Friday 11 November 2022

تفسير سورة البقرة ح 19 سيدنا إبراهيم عليه السلام ، إماما وأمة

   

تفسير سورة البقرة- ح ١٩

(وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ..

فكان ثوابه من ربه

(قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)-(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)

مزايا سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأوائله

إبراهيم: أبٌ رحيم يكفل أبناء المؤمنين في الجنة

 

 

 

ذكر إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة:

-ذكر سيدنا إبراهيم في سورة البقرة أكثر من مرة، هنا في هذا الموضع، وفيه عدة مناقب لإبراهيم عليه السلام سنأتي عليها

-وذكر قصته مع النمرود، وبحثه عن عين اليقين في البعث بعد الموت.

من هو سيدنا إبراهيم عليه السلام:

-إبراهيم تعني بالسريانية: أب رحيم ، قال الماوردي:  ألا ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم، لرحمته بالأطفال، ولذلك جعل هو وسارة زوجته كافلين لأطفال المؤمنين يموتون صغارا إلى يوم القيامة. ومما يدل على هذا ما خرجه البخاري من حديث الرؤيا الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ رأى أطفالُ المؤمنينَ في جبلٍ في الجنةِ، يكفلُهم إبراهيمُ و سارَّةُ ، حتى يردَّهم إلى آبائِهم يومَ القيامةِ) (السلسلة الصحيحة)، وقد سئل ﷺ في هذا الحديث: وأولاد المشركين، قال: وأولاد المشركين. والحديث رواه البخاري. ويؤيده قوله ﷺ: "أولاد المشركين خدم أهل الجنة." ( صححه الألباني)، إلا أن أولاد المشركين لا يشفعون لآبائهم كما يشفع أولاد المسلمين لآبائهم، قال الله تعالى عن المشركين: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر ٤٨).

-وقيل أن معنى اسمه بالسريانية؛ الأب الرفيع أو الأب المكرم، هو أب نسب كبير، وأنه ينسب إليه أنه أبو بني إسرائيل، من ولده اسحق عليهما السلام، وأبو العرب من ولده إسماعيل عليه السلام.

وفي اللغة الكلدانية :الأب العالي أو الأب الرفيع، إلا ترى أنه أبو الأنبياء.

- تاريخ مولده لم يرد تأكيد  بدقه، ولكن  المعروف عنه أنه بين 2324-1850 ق.م (مختلف فيها) في أور الكلدانيين، أو قيل حران وهي تقع على نهر الفرات جنوب تركيا، والأول أوثق، وقيل بل هجرته كانت لحران ن بعد قصته مع النمرود بن كنعان.

-عمَّر إبراهيم حتى بلغ مئة وثمانين عاما، وقيل مئتي عام.

- وإبراهيم هو العاشر في شجرة النسب من نوح، ولد لتارخ- والأغلب أنه هو أزر الذي ورد في سورة الأنعام، في قوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ)،  ولد لآزر  ثلاثة أبناء وهم إبراهيم وناحور،  وهاران وهو  والد النبي لوط عليه السلامـ فلوط ابن عم إبراهيم عليهم السلام.

-  ولد إبراهيم عليه السلام في أور قرية قريبة من بابل في عهد الطاغية النمرود بن كنعان، وله قصة معه ستأتي في السورة. إبراهيم هاجر إلى بلاد كنعان استجابة لدعوة الرب بعد أن رُفضت دعوته في أور الكلدانية.

- خط تنقلات إبراهيم عليه السلام كما وردت في سفر التكوين كالتالي؛

أور ← بابل ← حاران( جنوب تركيا) ← شكيم( نابلس)← بيت إيل( رام الله) ← مصر ← بيت إيل ← حبرون ( الخليل)← دمشق ← حبرون ← جرار ← بئر السبع( جنوب فلسطين)← مريا ( في غزة)← بئر السبع ← حبرون( الخليل) وتوفي ودفن فيها.

- تزوج سيدنا إبراهيم من ثلاثة نساء، هن؛ سارة وهاجر وقطورة- أو قنطوا- وقد تزوج سارة بنت هاران ابنة عمه  في أور، و كانت تصغره بعشر سنوات وانجبت له إسحق عليه السلام، وهي في عمر السابعة والثمانين من عمرها. 

– وكان قد تزوج إبراهيم عليه السلام من هاجر المصرية والتي أنجبت منه إسماعيل عليه السلام، وهو يكبر أخاه إسحاق بثلاثة عشر سنة، والذي أسكنه مع أمه في مكة المكرمة،تعلم العربية ، وهو أول من نطق العربية الفصحى،  وتزوج من العرب ، وهو الذبيح، وإليه ينتهي نسب رسول الله محمد ﷺ.

-وتزوج من قنطوا الكنعانية، وأنجبت له ولدان،هما-مدين. ومدائن. وقيل سته، والله أعلم.

- إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، اختتن وهو ابن ثمانون عامًا، وأول من أضاف الضيف ، وأول من استحد (فالاستحداد استعمال الحديد في حلق العانة)، وأول من قلم الأظفار، وأول من قص الشارب، وأول من شاب، فلما رأى الشيب قال: ما هذا ؟ قال: وقار ، قال: يا رب زدني وقارا. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله. وروى معاذ بن جبل قال : قال النبي ﷺ قَالَ : " إِنْ أَتَّخِذْ مِنْبَرًا فَقَدِ اتَّخَذَهُ أَبِي إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، وَإِنْ أَتَّخِذِ الْعَصَا فَقَدِ اتَّخَذَهَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ " ( في سند الحديث رجل مجهول الحال- ضعيف)

- وقيل وأول من ثرد الثريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل .

- وفي الختان، قال أبو الفرج الجوزي، عن كعب الأحبار قال: خلق من الأنبياء ثلاثة عشر مختونين: آدم وشيث وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى والنبي ﷺ. لم يثبت

-وفي كون رسول الله ﷺ ولد مختونا؛ قال ابن القيم: إن العرب كانوا يختتنوا، ويذكر عندهم أن الصبي إذا ولد مختوناً : فإن هذه نقيصة وليست منقبة لصاحبها كما يظنه بعض الناس. وكانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة في الختان نفسه وتفخر به.

وقد جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع ، قال: وهو على ما فيه أشبه بالصواب ، وأقرب إلى الواقع ." تحفة المولود "

-وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الأَرْحِيَةَ – الرحاء -يُطْحَنُ بِهَا بِمَكَّةَ : إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَأَوَّلُ مَنْ رَثَى مَيِّتًا : آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ .

- وهو  «أبو الأنبياء» وهو أحد أولي العزم من الرسل، لصبرهم كما جاء في القرآن: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف ٣٥)

-وهو خليل الرحمن، قال تعالى:( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)  ﴿النساء ١٢٥﴾‏، وهذا اصطفاء من الله لنبيه  إبراهيم عليه الصلاة والسلام، من بين سائر خلقه. والخلة هي أعلى مقامات المحبة، والاصطفاء.، وقد حظي بهذه المرتبة رسولنا الكريم محمد ﷺ، قال " لو كُنْتُ متَّخِذًا خليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا ولكنَّه أخي وصاحبي وقد اتَّخَذ اللهُ صاحبَكم خليلًا" (مسلم)

 

التفسير:
قوله تعالى:
(وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)

 

لما جرى من ذكر الكعبة والقبلة اتصل ذلك بذكر إبراهيم عليه السلام ، وأنه الذي بنى البيت، فكان من واجب اليهود - وهم من نسل إبراهيم - ألا يرغبوا عن دينه.

(وَإِذِ ابْتَلَى )؛  والابتلاء : الامتحان والاختبار، ومعناه أمر وتعبد، وقوله: (بِكَلِمَاتٍ): الكلمات جمع كلمة ، أي بشرائع وأوامر ونواه، ويرجع تحقيقها إلى كلام الباري تعالى، لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها إبراهيم عليه السلام، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به، كما سمي عيسى كلمة؛  لأنه صدر عن كلمة وهي كن . وتسمية الشيء بمقدمته أحد قسمي المجاز

وهذا تنبيه على شرف إبراهيم خليله عليه السلام، وأن اللّه تعالى جعله إماماً للناس يقتدى به في التوحيد، لأنه قام بما كلّفه اللّه تعالى به من الأوامر والنواهي، ولهذا قال: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ..) أي واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين يدعون  ملة إبراهيم وليسوا عليها.. اذكر لهؤلاء ابتلاء اللّه إبراهيم أي اختياره لهم بما كلفه به من الأوامر والنواهي (فأتمهن) أي قام بهن كلهن كما قال تعالى (وإبراهيم الذي وفَّى) (النجم ٣٧) ، أي وفَّى جميع ما شرع له فعمل به صلوات اللّه عليه.

وقال تعالى: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿ ١٢٠﴾ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ﴿١٢١ النحل﴾‏ ، وقوله ( أمة) أي إن إبراهيم كان إمامًا قدوة جامعا لخصال الخير.

 

وقال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧﴾‏ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ آل عمران٦٨﴾

فلما ( فَأَتَمَّهُنَّ ) أي قام بهن،فقال له ربه: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ)  أي جزاء على ما فعل كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله اللّه للناس قدوة وإماماً يقتدى به ويحتذى حذوه.

وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر اللّه بها إبراهيم الخليل عليه السلام.

- فروي عن ابن عباس قال: ابتلاه اللّه بالمناسك، وروي عنه قال: ابتلاه بالطهارة خمسٌ في الرأس، وخمسٌ في الجسد:  

في الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس.

وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.

 وقد أمر الله نبينا ﷺ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺقال: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط). وقال عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم من أهل زمنه.

 

وقيل في الكلمات التي ابتلى اللّه إبراهيم بهن فأتمهن، قال: الإسلام ثلاثون سهماً منها عشر آيات في براءة: (لتَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )﴿التوبة ١١٢﴾.

وعشر آيات في أول سورة المؤمنون: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾‏ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾‏ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾‏ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾‏ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾‏ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾‏ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿٧﴾‏ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾‏ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾‏ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾

وعشر المذكورون في الأحزاب: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) ﴿الأحزاب ٣٥﴾‏

فأتمهن كلهن فكتبت له براءة. قال اللّه تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ) ﴿النجم ٣٧﴾‏

وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلى اللّه بهن إبراهيم فأتمهن هي:

-فراق قومه في اللّه حين أمر بمفارقتهم.

 -ومحاجته نمروذ في اللّه حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه.

-وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في اللّه على هول ذلك من أمرهم.

-والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في اللّه حين أمره بالخروج عنهم.

-وما أمر به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله.

- وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه.

 فلما مضى على ذلك من اللّه كله وأخلصه للبلاء قال له ربه: (أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ﴿البقرة ١٣١﴾‏،  على ما كان من العنت أن يخالف الناس ويفارقهم.

وقال ابن جرير: كان الحسن يقول: إي واللّه، لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه؛

- ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما كان من المشركين.

-ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجراً إلى اللّه.

- ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك.

-وابتلاه بذبح ابنه، والختان فصبر على ذلك.

وعن سعيد بن المسيب يقول: إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من ضاف الضيف، وأول من قلم أظفاره، وأول من قص الشارب، وأول من شاب.

قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله: إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجاز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع. قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له.

وربه لما جعله إماماً،  سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته فأجيب إلى ذلك، وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون وأنه لا ينالهم عهد الله، ولا يكونون أئمةً فلا يقتدى بهم (قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ﴿١٢٤﴾‏

والدليل على أنه أجيب إلى طلبه قوله تعالى في سورة العنكبوت: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ﴿ ٢٧﴾‏ فكل نبي أرسله اللّه، وكل كتاب أنزل الله بعد إبراهيم، ففي ذريته صلوات اللّه وسلامه عليه.

 وأما قوله تعالى: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، فقد اختلفوا في ذلك

فقال مجاهد: لا يكون ظالم إماما يقتدى به.

وقال: أما من كان منهم صالحاً فاجعله إماماً يقتدى به، وأما من كان ظالماً فلا ولا نعمة عين. وعن ابن عباس قال، قال اللّه لإبراهيم: إني جاعلك للناس إماماً، قال: ومن ذريتي، فأبى أن يفعل، ثم قال له:(لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)

وروي عن قتادة في قوله (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: لا ينال عهدُ اللّه في الآخرة الظالمين، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش.

 وقال الربيع بن أنس: عهدُ اللّه الذي عهد إلى عباده دينهُ، يقول: لا ينال دينه الظالمين ألا ترى أنه قال: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ )﴿الصافات  ١١٣﴾‏،  يقول ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق. وعن النبي ﷺقال: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، قال: (لا طاعة إلا في المعروف) ""أخرجه ابن مردويه عن علي بن أبي طالب مرفوعاً"

وقال ابن خويز منداد: الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتياً ولا شاهداً ولا راوياً.


No comments:

Post a Comment