى هذا العبد أين صعد؟! فقال: دعه، فإن يكن الله يكرهه فسيغيره.

وبلال هو مؤذن الرسول ، وكان يقول له: "أرحنا بها يا بلال "

نسبه:

سيدنا بلال بن حمامة-وحمامة أمه- من بني جُمح ولد بمكة، عذب في الله تعالى كثيراً بعد إسلامه على يدي أبي جهل وأمية بن خلف، وكان على ذلك صابراً محتسباً، يقول: أحدٌ أحد، قال سعيد بن المسيب عنه: كان شحيحاً على دينه، وكان يعذب، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم، قال: الله الله انتهى. من أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ثم اشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا. انتهى. من أسد الغابة.

وكان بلال مؤذن رسول الله مع ابن أم مكتوم، ولم يؤذن بعد وفاة النبي إلا مرة واحدة زار فيها المدينة، فبكى الناس لأذانه، وحُق لهم البكاء.

توفي بلال رضي الله عنه وله بضع وستون سنة، وذلك سنة ثماني عشرة للهجرة الشريفة، ودفن بباب الصفير، على ما صححه ابن كثير في البداية والنهاية، وله أخ اسمه خالد، وأخت اسمها غفيرة، وهي مولاة عمر بن عبد الله مولى غفرة المحدث، ولم يعقب بلال. انتهى.

(ولم يعقب) أي لم يترك عقباً - وهو الولد - .

أما عن اسم زوجته فهي هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، رواه الدار قطني وهو أثر صحيح.

إقامة رسول الله ﷺ بمكة :

ولما تم فتح مكة تخوف الأنصار أن يقيم بها رسول اللهﷺ، لأنها بلده وبلد عشيرته وقومه – وذلك حين كان رسول الله ﷺ على الصفا، رافعاً يديه يدعو – فلما فرغ من الدعاء قال لهم : معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم، فاطمأن الأنصار وذهب خوفهم وفرحوا .

ومن مما قاله رسول الله في الأنصار: في الصحيحين من حديث البراء أن النبي قال في الأنصار « لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ».

حديث أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: (آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأَنْصارِ، وَآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأَنْصارِ). متفق عليه.

2- حديث الْبَراء قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : (الأَنْصارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلاّ مُنافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ). متفق عليه.

بقي رسول اللهﷺ بمكة تسعة عشر يوماً يجدد معالم الإسلام، ويطهرها من آثار الجاهلية، وقد جدد أنصاب الحرم، ونادى مناديه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره.

هدم عزى وسواع ومناة: 

ولخمس وعشرين من رمضان بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد في ثلاثين فارساً إلى نخلة ، ليهدم العزى وهيكلها، فتوجه إليها ، وهدمها ، وكانت أكبر أصنامهم .

ثم أرسل عمرو بن العاص في رمضان نفسه لهدم سواع، وهو أعظم صنم لهذيل، كان هيكله برهاط على قرابة 150 كيلو متراً شمال شرقي مكة فذهب إليه وهدمه، وأسلم سادنه لما رأي من عجزه .

ثم بعث سيد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه في رمضان نفسه إلى مناة في عشرين فارساً ، وكانت بالمشلل عند قديد، وهي صنم كلب وخزاعة وغسان والأوس والخزرج ، فأتاها وكسرها ، وهدم هيكلها

بعث خالد إلى بني جذيمة :   

ثم بعث خالد بن الوليد في شهر شوال إلى بني جذيمة ليدعوهم إلى الإسلام ، ومعه ثلاثمائة وخمسون رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم ، فلما دعاهم إلى الإسلام قالوا : صبأنا ، صبأنا . فقتلهم وأسرهم . ثم أمر يوماً أن يقتل كل رجل أسيره ، فأبى ابن عمرو أصحابه ذلك ، ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبي ﷺ فرفع يديه وقال مرتين : اللهم أبرأ إليك مما صنع خالد ، ثم بعث علياً رضي الله عنه بمال، فودى قتلاهم، وأعطى بدل ما ضاع من أموالهم، وفضل فضل فتركه لهم . ونزلت فيه هذه الأية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (النساء ٩٤)‏

" كانَ بيْنَ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ، وبيْنَ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ شيءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ : "لا تَسُبُّوا أَحَدًا مِن أَصْحَابِي، فإنَّ أَحَدَكُمْ لو أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ". 

 

يتبع - تفسير مبسط لسورة الفتح تثبت ما أهم معالم الفتح الأكبر

No comments:

Post a Comment