Wednesday 6 May 2015

أدعية عظيمة - دعاء شامل لصلاح الدين والدنيا والآخرة ، وحسن الخاتمة

  


 



من دعاء رسول الله ﷺ  


(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي

دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها

معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت

راحة لي من كل شر)

الشرح: 

اشتمل هذا الحديث على خمس جمل طلبية:

 الجملة الأولى: فيها سؤال العبد ربه أن يصلح له دينه الذي فيه عصمة أمره.
 الجملة الثانية: فيها سؤاله ربه إصلاح دنياه.
الثالثة: فيها سؤاله ربه أن يصلح له آخرته.
الرابعة: سؤاله أن تكون حياته الدنيوية مباركة معمورة بالأعمال الصالحة. الخامسة: سؤال العبد ربه أن يريحه عند الموت من كل شر، ليكون كل ما يحصل له خيراً.
والجملة الأولى جامعة مشتملة على ما تتضمنه الجمل الأربع بعدها، لأن من وفق لصلاح الدين حصلت له سعادة الدنيا والآخرة، وكانت حياته مباركة وعاقبته حميدة كما قال تعالى:( وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(( آل عمران 101)، وإنما ذكرت الجمل الأربع مع أن الجملة الأولى شاملة لها، لأن المقام مقام دعاء وتضرع إلى الله. والله يحب من عباده أن يدعوه وأن يلحوا في دعائهم.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) : والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال، كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها، ولهذا يشرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها، فإنها دعاء، والله يحب الملحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيراً من أدعية النبي فيها من بسط الألفاظ، وذكر كل معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه ما يشهد لذلك كقوله صلى الله عليه  في حديث عليّ الذي رواه مسلم في صحيحه: " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت..."، ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ذكر ألفاظ الحديث في مقام الدعاء، والتضرع، وإظهار العبودية والافتقار، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلاً، أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار.
وكذلك قوله في الحديث الآخر: " اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، أوله وآخره" ،  وفي الحديث: "اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي، وهزلي، وخطئي، وعمدي، وكل ذلك عندي" . وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية لله وافتقار إليه، وتذلل بين يديه، فكلما كثّره العبد وطوّله، ونوّع جمله، كان ذلك أبلغ في عبوديته، وإظهار فقره وتذلـله، وكان ذلك أقرب له من ربه وأعظم لثوابه، وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما أكثرت سؤاله وكرّرت حوائجك عليه، أبرمته وأثقلت عليه، وهنت عليه، وكلما تركت سؤاله كان أعظم عنده وأحب إليه. والله سبحانه كلما سألته كنت أقرب إليه، وأحب إليه، ومن لم يسأله يغضب عليه.
فالله يغضب إن تركت سؤاله  ***** وبني آدم حين يسأل يغضب

قوله: "اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري": دعا بإصلاح الدين لأن صلاح الدين أعظم المقاصد، وأهم المطالب؛ لأن من فسد دينه فقد خاب وخسر الدنيا والآخرة، وسؤال الله إصلاح الدين هو أن يوفق إلى الإخلاص في العبادة لله وحده، وأن تكون عبادته وفق ما جاء في الكتاب وسنة النبي المصطفى ، وهدي صحابته من بعده.
فإن التمسك بهذين الأصلين عصمة للعبد من الشرور كلها، ومن مضلات الفتن، والمحن, والضلالات التي تضيع الدين والدنيا .
فنسأل اللَّه أن يصلح لنا ديننا الذي يحفظ لنا جميع أمورنا .

قوله: " و أصلح لي دنياي التي فيها معاشي" : أي أصلح لي عيشي في هذه الدار الفانية القصيرة، بأن تكون حياتي وفق ما يرضي الله عني ، ويكفيني فيها مما أحتاج إليه ، وأن يكون حلالاً مُعيناً على طاعتك، وعبادتك على الوجه الذي ترضاه عني، وأسألك صلاح الأهل، من الزوجة الصالحة، والذرية والمسكن الهنيء، والحياة الآمنة الطيبة، قال جلّ شأنه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾( النحل 97 )
قوله: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾: أي في الدنيا بالقناعة، وراحة البال، والرزق الحلال والتوفيق لصالح الأعمال..

قوله: "وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي": أي وفّقني للعمل الصالح الذي يرضيك عني، وملازمة طاعتك، والتوفيق إلى حسن الخاتمة حتى رجوعي إليك يوم القيامة، فأفوز بالجنان.

قوله: "واجعل الحياة زيادة لي في كل خير": أي اجعل يا الله الحياة سبباً في زيادة كل خير يرضيك عني من العبادة والطاعة .
ويُفهم من ذلك أن طول عمر المسلم زيادة في الأعمال الصالحة الرافعة للدرجات العالية في الدار الآخرة، كما سُئل النبي مَن خير الناس؟ فقال: " مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ" (صحيح الترغيب والترهيب)

قوله: (و اجعل الموت راحة لي من كل شر): أي اجعل الموت راحة لي من كل هموم الدنيا وغمومها من الفتن والمحن، والابتلاءات بالمعصية والغفلة, ويُفهم من ذلك أن المؤمن يستريح غاية الراحة، ويسلم السلامة الكاملة عند خروجه من هذه الدار، فإنه خارج من دار نصب وتعب ، إلى دار جائزة وثواب لما قدّم ،  كما جاء في الصحيحين: أن رسول اللهِ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: " الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ" ( البخاري)
قال الحرالي: قد جمع في هذه الثلاثة: صلاح الدنيا، والدين، والمعاد، وهي أصول مكارم الأخلاق الذي بُعث لإتمامها، فاستقى من هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث التي حلت في الأولين بداياتها، وتمت غاياتها .
من فقه الحديث وما يستنبط منه:
1-  مشروعية الدعاءوالحث عليه، ويدل عليه تنوع أدعية رسول الله
2-  خير ما يدعو به العبد ربه أن يصلح له دينه، ففيه الفلاح والنجاح في الدارين ، وفيه العصمة والنجاة.
3-  ويجوز للعبد الدعاء بإصلاح دنياه وأن تكون هنية كما جاء في الدعاء : " اللَّهمَّ إنِّي أسألُك عيشةً نقيَّةً وميتةً سويَّةً ومردًّا غيرَ مُخزٍ ولا فاضح" ( حسن الإسناد)
 4-  أن البسط والتكرار في الدعاء أولى من الإيجاز والاختصار.
5-  هذا الدعاء لا يدل على جواز دعاء العبد على نفسه بالموت، وإنما يدل على استحباب الدعاء بحسن الخاتمة، وصلاح العاقبة، وأن يجعل في الموت الذي قضاه عليه، حين ينزل به راحة له من شرور الدنيا ، وشرور القبر .
6--  يحسن للعبد أن يسأل ربه بحسن الخاتمة، كما دعا يوسف عليه السلام ربه : (رَ‌بِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ  فَاطِرَ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ‌ةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ( يوسف 101)

No comments:

Post a Comment