Monday 21 March 2016

علوم القرآن الكريم - الوحي



  



مختصر البيان في علوم القرآن
الوحي ُّ 1


معاني الوحي في القرآن:

جاءت لفظة الوحي في القرآن لتدل على معان عدة منها:

أ- المعنى اللغوي: قال الزمخشري: وحى أوحى إليه، ووحيت إليه، إذا كلمته سراً عمَّا تخفيه عن غيره، ووحى وحيًا، فالوحي هو الإعلام في الخفاء أو سِراً.
والوحي من هذا التعريف كلمة تدلُّ على معانٍ عدة:

منها: الإشارة، والإيماء، والكتابة، والسرعة، والصوت، والإلقاء في الروع إلهامًا وبسرعة وبشدَّة، ليبقى أثره في النفس .

ب- المعنى الاصطلاحي: أن يُعلِم الله  تعالى مَن اصطفاه مَن عباده كلَّ ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرِّيَّة خفيَّة غير معتادة للبشر، ويكون على أنواعٍ شتى، فمنه ما يكون مكالمة بين العبد وربه؛ كما كلَّم الله موسى تكليمًا، ومنه ما يكون إلهامًا يقذفه الله في قلب مُصطَفاه على وجهٍ من العلم الضروري لا يستطيع له دفعًا ولا يجد فيه شكًّا، ومنه ما يكون منامًا صادقًا يجيء في تحقُّقه ووقوعِه كما يجيء فَلَقُ الصُّبح في تبلُّجه وسطوعه، ومنه ما يكون بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام ، وهو من أشهر أنواع الوحي وأكثرها، ووحي القرآن كله من هذا القبيل، وهو المصطَلح عليه بالوحي الجلي.

جـ- استعمالات كلمة الوحي في القرآن : جاء لفظ الوحي وما تصرف منه في القرآن في ثمانية وسبعين موضعًا، بالاستقراء نجد استعمال لفظ الوحي دلالة على الإعلام الخفي السريع. وإليك تفصيل ورودها ومعانيها المرادة في مواضعها:
 
أولا: معنى الإلهام الغريزي:

 وذلك في قوله تعالى: ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وكلمة الوحي في هذه الآية تفيد معنى التكوين الغريزي الذاتي، وهو في إطار الخَلْق والتكوين، ففي خلق هذه النحلة الصغيرة، هداها الله هذه الهداية العجيبة،  ويسر لها المراعي، ودلها عليها،
وهداها للرجوع إلى بيوتها، التي أصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها، وكل هذا يندرج في معاني الصفات الغريزية التي وضعها الله تعالى في خلقه لتصلح أحوالهم .

ثانيا: معنى الإلهام الإرادي:

 وذلك في قوله تعالى: (  وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)  وواضح من الآية أن كلمة ( وَأَوْحَيْنا ) لا تقتصر على معنى الإلهام، فالإلهام توجيه خفي لا يدرك مصدره، وفي هذه الآية توجيه رباني مقترن بأوامر وتعليمات، وفيه نهي عن الخوف وتبشير من الله إلى أم بعودة إبنها،  وأنه سيكون من المرسلين، ولابد أن أم موسى أدركت مصدر هذا الإلهام، وعرفت أنه من الله، ولهذا نفذت ما أمرت به واطمأنت، ولولا ذلك لما نفذت هذا الأمر الذي لا يمكن لأم أن تفعله فما فعلته أم موسى خارج عن نطاق الفطرة.

ثالثا: معنى الإشارة الظاهرة التي تعطي معنى الأمر:

وذلك في قوله تعالى: ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) والمعنى هنا واضح في أن كلمة الوحي تفيد معنى التوجيه والتعليم وليس مجرد الإشارة.

رابعا: معنى الوسوسة:

 وذلك في قوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ). والمعنى هنا لغوي، وكلمة الوسوسة ليست دقيقة، فالشياطين يوسوسون حينا ويأمرون أولياءهم حينا آخر، ويزينون لهم فعل الشر، وجاءت في نفس المعنى في قوله تعالى: ( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) .
فهذه معاني كلمة الوحي في القرآن التي لا يقصد فيها الوحي الإلهي المنزَّل من رب العباد على رسله المصطفين من عباده.

الوحي الإلهي لرسله:

ومعظم ما جاءت كلمة الوحي في القرآن هي في معنى الوحي المنزل من عند الله على رسله وهي آيات القرآن،  وهي التي ترددت في القرآن في كل آية أراد الله بها بيان طريقة توجيه الأمر الإلهي لرسله وأنبيائه وتعليمهم.
وجاءت كلمة الوحي في أكثر من سبعين مرة في القرآن الكريم، بألفاظ مختلفة (أوحى)، (أوحيت)، (أوحينا)، (يوحي)، (نوحيه)، (نوحيها)، (ليوحون)، (أوحي)، (وحي)، (وحيه)، (وحينا)، ومعظم المعاني القرآنية معبرة عن الأمر الإلهي للرسل، وأكثر صورة منها استعملت في القرآن هي كلمة (أوحينا) قال تعالى:
{ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} .
وقال أيضا:
 - ( وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ )
 - ( وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ).
-
( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ).
-
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي).
-
( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ).
-
( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) .
-
( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ )

والاستعمال القرآني للفظة ( الوحي) جعلت هذه الكلمة ذات مدلول خاص يعبر عن أمر الله للأنبياء في بعض الأحيان، ويعبر عما يتنزل على الأنبياء من كلام الله بواسطة جبريل، وفي جميع الأحوال لا تطلق كلمة (الوحي) في اللغة العربية إلا في هذا الإطار، وإذا استعملت في بعض الأحيان في المعنى اللغوي فإن هذا الاستعمال قليل، وغالبا ما يكون في صيغة الفعل التي تعبر عن المعنى اللغوي الدال على الإشارة الخفية الدالة على معنى معين.

وتتعدد معاني كلمة (الوحي) في القرآن، بحسب الآيات، فأحيانا تفيد معنى الإخبار كقوله تعالى: ( فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) 
 وأحيانا تفيد الأمر كقوله تعالى: ( وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) 
 وأحيانا تفيد معنى الإنزال كقوله تعالى: ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها).

كيفية نزول الوحي على الأنبياء عموماً :

والوحي كاسم معناه: الكتاب، ومصدره ( وَحْي)، وفعل ( أَوْحَى) مصدره (إِيحَاء)  غير أن للوحي وجوهًا دلالية يتطلَّبها السياق في القرآن على نحو مخصوص.

أنواع الوحي الإلهي للأنتياء وأقسامه 
 :
إنّ النبي تارة يتلقّى الوحي على نحو الإلهام في القلب ، واُخرى يسمع عبارات وكلمات من وراء حجاب كسماع موسى عليه ‌السلام كلام الله سبحانه في الطور، وثالثة تنكشف الحقائق له في عالم الرؤيا انكشاف النهار كرؤيا إبراهيم الخليل عليه ‌السلام ذبح ولده إسماعيل ، وقد ينزل عليه ملك من جانب الله تعالى معه كلامه سبحانه وهو الذي يسمّى بالروح الأمين.

وإلى الطرق الثلاثة : « سوى الرؤيا » اُشير بقوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) وهذه الآية تنفي أولاً إمكان تكليم الله للبشر بطريقة مباشرة، وهذا أمر طبيعي، فالتكلم المباشر غير ممكن، لأن الطبيعة البشرية محدودة ولا يمكن لها أن تتلقى الكلام إلا بالحواس، وكلام الله أسمى من أن تكون أداته الحواس البشرية، فلذلك حدد أن يكون التكليم من وراء حجاب. وذكر الوحي أولاً لأنه هو الصورة التي تنزل بها القرآن، وأشار الى نزول الملك بقوله: ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً )  وذَكر الله الملك الحامل لكلامه سبحانه بقوله : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ لْمُنْذِرِينَ)( الشعراء 192-194 ). وهذه صورة من صور نزول الوحي، وهي خاصة بالقرآن. والتي حددت بطريقة واضحة وبينة كيفية نزول الوحي بالقرآن على النبي ﷺ.

وأمّا الإشارة بالقرآن الرؤيا الصادقة أنها من طرق الوحيٌّ الذي يأمر بها أنبياءه بأمر،  فيكفي دليلاً عليها قوله سبحانه حاكياً عن الخليل عليه‌السلام : ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( الصافّات  102 ). فلو لم تكن رؤيا الخليل إدراكاً قطعيّاً واتّضح بها وجه الحقيقة كفلق الصبح لما أخبر ولده بها ولما أجابه الولد بالإمتثال طائعاً.

وصور الوحي الإلهي كما حددها القرآن هي:

أولا: الوحي المباشر:

 وهذا النوع  بمعنى الإلهام أو النفث في الروع وهو إلقاء المعنى الموحى به في القلب:
والقلب في القرآن هو مصدر المعرفة وهو موطن الفهم، ولهذا كثر استعمال القرآن للفظ القلب في موطن حديثه عن الفهم، والقلب هو الخصوصية الإنسانية وهو المخاطب بالأمر الإلهي، ويختلف الوحي المباشر عن الإلهام الغريزي أو الفطري، فالإلهام قد يكون نابعا من الذات، وقد يخطئ الإنسان فيه أو يصيب ولا يعرف مصدره، فقد يكون من وسوسة الشيطان، بخلاف الوحي المباشر فإنه أمر خارجي تتلقاه النفس البشرية، وتعرف جيدا مصدره، فلا يلتبس الأمر عليها، وهو خاص بالأنبياء، ولا يكون لغير الأنبياء، بخلاف الإلهام الفطري فقد يكون لغير الأنبياء، وقد يكون إلهام خير أو إلهام شر، ويختلف مصدره.

ثانيا: الكلام من وراء حجاب:

وهذه الصورة وردت في القرآن في قوله تعالى: ( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) .( القصص 29-31)

ثالثا: الوحي عن طريق رسول:
والمراد بالرسول هنا جبريل، ويفسر هذه الكيفية قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين}
وفسرت السنة النبوية كيفية الوحي بما رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاء الملك فقال: ( اقرأ) ".
وهذه هي الصورة الأولى للوحي، الرؤيا الصالحة في النوم، أو لعلها من مقدمات الوحي، وليست هي الوحي.

ونخصص هنا طرق الوحي التي كان يوحي بها الله تعالى لنبيه محمد :

أولاً: الكلام من وراء حجاب:
وهذه الصورة التي كلم الله بها موسى عليه السلام عند جانب الطور، كلم الله بها سيدنا محمد ﷺ،  أيضا يقظة كما حدث له ليلة المعراج ، فقد كلمه ربه من راء حجاب وفرض الصلوات الخمس ، كما جاء في حديث الإسراء والمعراج.
 ومناماً كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ - أي : في المنام - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ؟ قُلْتُ : رَبِّ لَا أَدْرِي ... ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

2- النفث في الرُّوع :

وهو ما يقذفه الله في قلب الموحَى إليه مما أراد الله تعالى ، وهو داخل في " الوحي " المذكور في قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) لشورى 51 )
وقال النبي : ( إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أَنّه لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ وَلاَ يَحْمِلَنّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَن تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ) .
(رواه الحاكم في " المستدرك " ، وصححه الألباني في صحيح الجامع) .
قال المناوي – رحمه الله - :
( في رُوعِي ) بضم الراء ، أي : ألقى الوحي في خلَدي وبالي ، أو في نفسي ، أو قلبي ، أو عقلي ، من غير أن أسمعه ولا أراه( .فيض القدير)

3- الرؤيا الصادقة .

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ " .رواه البخاري .
وقال عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ – وهو من كبار التابعين - : " رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) " .(رواه البخاري (

4-عن طريق جبريل عليه السلام: وكان يأتيه على صور ، منها :

أ. أن يأتيه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها:
 
عن مسروق أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) (التكوير 23 ) وقوله ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى )(النجم 14 ) فَقَالَتْ : أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ( إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ) .رواه مسلم
-وكانت هذه هي الصورة التي بدأ فيها الوحي على محمد ﷺ.  ذلك أنَّه وهو في غار حراء كما جاء في حديث عايشة رضي الله عنها السابق قولها : " ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاء الملك فقال: ( اقرأ) ".
ثمَّ رجع النبي رجع إلى بيته يرجف فؤاده، ودخل على خديجة بنت خويلد، قال لها والروع يطوقه ويحيط به: " زمّلوني زمّلوني" فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، وأخذ يحدث خديجة ويخبرها الخبر:
-
" يا خديجة. لقد خشيت على نفسي".
قالت خديجة بلهجة المرأة الواثقة من زوجها المؤمنة بأن ما جاء به هو بداية رسالة، وأنه مقبل على عهد جديد لا عهد له به، ما كان يدري قبله ما الكتاب ولا الإيمان. ( كلا... والله لا يخزيك الله أبدا.. إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
لم يكن محمد يتوقع هذا الأمر، ولا يعرفه ولا يدري عنه شيئا.. وأنّى له أن يعلم، ومكة لم تكن دار علم ولا ثقافة، وأهلها لا يعلمون إلا القليل عن تاريخ الأنبياء والرسل.
( وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ ) ( القصص 86) ، ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).( الشورى 52)
والكيفية التي أتى بها الملك جبريل عليه السلام للنبي محمد ﷺ، لتدل أكبر دلالة على صدقه ﷺ.، ذلك الرجل الأمي الذي عاش في مكة في أجواء بعيدة كل البعد عن معرفة أمر السماء غافلة كل الغفلة عن أمر النبوة، لا تعرف إلا القليل مما كان يتتبعه حكماء مكة عن تاريخ الأنبياء، وكل ذلك لا يرقى إلى مستوى المعرفة المستوعبة التي تمد محمداً بتاريخ الأمم السابقة وقصص الرسل والأنبياء.

ب. أن يأتيه في مثل صلصلة الجرس .

عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فقال رسول الله : ( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ)(.رواه البخاري ومسلم)
قال البغوي – رحمه الله - :
قوله : " يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ"  فالصلصلة : صوت الحديد إذا حرك ، قال أبو سليمان الخطابي : يريد - والله أعلم - أنه صوت متدارِك يسمعه ولا يثبته عند أول ما يقرع سمعه حتى يتفهم ، ويستثبت ، فيتلقفه حينئذٍ ويعيه ، ولذلك قال : وهو أشده عليَّ .
وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :
وقوله " وهو أشده عليَّ " إنما كان أشد عليه لسماعه صوت الملك الذي هو غير معتاد ، وربما كان شاهَدَ الملَك على صورته التي خُلق عليها ، كما أخبر بذلك عن نفسه في غير هذا الموضع ، وكان يشتد عليه أيضاً ؛ لأنه كان يريد أن يحفظه ويفهمه مع كونه صوتا متتابعا مزعجاً ، ولذلك كان يتغير لونه ، ويتفصد عرقه ، ويعتريه مثل حال المحموم ، ولولا أن الله تعالى قواه على ذلك ، ومكَّنه منه بقدرته : لما استطاع شيئا من ذلك ، ولهلك عند مشافهة الملك ؛ إذ ليس في قوى البشر المعتادة تحمل ذلك بوجه ." المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم "
وقال المباركفوري – رحمه الله - :
( وهو أشده علي ) أي : هذا القسم من الوحي أشد أقسامه على فهم المقصود ؛ لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة ، أشكلُ من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود ، وفائدة هذه الشدة : ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات . "تحفة الأحوذي "

ج. أن يتمثل له رجلاً : قد يُرى من الصحابة ، كما في حديث جبريل المشهور ، وقد تمثل للنبي بصورة الرجل الغريب ، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان .
وقد لا يُرى منهم ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فقال رسول الله : ( ... وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ (رواه البخاري ومسلم   .
وكان النبي يعاني من التنزيل عليه بالوحي ، ويظهر ذلك بالعرق الذي كان يسيل من جبهته وجبينه في اليوم الشديد البرد ، إلا أن بعض صور الوحي كانت عليه يسيرة كتشكل جبريل بصورة رجل ، إلا أن أشدَّها عليه كانت مجيئ الوحي على مثل صلصلة الجرس – كما سيأتي-
 
وكانت تحصل مع النبي بنزول الوحي عليه أحوال ، يراها ويسمعها ويشعر بها من حوله من أصحابه رضي الله عنهم ، وفي بعضها معاناة شديدة ، ومن ذلك :

1- أنهم كانوا يسمعون عند وجهه دويّاً كدويّ النحل :

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : "كان النبي إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل " رواه الترمذى
ويمكن أن يكون صوت دوي النحل باعتبار ما يسمعه من حول النبي ، وأما هو فيسمعه كصلصلة الجرس .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله  :فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس ؛ لأن سماع الدوي بالنسبة إلى الحاضرين - كما في حديث عمر " يُسمع عنده كدوي النحل " والصلصلة بالنسبة إلى النبي ، فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين ، وشبهه هو بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه . فتح الباري ".

2-أن جبينه وجبهته تفيضان بالعَرَق حتى في اليوم الشديد البرد.
 
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " .
رواه البخاري ومسلم ولفظه : " ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا " .
( يفصم ) : ينقطع .
( يتفصد ) : يسيل .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وفي قولها في اليوم الشديد البرد دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العادة وهو كثرة العرق في شدة البرد ، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية . " فتح الباري.
وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت :
حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِى الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْهِ .رواه مسلم.
(الْجُمَانِ) هو حب من فضة يعمل على شكل اللؤلؤ ، وقد يسمى به اللؤلؤ .
3- أنه يثقل وزنه جدّاً حتى إن البعير الذي يكون عليه يكاد يبرك .
 وحتى خشي زيد بن ثابت على فخذه أن ترضَّ وقد كانت فخذه رضي الله عنه تحت فخذ النبي .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : " إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا " .رواه أحمد، وصححه المحققون .
زاد البيهقي في " دلائل النبوة " قولها " مِن ثقل ما يوحي إلى رسول الله " .
الجِران : باطن عنق الناقة .
قال السندي – رحمه الله - :
قوله ( فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا ) - بكسر الجيم - : باطن العنق ، والبعير إذا استراح مدَّ عنقه على الأرض .حاشية " مسند أحمد ".
وعن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قال : " ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي " .رواه البخاري

4-وكان تصيبه الشدة :

وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت : ( فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ ).رواه مسلم
قال بدر الدين العيني – رحمه الله - :
(البُرَحاء ) بضم الباء الموحدة وفتح الراء وبالحاء المهملة الممدودة ، وهو شدة الكرب ، وشدة الحمَّى أيضاً .

5- وكان يتغير وجهه فيتربَّد ثم يحمرُّ .:

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : " كَانَ نبي اللَّهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوحي كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ " .رواه مسلم
قال النووي – رحمه الله - :
(وتربَّد وجهُه ) أي : علته غبرة ، والربد تغير البياض إلى السواد ،أي تغير وصار كلون الرماد ، وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي ، قال الله تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلاً ) . شرح مسلم  .
وقد وصف الصحابي الجليل يعلى بن أمية وجه النبي عند نزول الوحي عليه بقوله " فَإِذَا النَّبِيُّ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ ( أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا ) ، كما رواه رواه البخاري ومسلم
وقد جمع بينهما النووي رحمه الله فقال :
وجوابه : أنها حمرة كدرة ، وهذا معنى " التربد " ، أو : أنه في أوله يتربد ثم يحمر ، أو بالعكس .شرح مسلم " ( 15 / 89 ) .

6- وكان ينكس رأسه ، ويغطيه بثوب .

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : " كَانَ النَّبِىُّ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ نَكَسَ رَأْسَهُ وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ فَلَمَّا أُتْلِىَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ " .رواه مسلم .
أتلى : ارتفع عنه الوحى
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : " ... وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَرَفْنَا ذَلِكَ فِيهِ فَتَنَحَّى مُنْتَبِذًا خَلْفَنَا قَالَ فَجَعَلَ يُغَطِّي رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ وَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى عَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَتَانَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) .رواه أحمد ، وحسنه المحققون .
7-كان يحرِّك لسانه بسرعة وشدة ليحفظ عن جبريل حتى نهاه الله عن ذلك وطمأنه أنه سيجمع القرآن له في صدره .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قَالَ : جَمْعُهُ لَه فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) قَالَ : فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتمَعَ ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ كَمَا قَرَأَهُ .
(رواه البخاري ومسلم ) .
ورواه مسلم بلفظ : " يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ " .
قال ابن الجوزي – رحمه الله - :
تفسير هذا أنه كان يحرك شفتيه بما قد سمعه من جبريل قبل إتمام جبريل الوحي مخافة أن يذهب عنه جبريل وما حفظ فقيل له ( لا تحرك به ) أي القرآن ( لسانك لتعجل به ) أي بأخذه ( إن علينا جمعه وقرآنه ) أي علينا جمعه وضمه في صدرك ( فإذا قرأناه ) أي إذا فرغ جبريل من قراءته ( فاتبع قرآنه ) قال ابن عباس فاستمع وأنصت .كشف المشكل من حديث الصحيحين " .

8-وكان يُسمع له غطيط كغطيط البَكر ، وهو الفتي من الإبل .

عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : " وددت أنى قد رأيت رسول الله وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر : تعال ، أيسرك أن تنظر إلى النبى وقد أنزل الله عليه الوحي ؟ قلت : نعم ، فرفع طرف الثوب ، فنظرت إليه له غطيط ، وأحسبه قال : كغطيط البَكر "رواه البخارى ومسلم "

ثالثاً:وكل ما أصاب النبيَّ من كربٍ وشدَّة لا شك أنه بسبب ثقل الوحي:

 الذي قد أخبره الله تعالى به قبل إنزاله عليه ، وقد هيَّأه تعالى لذلك التلقي .
قال أبو شامة المقدسي  رحمه الله  :وهذا العرق الذي كان يغشاه كما في هذا الحديث ، واحمرار الوجه ، والغطيط ، المذكوران في حديث يعلى بن أمية ، وثقله على الراحلة ، وعلى فخذ زيد بن ثابت كما ورد في حديثين آخرين : إنما كانت لثقل الوحي عليه كما أخبره سبحانه في ابتداء أمره بقوله ( إنِّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) ، وذلك لضعف القوة البشرية عن تحمل مثل ذلك الوارد العظيم من ذلك الجناب الجليل ، وللوجل من توقع تقصير فيما يخاطب به من قول أو فعل .
قال ابن إسحاق : " وللنبوة أثقال ومؤنة لا يحملهما ولا يستطيع لها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله عز وجل " .
"
شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى "

No comments:

Post a Comment