Monday 20 January 2014

أمهات المؤمنين - أم سلمة هند بنت زاد الراكب




 



أم المؤمنين .. رضي الله عنها

هي هند بنت أمية بن المغيرة بن مخزوم (24 ق.هـ- 61هـ/598- 680م)
 كان أبوها -رضي الله عنها- من أجواد قريش، يُعرف بـ"زاد الركب" لكرمه، لا يسير مع قوم في سفر إلا كان هو يأتي بالزاد ، ولا يقبل لأحد أن يحمل زاده.
وأمُّها هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن عبد المطلب، أخوالها لأبيها عبد الله وزهير ابنا عمَّة رسول الله

  زواج أم سلمة وهجرتها وزوجها إلى الحبشة :ـ
تزوَّجت أمُّ سلمة من ابن عمِّها أبو سلمة  رضي الله عنه ، وهو عبد الله بن عبد الأسد  بن مخزوم القرشي، وهو من الصحابة الأجلاء الذين أبلَوْا في الإسلام بلاءً حسنًا، وهو ابن عمَّة رسول الله ، فأُمُّه بَرَّة بنت عبد المطلب
 هاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها -رضي الله عنهما- إلى الحبشة، وقد وصفت  -رضي الله عنها- هجرتهم هناك قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جوار، وأَمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نُؤذى، فلمَّا بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا، فجمعوا أدمًا كثيرًا. وهذا الحديث يدلِّل على هجرة أمِّ سلمة وأبي سلمة للحبشة.
هجرتها وزوجها إلى المدينة :ـ
ولمَّا أَذِن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، كان أبو سلمة رضي الله عنه أوَّل من هاجر من أصحاب النبي من بني مخزوم، هاجر قبل بيعة أصحاب العقبة بسَنَةٍ، وكان قد قَدِمَ تلك السنة من الحبشة على رسول الله ، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار ، خرج رضي الله عنه إلى المدينة يريد الهجرة إليها
ولنسمع ما تقول أم سلمة عن هجرتهم :ـ
 لمَّا أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة  في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلمَّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ( من أهلها ) قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟  قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به( بسلمة ابنها )  بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة.
 قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح  فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي -أحد بني المغيرة- فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تُخْرِجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها. قالت: فقالوا لي:  الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني.
رحلتها إلى المدينة وحيدة مع ابنها سلمة :ـ
قالت: فارتحلتُ بعيري، ثم أخذتُ ابني فوضعته في حجري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلتُ: أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدَم على زوجي. حتى إذا كنتُ بالتنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت:  فقلتُ: أريد زوجي بالمدينة. قال: أَوَمَا معكِ أحد؟ قالت: فقلتُ: لا والله إلاَّ الله وبُنَيَّ هذا.
قال: والله ما لك مِن مترك- أي لا أتركك وحيده ، يريد ان يساعدها - فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأْخَر عنِّي، حتى إذا نزلتُ استأخر ببعيري، فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى وقال: اركبي. فإذا ركبتُ واستويتُ على بعيري؛ أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلمَّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء، قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة بها نازلاً- فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعًا إلى مكة.
فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قطُّ كان أكرم من عثمان بن طلحة
جهاد أبو سلمة رضي الله عنه :ـ
وقد شهِد أبو سلمة رضي الله عنه بدرًا، وجُرح بأُحُد جرحًا اندمل ثم انتُقِضَ، فمات منه في جُمَادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة.
وعن أمِّ سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله فقال: لقد سمعتُ من رسول الله قولاً سُرِرْتُ به. قال: ( لا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ) .
قالت أمُّ سلمة: فحفظت ذلك منه.
فلمَّا تُوُفِّي أبو سلمة استرجعتُ، وقلتُ: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها. ثم رجعتُ إلى نفسي فقلتُ: مِن أين لي خيرٌ من أبي سلمة؟
فلمَّا انقضَتْ عدَّتي استأذن عليَّ رسول الله وأنا أدبغ إهابًا لي، فغسلتُ يدي من القرظ  وأذنتُ له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلمَّا فرغ من مقالته قلتُ: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة، فأخاف أن ترى منِّي شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن وأنا ذات عيال.
فقال: ( أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ تعالى مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي). ما أكرمك وما أرحمك يا رسول الله
فقالت: فقد سَلَّمْتُ لرسول الله .
فقالت أمُّ سلمة رضي الله عنها : فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه رسولَ الله .
الحكمة من زواج النبي بأم سلمة
كان لفتة حانية وتكريمًا رفيعًا من الرسول أن تزوَّج أمَّ سلمة -رضي الله عنها- فقد غدت بعد وفاة زوجها -المجاهد أبي سلمة- من غير زوج يعيلها، أو أحد يكفلها، رغم ما بذلت هي وزوجها من جهد لهذه الدعوة المباركة، وهي مع ذلك كان لها من الأيتام أربعة، فكان الرسول هو الزوج لها والكفيل لأبنائها.
وقد تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حلت في شوال سنة أربع للهجرة

ولها من الأولاد أربعة عمر، وسلمة، وزينب، ودرة.  

وعنها تقول عائشة رضي الله عنها : لما تزوج النبي - أم سلمة، حزنت حزنا شديدا; لما ذكروا لنا من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وُصفت لي في الحُسن، فذكرتُ ذلك لحفصة -وكانتا يدًا واحدة- فقالت: لا والله، إنْ هذه إلا الغيرة ما هي كما تقولين، وإنها لجميلة، فرأيتها بعد، فكانت كما قالت حفصة، ولكني كنت غَيْرى .

حياة أم سلمة مع رسول الله وفضلها
وقد كانت -رضي الله عنها- تختلف عن باقي نساء النبي ، فقد انتُزع من صدرها الغَيرة؛ حيث اعترفتْ للنبي بغَيرتها، وذلك عند خطبته لها، فدعا لها النبي بذهاب الغَيرة من نفسها، وكانت -رضي الله عنها- من أجمل نسائه باعتراف أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-
وقد كانت للسيدة أم سلمة -رضي الله عنها- مكانتها عند النبي
 فعن زينب ابنة أمِّ سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله كان عند أمِّ سلمة -رضي الله عنها- فجعل حَسَنًا في شقٍّ، وحُسَيْنًا في شقٍّ، وفاطمة في حجره، وقال: " رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"  وأنا  - أي ابنتها زينب معها - وأمُّ سلمة رضي الله عنها  جالستان، فبكت أمُّ سلمة رضي الله عنها فنظر إليها رسول الله ، وقال: " مَا يُبْكِيكِ؟ قالت: يا رسول الله، خصصتهم وتركتني وابنتي. قال: "أَنْتِ وَابْنَتُكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ".
ولمَّا كان النبي يدخل على نسائه كان يبتدئ بأمِّ سلمة رضي الله عنها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله إذا صلَّى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأمِّ سلمة -رضي الله عنها- لأنها أكبرهن، وكان يختم بي
وتربى أولادها في بيت النبوة ، فابنتها زينب كان يقال لها زينب ربيبة رسول الله ، وكان صلى الله يكرمها ويداعبها بقوله: أين زناب أو مافعلت زناب.
ولأنها أيضا ربيبة رسول الله وذات يوم دخلت زينب على رسول الله وهو يتوضأ فنضح في وجهها بالماء، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت ومازالت شابة جميلة الوجه.
وبفضل تربيتها في بيت النبوة صارت زينب بنت أبي سلمة من فضليات نساء المدينة، وإحدى فقيهات المدينة المنورة وذلك من تربية رسول الله لها وترددها على أمهات المؤمنين.
وقد روت سبعة أحاديث عن رسول الله وروى عنها عدد من الصحابة، وأخرج لها البخاري حديثا وكذلك مسلم حديثا.
وابنها عمر بن أبي سلمة ولد في الحبشة
وقيل:‏ إنه كان يوم قبض رسول الله ابن تسع سنين، قالوا: وفرض عمر بن الخطاب في خلافته لعبد الله بن عمر ابنه  ثلاثة آلاف، ولعمر بن أبي سلمة  أربعة آلاف، فكلمه عبد الله بن عمر في ذلك، فقال عمر: هات أَمًّا مثل أم سلمة.
روى عن النبي أحاديثَ في الصحيحين وغيرهما، ومن حديثه ما رَوَاه عبد الله بن كعب الحْميَري، عَن عمر بن أبي سلمة؛ قال: سألْتُ النبيَّ عن قُبْلةِ الصائم، قال: "سَلْ هَذِه لأمِّ سَلَمَةَ". فقلت: "غَفَرَ الله لَكَ". قَالَ: " إِنِّي أخْشَاكُم لله وأتْقَاكُمْ" أخرجه مسلم.
وفي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ رواية وهب بن كَيسان عنه أنَّ النبيَّ ، قال له: " ادْنُ يَا بُني فَسَمِّ الله وَكُلْ بِيمَيِنكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة، قال: رأيت رسول الله يصلّي في بيت أمّ سلمة في ثوب واحد متوشّحًا به، واضعًا طرفيْه على عاتقه
وابنتها دُرّة بنت أبي سلمة  فهي ربيبة النبيّ ورد فيها خبر واحد في السير ترويه أختها ، تقول زينب بنت أبي سلمة : أنّ أم حبيبة قالت‏:‏ يا رسول الله، إنا تحدّثنا أنكِ ناكح دُرّة بِنت أبي سلمة، فقال رسول الله : "‏أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، لَوْ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَحِلّ لي، إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ".
موقف أم سلمة يوم الحديبية ورجاحة عقلها:ـ
لما فرغ رسول الله   من كتاب المعاهدة بينه وبين قريش في الحديبية ومن بنوده أن يرجع المسملمون من عامهم هذا بدون عمرة ( وكانوا قد أحرموا للعمرة وساقوا الهدي معهم ) ، قال لأصحابه: " قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، فما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرَّات، فلمَّا لم يَقُمْ منهم أحد دخل على أمِّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أمُّ سلمة: يا نبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدْنه ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا
قال ابن حجر: وإشارتها على النبي يوم الحديبية تدلُّ على وفور عقلها وصواب رأيها
مرويات أم سلمة عن رسول الله
وقد روت رضي الله عنها -كما ذكر الذهبي في مسندها- ثلاثمائة وثمانين حديثًا، اتَّفق البخاري ومسلم على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، وقد روت  رضي الله عنها الأحاديث الخاصَّة بمعشر النساء بغرض التعليم والتوجيه، فقد روت أن النبي كان يُقَبِّلها وهو صائم، وأنها كانت تغتسل معه من الإناء الواحد من الجنابة، وأنها كانت تنام مع النبي في لحافٍ واحد، وأنها كانت تأتيها الحيضة... فيقول لها : " أَنَفِسْتِ؟" قلتُ: نعم. قال: " قُومِي فَأَصْلِحِي حَالَكِ ثُمَّ عُودِي".  فتقول : فألقيتُ عني ثيابي، ولبستُ ثياب حيضتي، ثم عدتُ فدخلت معه اللحاف.
وفاة أم سلمة
كانت أم المؤمنين أم سلمة آخر من مات من زوجات النبي  ﷺ ، أمهات المؤمنين عمرت حتى ولاية يزيد بن معاوية ، وبلغها مقتل الحسين. فوجمت لذلك وغشى عليها و حزنت عليه كثيرا ولم تلبث بعد هذه الحادثة إلا يسيرًا، وانتقلت إلى الله سنة 61 هـ  وكانت قد عاشت نحوًا من تسعين سنة.
وروي، أن أبا هريرة صلى عليها. ولم يثبت، وقد مات بعدها. ودفنت بالبقيع .

No comments:

Post a Comment