Wednesday 9 March 2016

تفسير وربط للآيات – وبيان للمتشابهات سورة الحديد ج 4


 



  تفسير وربط للآيات – وبيان للمتشابهات
سورة الحديد ج 4

   

في الجزء الآخير من السورة ذكر الأنبياء والرسل من قبل محمد، يبدأ سبحانه بذكر الأنبياء  ) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ( عمومهم ، ويؤكد على حقيقة ما أمروا به بالعدل ، ثم بخصص سبحانه بذكر نبيين من نسلهنا كان الأنبياء من بعدهما ( نوحا ، وأبراهيم )، ثم يذكر عيسى عليه السلام وأمته ، وما ميزهم به عن من سبقهم من الأمم ، وما ابتدعوه من الدين لهدف سام عندهم ، ولكن الوسيلة غير مشروعة .... ، وفي آخر الآيات يعطي أمة محمد فضلا يختصهم به كرامة لهم لاتباعم لسيد الخلق ـ إمام الأنبياء فضلا من عنده ، ولم يظلم أحدا من غيرهم حقه ........ تعالوا بنا إلى الآيات :


قوله تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ) أي:بالمعجزات، والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات، ( وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) وهو:النقل المصدق ( وَالْمِيزَانَ ) وهو:العدل. قاله مجاهد، وقتادة، وغيرهما. وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة، وقوله: ( وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) أي: هو ما يوزن به ومتعامل ( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )  أي بالعدل في معاملاتهم. وقوله: ( بِالْقِسْطِ )  يدل على أنه أراد الميزان المعروف وقال قوم: أراد به العدل. قال القشيري: وإذا حملناه على الميزان المعروف، فالمعنى أنزلنا الكتاب ووضعنا الميزان ، ويدل على هذا قوله تعالى: ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)( الرحمن7 ) ثم قال: ( وأقيموا الوزن بالقسط ) ( الرحمن 9 ) . ولهذا قال في هذه الآية: ( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) أي:بالحق والعدل ( وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ )  روى عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح ) ( قال في زاد المعاد : جديث موقوف على ابن عمر ، وفي الفتاوي عند ابن تيمية قال: موضوع )
وقيل معنى( وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ ) أي أنشأناه وخلقناه، كقوله تعالى: ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج )  ( الزمر 6 ) فلم تنزل الأنعام من السماء، ولكنها مخلوقة، وهذا قول الحسن، فيكون الحديد من الأرض غير منزل من السماء. وقال أهل المعاني: أي أخرج الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه.
ولهذا قال تعالى: ( فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) يعني:السلاح كالسيوف، والحراب، والسنان، والنصال، والدروع، ونحوها. ( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) أي: كالدروع والجنَّة، وما ينفع النّاس في معايشهم كالسكة والفأس والقدوم، والمنشار، والإزميل، والمجرفة، والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز وما لا قوام للناس بدونه، وغير ذلك.
وقوله: ( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) أي: وليرى الله من ينصر دينه وينصر رسله، ومن نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسله، ( إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) أي: قوي  في أخذه ، ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.عزيز منيع غالب، والغيب أحرى  للإخلاص.


قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) فصل سبحانه ما أجمل من إرسال الرسل بالكتب، وأخبر أنه أرسل نوحا وإبراهيم وجعل النبوة في نسلهما أي أنه منذ بعث نوحًا، عليه السلام، لم يرسل بعده رسولا ولا نبيًّا إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم، عليه السلام، خليل الرحمن، لم ينـزل من السماء كتابًا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده، إلا وهو من سلالته : ( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ )، أي جعلنا بعض ذريتهما الأنبياء، وبعضهم أمما يتلون الكتب المنزلة من السماء: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. وقال ابن عباس: الكتاب الخط بالقلم، ( فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) أي من ائتم بإبراهيم ونوح  منهم ( مُهْتَدٍ ) وقيل: ( فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ) أي من ذريتهما مهتدون ( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) كافرون خارجون عن الطاعة.

 حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما؛ ولهذا قال تعالى: ( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ ) وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) وهم الحواريون وأتباعهم ( رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) أي مودة فكان يواد بعضهم بعضا، وقيل: هذا إشارة إلى أنهم أمروا في الإنجيل بالصلح وترل إيذاء الناس وألان الله قلوبهم لذلك، بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم وحرفوا الكلم عن مواضعه. والرأفة اللين، والرحمة الشفقة. وقيل: الرأفة تخفيف الكل، والرحمة تحمل الثقل. وقيل: الرأفة أشد الرحمة. وتم الكلام هنا ( وقف لازم )، ثم قال: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) أي من قبل أنفسهم. والرهبانية منصوبة بإضمار فعل قبلها: أي ( وابتدعوها رهبانية ابتدعوها) وقال الزجاج: أي (ابتدعوها رهبانية).
 وقيل: إنه معطوف على الرأفة والرحمة، والمعنى على هذا أن الله تعالى أعطاهم إياها فغيروا وابتدعوا فيها، قال الماوردي: وذلك لأنهم حملوا أنفسهم على المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والنكاح والتعلق بالكهوف والصوامع، وذلك أن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي نفر قليل فترهبوا وتبتلوا، قال الضحاك: إن ملوكا بعد عيسى عليه السلام أرتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة، فأنكرها عليهم من كان بقي على منهاج عيسى فقتلوهم، فقال قوم بقوا بعدهم: نحن إذا نهيناهم قتلونا فليس يسعنا المقام بينهم، فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع. وقال قتادة: الرهبانية التي ابتدعوها رفض النساء واتخاذ الصوامع. وفي خبر مرفوع: ( هي لحوقهم بالبراري والجبال ) .
قوله تعالى: ( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) أي ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها، ( إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ) فيه قولان: الأول : أي ما أمرناهم إلا بما يرضي الله، فما شرعناها لهم، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم قصدوا بذلك رضوان الله، وعليه يكون:( إِلا ابْتِغَاءَ ) الاستئناء منقطع، والتقدير ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، هذا قول ، وقول آخر: ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله.
 ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) أي:فما قاموا بما التزموه حق القيام، وهذا ذم لهم من وجهين:
 أحدهما:في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.
 والثاني:في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله، عز وجل.
وقد قال ابن أبي حاتم: عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده بن مسعود قال:قال لي رسول الله : « يا ابن مسعود » . قلت:لبيك يا رسول الله. قال: « هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم، عليه السلام، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقاتلت الجبابرة فقُتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال، فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران، فصبرت ونجت. ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط، فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت، وهم الذين ذكرهم الله، عز وجل: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) »
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي:أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير، وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبًا منها، فلما سلم قال:يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة، أم شيء تنفلته؟ قال:إنها المكتوبة، وإنها صلاة رسول الله ما أخطأت إلا شيئًا سهوت عنه، إن رسول الله كان يقول: « لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم » .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يعمُر، حدثنا عبد الله، أخبرنا سفيان، عن زيد العَمِّي، عن أبي إياس، عن أنس بن مالك أن النبي قال: « لكل نبي رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل » ( لا يصح رفعه إلى النبي  )
ورواه الحافظ أبو يعلى، عن عبد الله بن المبارك به ولفظه: « لكل أمة رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله »
وقال الإمام أحمد: عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رجلا جاءه فقال:أوصني فقال:سألت عما سألت عنه رسول الله من قبلك، أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض.( تفرد به أحمد وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، وقال عنه : حسن )
وبهذا التفسير قال القرطبي: قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )  أي يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى: ( اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) بمحمد ( اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمد ، وهذا مثل قوله تعالى: « أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا » [ القصص: 54 ] ، فيمن آمن من أهل الكتاب بمحمد ﷺ.  ( فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
وفي حديث الشعبي عن أبي بُرْدَة، عن أبي موسى الأشعري قال:قال رسول الله : « ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مَوَاليه فله أجران، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران » ( أخرجاه في الصحيحين )

تفسير آخر: قال ابن كثير في هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )  أي آمنوا بمحمد ، وقد قال بهذا القول كثير من التابعين ، ويدل عليه ما سيأتي من الحديث ، وممن قال به : سعيد بن جبير قال:لما افتخر أهلُ الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنـزل الله هذه الآية في حق هذه الأمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) أي:ضعفين، وزادهم: ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) يعني:هدى يُتَبَصَّر به من العمى والجهالة، ويغفر لكم. فضلهم بالنور والمغفرة. ورواه ابن جرير عنه.
وهذه الآية كقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [ الأنفال:29 ] . 

ويؤيده ما رواه البخاري: عن بريد عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي قال: « مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملا يومًا إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا:لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل. فقال لهم:لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتَرَكُوا، واستأجر آخرين بعدهم فقال:أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا:ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه. فقال أكملوا بقية عملكم؛ فإن ما بقي من النهار شيء يسير. فأبوا، فاستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور » انفرد به البخاري
وما رواه الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر قال:قال رسول الله : " مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال:من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ ألا فعملت اليهود. ثم قال:من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ ألا فعملت النصارى. ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذي عملتم. فغضبت النصارى واليهود، وقالوا:نحن أكثر عملا وأقل عطاء. قال:هل ظلمتكم من أجركم شيئا؟ قالوا:لا. قال: فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء
وقال سعيد بن عبد العزيز:سأل عمر بن الخطاب حَبْرًا من أحبار يهود:كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة؟ قال:كفل ثلاثمائة وخمسون حسنة. قال:فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين. [ ثم ] ذكر سعيد قول الله، عز وجل: ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال سعيد:والكفلان في الجمعة مثل ذلك.

في اللغة : 

الكفل:  الحظ والنصيب ،  وهو في الأصل كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط، قاله ابن جريج. ونحوه قال الأزهري، قال: أشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط، فتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الراكب.
 وقال أبو موسى الأشعري: « كفلين » ضعفين بلسان الحبشة. وعن ابن زيد: « كفلين » أجر الدنيا والآخرة.

قوله تعالى: ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ ) أي بيانا وهدى، عن مجاهد. وقال ابن عباس: هو القرآن. وقيل: ضياء (  نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) في الآخرة على الصراط، وفي القيامة إلى الجنة، وقيل تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام فتكونون رؤساء في دين الإسلام لا تزول عنكم رياسة التي كنتم فيها. وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد ، وإنما كان يفوتهم أخذ رشوة يسيرة من الضعفة بتحريف أحكام الله، لا الرياسة الحقيقية في الدين. (  وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )  ذنوبكم  فالله غفور رحيم.
ثم قال تعالى: ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) أي: ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رَدّ ما أعطاه الله، ولا [ على ] إعطاء ما منع الله، ليس الفضل بأيديهم فيصرفون النبوة عن محمد صلى الله عليه وسلم إلى من يحبون ( وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )  بل الفضل ( وهو الإسلام على هذا القول ) لله يؤتيه من بشاء.
وهذه الآية تؤيد التفسير الثاني – ما قال به ابن كثير – في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُول)  أن المراد بهذا الخطاب هم من آمن بمحمد
قال ابن جرير: ( لِئَلا يَعْلَمَ ) أي: ليعلم ، وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها: « لكي يعلم » . وكذا حطَّان بن عبد الله، وسعيد بن جبير، قال ابن جرير:لأن العرب تجعل « لا » صلة في كل كلام دخل في أوله وآخره أحد غير مصرح، فالسابق كقوله تعالى: ( مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ ) [ الأعراف 12 ] ، ( وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ) [ الأنعام 109 ] ، ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) [ الأنبياء 95 ] .

تم تفسير سورة الحديد فالله الحمد والمنة والفضل ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات 

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

No comments:

Post a Comment