Saturday 19 March 2016

الأمثال في القرآن ج 4- من سورة البقرة - المثل الثاني المثل المائي.



 


الأمثال في القرآن 4
المثل الثاني – من سورة البقرة – المثل المائي:

يوم نوضح المثل الثاني في القرآن ، وهو وإن اقترن بالمثل الأول أقترانا وثيقا ، إلا أنه للحرص على عدم الإطالة فصلت تفسير كل واحد منهما على حدة.
المثل الثاني: المثل المائي الذي قال الله فيه: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 19-20]

المعنى الإجمالي للمثل:

وذكر مثلهم المائي فشبههم بحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فخارت قواه  ووضع إصبعيه في أذنيه وأغمض عينيه خوفا من صاعقة تصيبه، لأن القرآن بزواجره ونواهيه وخطابه نزل عليهم نزول الصواعق. سحابٌ كثيفٌ قاتم تصحبه عواصف الرَّعد المطيرة ، مطر شديد الانصباب
الصَّيِّبُ : السَّحَابُ ذو الصَّوْب
الصَّيِّبُ : المطَر
 الصَّيِّب: السحاب الكثيف القاتم تصحبه عواصف الرعد المطيرة ، وأطلق بعد على المطر الشديد الإنصباب( معجم المعاني الجامع)، وهذا المثل ضربه الله لطائفة أخرى من المنافقين عندهم شك وريب، يؤمنون أحياناً ويكفرون أحياناً، يؤمنون حين يلمع بهم الحق ويضيء، ولكن إيمانهم ضعيف، فإذا غاب عنهم الحق ولم يبصروه يكفرون، فشبههم بالصيَّب.
قوله تعالى: ( فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) الرعد: الصواعق التي تصيبهم، والبرق: النور الذي يلمع ويضيء لهم أحياناً.
قال الله تعالى: ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) فإيمانهم تارة يظهر وتارة يختفي، ولهذا قال: ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ) يعني: إذا أضاء البرق مشوا، وإذا أظلم وقفوا، فهم في حيرة وتردد.
قال الله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) 

الفوائد والعبر:ـ

قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ): (أو) قيل: هي للتخيير.أي أضرب لهم مثل الذي استوقد نارا ، أو حال من رآى أو سمع البرق والرعد ، فهما سواء.
وقيل: هي للتقسيم أو التنويع ، تقول العرب: (خذ هذا القلم أو هذا القلم أو هذا القلم) فهذا تقسيم وليس بتخيير، أي أن المثلين ليسا لنوع واحد من المنافقين ، بل هم أنواع ، ذكر في كل مثل نوع منهما- وهذا الأقرب على ما سيأتي بيانه

 بيان معنى قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ)  

والصيِّب: هو المطر؛ وللمطر أسماء حسب شدته واستمراره منها: (الوكل- الغادي- الوسمي- الولي- الطش- الرش- المطر- الغيث-) 

ويلاحظ:  أن الغالب في القرآن إذا ذكر الله المطر فهو للعذاب: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ) [الشعراء:173].
وإذا ذكر الله الغيث فهو للرحمة، وهذا في الغالب؛ ولذلك يقول : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث " ولم يقل: المطر.

وذكر بعض أهل العلم كابن الجوزي : أن من أسباب إجابة الدعاء: نزول الغيث، ولذلك ترتاح القلوب إذا سمعت الطش والرش، وأنت تسأل الله أن ينزل على قلبك رحمةً كما أنزل على الأرض رحمةً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
والله قارن بين غيث البلدان وغيث الأرواح والجنان بمقارنة، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[الحديد 16] ثم قال بعدها: ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) [الحديد 17] 

فيا من يحيي الأرض بعد موتها بالمطر نسألك أن تحيي قلوبنا بالإيمان والقرآن والسنة.

ما هو الرعد ؟

رَعَدَتِ السَّماءُ : دَوَّى الرَّعْدُ فِيها
رَعَدَهُ الرَّجُلُ : تَهَدَّدَهُ بِالشَّرِّ
رَعَدَ لَهُ وَبَرَقَ : هَدَّدَهُ وَتَوَعَّدَهُ بِالشَّرِّ
الرعد : هو بمعنى التهديد ، يقال رَعَدَهُ الرَّجُلُ : تَهَدَّدَهُ بِالشَّرِّ ، رَعَدَ لَهُ وَبَرَقَ : هَدَّدَهُ وَتَوَعَّدَهُ بِالشَّرِّ ، فمادة الرعد فيها التهديد والتخويف ،ويقال أيضاً : رَعَدَتِ السَّماءُ : دَوَّى الرَّعْدُ فِيها.
وسمي الرعد بهذا الاسم  لأنه " مخوف كالتهديد بالهلاك،  يخيف العبد ، ولذلك إذا قيل " فلان يرتعد " يعني خائف .
والرعد هو: ورد عن علي وابن عباس  وأكثر المفسرين رضي الله عنهم  أنَّ: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب ،  وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك . وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه، ويفسر هذا القول أنَّ الرعد  اسم " ملك " ما جاء عن رسول الله كما عند الترمذي  لما أتاه نفر من اليهود فسألوه عن الرعد ؟ قال " ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله " ( سنن الترمذي وقال حسن غريب ، وصححه الألباني)
ونأخذ بهذا القول لصدوره عن المعصوم والحديث صحيح ، ولا مانع أن نجمع بين هذا القول وبين ما فسره العلماء من تكون ظاهرة البرق والرعد ، من أنهما يحدثان من اصطكاك السحاب بعضه بيعض.

 وصف الرعد بحال المنافق     

قال تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ ) ما هو وجه وصف الرعد بما عليه حال المنافقين؟  قالوا: لأن صوت الحق كصوت الرعد، فهم يسمعون الإنذارات والتهديد والزجر من القرآن فيقع عليهم كالرعد، ولذلك فالمجرم يخاف من كل شيء حوله ، فإذا سرق أحدهم وسمع الناس يقولون: السلطان يبحث عن أناس من المجرمين، خاف وارتعد حتى كاد يفضح نفسه؛ ولذلك يقول المثل: (كاد المريب أن يقول: خذوني).
والقرآن وصف المنافقين بأنهم يخافون من الأصوات، يقول الله تعالى: ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) [المنافقون4]
أن الله وصفهم بحال من يسمع  الرعد، لأن ما يسمعون من قوارع  أو زواجر كأنه رصاص على رءوسهم أو رعد.

 وصف البرق بحال المنافق: 
     
معنى برَقَ ( فِعْل) : برَقَ يَبرُق ، بَرْقًا وبَريقًا وبُروقًا ، فهو بارِق
بَرَقَ البَرْقُ في السَّماءِ : بَدا مِنْها البَرْقُ ، بَرَقَتِ السَّماءُ : لَمَعَ فيها البَرْقُ
بَرَقَ الصُّبْحُ : تَلأْلأْ بَرَقَتْ أَسارِيرُ وَجْهِهِ بَرَقَ السَّيْفُ ، بَرَقَ الرَّجُلُ : تَوَعَّدَ ، تَهَدَّدَ
بَرَقَ البَصَرُ : دَهِشَ ولَمْ يُبْصِرْ شَيْئاً حَوْلَهُ ( فإذا بَرَقَ البَصَرُ وَخَسَفَ القَمَرُ ) القيامة18

ووجه الشبه بين البرق وبين أحوال المنافقين:  أن البرق الذي يلوح لهم عارضاً، لا يستمر لزمن بسمح للسائر أن يهتدي به، يسير بضوئه المنقطع لا يصل هدفا يستريح له، وهو يلمع تارة ويخبو تارة فتمشي خطوات فينطفئ كلما لمع،  وفي هذه الآية تشبيه لجزع المنافقين من آيات الوعيد في القرآن بما يعتري القائم تحت السماء حين الرعد والبرق والظلمات فهو يخشى استكاك سمعه ويخشى الصواعق حذر الموت ويعشيه البرق حين يلمع بإضاءة شديدة ويعمي عليه الطريق بعد انقطاع لمعانه،  وقوله كلما أضاء لهم تمثيل لحال حيرة المنافقين بحال حيرة السائرين في الليل المظلم المرعد المبرق .
فالمنافق يرى اللمع ويسمع القرآن، والمواعظ، لكنه لا يدخل إلى قلبه من هذا شيء؛ لأن قلبه مغلق عليه مغلف فلا تدخل إليه الهداية.
قالوا: فوصف البرق مثله كمثل ما يرى من نور الإسلام الذي يراه المنافق من بعيد، ولكنه يلمع لمعاناً فلم يهتد به.

 بيان معنى الصاعقة  
معنى قوله تعالى: ( من الصواعق )
قوله عز وجل:( يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)
و ( مِنَ ) هنا سببية ، لأنه ليس معنى ( من ) التبعيض، كما يتوهمه كثير من الناس ، هي تأتي للتبعيض كما ورد في صفات المؤمنين : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } البقرة 3
أي : من بعض ما رزقناهم .
أما هنا " للسببية ، أي يجعلون أصابعهم في آذانهم بسبب الصواعق خوفا من الموت. 

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ ) لأنهم خائفون من زواجر القرآن والسنة ، وهم في الحقيقة يسدون بأصابعهم آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فيؤمنوا به وبمحمد .

الصاعقة:
 
صَواعِقُ:  جمع صاعِقة ، الصَّاعِقَة : العذاب المهلك ، يصحبها صوت شديد وينتج عنه احتراق، وهي تتنزل من السماء قد تكون مع البرق والرعد ، أو منفردة عنه، وقد أحرق الله بها أقواماً منهم من ذكر الله عز وجل. ولفظ الصَّعْقة الذي ورد في القرآن : هو صوت الصاعقة ، وصَعِقَ الفعل في قوله تعالى: ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ) ( الزمر 68)، أي مات.
فهذه من الصواعق إذا وقعت يستعاذ بالله منها، فإنها تقع في بعض الديار ابتلاءً من الله، تقع على الشجر والبيوت والمزارع فتحرقها، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر قال: إِنَّ رسولَ اللهِ كان إذا سمِع صوتَ الرعدِ والصواعِقِ ، قال: "  اللهم،  لا تقتُلْنا بغضبِك ، ولا تُهلِكْنا بعذابِك ، وعافِنا قبلَ ذلك"  ( أخرجه الترمذي وقال غريب ، وإسناده حسن ، أو صحيح)
وورد في بعض الآثار، كما في الأدب المفرد للبخاري؛  عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ أنَّه كان إذا سمِعَ الرَّعدَ تركَ الحديثَ وقال :" سبحان الَّذي يُسَبِّحُ ( الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ )( الرعد 13  ثمَّ يقولُ : إنَّ هذا لوعيدٌ شديدٌ لأهلِ الأرضِ " ( صحيح الأدب المفرد  وقال موقوف– للألباني)
وإذا وقع في الإنسان فليحتسبه عند الله، فإنها مصيبة يؤجر إن صبر عليها، كأن يأخذ البرق ماشيته، أو يأخذ شيئاً من الأرواح ، أو يصيب شيئا من أملاكه،  فهي مصيبة إن صبر أجر عليها.

 بيان معنى الإحاطة     

قال تعالى: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ )
قالوا: (مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) أي: مهلكهم، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ) [الكهف:42] أي: أهلك ثمره.
أو أنه لا يفوته منهم أحد؛ لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً )[الطلاق:12].
وهو سبحانه محيط بالكافرين لا يخفى عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما يفعلون، فهو محيط بحركاتهم وسكناتهم ، وكذلك هو محيط بكل خلقه.

في وصف الله تعالى نفسه بأنه محيط

قال الله عز وجل : { واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ } فذكر لفظ الجلاله ( واللّهُ ) في نهاية الآية في موضع يصلح معه الضمير ويفهم منه ، فسبحانه لم يقل: ( وهومُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ )
لو كان في غير القرآن لصح هذا التعبير ، لأن الأسلوب يرجع إليهم ، لكن هذا 
 الأسلوب البلاغي يعبر عنه بأسلوب –الإظهار في مقام يفهم فيه الإضمار- 

ومن فوائد استخدامه هنا:
أولا : ليبين الله عز وجل حكمه على هؤلاء بأنهم كفار.
ثانيا : أن هذه الإحاطة منه جل وعلا ليس بهذا الصنف فقط من الكفار ، ذلك أن أصناف الكفار كثيرة منها: كفر نفاق ، كفر شك، كفر إعراض، كفر عناد ، كفار إباء واستكبار،  فهو ليس محيطا بهؤلاء فحسب، بل محيط بجميع الكفار.

ونظير هذه الآية : قوله تعالى : {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }
لو قال : " فإن الله عدو له " لصح ، ولكنه قال (فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) فأعطى معنيين، الأول : أنَّ هؤلاء من عادوا جبريل وميكائيل عليهما السلام هم  كفَّار.
والثاني :  على أن الله جل وعلا عدو لكل كافر .
 بيان إحاطة علم الله بجميع الخلق، ومنهم هؤلاء الكفار: فإذا كانوا في إحاطته جل وعلا،  كان ذلك أدعى لهم أن يخشوه جل وعلا.
-وما يترتب على هذه الإحاطة إذا لم يؤمنوا  " الهلاك "
ولذلك قال عز وجل عن يعقوب عليه السلام لما أخذ العهد على أبنائه:
{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } يوسف66 . يعني : أن تهلكوا جميعا 
فالله جل وعلا محيط بهؤلاء الكفار، وهم في قبضته جل وعلا ، وأيضا مبيدهم ومهلكم
-  وأن هؤلاء المنافقين إذا أتتهم نعمة ، سعدوا واطمأنوا بها ، ورضوا عن الشريعة والدين ، قالوا ما أجمل هذا الدين ، وإذا حلت بهم نكبة سخطوا ، وانتقدوا كل جزئياته وقالوا ما أسوأه . وهذا معنى قوله تعالى :{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } البقرة20 ،  وقوله ( قَامُواْ )  يعني توقفوا ، مثل إنسان واقف على هوة جبل يكاد أن يسقط . وهذه الآية كما قال عز وجل : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ( الحج11)

انتهت الآيات بتهديد شديد :

أنه لما جل وعلا لما عطَّل أسماعهم وأبصارهم وأفواههم عما يعود عليهم بالنفع ، وهذا عقاب معنوي – لأن الأسماع والأبصار والألسن موجودة، ولكنها لا تسمع ما ينفع، ولا تبصر ما يفيد -هددهم وتوعدهم بأن يسلبهم أسماعهم وأبصارهم الحسية، كما سلبهم إياها معنويا، يسلبهم إياها حسيا، ولذا قال: { وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }. جزاء لهم لإساءة استعمال ما رزق الله من الحواس، وعدم استعمالها فيما ينفعهم.
 والله أعلم بمراده.

 المصدر شرح للمثلين: حديث للشيخ عائض القرني – مقال للشيخ : زيد بن مسفر، باختصار وتصرف - وتفسير ابن كثير، والقرطبي.

No comments:

Post a Comment