Tuesday 8 March 2016

تفسير وربط للآيات ، وبيان للمتشابهات سورة الحديد ج 1



 




تفسير وربط للآيات ، وبيان للمتشابهات  
سورة الحديد ج 1

سبب التسمية :
سميت ‏السورة ‏‏ ‏سورة ‏الحديد ‏‏ ‏لذكر ‏الحديد ‏فيها ‏‏، ‏وهو ‏قوة ‏الإنسان ‏في ‏السلم ‏والحرب ‏وعدته ‏في ‏البنيان ‏والعمران.
التعريف بالسورة : 

1- أُختلف فيها هل هي سورة مدنية أم مكية ، أما من قال أنها مكية فقد أخذ بقول عبد الله بن مسعود قال: ما كان بين إسلامِنا وبين أن عاتبَنا اللهُ بهذه الآية: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } ( الحديد / 16 ) إلا أربعَ سنينَ" ( صحيح مسلم)، وهذا ما رجحه السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، وقال: ولا شك أنا فيها قرآنا مدنيا. ومن قال أنها مدنية فقد أعتمد على معاني بعض الآيات وخصوصا قوله تعالى في الآية: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَ‌جَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‌ }( آية 10) ، ويعتمدون أيضا على أحاديث كلها أما ضعيف الإسناد أو لا يصح منها .
2-  من المفصل .
3-  آياتها 29 .
4-  ترتيبها في المصحف السابعة والخمسون .
5-  نزلت بعد الزلزلة .
6-  من المسبحات بدأت السورة بفعل ماضي " سبح " وهو أحد أساليب الثناء ، ذُكِرَ لفظ الجلالة في الآية الأولى الله العزيز الحكيم .
7) الجزء (27) ، الحزب ( 54 ) ، الربع ( 7 ، 8 ) .

محور مواضيع السورة :

هذه السورة الكريمة فيها من خصائص القرآن المكي ؛ من تثبيت للعقيدة والإيمان بالله بذكر أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، وتعتنى بتأكيد نبوة محمد ، وخصوصا لأهل الكتاب ، والأمر للمؤمنين بالإيمان بالرسول وطاعته ، وفيها ذكر اليوم الآخر وأحواله والجنة والنار. ومن ذكر للأنبياء والرسل – في آخرها – كما أن فيها من خصائص القرآن المدني من  التشريع والتربية والتوجيه، وتبني المجتمع الإسلامي على أساس العقيدة الصافية والخلق الكريم والتشريع الحكيم.

سبب نزول السورة :

ورد في أسباب نزول بعض آيات السورة أحاديث كثير منها لا تخلو من علة نورد منها:
1-  عن ابن عمر قال كنتُ عند النبيِّ وعندَهُ أبو بكرٍ الصديقُ وعليهِ عباءَةٌ قد خَلَّها في صدرِهِ بخلالٍ ، فنزل جبريلُ فقال : مالي أرى أبا بكرٍ عليهِ عباءَةٌ قد خَلَّها في صدرِهِ بخلالٍ ؟ فقال : أَنْفَقَ مالَهُ عليَّ قبل الفتحِ ، قال : فإنَّ اللهَ يقولُ : اقرأْ عليهِ السلامَ وقل لهُ : أراضٍ أنتَ عنِّي في فقركَ هذا أم ساخطٌ ؟ فقال رسولُ اللهِ : يا أبا بكرٍ إنَّ اللهَ يقرأُ عليكَ السلامَ ويقولُ لكَ : أراضٍ أنتَ عنِّي في فقركَ هذا أم ساخطٌ ؟ فقال أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ : أَسْخَطُ على ربي عزَّ وجلَّ ؟ إني عن ربي راضٍ"  (قيل فيه أنه حديث غريب ، وضعف اسناده ابن كثير )

2- عن عائشة قالت : خرج رسول الله على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه مخمرا وجهه ، فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه غفر لكم ، ولقد أنزل عَلَىَّ في ضحككم آية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }. قالوا : يا رسول الله فما كفارة ذلك ؟ قال : تبكون بقدر ما ضحكتم." ( لم أجده في الأحاديث )  
4-  قال : الكلبي ومقاتل نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت هذه الآية ، وقال غيرهما نزلت في المؤمنين .
5-  عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ في قولِ اللهِ تعالى { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ }( يوسف 1-2) الآيةَ قال نزَل القرآنُ على رسولِ اللهِ فتلاه عليهم زمانًا فقالوا يا رسولَ اللهِ لو حدَّثْتَنا فأنزَل اللهُ { اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآيةَ كلَّ ذلك يُؤمَرون بالقرآنِ قال خَلَّادٌ وزاد فيه غيرُه قالوا يا رسولَ اللهِ لو ذكَّرْتَنا فأنزَل اللهُ تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }.( ابن حجر في المطالب العالية؛ وحسنه، وصححه غيره)
6-  لما قدم المؤمنون المدنية أصابوا من لين العيش ورفاهية ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزلت هذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } لم أجده
7-  قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامِنا وبين أن عاتبَنا اللهُ بهذه الآية: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } ( الحديد / 16 ) إلا أربعَ سنينَ" ( صحيح مسلم).
8-  عن عبد الله بن عباس أنَّ أربعينَ مِن أصحابِ النَّجَاشيِّ قدِموا على النَّبيِّ فشهِدوا معه أُحُدًا وكانت فيهم جِراحاتٌ ولَمْ يُقتَلْ منهم أَحَدٌ فلمَّا رأَوْا ما بالمُؤمِنينَ مِن الحاجةِ قالوا يا رسولَ اللهِ إنَّا أهلُ مَيسرةٍ فأْذَنْ لنا نجيءُ بأموالِنا نُواسي بها المُسلِمينَ فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ فيهم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] الآيةَ {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54] فجعَل لهم أجرَيْنِ قال: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [القصص: 54] قال تلكَ النَّفقةُ الَّتي واسَوْا بها المُسلِمينَ حتَّى نزَلَتْ هذه الآيةُ قال ففخَر أهلُ الكتابِ على المُسلِمينَ حتَّى نزَلَتْ هذه الآيةُ فقالوا يا معشَرَ المُسلِمينَ أمَّا مَن آمَن منَّا بكتابِكم فله أجرانِ ومَن لَمْ يُؤمِنْ بكتابِكم فله أجرٌ كأجورِكم فأنزَل اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] فزادهم النُّورَ والمغفرةَ وقال: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (الحديد: 29)
 ( رواه: الطبراني في المعجم الأوسط ،خلاصة حكم المحدث قال:  لم يرو هذا الحديث عن جعفر إلا يعقوب القمي تفرد به علي بن ثابت )
فضل السورة :

1-عن العرباض بن سارية :  أنَّ رسولَ اللهِ كان يقرأُ المسبِّحاتُ قبل أن يرقدَ وقال إنَّ فيهنَّ آيةٌ أفضلُ من ألفِ آيةٍ " ( أخرجه ابو داود وغيره ، ضعفه الألباني مرة ، ثم حسنه )
قيل في تحديد الآية أنها آية سورة الحديد { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ‌ وَالظَّاهِرُ‌ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ( الحديد 3 )
وقيل هي الثلاث آيات الأخيرة من سورة الحشر ، والله أعلم
  
تفسير سورة الحديد :
قال تعالى : { سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ }
التَّسبيح هو تنزيهٌ لله تعالى عن كلِّ نقصٍ لا يليق بكمال ذاته وصفاته، ومعنىً من معاني تمجيد عظمته وقدسيته، وصورة من صور إفراده بالعبوديَّة والطاعة والمحبَّة، والتسبيح ليس خاصا بالإنسان الواعي العاقل فقط ، ولكن كما يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز {تُسبِّحُ له السَّمواتُ السَّبعُ والأرضُ وَمَن فيهنَّ وإنْ من شيءٍ إلاَّ يُسبِّحُ بحمدهِ ولكن لا تَفْقهونَ تَسْبيحَهُم إنَّه كانَ حَلِيماً غَفوراً} ( الإسراء 44)، فهذه الآية هي أساس في فهم من يسبيح الله،وكيف يكون التسبيح، ففيها أن كل شيء يسبح { وإنْ من شيءٍ إلاَّ يُسبِّحُ بحمدهِ }، وفيها أن البشر لا يفهمون تسبيح غيرهم { ولكن لا تَفْقهونَ تَسْبيحَهُم }  ، الكون كله يسبح.. فهل تأملت ذلك يوما؟
أما بالنسبة لتسبيح الجمادات التي يظن البعض أنها جامدة لا تتحرك و لكنها هي أيضا مسبحة لربها عز وجل، ويذكر منها الرعد هذا الرعد الذي يأتي بعد وميض قوي وهو في هذه اللحظة الذي يدوي فيها صوت مرتفع للغاية يسبح الله الواحد القهار، يقول سبحانه: { ويُسَبِحُ الَّرعْدُ بِحَمْدِه وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه }( الرعد 13)
كما يتحدث عن تسبيح الجبال مثلا كما قال تعالى في شأن نبيِّه داود عليه السَّلام {إنَّا سخَّرنا الجِبَال معه يُسبِّحنَ بالعَشيِّ والإشراق} (ص آية 18) فما من ذرَّة في هذا الكون ولا حصاة ولا حبَّة إلا وتنبض بالحمد والتَّسبيح لله، وما من حجر أو شجر أو ورقة إلا وتلهج بذكره والثناء عليه، وكلُّ دابَّة فيه، وكلُّ سابحة في الماء أو طائرة في الهواء، وكلُّ ساكن ومتحرِّك في الأرض والسماء يسبِّحون الله ويتوجَّهون إليه، وكلٌّ يضرعُ بطريقته ولغته البعيدة عن الفهم البشري..{ ولكن لا تفقهون تسبيحهم} وما جاء في الحديث من أن الحصى سبح بين يدي رسول الله ، أنما هو أن الله تعالى أسمع نبيه تسبيح الحصى ، وفهم تسبيح الحصى، وليس أنه في تلك اللحظة فقط سبح الحصى، ويروى في الحادثة أن الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان سمعوا تسبيح الحصى .
فهذا التسبيح أنما هو بلسان المقال ( أي النطق ) حيث سمعها رسول الله ، وصحابته، ولكن لغة كل مخلوق خاصة به، لا يستطيع كل إنسان استيعابها وفهمها، ويتأكد لنا ذلك من قول الحق تبارك ( و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ).
يدل على أنه تسبيح حقيقي ذاتي ينشأ بلغة كل جنس من الأجناس، وإذا كنا لا نفقه هذا التسبيح، فقد قال تعالى: {كُلٌ قَد عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبيحَهَ } (سورة النور41)
فلماذا وصف القرآن بعض الحيوانات كالطير بإدراكها وعلمها لتسبيحها وتنزيهها لربها وكونها تعلم بحقيقة تسبيحها إذ قال:  { كُلّ }أي كل من في السماوات والأرض والطير{ قَد عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}  وقد نسب الله تعالى العلم  بالتسبيح للطير وسائر الكائنات دليل على أنه تسبيح بلسان المقال، ولو كان بلسان الحال فقط ، فيكون وجودها ودقة تكوينها – حسب هذا القول هو التسبيح –كان هذا هو فقط تسبيحها لما كان لبيانه سبحانه وتعالى علمها بالتسبيح ذا معنى،.
 
ولو كان أيضا التسبيح بلسان الحال والخلق لما خصص الله تعالى لهذا التسبيح وقت خاص ، وزمان معين ، حيث قال سبحانه: { يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالإِشْرَاقِ }(ص 18)
بل نحن نسلم أن التسبيح بلسان الحال والتكوين، حقيقة ملازمة للكائنات في كل وقت وآن ، بحيث يدركها البشر كل وقت يتدبّر في خلقتها ، وتمعّن في صنعها ، في حين أنّ القرآن الكريم يحدّد زمن « تسبيح الجبال » بأوقات خاصة من طرفي النهار بكرة وأصيلاً) ، فدل على أن التسبيح حقيقي بلسان المقال ، ولكننا لا نفقه تسبيحهم،وما ورد في الحديث أن الحصى سبح بين يدي رسول الله يفسر على أنه في تلك الواقعة بالذات أسمع الله تعالى نبيه صلى تسبيح الحصى بين يديه ، وفهمه أياه ففقهه، والله أعلم ،   وقوله تعالى { وَهُوَ الْعَزِيزُ } أي الذي قد خضع له كل شيء، { الْحَكِيمُ } في خلقه وأمره وشرعه، { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ  } أي هو المالك المتصرف في خلقه، فيحيي ويميت، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌ }  أي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقوله تعالى: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ‌ وَالظَّاهِرُ‌ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وهذه الآية هي المشار إليها في حديث العرباض بن سارية أنها أفضل من ألف آية،وفي فضلها  روى أبو داود، عن أبي زميل قال: سألت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: واللّه لا أتكلم به. قال، فقال لي: أشيء من شك؟ قال، وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل اللّه تعالى: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك}  الآية، قال، وقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ‌ وَالظَّاهِرُ‌ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أخرجه أبو داود"، وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الآية، وأقوالهم على نحو من بضعة عشر قولاً، وقال البخاري، قال يحيى: الظاهر على كل شيء علماً، والباطن على كل شيء علماً، وهو الأول لا شيء قبله ، فهو قبل كل شيء، وهو سبحانه الآخر ليس بعده شيء، روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة أن رسول اللّه كان يدعو عند النوم: " اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر "وأخرجه مسلم بلفظ: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: اللهم رب السماوات ... الخ"" عنى بالظاهر الغالب، وبالباطن العالم، وهو سبحانه على العرش كما وصف نفسه في كتابه، والله أعلم. { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بما كان أو يكون فلا يخفى عليه شيء.
قوله تعالى { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْ‌شِ } ،يخبر تعالى عن خلقه السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم أخبر تعالى باستوائه على العرش بعد خلقهن، وقوله تعالى: { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْ‌ضِ} أي يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر، { وَمَا يَخْرُ‌جُ مِنْهَا }  من نبات وزرع وثمار، كما قال تعالى: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}، وقوله تعالى: { وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ } أي من الأمطار، والثلوج والبرد والأقدار، والأحكام مع الملائكة الكرام، وقوله تعالى: { وَمَا يَعْرُ‌جُ فِيهَا } أي من الملائكة والأعمال، كما جاء في الصحيح: "يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل" ، وقوله تعالى: { مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ  } يعني بقدرته وسلطانه وعلمه،  رقيب عليكم شهيد على أعمالكم، حيث كنتم وأين كنتم من بر أو بحر، في ليل أو نهار، في البيوت أو في القفار، الجميع في علمه على السواء، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم،  { وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‌ } يبصر أعمالكم ويراها ولا يخفى عليه شيء منها. وقد جمع في هذه الآية بين { اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْ‌شِ } وبين { مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ }  ولا يجوز أن يتبادر إلى الأذهان وجود التناقض في الكلام ، بل يفسر بأن الذات الإلاهية على العرش استوت، وعلمه لا يحده حدود، فلا يغيب عنه شيء قريب أو بعيد ، سر أو علانية ، فالله تعالى يعلمه، وقوله تعالى { لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ }  هذا التكرير للتأكيد أي هو المعبود على الحقيقة { وَإِلَى اللَّـهِ تُرْ‌جَعُ الْأُمُورُ‌ } أي أمور الخلائق في الآخرة ، كلها ومآلها راجع إلى الله تعالى وحكمه وعدله وقدرته، قوله تعالى : { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ‌ وَيُولِجُ النَّهَارَ‌ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‌}    أي هو المتصرف في الخلق، يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء، فتارة يطول الليل ويقصر النهار، وتارة بالعكس، وتارة يتركهما معتدلين، وتارة يكون الفصل شتاء ثم ربيعاً ثم قيظاً ثم خريفاً، وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه { وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‌} أي يعلم السرائر وإن دقت أو خفيت ، وَمَا عَزَمَتْ عَلَيْهِ نُفُوسهمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِمَا أَنْفُسهمْ ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ خَافِيَة سبحانه.

الله علمنا من القرآن العظيم ما جهلنا ، وذكرنا منه ما نُسِّنا ، وارزقنا التأمل في عجائبه ، وزدنا به يقينا ولا تفتنا

No comments:

Post a Comment