Wednesday 29 January 2014

تدبر آية من القرآن العظيم - الحزب الرابع - الصبر حتى يأتي النصر



وبعد.. فهذا بعض قليل من العبر ، والفوائد أوردها من كل حزب ، المقصود منها التشجيع على التدبر في آيات الله ، وتقريبها إلى الأفئدة المُحبَّة ، والتشجيع والإعانة على تلاوتها وحفظها بإذن الله تعالى


تدبر آية من الحزب الرابع من القرآن العظيم

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم ، واجعله ربيعا لقلوبنا ، وجلاءً لهمومنا وأحزاننا ، 

وشفيعا لنا يوم القيامة ، وحجة لنا ، وسائقنا إلى الجنّة 

قال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء 

والضرّاء وزلزلزا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله 

قريب ) ( سورة البقرة 214 )

سبب النزول :

قال السٌدّي:
 نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة، والحر والبرد، وسوء العيش، وأنواع الشدائد، وكان كما قال الله تعالى (  وبلغت القلوب الحناجر)(الأحزاب  10). وقيل : نزلت في غزوة أحد، نظيرها - في آل عمران ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) (آل عمران 142). وقالت فرقة : نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله ، وأسر قوم من الأغنياء النفاق، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم ( أم حسبتم)

التفسير : 

قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) ( حسبتم) معناه ظننتم.
( مثل) يكون بمعنى صفة، ويجوز أن يكون المعنى : ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم، أي من البلاء. قال وهب : وجد فيما بين مكة والطائف سبعون نبيا موتى، كان سبب موتهم الجوع والقمل، ونظير هذه الآية ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم) (العنكبوت : 1 - 3  ) على ما يأتي، فاستدعاهم تعالى إلى الصبر، ووعدهم على ذلك بالنصر فقال ( ألا إن نصر الله قريب)
أي بلغ الجهد بهم حتى استبطؤوا النصر، فقال الله تعالى (ألا إن نصر الله قريب) . ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك وارتياب. والرسول اسم جنس 
.
فوائد من الآية :

1-           الزلزلة : شدة التحريك، وتكون في الأشخاص وفي الأحوال، يقال : زلزل الله الأرض زلزلة وزِلزالا - بالكسر - فتزلزلت إذا تحركت واضطربت، فمعنى ( زلزلوا ) خُوِّفوا وحُرِّكوا. والزَلزال - بالفتح - الإسم. والزلازل : الشدائد. وقال الزَّجاج : أصل الزَلزلة من زل الشيء عن مكانه، أي حركه عن مكانه ، فإذا قلت : زلزلته فمعناه كررت زللـه من مكانه.
2-           الدنيا دار ابتلاء واختبار ، لا دار دعة وهناء وطمئنينة ، وهي دار فناء لا دار بقاء ، وهي جنّة الكافر ، بالنسبة لما يتربصه من العذاب في الآخرة ، وهي جحيم المؤمن بالنسبة لما ينتظره من النعيم الذي لا عين رأت مثلة ، ولا أذن سمعت به .
- والله سبحانه وتعالى يؤكد على هذا المعنى في مواطن كثيرة ، وهنا على سبيل التأكيد على المعنى والتثبيت لهذه الأمة ، فتفكروا قبل أن تتذمروا او تعجزوا؛ هل حسبتم أن تدخوا الجنّة قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا كما فُعل بالذين من قبلكم من الأمم ، فقد جاءتهم الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب والشدائد من كل الألوان ، فالبأساء : أي الفقر ، والضراء : أي المرض ، وزلزلوا: أي خوِّفوا من الأعداء تخويفا زلزل كيانهم زلزالا شديدا ، وامتحنوا امتحانا عظيما ، كما جاء في الصحيحين عن خباب بن الأرت ، قال : قلنا : يا رسول الله ، ألا تنتصر لنا ، ألا تدعوا لنا ؟ فقال : ( إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ، لا يصرفه ذلك عن دينه ) ثم قال : ( والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) ، وقال الله تعالى ( ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله ُ الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين )( العنكبوت 1-3 ) 

وقد كان هذا وحصل جانب عظيم منه للصحابة رضوان الله عليهم في أوقات كثيرة ، وحالات متعددة ، ومنها ما صوره الله لنا من حالهم في غزوة الأحزاب ، ( إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) ( الأحزاب 10) ، وقال : ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) ( الأحزاب 11 )

قد يقول القائل ما أشبه اليوم بالبارحة !!!! فكم من بلاد المسلمين حال المسلمين فيها من البأساء  ومن الضراء ، ومن الخوف والرعب ، وانعدام الأمن ، والتعذيب والقتل ما الله عالم به ،كل ذلك مجتمعا وفي أوجه ، فما الحل ؟

أولا -  الثبات على شرع الله ، التعرف علي حكمه في كل حالة، ولم نطيل في هذه الحالة
ثانيا -  إن من امتحن في الدنيا بمحنة فتلقاها بجميل الصبر ، وجزيل الحمد رجى له كشفها في الدنيا مع حسن الجزاء في الآخرة   

ثالثاً -  الرضا بقدر الله عز وجل والتسليم الكامل بذلك ، وهذا من شأنه أن يَعْمُر الأمن ، والإيمان قلب المؤمن ، فيعيش في غاية السعادة ؛ وإن تضجر بقدر الله ، فإنه يعيش حياة البؤس ، والشقاء ، وأن اليأس ، والبكاء لا يرد شيئاً مما فات ، وإنما التوجه إلى الله بالضراعة كما فعل أيوب عليه السلام والصبر على المكاره يزيل من النفوس الهم ، والغم.

- تذكر ثواب المصائب، والصبر عليها، وإليك شيئاً منه

 1- دخول الجنة: قال الله تعالى: ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ 

وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ 

عُقْبَى الدَّار)ـالرعد 23- 24

وقال  :( يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) وصفيه هو حبيبه المصافي كالولد، والأخ، وكل من يحبه الإنسان ،والمراد بقوله عز وجل  ثم احتسبه: أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله تعالى على ذلك

  2- الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب. قال تعالى:( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( الزمر 10 ) قال الأوزاعي:(ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفاً)  

  3- معية الله للصابرين، وهي المعية الخاصة المقتضية للمعونة والنصرة والتوفيق، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)ـ( البقرة 153 ) 

4- محبة الله للصابرين، قال تعالى: ( وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ـ

 
5- تكفير السيئات لمن صبر على ما يصيبه في حال الدنيا، كبر المصاب أم صغر؛ قال  من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه :( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا همٍ، ولا حزن، ولا أذىً، ولا غم, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ) ،  والنصب التعب، والوصب: المرض، وقيل هو المرض اللازم  
قال الإمام القرافي(ت684هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( المصائب كفارات جزماً سواءً اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقتران بها الرضا عظم التكفير وإلا قل   
وقال  :( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله, حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة )   

  6- حصول الصلوات، والرحمة، والهداية من الله ـ تعالى ـ للعبد الصابر؛ قال الله  عز وجل: (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة 157)   

  7- رفع منزلة المصاب؛ قال  صلى الله عليه وسلم  : ( إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى  
                                                         
. قال رَسُولِ اللَّهِ : ( عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ )  رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني

اللهم وفقنا للصبر والرضا واصرف عنا اليأس والسخط وارزقنا العافية في الدين والدنيا والآخرة وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين

No comments:

Post a Comment