Monday 20 June 2022

السيرة النبوية الشريفة أحداث السنة 6 للهجرة بعد غزوة بني قريظة

   
  

وقد قام المسلمون بعد غزوة بني قريظة بعدة أعمال عسكرية أهمها ما يأتي :

 

مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق :

هو تاجر أهل الحجاز ، ورئيس يهود خيبر ، وأحد كبار المحركين والمؤلبين للأحزاب على أهل المدينة ، فلما تفرغ المسلمون من الأحزاب وقريظة انتدب لقتله خمسة من رجال الخزرج ، ليحوزوا شرفاً مثل شرف الأوس حين قتلوا كعب ابن الأشراف .       

ووصل هؤلاء إلى حصنه في جهة خيبر حين غربت الشمس، فقال قائدهم عبدالله بن عتيك: مكانكم ، فإني منطلق ومتلطف للبواب، لعلي أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب ، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته، فهتف به البواب: يا عبدالله ! إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب.

فدخل عبد الله بن عتيك، وكمن حتى نام الناس، فأخذ المفاتيح، وفتح الباب ليسهل له الهروب عند الحاجة، ثم توجه إلى بيت أبي رافع، فكان كلما فتح باباً أغلقه من داخل حتى لو علم به الناس لا يصلون إليه حتى يقتل أبا رافع، فلما انتهى إلى بيته فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا يدري أين هو ، فناداه : يا أبا رافع ! قال: من هذا ؟ فأهوى نحو الصوت وضربه ضربة بالسيف، وهو دهش، فما أغنت شيئا، فعمد إليه وضربه الثانية ضربة أثخنته وقتله، ثم خرج يفتح الأبواب باباً باباُ، والليل مقمر، وبصره ضعيف، فظن أنه وصل إلى الأرض ، فقدم رجله فوقع من السلم ، فأصيبت رجله فعصبها بعمامته، واختفى عند الباب، فلما صاح الديك قام رجل على سور الحصن وقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز ، فعرف أنه مات ، فأتى أصحابه، ورجعوا ، فلما انتهوا إلى رسول الله ﷺ حدثوه ، ومسح رسول الله ﷺ رجله فكأنه لم يشتكها قط .

 

أسر ثمامة بن أثال سيد اليمامة:

كان ثمامة من أشد الناس كراهية لرسول الله ﷺ ولدينه الإسلام، حتى خرج متنكراً في المحرم سنة 6هـ يريد اغتيال النبي بأمر مسيلمة الكذاب، وكان النبي ﷺ قد أرسل محمد بن مسلمة في ثلاثين راكباً لتأديب بني بكر بن كلاب في ناحية على بعد سبع ليال من المدينة في طريق البصرة ، فلما كانوا راجعين وجدوا ثمامة في الطريق فأسروه ، وجاءوا به إلى المدينة، وربطوه بسارية من سواري المسجد، فمر به النبي ﷺ فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ قال عندي خير يا محمد ! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل، تعط منه ما شئت،  فتركه رسول الله ، ثم مر به اليوم الثاني، ودار نفس الحديث، ثم اليوم الثالث كذلك، فقال : أطلقوا ثمامة ، فأطلقوه، فاغتسل وأسلم، وقال:  والله ما كان على ظهر الأرض من وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى ، ووالله ما كان على وجه الأرض من دين أبغض إلى من دينك ، فقد أصبح دينك أحب الأديان إلى .

وفي العودة ذهب ثمامة إلى مكة معتمراً فلامته قريش على إسلامه، فقال: والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله ﷺ، فلما انصرف منع بيع الحنطة لأهل مكة فجهدوا حتى كتبوا إلى النبي ﷺ يسألونه بأرحامهم أن يكتب إليه يسمح ببيع الطعام لهم، ففعل ﷺ.


غزوة بني لحيان :

بنو لحيان هم الذين كانوا قتلوا المسلمين بالرجيع، وكانوا متوغلين في الحجاز إلى حدود عسفان . فأخر رسول الله ﷺ أمرهم، حتى إذا تخاذلت الأحزاب واطمأن من الأعداء استعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، وخرج إليهم في الربيع الأول سنة 6هـ ، في مائتين من الصحابة ومعهم عشرون فرساً، وأسرع السير إليهم حتى بلغ بطن غران، حيث قتل أصحابه القرّاء، فترحم عليهم، ودعا لهم، وأقام في ذلك المكان يومين، أما بنو لحيان ففروا في رءوس الجبال، فلم يجد منهم أحداً، وأرسل عشرة فوارس إلى عسفان لتسمع بهم قريش فيداخلهم الرعب، فذهبوا إلى كراع الغميم، ثم رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة بعد أن غاب عنها أربع عشرة ليلة.

 

سرية العيص وإسلام أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله ﷺ:

في جمادي الأولى سنة 6هـ أرسل رسول الله ﷺ زيد بن حارثة إلى العيص، في مائة وسبعين راكباً، يعترضون عيراً لقريش قادمة من الشام، كان يرأسها أبو عاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله ﷺ، فأخذها المسلمون، وأخذوا ما فيها، وأسروا رجالها، وأفلت أبو العاص فجاء على المدينة، فلما أرخى الليل سدوله واستتر أبو العاص بجنح الظلام، ودخل المدينة خائفاً يترقب، ومضى حتى وصل إلى زينب، واستجار بها فأجارته.

و لما خرج الرسول ﷺ لصلاة الفجر، واستوى قائما في المحراب، وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره، صرخت زينب من صفة النساء وقالت:

"أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه. فلما سلم النبيﷺ من الصلاة، التفت إلى الناس وقال: «هل سمعتم ما سمعت؟!» قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: «و الذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتموه، وإنه يجير من المسلمين أدناهم»، ثم انصرف إلى بيته وقال لابنته: «أكرمي مثوى أبي العاص، واعلمي أنك لا تحلين له».

ثم دعا رجال السرية التي أخذت العير وأسرت الرجال وقال لهم:«إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أخذتم ماله، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، كان ما نحب، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، وأنتم به أحق».

فقالوا: "بل نرد عليه ماله يا رسول الله".

فلما جاء لأخذه قالوا له: "يا أبا العاص، إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله وصهره، فهل لك أن تسلم، ونحن ننزل لك عن هذا المال كله فتنعم بما معك من أموال أهل مكة وتبقى معنا في المدينة؟"

فقال: "بئس ما دعوتموني أن أبدأ ديني الجديد بغدرة."

مضى أبو العاص بالعير وما عليها إلى مكة فلما بلغها أدى لكل ذي حق حقه، ثم قال:

"يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟."

قالوا: "لا وجزاك الله عنا خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما."

قال: "أما وإني قد وفيت لكم حقوقكم، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله...

والله ما منعني من الإسلام عند محمد في المدينة إلا خوفي أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم...

فلما أداها الله إليكم، وفرغت ذمتي منها أسلمت..."

ثم خرج حتى قدم على رسول الله ﷺ فأكرم وفادته ورد إليه زوجته، وكان يقول عنه: 

أبو العاص بن الربيع : حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي   

 

وقد أرسل رسول الله ﷺ عدة سرايا خلال هذه الفترة ، وكان لها أثر بالغ في كبح جماح العدو ، وإخماد شره ، واستتباب الأمن وبسط السلام إلى أماكن بعيدة ، ثم نقل إليه ﷺ ما أدى إلى قيامه بغزوة بني المصطلق .

  

No comments:

Post a Comment