Tuesday 21 January 2014

شرح حديث نبوي شريف - نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ



   



قال رسول الله قال: ( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة، والفراغ) ، يأي: أن هذين الجنسين من النعم، مغبون فيهما كثير من الناس؛ أي: مغلوب فيهما، وهما الصحة والفراغ؛ وذلك أن الإ‌نسان إذا كان صحيحًا، كان قادرًا على ما أمره الله به أن يَفعله، وكان قادرًا على ترك ما نهاه الله عنه ؛ لأ‌نه صحيح البدن، مُنشرح الصدر، مطمئن القلب، كذلك الفراغ إذا كان عنده ما يُؤويه وما يكفيه من مُؤنة، فهو متفرِّغ، فإذا كان الإ‌نسان فارغًا صحيحًا، فإنه يُغبَن كثيرًا في هذا؛ لأ‌ن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا‌ فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ، ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا، ولكننا لا‌ نعرف هذا الغبن في الدنيا، إنما يعرف الإ‌نسان الغبن إذا حضَره أجلُه، يتمنى الإنسان أن يعطى فرصة ولو ساعة واحدة لأجل أن يستعتب ، ولكن ليس إلى ذلك سبيل  
بل قد تفوت الإنسان هاتان النعمتان بالمرض، فقد يَمرض ويَعجِز عن القيام بما أوجب الله عليه، وقد يمرض ويكون ضيِّق الصدر، لا‌ يَنشرح صدره ويَتعب، وقد ينشغل بطلب النفقة له ولعياله؛ حتى تفوته كثيرٌ من الطاعات؛ ولهذا ينبغي للإ‌نسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله عز وجل بقدر ما يستطيع في كل وقت خوفا من أن يأتيه وقت يشق عليه أن يقوم بما يستطيعه في حاضره.
فكم من سليم معافى نزل به المرض فجعله قعيد فراشه يتحسر على أيام مضت لم يجعل لله عز وجل فيها نصيبا بل كانت عبثا ولهوا وعصيانا لجبار السموات والأرض ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :"  نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة، والفراغ"
وأسوأ أحوال المرء أن يكون مغبونا، والغبن : أن يكون العبد مغلوبا ، وخصوصا في البيع والشراء ، مثل أن تشتري بأضعاف الثمن أو أن تبيع بأقل ثمن المثل .
فالمقصود أن غالب الناس لا ينتفعون بأوقات صحتهم وفراغهم ، بل يصرفون هذه الأوقات في غير محلها....ونفس الإنسان إن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل
و الصحة والعافية من أجلّ نعم الله على عبده ، وأجزل عطاياه وأوفر منحه
وفي الحديث  أيضا عن عبد الله بن محض أن رسول الله قال:( مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه ، مُعافًى في جسَدِهِ ، عندَهُ قُوتُ يَومِه ، فَكأنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيا ) رواه الترمذي وقال حسن غريب
(آمناً في سربه)  أي: في أهل بيته وأولاده
( فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)  أي: كأنما ملك الدنيا بأجمعها
ومن هنا قال السلف في قوله تعالى (  ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) التكاثر8
النعيم ما يلتذ به في الدنيا من الصحة والفراغ والأمن والمطعم والمشرب وغير ذلك

وفي سنن النسائي عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعا:( سَلُوا اللهَ اليقينَ والمُعافاةَ ؛ فإنَّهُ لمْ يُؤْتَ أحدٌ بعدَ اليقينِ خيْرًا من المُعافاةِ) صححه الألباني
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : (إن أول ما يسأل عنه العبد من النعم يوم القيامة أن يقال له: ألم نُصحَّ جسمك، ونرويك من الماء البارد.) الترمذي - صحيح
فإن نعمة الصحة، لمن اغتنمها في طاعة ربه نعمة عظيمة ، فلا مرض يؤلم، ولا علة تثقل
أيضا من نعم الله أن المؤمن إذا مرض كتب له ثواب عمله الصالح كله الذي كان يؤديه حال صحته كحضوره الجمع والجماعات والسنن والصيام وتلاوة القرآن وصلة الرحم ...الخ
وقد جاء بذلك الحديث عن رسول الله : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً )  رواه البخاري
ويذكر أن عبدُ الله بن مسعود مَرِضَ، فعاده إخوانه ، فجعل يَبكي ، فعوتب ، فقال : إني لا أبكي لأجل المرض ، لأني سمعتُ رسولَ الله يقول : المرض كفارة .
وإنما أبكي أنه أصابَني على حال فترة ، ولم يُصِبْني في حال اجتهاد ، لأنه يُكتَب لِلْعبد من الأجر إذا مَرِض ما كان يُكتب له قبل أن يَمرض فَمَنَعَهُ منه المرض "
وقد حثنا النبي على أن نسأل الله تبارك وتعالى العافية، وكان يقول: ( اللهم إني أسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة)  

الصحة أمانة :
نحن مؤتمنون على ما وهبنا الله من القوة والصحة والعافية. لذلك يجب علينا أن نراعي القواعد الشرعية في حفظ الصحة كي تبقى هذه الصحة والعافية إلى آخر لحظة في حياتنا
والعجب كل العجب أن ترى من الناس من يدفع المال لإهلاك صحته بل وتدميرها من خلال تعاطي المخدرات أو شرب الخمور أو تدخين الشيشة والسجائر ، أو غير ذلك مما حرم الله ، فيخون الأمانة ويقتل نفسه ويهدر عافيته !!!
قال تعالى(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء 29
 
سؤال الله دوام العافية :

علمنا رسول الله سؤال الله دوام العافية في الصباح والمساء ، فقد ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَدَعُ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحينَ يُصْبِحُ:" اللهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ الْعَافِيَةَ في الدنيا والآخرة اللهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ العفو والْعَافِيَةَ في دِينِي ودُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتي وَآمِنْ رَوْعَاتي وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَديَّ وَمِنْ خَلْفي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالي وَأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِن تَحْتي". رَوَاه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ

العافية: الصحة التامة في البدن والسلامة التامة في أمر الدين، والسلامة من المعاصي والبدع، والسلامة في الدنيا من شرورها ومصائبها.
عوراتي: جمع عورة، والعورة كل ما يستحيى منه إذا ظهر من الذنوب والعيوب.
روعاتي:  جمع روعة والروعة الفزع.
عظمتك: عظمة الله تعالى صفة جليلة من صفاته العلا، فهو موصوف بالعظمة الكاملة والقدرة النافذة ، فالسائل يستعيذ ويلتجئ من الشرور بعظمة الله تعالى وقدرته المحيطة بكل شيء.
أن أُغتال: اغتال أخذه من حيث لا يدري فأهلكه من الاغتيال، وهو أخذ الشيء خفية.
هذه الدعوات كان الرسول لا يدعها صباحاً ولا مساءً ، فعلى المسلم أن يلازمها ولا يدعها إقتداء بنبيه ، وحفظاً لنفسه من الشرور وأسبابها.
ففيها سؤال الله تعالى العافية في الدين من المعاصي والابتداع وترك الواجبات.
أما العافية في الدنيا : فالسلامة من شرورها ومصائبها وغوائلها والانهماك فيها والغرور بها، وما تجره من الغفلة ونسيان الآخرة.
وأما العافية في الأهل: فسلامة أديانهم من الشهوات والشبهات، وسلامة أبدانهم من الأمراض والأسقام، وسلامة قلوبهم من فتنة الدنيا والانهماك فيها دون غيرها مما ينقصهم في حياتهم الأبدية.
ويسأل ربه ستر عورته بأن يستر أعماله القبيحة عن الناس، ثم يمن عليه بالتوبة منها والسلامة من فضيحتها وخزيها في الدنيا والآخرة.
-  وآمن روعاتي: والروعة فجائع الدنيا ومصائبها وحوادثها المروعة، ومن الروعات؛  روعات يوم القيامة وهو أعظم الأمرين، ففي أهوال يوم القيامة ما يذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
ويسأله حفظاً كاملاً وصيانة تامة تحيط به من جميع الجهات، فلا تخلص إليه الشرور ولا تصل إليه المصائب، فيحاط بحصن الله تعالى من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ، ويستعيذ ويلتجئ إلى ربه بأن لا يغتال من تحته من حيث لا يشعر، فيخسف به كما خسف بقارون، أو يغرق كما أغرق فرعون، أو يأتيه حادث مروع من حوادث الدنيا .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: «كان رسول الله يقول" : اللهم إنَّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّلِ عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك"  أخرجه مسلم.
زوال نعمتك: الزوال التحول والانتقال، وأما النعمة فهي المنفعة المعمولة للغير على جهة البر والإحسان.
تحوُّل عافيتك: تحول العافية هو انتقالها إلى ضدها وهو المرض.
فَجْأة نِقْمَتِك: بفتح الفاء وسكون الجيم مقصور، وبضم الجيم والمد (فُجَاءة) وهي الأخذ بغتة.
(وفَجْأة نقمتك )  الفجأة هي البغتة التي تأخذ الإنسان من حيث لا يكون عنده سابق إنذار وإخطار وتحذير، فيؤخذ من مأمنه حينما تفجأه النقمة ويباغته العذاب، ولات حين مناص ولا مفر.
- قوله: (وجميع سَخَطك) تعميم بعد تخصيص، فهو يستعيذ بالله تعالى، ويعتصم من جميع الشرور والأمور التي توجب سخط الله تعالى، والذي يسخطه جل وعلا على عباده هو عموم المعاصي والذنوب من انتهاك المحرمات أو ترك الواجبات،
أخيرا : ما يقوله من رأى مبتلى :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي   أنه قال (ما من رجل رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا لم يصبه ذلك البلاء كائنا ما كان ) أخرجه الترمذي وقال حسن غريب

No comments:

Post a Comment