Wednesday 1 January 2014

تدبر آية من القرآن العظيم - الحزب الأول - قصة البقرة




قصة البقرة  

سميت هذه السورة الكريمة بسورة ( البقرة ) لأنه قد ذكر فيها قصة عجيب ، كانت البقرة مفتاح حل لغز فيها ، وكشف جريمة ، فما هي قصة هذه البقرة ، وما هو اللغز الذي كشفته؟

قال تعالى : ممتنا على بني إسرائيل : (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ‌كُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَ‌ةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) آية 67 ، وتستمر القصة حتى الآية 73 من السورة .
يبدأ ربنا سبحانه حكايتها علينا ، فيقول تعالى ممتنا على بني إسرائيل: واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة، وبيان القاتل من هو بسببها، وإحياء اللّه المقتول ونصه على من قتله منهم.

ذكر بسط القصة عن السدي - كما في تفسير القرآن العظيم لابن كثير رحمه الله .
-قال السُّدي ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قال: كان رجل من بني إسرائيل مكثراً من المال فكانت له ابنة وكان له ابن أخ محتاج فخطب إليه ابن أخيه ابنته فأبى أن يزوجه، فغضب الفتى وقال واللّه لأقتلن عمي ولآخذن ماله، ولأنكحن ابنته ولآكلن ديّته، فأتاه الفتى - وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل - فقال: يا عم انطلِق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلّي أن أصيب منها فإنهم إذا رأوك معي أعطوني، فخرج العم مع الفتى ليلاً، فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمّه كأنه لا يدري أين هو فلم يجده، فانطلق نحوه، فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه فأخذهم، وقال: قتلتم عمي فأدّوا إليَّ ديَته، فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي: واعمّاه، فرفعهم إلى موسى فقضى عليهم بالدية. فقالوا له: يا رسول اللّه ادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه فيؤخذ صاحب القضية، فواللّه إن ديته علينا لهيِّنة، ولكن نستحيي أن نعيَّر به فذلك حين يقول تعالى: ( وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون) ،
فطلبوها –أي البقرة - من صاحبها - وأعطوا وزنها ذهباً فأبى فأضعفوه له حتى أعطوه وزنها عشر مرات ذهباً فباعهم إيّاها وأخذ ثمنها فذبحوها، قال: اضربوه ببعضها فضربوه بالبضعة – القطعة - التي بين الكتفين فعاش فسألوه من قتلك فقال لهم ابن أخي قال: أقتله فآخذ ماله وأنكح ابنته، فأخذوا الغلام فقتلوه ""

وفي رواية أخرى قال: (فأخذوها بملء جلدها ذهباً فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا - لابن أخيه - ثم مال ميتاً، فلم يعط من ماله شيئاً فلم يورث قاتل بعد ) "رواه ابن أبي حاتم وابن جرير عن عبيدة السلماني"
قال ابن كثير: وهذه الروايات عن ""عبيدة""و ""السدي""مأخوذة من كتب بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها -لأنها لا تخالف عقيدة ولا شرع ، لا في كتاب ولا سنة - ولكن لا تصدَّق ولا تكذَّب 
""
فوائد من القصة وتفسير للآيات:ـ

-      قوله تعالى ( قالوا أتتخذنا هزوا ) ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) هذا جواب منهم لموسى عليه السلام لما قال، لهم ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وذلك أنهم وجدوا قتيلا بين أظهرهم ، واشتبه أمر قاتله عليهم، ووقع بينهم خلاف، فأتوا نيهم فسألوه ، أن يدعو الله ليبين لهم القاتل ،فسأل موسى عليه السلام ربه فأمرهم بذبح بقرة، فلما سمعوا ذلك من موسى وليس في ظاهره جواب عما سألوه عنه واحتكموا فيه عنده، قالوا : أتتخذنا هزؤا ؟ والهزء : اللعب والسخرية، فأجابهم موسى عليه السلام بقوله ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء جهل، فاستعاذ منه عليه السلام، لأنها صفة تنتفي عن الأنبياء. والجهل نقيض العلم. فاستعاذ من الجهل، كما جهلوا في قولهم : أتتخذنا هزؤا، لمن يخبرهم عن الله تعالى، وظاهر هذا القول يدل على فساد اعتقاد من قاله. ولا يصح إيمان من قال لنبي قد ظهرت معجزته، وقال : إن الله يأمرك بكذا : أتتخذنا هزؤا؟ ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى لوجب تكفيره. وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية، على نحو ما قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله. وكما قال له الآخر : اعدل يا محمد وفي هذا كله أدل دليل على قبح الجهل، وأنه مفسد للدين.
-      وفي الآية دليل على منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد. وليس المزاح من الاستهزاء بسبيل، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح والأئمة بعده. قال ابن خويز منداد : وقد بلغنا أن رجلا تقدم إلى عبيدالله بن الحسن وهو قاضي الكوفة فمازحه عبيدالله فقال : جبتك هذه من صوف نعجة أو صوف كبش؟ فقال له : لا تجهل أيها القاضي فقال له عبيدالله : وأين وجدت المزاج جهلا‍‍ ! ‍‍فتلا عليه هذه الآية، فأعرض عنه عبيدالله، لأنه رآه جاهلا لا يعرف المزح من الاستهزاء، وليس أحدهما من الآخر بسبيل.
-      قوله تعالى: ( إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) والفارض الهرمة التي لا تلد، والبكر التي لم تلد إلا ولداً واحداً، والعَوَان النْصَفُ التي بين ذلك أي بين البكر والهرمة ،التي قد ولدت وولد ولدها
-      لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل، والتخير في البقر. وقيل : الذبح أولى، لأنه الذي ذكره الله، ولقرب المنحر من المذبح. قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا حرم أكل ما نحر مما يذبح، أو ذبح مما ينحر. وكره مالك ذلك. وقد يكره المرء الشيء ولا يحرمه.
-      قال الماوردي : وإنما أمروا - والله أعلم - بذبح بقرة دون غيرها، لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته. وهذا المعنى علة في ذبح البقرة، وليس بعلة في جواب السائل، ولكن المعنى فيه أن يحيا القتيل بقتل حي، فيكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها.
-       وقال القرطبي ، في  قوله تعالى ( بقرة ) البقرة اسم للأنثى، والثور اسم للذكر مثل ناقه وجمل وامرأة ورجل. وقيل : البقرة واحد البقر، الأنثى والذكر سواء. وأصله من قولك : بقر بطنه، أي شقه، فالبقرة تشق الأرض بالحرث وتثيره. ومنه يطلق لقب الباقر لأبى جعفر محمد بن علي زين العابدين، لأنه بقر العلم وعرف أصله، أي شقه. والبقيرة : ثوب يشق فتلقيه المرأة في عنقها من غير كمين. وفي حديث ابن عباس في شأن الهدهد (فبقر الأرض). قال شمر : بقر نظر موضع الماء، فرأى الماء تحت الأرض. قال الأزهري : البقر اسم للجنس وجمعه باقر.
-      والثور : واحد الثيران. والثور : السيد من الرجال. والثور القطعة من الأقط. والثور : الطحلب. وثور : الجبل. وثور : قبيلة من العرب. وفي الحديث : (ووقت العشاء ما لم يغب ثور الشفق) يعني انتشاره، يقال : ثار يثور ثورا وثورانا إذا انتشر في الأفق وفي الحديث : (من أراد العلم فليثور القرآن). قال شمر : تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به.
-      ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها، ولكن شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد اللّه عليهم،حتى أنهم اضطروا أن يشتروا هذ البقرة بكليء جلدها ذهبا . ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: ( وإنا إن شاء الله لمهتدون) لما هُدوا إليها أبداً.
-      . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟ قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها) أي صاف لونها، تسر الناظرين أي تعجب الناظرين، ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) وكأنهم يرون أن الله هو رب موسي وليس بربهم ،  ( إن البقر تشابه علينا وإنّا إن شاءَ اللهُ لَمُهتْدون قال إنّه يَقولُ إنّها بَقرةٌ لا ذَلولٌ) أي لم يذللها العمل، ( تُثيرُ الأرْضَ ولا تَسْقي الحَرثَ) يعني وليست بذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث يعني ولا تعمل في الحرث ( مسلَّمة) يعني سالمة من العيوب ( لا شية فيها) يقول لا بياض فيها ( قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) يقولون عن نبيهم الآن جئت بالحق ، وكأنّ موسى لم يأت بالحق إلا تلك الساعة ؛ و أن أعماله و تصرفاته السابقة كانت باطلاً !!
-      وفعل بني إسرائيل مع نبيهم في هذه القصة ، هو من التعنت والتشدد والأذى لرسول الله .وهنا يظهر فضل أصحاب محمد ؛ الذين قالوا  قبل بدر  والله ، لو سرب بنا إلى برك الغماد ( موضع ) لسرنا مع .
     وكان الواحد يسمع كلامه فيصدقه ، وينفذه دون أن يراجعه ، أويكثر عليه
-      وقصة عمير بن الحمام؛  لما سمع الرسول يبشر بالجنة ، وأنهم ما بينهم وبينها إلا أن يقتلهم المشركون ، فرمى التمرات التي بيده وقاتل حتى قتل تصديقا له ، ولم يتعنت كما تعنت بنو إسرائيل على نبيهم.
-      و كم بالقرآن من فوائد جمّة واستنباطات مفيدة ، لمن يتدبر ، ومن يتفكر.

No comments:

Post a Comment