Wednesday 2 March 2016

الأمثال في القرآن - المراد بالأمثال في القرآن -2

  


 



الأمثال في القرآن2  

الأمثال : حكمة العرب ، كان يوحي بعضهم بها إلى بعض بلا تصريح ، فيفهم الرجل عن صاحبه ما راود به وداراه  باختصار وايجاز.

 ونعلم أنَّ فائدة المثل أن تبين للمضروب له الأمر الذي ضرب لأجله فينجلي غامضه .
وفي مقدمة الكلام عن الأمثال، تكلمنا عن أنوع الأمثال حسب الأسلوب البلاغي اللغوي المستخدم فيها، من التشبيه الصريح أو غير الصريح ، أو الكامن ،أو الإستعارة وغيرها ، ونحن هنا نضيف تفسيم آخر للأمثال في القرآن بحسب ما يراد منها من المواعظ والعبر والتقريب: 


المراد بضرب الأمثال في القرآن:
 
  ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالمشاهد، وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان بتفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله، قال تعالى: { وضربنا لكم الأمثال } إبراهيم
أما ما اشتمل على تفاوت ثواب،  أو على إحباط عمل،  أو على مدح أو ذم،  أو نحوه فهذا يكون أكثر ما يكون في  الأحكام.

وذكر أهل التفسير أن المثل في القرآن على أربعة أوجه :

الأول: بمعنى الشّبَه: ومنه قوله تعالى في البقرة: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } وقال سبحانه في سورة العنكبوت: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا }، وقال في الجمعة: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً }، وقوله: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا } أي:. وصف شبها.
 
الثاني: العبرة:  ومنه قوله تعالى في الزخرف: { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} أي: عبرة لمن بعدهم، وفيها:{  إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } يعني عيسى عليه السلام، أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ بالنبوة، وَجَعَلْنَاهُ آية وعبرة. 

الثالث: الصفة: ومنه قوله تعالى في سورة محمد: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} ( محمد 15) أي: صفة الجنة أن فيها أنهارا.

الخامس: السنن: ومنه قوله تعالى في البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} يعني: سنن الذين من قبلكم ، ومثله في الزخرف: { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً ومضى مَثَلُ الأولين} أي: سننهم ، ومثله في النور: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } .

ولعظيم الفائدة من الأمثال القرآنية التي ذكرها الله، ولعمق المعاني التي تستنتج منها فإنه سبحانه يقول عنها:
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (  العنكبوت 43)
ففي الآية دلالة على أن الأمثال عميقة المعنى، دقيقة في التعبير، لا يحيط بها زبكل ما زردت من أجله إلا من عنده من العقل والنباهة والعلم والذكاء ما يجعله قادراً على أن يعقلها ويفهمها ، فيكون من العلماء الربانيين والأتقياء الأنقياء،  وفي السيرة ذكر ابن كثير عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، قال: عَقَلْتُ عن رسول الله ألف مثل".( مسند الإمام أحمد )، وقال ( الهيثمي في المجمع إسناده حسن)
ثم علق ابن كثير رحمه الله على هذه الرواية فقال: وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه حيث يقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}

المجالات التي تناولتها الأمثال القرآنية كثيرة نذكر أبرزها وأهمها وهي:

1-مثلت للإيمان وحببت فيه ، وردت الشرك وجعلت العقول الواعية تأباه.
2-كشفت الكفر وأهله ، وردت شبهه وما يروجون له.
3-فضحت النفاق والمنافقين، وبينت قبح أعمالهم.
4-دعت إلى الخير ونفرت من الشر
5-صورت الخبيث بأقبح الصور لتنفر منه، وصورت الطيب بأحسن الصور لترغب فيه .
6-مايزت بين الصالح والطالح في مجلات كثيرة.

شبهة الكفار بالإمثال في القرآن :

كالعادة يبحث أعداء الإسلام عن شبهة لينقضوا على الحق ويطمسوه، حيث عمد الكثير منهم إلى الطعن بالقرآن بحجة أن في القرآن أمثالا لا تليق أن تكون من عند الله تعالى، وهي التي ضرب الله فيها مثلا: بالذباب والعنكبوت والنحل والنمل، فهذه حشرات محقرة عند البلغاء وأهل الفصاحة فكيف تكون أداة يستخدمها رب العباد في التمثيل؟
ولكن القرآن يرد باطلهم في من أصله، ولا يبقي له وزنا حيث رد عليهم الله سبحانه بقوله: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} ( البقرة 26)، بيّن لهم القرآن أنه ضرب الأمثال وليس المقصود منها أدواتها وآلاتها، وإنما مكنوناتها وغاياتها، فلو أنهم عقلوا لما نظروا للأداة ، بل نظروا للثمرة والحكمة والفائدة، ولانتفعوا بها وكانت سبب هدايتهم، ولذا قال الله تعالى: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}، كما أن العقلاء ينظرون إلى الممثل به – كالبعوضة والذبابة ..) على أنه خلق عظيم من خلق الله استحق من الله أن ينبهنا إليه بضرب المثل به لينظر إليه العلماء بعين الدراسة والتدقيق ليجلي ما غاب عنا من دقائق الخلق وعظمته.

       اللهم علمنا ما ينفهنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما يا رب العالمين

No comments:

Post a Comment