Wednesday, 17 May 2023

السيرة النبوية الشريفة غزوة تبوك ح1 صعوباتها والتجهيز لها

    

 

غــزوة تبـوك—وجيش العسرة

أهمية الغزوة – محاولات المنافقين

التجهيز لغزوة العسرة

 

غــزوة تبـوك- جيش العسرة :

كانت غزوة تبوك أخر غزوة للرسول وكانت على كبر في سنه -كان عمره تقريبا 61 سنة ومع ذلك خرج في حر وعسر لا يطيقه الا الشباب- وهذه الغزوة من ناحية بعدها تعتبر أطول المغازي مسافةً وزمناً.  وظفرهم بالرغم كل هذه الظروف؛ درس عملي لأمته يبين لنا فيه بعمله أهمية الشام للحجاز مقر الدولة المسلمة.

مؤامرات أعداء الإسلام في بلاد الشام:

 تقع تبوك شمال الحجاز ولا يأمن الحجاز اذا كان له عدو في الشام خاصة أن يصلها من تبوك الى دمشق ، لهذا كانت سياسته واضحة في ضمان أمن الأمة من الشام قبل غيره، فلم يرد أنه غزا  أو فكر بغزو العراق ولا مصر ولا اليمن بل توجه للشام ووجه له أكثر من مرة…وحتى بعد عودته من تبوك وقبيل وفاته جهز جيشاً آخر للشام وهو جيش أسامة بن زيد. وهذا التوجيه نحن أحوج مانكون له في هذا الزمان والشام تتآمر عليه قوى الشر.

يقول عمر بن الخطاب ‏: كان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتية أنا بالخبر ـ وكانا يسكنان في عوالى المدينة يتناوبان إلى النبي ـ ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال‏:‏ افتح، افتح، فقلت‏:‏ جاء الغساني‏؟‏ فقال‏:‏ بل أشد من ذلك، اعتزل رسول اللّه أزواجه‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

أما السبب المباشر كما يقال فهو ما ذكره ابن سعد وشيخه وغيره قالوا: بلغ المسلمين من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعا، وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب، وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء، فندب النبي الناس إلى الخروج .

  يقول المباركفوري ( وكان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين وتقويته على جزيرة العرب، فقد تبين للناس أنه ليس لأي قوة من القوات أن تعيش في بلاد العرب سوى قوة الإسلام، وبطلت بقايا أمل وأمنية كانت تتحرك في قلوب بقايا الجاهليين والمنافقين الذين كانوا يتربصون الدوائر بالمسلمين، وكانوا قد عقدوا آمالهم بالرومان، فقد استكانوا بعد هذه الغزوة، واستسلموا للأمر الواقع، الذي لم يجدوا عنه محيدا ولا مناصا. )

سبب الغزوة

كانت لمعركة مؤته سمعة سيئة للرومان وقواتهم ، فقد كان لنجاح المسلمين – وهم ثلاثة آلاف فقط – في درء مائتي ألف من قوات الرومان أثر بالغ في نفوس القبائل العربية المجاورة للشام، وأخذت هذه القبائل تتطلع إلى الاستقلال، فرأى الرومان أن يقوموا بغزوة حاسمة يقضون بها على المسلمين في عقر دارهم، المدينة المنورة .

تجهيز المسلمون للقاء الرومان :

وسمع رسول الله ﷺ بتجمعهم واستعدادهم، فاستنفر المسلمين من كل مكان، وأعلن عن جهة الغزوة صراحة، وليأخذ الناس عدتهم الكاملة، إذ كان الزمان زمان حر شديد، وكانت الشقة بعيدة، وكان الناس في عسر وجدب، وقد طابت الثمار والظلال، فكانوا يحبون المقام فيها.

وسميت هذه الغزوة  بغزوة العسرة ، وهكذا في القرآن: (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( التوبة١١٧) أي: لقد وفَّق الله نبيه محمدا إلى الإنابة إليه وطاعته للخروج لحرب من يصدون عن سبيل الله، وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام، وتاب على أنصار رسول الله الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة (تبوك) في حرٍّ شديد، وضيق من الزاد والظَّهْر، لقد تاب الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الحق، فيميلون إلى الدَّعة والسكون، لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وتاب عليهم، إنه بهم رؤوف رحيم. ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة، وقَبِلَها منهم، وثبَّتهم عليها.

روى عمران بن الحصين:  أنه شَهِد عثمانَ بنَ عفَّانَ رضي اللهُ عنه أيامَ غزوةِ تبوكَ في جيشِ العُسْرَةِ فأمر رسولُ اللهِ بالصدقةِ والقُوَّةِ والتأَسِّي ، وكانت نصارى العربِ كتبتْ إلى هِرقلَ إنَّ هذا الرجلَ الذي خرج ينتَحِلُ النُّبوَّةِ قد هلك وأصابَتْه سُنونَ فهلكتْ أموالُهم فإن كنتُ تريدُ أن تَلحَقَ دِينَك فالآنَ. فبعث رجلًا من عُظَمائِهم يقالُ له الضَّنادُ وجهَّز معه أربعينَ ألفًا فلما بلغ ذلك نبيَّ اللهِ كتب في العربِ وكان يجلسُ كلَّ يومٍ على المِنبرِ فيدعو ويقول:  "اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العِصابةُ فلن تُعبَدَ في الأرضِ" ،

وحث رسول الله ﷺ الموسرين على تجهيز المعسرين، فتقدم المسلمون بما لديهم، وأول من جاء بماله أبو بكر رضي الله عنه " جاء بكل ماله، وهو أربعة آلاف درهم ، فقال ﷺ : "هل أبقيت لأهلك شيئاً ؟" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله.

أما عثمان رضي الله عنه- فقد كان قد جهَّز عِيرًا إلى الشامِ يريدُ أن يمتارَ عليها، اي أنه قليل المال في ذلك الوقت. ويروي لنا عبدالرحمن بن خباب بن الأرت ما كان منه، قال: ( شَهدتُ النَّبيَّ وَهوَ يَحثُّ على جيشِ العُسرةِ فقامَ عثمانُ بنُ عفَّانَ فقالَ عليَّ مائةُ بعيرٍ بأحلاسِها وأقتابِها في سبيلِ اللَّهِ ثمَّ حَضَّ على الجَيشِ فقامَ عثمانُ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ عليَّ مِائتا بعيرٍ بأحلاسِهَا وأقتابِها في سبيلِ اللَّهِ ،ثمَّ حضَّ على الجيشِ فقامَ عثمانُ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ عليَّ ثلاثمائةِ بعيرٍ بأحلاسِها وأقتابِها في سبيلِ اللَّهِ فأنا رأيتُ رسولَ اللَّهِ ينزلُ عنِ المنبرِ وَهوَ يقول: "ما على عثمانَ ما عمِلَ بعدَ هذِهِ ما على عثمانَ ما عملَ بعدَ هذِه" ( رواه الترمذي -فيه ضعف)

وجاء عبدالرحمن بن عوف بمائتي أوقية ، وجاء العباس بمال كثير ، وجاء طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة وغيرهم بأموال ، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقاً من التمر ، وتتابع الناس بصدقاتهم، كل على قدره، حتى أنفق بعضهم مداً أو مدين، لم يستطع غيره ، وأرسلت النساء ما قدرن عليه من الحلي .

وجاءه ﷺ فقراء الصحابة يطلبون أن يحملهم- أي يعطيهم دابة يركبون عليها للذهاب معه-، قال تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ ) (التوبة ٩٢)‏،  فجهزهم عثمان والعباس وغيرهما رضي الله عنهم .

ماذا فعل المنافقون في أزمة تبوك؟

سورة التوبة فضحت أحوال المنافقين في هذه الغزوة الحاسمة، فبينت خبثهم ، ومراوغتهم:

أولاً: قرروا جميعاً التخلف عن الجهاد سواء بالمال أو بالنفس: (وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة ٨٦]

ثانياً: لم يترك هذا التخلف أي ألم في قلوبهم، ولا أي حزن في مظهرهم، بل على العكس، كانوا سعداء بهذه المعصية، ملأ السرور بجريمتهم قلوبهم إلى الدرجة التي قال الله عز وجل في حقهم: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ) (التوبة ٨١)

ثالثاً: لم يكتفوا بالتخلف ولا بالفرح بهذا التخلف فقط، ولكن بدءوا يثبطون المؤمنين الصادقين عن الخروج، واستخدموا في ذلك دعايات شتى، ووسائل متعددة، وذلك مثل قولهم: (وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ) (التوبة ٨١)

 ومثل قولهم للصحابة: أتحسبون جلاد- قتال- بني الأصفر -الرومان- كقتال العرب بعضهم بعضاً؟! والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال- أي مسلسلين-

رابعاً: كان موقفهم من المؤمنين الذين أنفقوا في سبيل الله موقفاً شديد الخبث، وقفوا يطعنون في كل المتمسكين بالدين مهما كان فعلهم، إذا أتى غني من المسلمين بمال قالوا: إنما أنفقه رياء، وإذا أتى فقير بمال قليل بحسب قدرته سخروا منه، وسخروا من قلة عطائه واستهزءوا به.قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة ٧٩)؛ فمن أنفق كثيراً سخروا منه، ومن أنفق قليلاً سخروا منه.

خامساً: تجاوز فعلهم ذلك، وبدءوا يبحثون عن أدلة شرعية -أو يوهمون الناس أنها شرعية- للتخلف عن الجهاد، ولإثارة الشبهات بين المسلمين، مثلما فعل الجد بن قيس من بني سلمة عندما رفض الخروج إلى تبوك لقتال الروم بزعم أنه يحب النساء، ونساء الروم جميلات، ويخشى أن يفتن بهن، فادعى أنه من ورعه وتقواه وتقويمه للأضرار اختار أخف الضررين، وهو التخلف عن الجهاد؛ ليحمي نفسه من فتنة النساء! وفيه نزل قول الله عز وجل: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (التوبة ٤٩).

سادساً: أن منهم من قام بخطة أشد خبثاً من ذلك، وهي أنه قرر الخروج مع الجيش لمسافة ما، ثم يرجع من منتصف الطريق، لعله يسحب معه عند الرجوع عدداً من المسلمين الصادقين، مثلما عمل عبد الله بن أبي بن سلول في غزوة أحد وكرره مرة أخرى في تبوك.

سابعاً: أشد المنافقين شراً قرروا الخروج فعلاً مع المسلمين إلى آخر المطاف لبث الفتنة طوال الرحلة، وللكيد للمسلمين في كل مراحل القتال، والكيد لرسول قدر المستطاع.

ونلاحظ في الكلام الماضي أن المنافقين كانوا يحاولون الالتزام بالقانون الأوامر في، لا يتخلفون عن الجهاد إلا باستئذان؛ لكي يحسب الناس أنهم لا يزالون مسلمين منقادين لأمر الرسول.

 والرسول كان يأذن لهم بالقعود؛ لأنه مقتنع تمام الاقتناع أنه لن يجاهد إلا من رغب في الجهاد حقيقة، لكن رب العالمين سبحانه وتعالى عاتبه في ذلك، قال سبحانه وتعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (التوبة ٤٣).ولو أنهرفض أن يأذن للمنافقين لقعدوا برغم الرفض، وهنا كانت ستكشف أوراقهم للمسلمين؛ فيعلم المسلمون أمرهم عن بينة.هذا كان وضع المنافقين في أزمة تبوك.

 ( من موقع قصة الأسلام -راغب السرجاني)

الجيش الإسلامي إلى تبوك:

واستعمل رسول الله ﷺ على المدينة محمد بن مسلمة، وخلف علي بن أبي طالب على أهله، وأعطى لواءه الأعظم أبا بكر الصديق، وفرق الرايات على رجال، فأعطى الزبير راية المهاجرين ، وأعطى أسيد بن حضير راية الأوس ، والحباب بن المنذر راية الخزرج ، وتحرك من المدينة يوم الخميس ، ومعه ثلاثون ألف مقاتل ، يريد  تبوك ، وكانت قلة شديدة في الظهر والزاد ، فكان ثمانية عشر رجلاً يتعقبون بعيراً واحداً، وأكل الناس أوراق الشجر حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح البعير ليشربوا ما في كرشه من الماء .

وبينما الجيش في طريقه إلى تبوك إذ لحقه على بن أبي طالب، سمع طعون المنافقين فلم يصبر حتى خرج ،فقال  علِيٌّ: (تُخلِّفُني في النِّساءِ والصِّبيانِ؟) كأنَّه استَنقَصَ تَرْكَه وَراءَه فرده رسول اللهﷺوقال : "يا عليُّ ! أما ترضى أن تكون مني بمنزلةِ هارونَ من موسى ؟ إلا أنه ليس بعدي نبيٌّ " (صحيح عن عبد الله بن عباس)

لماذا استخلف النبي علي رضي الله عنه على المدينة في غزوة تبوك:

A close-up of a scroll

Description automatically generated with medium confidenceوقد ثبت عن النبي أنه استخلف كثيراً من أصحابه على المدينة في غزواته، فقد استخلف عثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع، واستخلف مرة ابن أم مكتوم في غزوة بدر، واستخلف زيد بن حارثة في المريسيع، وأبا لبابة بن المنذر في غزوة بني قينقاع، وسعد بن عبادة في غزوة الأبواء، وسعد بن معاذ في غزوة بواط، وأبا سلمة في غزوة العشيرة.. وغيرهم من الصحابة الكرام.

No comments:

Post a Comment