Monday 27 January 2014

شرح الأحاديث النووية - الحديث السابع - الدين النصيحة


 
 
الحديث السابع


 


   
  
شرح الحديث السابع

قوله: عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ هذه كنية بأنثى، والغالب أن الكنية تكون بذكر، لكن قد تكون بأنثى لا سيما إذا اشتهر، وقد تكون بغير الإنسان كأبي هريرة مثلاً، فأبو هريرة رضي الله عنه اشتهر بهذه الكنية من أجل أنه كان معه هرة ألفها وألفته فكنّي أبا هريرة.

الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ الدين: مبتدأ والنصيحة خبر، وكلٌّ من المبتدأ والخبر معرفة. وعلماء البلاغة يقولون: إذا كان المبتدأ معرفة والخبر معرفة كان ذلك من طرق الحصر.

وخرجه الطبراني من حديث حذيفة بن اليمان عن النبي قال:ـ
(  من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يمس ويصبح ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم‏)ـ

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال:ـ
( حق المؤمن على المؤمن ست .... ) ـ فذكر منها(  وإذا استنصحك فانصح له  

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال:ـ  ( إن الله يرضى لكم ثلاثًا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم‏ ) ـ

وفي الصحيحين عن معقل بن يسار عن النبي قال:ـ
(  ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا لم يدخل الجنة) ـ
     النصيحة لله : ـ
والنصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له
 وأصل النصح في اللغة الخلوص يقال نصحت العسل إذا خلصته من الشمع ، أما النصيحة لله فهي :
1-            هي صحة الاعتقاد بوحدانيته سبحانه، و الشهادة له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته. ودعاؤه بأسمائه سبحانه وصفاته ، والعمل بمقتضاها ، ويتبع ذلك إخلاص النية في عبادته تعالى.
2-             والنصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها ، وأكمل وجوهها هو مقام الإحسان، بأن يفعل الواجب عليه من الله وهو يرى بأن الله يراه ،  فلا يكمل النصح لله بدون ذلك.
3-            ولا يتأتى النصح لله  بدون كمال المحبة الواجبة والمستحبة ويستلزم ذلك الاجتهاد في التقرب إليه بنوافل الطاعات على وجه الإحسان ،  وترك المحرمات والمكروهات على هذا الوجه أيضًا .
-      قال بعض أهل العلم جماع تفسير النصيحة هي عناية القلب للمنصوح له :ـ وهي على وجهين أحدهما فرض والآخر نافلة
أ‌-               فالنصيحة المفترضة لله هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما فرض ومجانبة ما حرم
ب‌-            وأما النصيحة التي هي نافلة فهي إيثار محبته على محبة نفسه وذلك أن يعرض له أمران أحدهما لنفسه والآخر لربه فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه

*
والنصيحة لكتابه:
شدة حبه وتعظيم قدره إذ هو كلام الخالق،  وشدة الرغبة في فهمه وشدة العناية في تدبره والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه أو يقوم به له بعد ما يفهمه، ثم ينشر ما فهم في العباد ويديم دراسته بالمحبة له والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه‏.‏  
وتتضمن كذلك امور منها :
الأول:  أن تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله عزّ وجل حروفه ومعناه، تكلم به حقيقة، وتلقاه جبريل من الله عزّ وجل ونزل به على قلب النبي وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين.

الثاني: الذبّ عنه، بأن يدافع الإنسان عنه تحريف المبطلين، ويبيّن بطلان تحريف من حرّف.

الثالث :ـ امتثال أوامره، ، واجتناب ما نهى عنه.   فما ورد في كتاب الله من أمر فامتثله.

الرابع: أن تؤمن بأن ما تضمنه من الأحكام هو خير الأحكام، وأنه لا حكم أحسن من أحكام القرآن الكريم.

*
والنصيحة لرسوله تكون بأمور منها:

الأول: تجريد المتابعة له، وأن لا تتبع غيره في كل ما بلغ عن ربه ،لقول الله تعالى:
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)     ( الأحزاب:21)
الثاني: أن تؤمن بكل ما أخبر به هو من عند الله ، فإنه : ـ( لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى( النجم 3-4 )
وأنه لم يَكذِب، ولم يُكذَب، فهو رسول صادق مصدوق.
الثالث : أن تمتثل أمره، وأن تجتنب نهيه.

الرابع : أن تعتقد أن ما جاء عن رسول الله فهو كما جاء عن الله تعالى في لزوم العمل به، لأن ما ثبت في السنة فهو كالذي جاء في القرآن . قال الله تعالى:
 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )(النساء: الآية59)
  وقال تعالى :( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)(النساء: الآية80)
 وقال تعالى: (  وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (الحشر: الآية7)

الخامس: الإقتداء به ، وتعلم نهجه وسيرته ، والإعتقاد انه خير قدوة ، فهو خير خلق الله

* وَالنصيحة لأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْن
 أئمة جمع إمام، والإمام: القدوة ، كما قال تعالى:
 ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ)(النحل: الآية120)
 أي قدوة، ومنه قول عباد الرحمن :ـ
( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)(الفرقان: الآية74)  

وأئمة المسلمين صنفان من الناس:

الأول: العلماء، والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا النبي علماً وعبادة وأخلاقاً ودعوة، وهؤلاء هم أولو الأمر حقيقة، لأن هؤلاء يباشرون العامة، ويباشرون الأمراء، ويبينون دين الله ويدعون إليه

الصنف الثاني: من أئمة المسلمين: الأمراء المنفذون لشريعة الله، ولهذا يقال:
العلماء مبينون
 والأمراء منفذون يجب عليهم أن ينفذوا شريعة الله عزّ وجل في أنفسهم وفي عباد الله.

*
والنصيحة للعلماء تكون بأمورٍ منها:
وذلك بمحبتهم، لأنك إذا لم تحب أحداً فإنك لن تتأسّى به. ومعونتهم ومساعدتهم في بيان الحق ، وأن يسألهم إذا شك في صدور خطأ منهم ، بأدب واحترام .

والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك
امتثال ما أمروا به وما نهوا عنه، إلا إذا كان في معصية الله عزّ وجل لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وامتثال طاعتهم عبادة وليست مجرد سياسة، بدليل أن الله تعالى أمر بها فقال عزّ وجل:ـ
(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمر منكم) [النساء:59 )
 فجعل ذلك من مأموراته عزّ وجل، ولكن يلاحظ أن الله لم يجعل لأولى الأمر طاعة منفردة ، بل جعلها مرتبطة بالرسول ، وفي هذا إشارة إلى أنهم لا يطاعوا إلا بطاعتهم لله وللرسول  ، فعندها يطاعوا امتثالا لأمر الله .

ولذلك من الحكمة إذا نصحت ولاة الأمور أن لا تبين ذلك للناس،لأن في ذلك ضرراً عظيماً.

وفي هذا إإشارة إلى أن المجتمع الإسلامي لابد له من إمام، والإمامة قد تكون عامة، وقد تكون خاصة.

ولهذا أمر النبي المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمّروا أحدهم،  لئلا يكون أمرهم فوضى.

وهذا الأمير الذي يؤمّرونه تجب طاعته فيما يتعلق بأحكام السفر، لأنهم جعلوه أميراً، فإذا تأمر على قومه في السفر وقال: يا فلان قم أصلح كذا، وهو يتعلق بالسفر وجب عليه أن يطيع، وإلا فلا فائدة في الإمرة.

* النصيحة لَعَامَّة المسلمين :ـ
 أي عوام المسلمين، والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه .
 ومن أنواع نصحهم دفع الأذى والمكروه عنهم وإيثار فقيرهم وتعليم جاهلهم ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحبة إزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه كما ومن أعظم أنواع النصح أن ينصح لمن استشاره في أمره كما قال إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له
 وفي بعض الأحاديث إن من حق المسلم على المسلم أن ينصح له إذا غاب ومعنى ذلك أنه إذا ذكر في غيبة بالسوء أن ينصره ويرد عنه وإذا رأى من يريد أذاه في غيبته كفه عن ذلك فإن النصح في الغيب يدل على صدق الناصح فإنه قد يظهر النصح في حضوره تملقا ويغشه في غيبته
قال الحسن وقال بعض أصحاب النبي والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة

وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرا حتى قال بعضهم من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه وقال الفضيل بن عياض رحمه الله المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعير‏.‏

وبهذا نعرف أن هذا الحديث -على اختصاره-  جامع لمصالح الدنيا والآخرة.


No comments:

Post a Comment