Tuesday 29 November 2022

السيرة النبوية الشريفة نتائج ما بعد صلح الحديبية 1

   

آثار صلح  الحديبية

أمن المسلمون فتفرغوا للدعوة

خارج جزيرة العرب

أم المؤمنين -ماريا القبطية

 

أثر الصلح :

كان لهذا الصلح أثر كبير في تسيير الدعوة الإسلامية، فقد وجد المسلمين فرصه اللقاء بعامة العرب، ودعوتهم إلى الله، فدخل الناس في الإسلام بكثرة، وبلغ عددهم في عامين ما لم يبلغ خلال تسعة عشر عاماً، وقد جاء كبار قريش وخلاصتها : عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة إلى رسول الله ﷺ، طائعين راغبين ، يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، ويبايعونه على الإسلام ، ويبذلون له كل ما يملكون من غال ورخيص ، ويفدونه بالنفوس والأرواح ، والمواهب والقدرات ، وقد قال رسول الله ﷺ، حينما جاءوا : "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها " .

دخول خزاعة في عهد المسلمين :   

واختارت خزاعة أن يكونوا مع رسول الله ﷺ في هذا الميثاق، فدخلوا في عهده- وقد كانوا خلفاء بني هاشم من زمن الجاهلية- ودخلت بنو بكر في عهد قريش، فكانوا هم السبب في فتح مكة ، وسيأتي .

إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد

عد صلح الحديبية الذي كان مقدمة ومفتاحا لفتح مكة، أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة ـ رضي الله عنهم ـ، وقد أسلم بإسلام هؤلاء كثير من أهل مكة واتّبعوا دين الحق، وبذلك قويت شوكة الإسلام.

أما عمرو بن العاص رضي الله عنه ـ يُكنى أبا عبد الله، من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين، كان معدوداً من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم،  ويضرب به المثل في الفطنة والدهاء والحزم، ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده،

وفي إسلامه وخالد بن الوليد:

 يقول عمرو رضي الله عنه ـ الحديث فيقول: ( ثم خرجت عامدا إلى رسول الله ﷺ، فلقيتُ خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح- فتح مكة-، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟، قال: والله لقد استقام المنسم (تبين لي الطريق ووضح)، وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأسلم، فحتى متى (لا نُسلم)؟، قال: قلتُ: والله ما جئت إلا لأسلم، قال: فقدمنا المدينة على رسول اللهﷺـ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت، فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، قال: فقال رسول الله ـ ﷺـ: ( يا عمرو، بايع، فإن الإسلام يجب (يقطع ويمحو) ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، قال: فبايعته، ثم انصرفت ) .

قال عنه النبيﷺ : ( أسلم الناسُ، وآمن عمرو بن العاص ) رواه الترمذي وحسنه الألباني

 

 

مكاتبة النبي ﷺ الملوك والأمراء:

ولما عاد رسول الله ﷺ من عمرة الحديبية، وقد أبرم الصلح مع قريش، وأمن جانبهم ، بدأ بإرسال الكتب إلى الملوك والأمراء ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ويذكرهم بمضاعفة مسئولياتهم، وهذه هي تلك الكتب بإيجاز :

1- كتابه ﷺإلى النجاشي : أصحمة بن الأبجر ملك الحبشة :

كتب فيه :

" بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة. سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أدعوك بدعاية الإسلام ، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ﴿آل عمران  ٦٤﴾‏. فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك " .

وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري ، فلما أخذه النجاشي وضعه على عينيه ، ونزل عن سرير ، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب ، وكتب إلى النبيﷺ بإسلامه وبيعته، وزوج أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان بالنبي ﷺ وأصدقها من عنده أربعمائة دينار ، وأرسلها والمهاجرين في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري ، فقدم بهم والنبي ﷺ بخيبر .

مات النجاشي هذا في رجب سنة 9هـ فنعاه النبيﷺ يوم وفاته، وصلى عليه صلاه الغائب . وخلفه على الحبشة نجاشي آخر ، فكتب إليه يدعوه إلى الإسلام . ولا يدري هل أسلم هذا الثاني أو لم يسلم.

 

2- كتابه ﷺ إلى المقوقس ملك الإسكندرية  :

وكتب النبي ﷺ كتاباً إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية وهو :

" بسم الله الرحمن الرحيم " من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط . سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط ، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ﴿آل عمران  ٦٤﴾.

أجر من أسلم من أهل الكتاب:

قال تعالى: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾‏ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴿٥٣﴾‏ أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٥٤﴾ (سورة القصص)

وقال رسول الله ﷺ: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها " .(متفق عليه)

وبعث الكتاب مع حاطب بن أبي بلتعة ،كان معروفاً بحكمته وبلاغته وفصاحته. فأخذ حاطب كتاب النبي ﷺ إلى مصر وبعد أن دخل على المقوقس الذي رحب به. واخذ يستمع إلى كلمات حاطب، فقال له حاطب «يا هذا، إن لنا ديناً لن ندعه إلا لما هو خير منه».

 

اُعجب المقوقس بمقالة حاطب، فقال لحاطب: «إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بزهودٍ فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجدهُ بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر»

 

أخذ المقوقس كتاب النبي محمد بن عبد الله وختم عليه، وكتب إلى النبي:

Background pattern

Description automatically generated«بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك»

ووضع الكتاب في حُق من عاج، وختم عليه، واحتفظ به، ولكنه لم يسلم، ولما وصلوا المدينة، اختار النبي ﷺ مارية لنفسه، والبغلة لركوبه، ووهب سيرين لحسان بن ثابت رضي الله عنه.

 

أم المؤمنين – ماريا القبطية

رضي الله عنها

 

هي أم المؤمنين ماريَّة بنت شمعون القبطية، أهداها الملك المقوقس للنبي ﷺ، سنة 7 هـ مع حاطب بن أبي بلتعة فعرض عليها الإسلام وهما في الطريق للمدينة، فأسلمت، وقيل أسلمت بعد أن عرض عليها الرسولﷺ الإسلام.

 لم يتزوج النبي ﷺ مارية القبطية ، بل كانت أمَة له تسرى بها، وأنزلها النبي ﷺ فى مسكن خاص مثل غيرها من نسائه، وكان يجري عليها النفقة كالمأكل والملبس مثلهن سواء بسواء . ثم كان يحنو عليها ويقربها إليه ويعاشرها كباقي زوجاته مطبقا في أزواجه العدالة .

ماريا القبطية أم ولد

ومن بركتها أيضا أنها كانت سببًا في تشريع عتق "أم الولد" وهي الجارية التي تلد لسيدها ولو "سقطًا" أي جنينًا يقذفه الرحم ميتًا . إذ أنه فور علمهﷺ  بمولد ابنه إبراهيم من مارية قال ﷺ: "أعتقها ولدها" .

وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : "أيّما أمة ولدت من سيدها فإنها حرّة إذا مات إلا أن يعتقها قبل موته" أخرجه ابن ماجة في كتاب العتق

ولادة السيدة ماريا ولدا لرسول الله ﷺ

 

بعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبيﷺ لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب الستين من عمرهِ وفقد أولاده ما عدا فاطمة الزهراء. وولدت مـارية في «شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية» طفلاً جميلاً يشبه الرسول، وقد سماه إبراهيم، تيمناً بأبيه إبراهيم خليل الرحمن.

 

عاش إبراهيم ابن الرسول سنة وبضع شهور يحظى برعاية النبيﷺ ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وولما  اشتد مرضه، بعثت ماريا لرسول اللهﷺ أن يحضر .

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلى أُمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ – أي زوجها كان حدادا - يُقَالُ له أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إلى أَبِي سَيْفٍ وَهو يَنْفُخُ بكِيرِهِ، قَدِ امْتَلأَ البَيْتُ دُخَانًا، فأسْرَعْتُ المَشْيَ بيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فأمْسَكَ فَدَعَا النبيُّ ﷺ بالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقالَ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ.

فَقالَ أَنَسٌ: "لقَدْ رَأَيْتُهُ وَهو يَكِيدُ بنَفْسِهِ بيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَدَمعتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يا إِبْرَاهِيمُ إنَّا بكَ لَمَحْزُونُونَ." ( مسلم)

وكان ابن ثمانية عشر شهراً. وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية رضي الله عنها حزناً شديداً على موت إبراهيم.

مكانة مارية عند رسول اللهﷺ

 

لمارية شأن كبير عند النبي ﷺ  وفي صحيح الامام مسلم بن الحجاج قال: «قال رسول الله ﷺ: "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً، أو ذمة وصهراً».

وفي رواية: «اإنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحما.» (رواه مسلم)

وقد علل التوصية في هاتين الروايتين بالرحم والذمة لا بالنصرانية، وقد فسر أهل العلم الذمة والرحم في شأن أهل مصر بكون هاجر أم إسماعيل قبطية، وأن مارية أم إبراهيم ولد النبي ﷺ قبطية.

وفاة مارية

 

عاشت مارية ما يقارب الخمس سنوات بعد رسول الله ﷺ في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في المحرم من السنة السادسة عشر. ودعا عمر بن الخطاب الناس وجمعهم للصلاة عليها. فاجتمع عدد كبير من الصحابة من المهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مـارية القبطية، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، في البقيع، وإلى جانب ابنها إبراهيم.

 

No comments:

Post a Comment