Friday 17 February 2023

السيرة النبوية الشريفة الفتح الأكبر ح2

  

 

الفتح الأعظم: فتح مكة المكرمــة-ح٢

التجهيز للخروج سرًا حتى لا يتهأ المشركون للقتال

أمر المسلمين بالفطر حتى يتقووا للقتال

جعل أبي سفيان يرى الجيش العظيم ليلقى في قلبه الرعب

بعد ما فتح الله له مكة، امر بلالا أن يؤذن من على ظهر الكعبة..

هدم ﷺ أصنامهم التي في الكعبة ، وبعث ثلاث بعوث لهدم كبراءهم

 

التجهيز للمسير أولا:

كان من عادة رسول الله أن لا يبين لمن حوله المكان الذي يريدون الوصوله إله، ولما أمر رسول الله بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه، دخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله ، فقال: أي بنية: أأمركم رسول الله أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا والله ما أدري. ثم إن رسول الله أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ "سيرة ابن هشام".

- وحرص الرسول على إخفاء الأمر عن أهل مكة حتى يباغتهم، وقد يسَّر الله له ما أراد، فلم تشعر قريش بالأمر حتى نزل جيش المسلمين قريبا من مكة بمرّ الظهران.

نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه بسنده عَنِ ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما، قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ... فَنَزَلَ مَرَّ ظهران، فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ، فِيهِمْ أَلْفٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَسَبْعُمِائَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلُهُ )، وصححه الحافظ ابن حجر.

- أمر النبي المسلمين بالإفطار ليتقووا به في غزوتهم، لما اقتربوا من العدو، وكانوا في شهر رمضان.

روى مسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَكَانَتْ رُخْصَةً ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ : إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا ، وَكَانَتْ عَزْمَةً ، فَأَفْطَرْنَا) .

جاء في "عون المعبود شرح سنن أبي داود" :

"فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفِطْر لِمَنْ وَصَلَ فِي سَفَره إِلَى مَوْضِع قَرِيب مِنْ الْعَدُوّ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ الْعَدُوّ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِع الَّذِي هُوَ مَظِنَّة مُلَاقَاة الْعَدُوّ , وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَار أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّم . وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِقَاء الْعَدُوّ مُتَحَقِّقًا : فَالْإِفْطَار عَزِيمَة ، لِأَنَّ الصَّائِم يَضْعُف عَنْ مُنَازَلَة الْأَقْرَان ، وَلَا سِيَّمَا عِنْد غَلَيَان مَرَاجِل الضِّرَاب وَالطِّعَان , وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَة لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ وَإِدْخَال الْوَهْن عَلَى عَامَّة الْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ" انتهى .

- لما اقترب من مكة بدأ يتخذ الإجراءات العسكرية التي ترعب قريشا وتقعدها عن القتال، فروي أن النبي لما نزل بمر الظهران أمر أصحابه ليلا بإيقاد النيران، وهذا ما أرعب عيون قريش.

 

وحرص الرسول على إخفاء الأمر عن أهل مكة حتى يباغتهم، وقد يسَّر الله له ما أراد، فلم تشعر قريش بالأمر حتى نزل جيش المسلمين قريبا من مكة بمرّ الظهران.

نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه بسنده عَنِ ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما، قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ... فَنَزَلَ مَرَّ ظهران، فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ، فِيهِمْ أَلْفٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَسَبْعُمِائَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلُهُ )، وصححه الحافظ ابن حجر.

الفطر في القتال:

- أمر النبي المسلمين بالإفطار ليتقووا به في غزوتهم، لما اقتربوا من العدو، وكانوا في شهر رمضان.

روى مسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَكَانَتْ رُخْصَةً ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ : إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا، وَكَانَتْ عَزْمَةً ، فَأَفْطَرْنَا) .

جاء في "عون المعبود شرح سنن أبي داود" :

"فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفِطْر لِمَنْ وَصَلَ فِي سَفَره إِلَى مَوْضِع قَرِيب مِنْ الْعَدُوّ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ الْعَدُوّ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِع الَّذِي هُوَ مَظِنَّة مُلَاقَاة الْعَدُوّ , وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَار أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّم . وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِقَاء الْعَدُوّ مُتَحَقِّقًا: فَالْإِفْطَار عَزِيمَة، لِأَنَّ الصَّائِم يَضْعُف عَنْ مُنَازَلَة الْأَقْرَان، وَلَا سِيَّمَا عِنْد غَلَيَان مَرَاجِل الضِّرَاب وَالطِّعَان، َلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَة لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ وَإِدْخَال الْوَهْن عَلَى عَامَّة الْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ" انتهى .

- لما اقترب من مكة بدأ يتخذ الإجراءات العسكرية التي ترعب قريشا وتقعدها عن القتال، فروي أن النبي لما نزل بمر الظهران أمر أصحابه ليلا بإيقاد النيران، وهذا ما أرعب عيون قريش.

ورد عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى:

" ثم نزل مر الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشا مسيره ، وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب يتحسس الأخبار وقالوا: إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا، فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، فلما رأوا العسكر أفزعهم " انتهى.

 

وكانت هذه المباغتة دافعا لأبي سفيان ليقدم على النبي ويعلن إسلامه، وقد جعله النبي في مكان يرى منه قوة المسلمين وكثرة عددهم، حتى يخبر بها أهل مكة فيوهن قوتهم وعزمهم.

عَنْ هِشَامٍ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ( لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ عَامَ الفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَلْتَمِسُونَ الخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ؟ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خَطْمِ الخَيْلِ، حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى المُسْلِمِينَ. فَحَبَسَهُ العَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ القَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ ، تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَان َ ) رواه البخاري

- وقد تحقق المقصود من ذلك ، فقد نقل ابن حجر رحمه الله تعالى في بسنده عَنِ ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما : ( فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ حَيْثُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى راياتها، فكلما مرت راية، قَالَ: مَنْ هذه؟ فأقول: بني سُلَيْمٍ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ أُخْرَى، فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ الْخَضْرَاءُ، فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلا الحدق، قال: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْيَوْمَ لَعَظِيمٌ، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فنعم إذاً، فقلت:النَّجَاءُ إِلَى قَوْمِكَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهُمْ بِمَكَّةَ، فَجَعَلَ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! هَذَا مُحَمَّدٌ، قَدْ أَتَاكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِه ... ثم قال : مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَمَا يغني عَنَّا دَارُكَ، قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ) .قال الحافظ ابن حجر:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

ثالثا:

لما اقترب النبي من مكة وعلى بعد (22 كيلا) في مرّ الظهران عسكر النبي بجيشه هناك، ونظمه استعدادا لدخول مكة.

فوزع الجيش على كتائب، كل كتيبة تمثل قبيلة، والنبي مع أصحابه من المهاجرين والأنصار في كتيبة، كما مرّ في الحديثين السابقين.

ثم قسّم هذا الجيش لما قدم مكة؛ على الميمنة خالد بن الوليد، وعلي الميسرة الزبير بن العوام، والرجّالة والحسّر الذين لا دروع لهم بقيادة أبي عبيدة، والنبي في كتيبة.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللهِ فِي كَتِيبَةٍ ) رواه مسلم

وفي رواية أخرى لمسلم: (  كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ، وَبَطْنِ الْوَادِي ). الْبَيَاذِقَةِ: هم الرجالة.

أبو سفيان بين يدي رسول الله ﷺ : 

وكان العباس رضي الله عنه على بغلة رسول الله ﷺ يتجول، فلما سمع الصوت عرفه فقال : أبا حنظلة ؟ فقال: أبا الفضل؟ قال: نعم . قال: مالك ؟ فداك أبي وأمي . قال: هذا رسول اللهﷺ في الناس، واصباح قريش والله .

قال ابو سفيان: فما الحيلة ؟ فداك أبي وأمي . قال: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك . فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله ﷺ فركب ، فلما مر بعمر بن الخطاب رآه فقال : أبو سفيان ؟ عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، واشتد إلى رسول الله ﷺ، وركض العباس البغلة فسبق إلى رسول الله ﷺ، ثم دخل عمر واستأذنه في ضرب عنق أبي سفيان ، فقال العباس: إني أجرته ، وأخذ برأس رسول الله ﷺ وقال: لا يناجيه الليلة أحد دوني. وأكثر عمر ، ورسول اللهﷺ ساكت. ثم قال للعباس: اذهب به إلى بيتك. فإذا أصبحت فأتني به .

فلما جاء به الصبح قال رسول اللهﷺ: "ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله " .

قال أبو سفيان: ما أحلمك وأكرمك وأوضلك ، ولو كان معه إله غيره لأغنى عني شيئاً بعد .

قال :" ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ".

قال: أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شئ .

فقال العباس: أسلم قبل أن تضرب عنقك ، فأسلم وشهد شهادة الحق .

فقال العباس : يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً . قال : " نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ".

دخول رسول الله ﷺ في مكة المكرمة :  

وفي الصباح تقدم رسول الله ﷺ إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها، ففعل فمرت القبائل على راياتها ، كلما مرت به قبيلة قال : يا عباس ! من هذة ؟ فيقول: بنو فلان .( مثلاً بنو  سليم ) فيقول: ما لي ولبني فلان. حتى مرت كتيبة الأنصار، يحمل رايتها سعد بن عبادة فقال: يا أبا سفيان! اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة. فقال : يا عباس ! حبذا يوم الذمار .

(ثم أخبر رسول اللهﷺ بمقالة سعد ، فقالﷺ-:" كذب سعد . هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسي فيه الكعبة . وأخذ الراية من سعد، ودفعها لابنه قيس )

ثم مر رسول اللهﷺ في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرين والأنصار، ولا يرى منهم إلا الحديد ، فقال : سبحان الله ! يا عباس ! من هؤلاء ؟ قال : هذا رسول الله ﷺ في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة . لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً .

قال العباس: يا أبا سفيان ! إنها النبوة. قال: نعم إذن

وبعد مروره ﷺأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ لأعلى صوته : يا معشر قريش! هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا: قاتلك الله. وما تغني عنا دارك ؟ قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، فأسرع الناس إلى بيوتهم وإلى المسجد الحرام .

ولما وصل رسول الله ﷺ إلى ذي طوىقَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ: حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الفِهْرِيُّ ) رواه البخاري

ووبشت قريش أوباشا بالخندمة، قالوا : إن كان لهم شئ كنا معهم، وإلا أعطينا الذي سئلنا . فلما مر بهم خالد حصد اثني عشر منهم في مناوشة خفيفة، وفر الباقون. ثم تقدم خالد يجوس مكة حتى وافي رسول الله ﷺ على الصفا ، وقتل من رجاله اثنان ضلا الطريق وشذا عنه .

أما الزبير فنصب الراية بالحجون عند مسجد الفتح، وضرب قبة فيها أم سلمة وميمونة رضي الله عنها، ولم يبرح حتى جاء رسول الله ﷺ، فاستراح قليلاً ، ثم سار، وبجانبه أبو بكر رضي الله عنه يحادثه، وهو يقرأ سورة الفتح، حتى دخل المسجد الحرام، وحوله المهاجرون والأنصار، ورواه مسلم: عن جابر: أن رسول الله ﷺ دخل مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام.

وروى مسلم من حديث أبي أسامة، قال: كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يوم فتح مكة، وعليه عمامة حرقانية سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه.

وروى أهل السنن الأربعة: عن أبي الزبير، عن جابر قال: كان لواء رسول الله ﷺ يوم دخل مكة أبيض.

 فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت وهو على الراحلة، ولم يكن محرماً – إنما هو طواف تحية المسجد الحرام- وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) ، والأصنام تتساقط على وجوهها.  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  كُنَّا مع رَسولِ اللهِ يَومَ الفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ علَى المُجَنِّبَةِ اليُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ علَى المُجَنِّبَةِ اليُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ علَى البَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الوَادِي، فَقالَ: يا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لي الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَاؤُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، هلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: انْظُرُوا، إذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، وَأَخْفَى بيَدِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ علَى شِمَالِهِ، وَقالَ: مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا، قالَ: فَما أَشْرَفَ يَومَئذٍ لهم أَحَدٌ إلَّا أَنَامُوه. قال: وَصَعِدَ رَسول اللهِ الصَّفَا، وَجَاءَتِ الأنْصَار فأطَافُوا بالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَان، فَقال: يا رَسولَ الله، أُبِيدَت خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَومِ، قالَ أَبُو سُفْيَانَ: قالَ رَسولُ اللهِ: مَن دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهو آمِنٌ، وَمَن أَلْقَى السِّلَاحَ فَهو آمِنٌ، وَمَن أَغْلَقَ بَابهُ فَهو آمِنٌ، فَقالتِ الأنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ، وَنَزَلَ الوَحْيُ علَى رَسولِ اللهِ قالَ: قُلتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ، أَلَا فَما اسْمِي إذنْ؟ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- أَنَا مُحَمَّدٌ عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ، هَاجَرْتُ إلى اللهِ وإلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ. قالوا: وَاللَّهِ، ما قُلْنَا إلَّا ضَنًّا باللَّهِ وَرَسولِهِ، قالَ: فإنَّ اللَّهَ وَرَسوله يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ . (صحيح مسلم)

تطهير الكعبة والصلاة فيها :

فلما فرغ من الطواف دعا عثمان بن طلحة– وهو من سدنة الكعبة؛ حامل مفاتيح باب الكعبة-فأخذ منه مفتاح الكعبة، وأمر بفتحها، ثم أمر بما فيها من الأصنام فأخرجت وكسرت، وأمر بما فيها من الصور فمحيت، ثم دخلها هو وأسامة بن زيد وبلال، فأغلق الباب ، واستقبل الجدار الذي يقابله ، وهو على بعد ثلاثة أذرع ، وعن يساره عمود وعن يمينه عمودان ، ووراءه ثلاثة أعمدة ، فصلى ركعتين ، ثم دار في البيت ، وكبر في نواحيه ، ووحد الله.
 

لا تثريب عليكم :

ثم فتح الباب ، وكانت قريش قد ملأت المسجد الحرام صفوفاً، فأخذ بعضادتي الباب فخطب خطبة بليغة بين فيها كثيراً من أحكام الإسلام، وأسقط أمور الجاهلية، وأعلن عن ذهاب نخوتها، ثم قال :

" يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم" . قالوا: خيراً . أخ كريم ، وابن أخ كريم .

قال:" لا تثريب عليكم اليوم . اذهبوا فأنتم الطلقاء ".

ثم نزل وجلس في المسجد الحرام، ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وقال: خذوها خالدة تالدة، ولا ينزعها منكم إلا ظالم .

البيعــة :   

ثم أتى الصفا فعلا عليه حيث ينظر على البيت ، فرفع يديه يدعو ، ثم بايع الناس على الإسلام .وممن أسلم يومئذ أبو قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ففرح رسول الله ﷺ بإسلامه ، ثم بايع النساء بعد الرجال على : ) أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ(  .

وممن بايع يومئذ من النساء هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، جاءت متنقبة متنكرة، خوفاً على نفسها مما كانت قد فعلت بنعش حمزة (وهذا لا يثبت من أي طريق وصلنا منه، إلا أن التمثيل بحمزة رضي الله عنه وشق بطنه بعد استشهاده ثابت، أما ما ورد من استخراج كبده وتناول هند بنت عتبة منها وعدم استساغتها إياها فلا يثبت فيه شيء) والله أعلم.

فلما تمت لها البيعة قالت: يا رسول الله ! ما كان على وجه الأرض أهل خباء أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على وجه الأرض أهل خباء أحب إلى أن يعزوا من أهل خبائك، فقال رسول الله ﷺ: " وأيضاً والذي نفس محمد بيده " .

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد جلس أسفل من مجلس رسول اللهﷺ يبلغ الناس ويبايعهم عنه، وكانت بيعة النساء كلاماً بغير مصافحة .

وقد جاء بعض الناس ليبايعوا رسول الله ﷺ على الهجرة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قَالَ النبيُّ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ: لا هِجْرَةَ ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. " .

أناس أهدرت دماؤهم :

وكان رسول اللهﷺ قد أهدر يومئذ دماء أناس عظمت ذنوبهم، وكبرت جرائمهم، فأمر بقتلهم حتى ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فمنهم من حقت عليه كلمة العذاب وقتل، ومنهم من أدركته عناية الله فأسلم، فأما الذين قتلوا فهم : ابن خطل، ومقيس بن صبابة، والحارث بن نفيل، وقينة لابن خطل، أربعة نفر، يقال : أيضاً الحارث ابن طلاطل الخزاعي ، وأم سعد ، مع احتمال أن تكون أم سعد هي مولاة ابن خطل، فإذن خمسة أو ستة نفر .

وأما الذين أسلموا – وكانوا قد هربوا أو اختفوا ، ثم استؤمن لهم فجاؤوا وأسلموا – فهم عبدالله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، وهبر بن الأسود، وقينة أخرى لابن خطل، أربعة نفر ، قيل: وأيضاً كعب بن زهير، ووحشي بن حرب، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان . سبعة نفر .

واختفى آخرون خوفاً على أنفسهم دون أن يكون قد أهدرت دماؤهم، منهم صفوان بن أمية، وزهير بن أبي أمية، وسهيل بن عمرو ، ثم أسلم هؤلاء كلهم، ولله الحمد .

صـلاة الفتــح :  

ودخل رسول الله ﷺ ضحى في بيت أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، فاغتسل وصلى ثمان ركعات صلاة الفتح، يسلم في كل ركعتين، وكانت أم هانئ قد أجارت حموين لها، وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتلهما، فسألت رسول الله ﷺ فقال: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".

No comments:

Post a Comment