Sunday 23 November 2014

تفسير مختصر وربط للآيت وبيان للمتشابهات – سورة الحجرات – ج 4



  


 سورة الحجرات – ج 4
 

وقوله تعالى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ...} (9)
سبب النزول: 
روى البخاري عن أنس أنه قال: قلت يا نبي الله، لو أتيت عبد الله بن أبيّ- يريد أن يتقرب إليه بالزيارة والمودة- فانطلق إليه النبي فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سَبِخَةَ، فلما أتاه النبي قال عبد الله بن أبي: إليك عني، فوالله لقد آذاني نَتْنُ حمارك! فقال رجل من الأنصار: [والله] لَحِمارُ رسول الله ، أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا}،  رواه البخاري ومسلم
وأذكر هذه الرواية التي وردت عن السُدِّي على أنها سبب نزول الآية – وهو قول ضعيف – لكني أوردها للعبرة في التنفير من ظلم الزوج لزوجته ومنعها من زيارة أهلها، قال السُدِّي: كان رجل من الأنصار يقال له عمران، كانت له امرأة تدعى أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها، وجعلها في علية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها، لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث إليهم رسول الله ، وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله تعالى.
التفسير:
يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا}، فسمى الله تعالى الفئتين(مُؤْمِنِينَ) مع كونهم يقتتلوا، وبهذا استدل البخاري وغيره، على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج والمعتزلة، وهكذا ثبت أن رسول الله خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أُخرى ويقول: (إن ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) "أخرجه البخاري ، فكان كما قال ،أصلح اللهُ تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة ، وقد وصف رسول الله في هذا الحديث الفئتين بالمسلمتين. و قد استخدم ربنا سبحانه وتعالى أداة الشرط ( إن ) أيضا وفيها دلالة على رجحان اقتتال المسلمين ، وأن الاصل بينهما الإتفاق والتفاهم والوحدة في دين الله والأخوة
وقوله تعالى : { فأصلحوا بينهما} بدعائهم إلى كتاب الله لهما أو عليهما. { فإن بغت إحداهما على الأخرى}  تعدت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه، { حتى تفيء إلى أمر الله} أي ترجع إلى كتابه، فتدب الله تعالى إلى قتال الفئة الباغية ، وهو كما ثبت في الصحيح: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قيل: يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال : (تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه) البخاري، ومنعه من الظلم قد يضطر إلى قتاله إذا تعنت واستبد، فيقاتله حتى يعود لرشده ويقبل بالتحكيم بينه وبين الطائفة الاخرى.
. { فإن فاءت} أي فإن رجعت { فأصلحوا بينهما بالعدل} أي اصلحوا بينهما بالقسط وهو العدل والإنصاف، { وأقسطوا} أقسطوا أيها الناس فلا تقتتلوا، وقيل: أقسطوا أي اعدلوا، { إن الله يحب المقسطين} أي العادلين المحقين.
روى ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن رسول الله قال: (إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن عزَّ وجلَّ بما أقسطوا في الدنيا) "أخرجه ابن أبي حاتم والنسائي"، وعن النبي قال: (المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا) "أخرجه مسلم والنسائي وابن أبي حاتم"
متشابه:
يلاحظ في آيات الصلح بين طوائف المؤمنين قال سبحانه في الأولى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} ، وبينما بعد أن أذن في قتال الفئة الباغية حتى تفيئ إلى أمر الله ، وفبعد أن تفيئ قال سبحانه : { فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ}  فأكد على وجوب أن يقسط بينهما، بينما في أول أمر سبحانه بالصلح بينهما لم يؤكد على القسط ، بل كان مفهوما بالضمن أن الصلح بينهما يجب أن يكون بالقسط ، والقسط في أول الأمر أهون، ولكنه هنا بعد أن بغت إحداهما على الأخرى ، واضطر المسلمون إلى قتال الفئة الباغية يصبح القسط بينهما أصعب وأشق على أنفس المحكمين حيث يبقى في النفس أنها بغت، والأرجح أن تؤخذ الفئة الباغية بالعنف والشدة ، بدون الرجوع إلى أصل المشكلة ، فهنا لزم التأكيد على وجوب القسط بينهما ، ولا ينظر إلى بغيها.
 ثم نبه سبحانه وتعالى على أخوة الإيمان:{ إنما المؤمنون أخوة} أي الجميع أخوة في الدين كما قال رسول الله : (المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولا يسلمه) وفي الصحيح: (واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وفي الصحيح أيضاً: (إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله) والأحاديث في هذا كثيرة. ويترتب على كونهم إخوة فالواجب على جماعة المؤمنين في حق الفئتين المتقاتلتين { فأصلحوا بين أخويكم}  يعني الفئتين المقتتلتين { واتقوا اللهَ } أي في جميع أموركم { لعلكم ترحمون} ، ولعل من الله تعالى تحقيق للحدوث، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.
في اللغة:
والطائفة تتناول الرجل الواحد والجمع والأثنين، فهي هنا نحمل على المعنى دون اللفظ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس، والطائفة من الشيء القطعة منه. وفي قراءة عبدالله للآية : { حتى يفيؤوا إلى أمر الله فإن فاؤوا فخذوا بينهم بالقسط}، دلالة على الجمع،  وقرأ ابن أبي عبلة {اقتتلتا }على لفظ الطائفتين،وقال ابن عباس في قوله عز وجل { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (النور 2)،  قال: الواحد فما فوقه.
- والبغي : التطاول والتعدي على الحقوق والأفساد، وعدم الوقوف على الحدود
في فقه التحكيم بين المقتتلين من المؤمنين:
قال العلماء : لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما من أن يكونا على أحد حالين: إما أن يقتتلا ويكون البغي منهما جميعا أو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى.
 فإن كانت كلاهما باغيتان: فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة. فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما جميعاحتى تعود كلاهما لرشدهماويقبلا التحكيم.
وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل.
 فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة: فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق. فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين. والله أعلم.
وفي هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين، وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين، واحتج بقوله عليه السلام : (قتال المؤمن كفر)، ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك،  وقد قاتل الصديق رضي الله عنه  من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة، وأمر ألا يتبع مُوَلٍّ- اي لا بتبع هارب ليقتل-ولا يجهز على جريح، ولم تحل أموالهم، بخلاف الواجب في الكفار. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يا عبدالله أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة)؟ قال : الله ورسوله أعلم. فقال : (لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب طلب هاربها ولا يقسم فيئها). وقال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله عليه السلام : (خذوا على أيدي سفهائكم).
 الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عني النبي بقوله : (تقتل عمارا الفئة الباغية). وقوله في شأن الخوارج : (يخرجون على خير فرقة أو على حسين فرقة)، والرواية الأولى أصح، لقوله : (تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق). وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه. فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما، وأن كل من خرج عليه باغ وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح.
وقوله تعالى { فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل} ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال، فإنه تلف على تأويل. وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي. وهذا أصل في المصلحة.
وبهذا نتهي من الفئة الثانية من الآداب ؛ بين جماعات المسلمين ودولهم
اللهم وحد كلمة المسلمين ، وسدد رميتهم في ، وانصرهم على من عاداهم، ولا تجعل بأسهم بينهم



No comments:

Post a Comment