Tuesday 8 March 2016

تفسير مختصر – ربط للآيات وبيان المتشابهات سورة الحديد ج 3

 

 


تفسير مختصر – ربط للآيات وبيان المتشابهات
سورة الحديد ج 3 

قوله تعالى: { إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ } يخبر تعالى عما يثيب به المُصَّدقين والمُصَّدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة، { وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } أي:دفعوه بنية خالصة ابتغاء وجه الله، لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورًا؛ ولهذا قال: { يُضَاعَفُ لَهُمُ } أي:يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها، ويزداد على ذلك إلى سبعمائة ضعف وفوق ذلك { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي:ثواب جزيل حسن، ومرجع صالح ومآب كَرِيمٌ .
وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} هذا تمام لجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون. وجمع المفسرين على ذلك ، ثم استانف الله تعالى الكلام فقال { وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} ، وعند القرطبي: في قوله تعالى: { وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}،قال: فيهم قولان أحدهما: أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب، قاله الكلبي، ودليله قوله تعالى: { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } ( النساء41 ) . الثاني: أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة، وفيما يشهدون به قولان: أحدهما: أنهم يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية. وهذا معنى قول مجاهد. الثاني: يشهدون لأنبيائهم بتبليغهم الرسالة إلى أممهم، وقال مقاتل قولا ثالثا: إنهم القتلى في سبيل الله تعالى. ونحوه عن ابن عباس أيضا قال: أراد شهداء المؤمنين. والواو واو الابتداء،والصديقون على هذا القول مقطوع من الشهداء.
 قال ابن عباس:هم ثلاثه أصناف: يعني المصدقين، والصديقين، والشهداء، كما قال  الله  تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}  [ النساء:69 ] ففرق بين الصديقين والشهداء، ولا شك أن الصديق أعلى مقامًا من الشهيد، كما رواه الإمام مالك بن أنس، رحمه الله، في كتابه الموطأ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: « إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم » . قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: « بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين » . اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك.
وقال أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون في قوله: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } قال: يجيؤون يوم القيامة معًا كالإصبعين. وقوله: { وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ}  أي:في جنات النعيم، كما جاء في الصحيحين: « إن أرواح الشهداء في حواصل طير خُضْر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال:ماذا تريدون؟ فقالوا:نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قُتِلنا أول مرة. فقال إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون » وقوله: { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } أي:لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا يحيى ابن إسحاق، حدثنا بن لَهِيعَة، عن عطاء بن دينار، عن أبي يزيد الخولاني قال:سمعت فضالة بن عُبَيد يقول:سمعت عمر بن الخطاب يقول:سمعت النبي يقول: « الشهداء أربعة:رجل مؤمن جيد الإيمان، لقي العدو فصدق الله فقتل، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا- ورفع رأسه حتى سقطت قَلَنْسُوة رسول الله أو قلنسوة عمر- والثاني مؤمن لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح، جاءه سهم غَرْب فقتله، فذاك في الدرجة الثانية، والثالث رجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئًا لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك في الدرجة الثالثة، والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافًا كثيرًا، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك في الدرجة الرابعة » ورواه الترمذي من حديث ابن لهيعة وقال:حسن غريب
وقوله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } لما ذكر السعداء ومآلهم، عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم.
ثم يقول تعالى مُوهنًا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ } أي:إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [ آل عمران:14 ]
قيل: اللعب ما رغب في الدنيا، واللهو ما ألهى عن الآخرة، أي شغل عنها. وقيل: اللعب الاقتناء، واللهو النساء ،{ وَزِينَةٌ } ما يُتَزبن به، فالكافر يتزين بالدنيا ولا يعمل للآخرة، وكذلك من تزين في غير طاعة الله. { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أي يفخر بعضكم على بعض بها. وقيل: بالخلقة والقوة. وقيل: بالأنساب على عادة العرب في المفاخرة بالآباء. وفي صحيح مسلم عن النبي قال: "  إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد " وصح عنه أنه قال: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية الفخر في الأحساب "  الحديث ، وقوله:{ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ }  لأن عادة الجاهلية أن تتكاثر بالأبناء والأموال، وتكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعة. قال بعض المتأخرين: {لَعِب}  كلعب الصبيان {وَلَهْوٌ}  كلهو الفتيان { وَزِينَةٌ } كزينة النسوان { وَتَفَاخُرٌ}  كتفاخر الأقران ،{ وَتَكَاثُرٌ } كتكاثر الدهقان. والمعنى أن الدنيا كهذه الأشياء في الزوال والفناء. 

فائدة :

قال القرطبي: وجه الاتصال- بين هذه الآية وما قبلها من وصف حال الصديقين والشهداء - أن الإنسان قد يترك الجهاد خوفا على نفسه من القتل، وخوفا من لزوم الموت، فبين أن الحياة الدنيا منقضية فلا ينبغي أن يترك أمر الله محافظة على ما لا يبقى 
.
ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال: { كَمَثَلِ غَيْثٍ } وهو:المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، فمثل للحياة بالغيث في الزرع { أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } الكفار هنا: الزراع لأنهم يغطون البذر، والمعنى أن الحياة الدنيا كالغيث ينبت منه الزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته إذا كثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن يصير هشيما كأن لم يكن، وقد مضى معنى هذا المثل في ( يونس ) و ( الكهف ).
وقيل: الكفار هنا الكافرون بالله عز وجل، لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا من المؤمنين. وهذا قول حسن، فإن أصل الإعجاب لهم وفيهم، ومنهم يظهر ذلك، وهو التعظيم للدنيا وما فيها. وفي الموحدين من ذلك فروع تحدث من شهواتهم، وتتقلل عندهم وتدق إذا ذكروا الآخرة.{ ثُمَّ يَهِيجُ } أي يجف بعد خضرته { فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا } أي متغيرا عما كان عليه من النضرة. { ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا } أي فتاتا وتبنا فيذهب بعد حسنه، كذلك دنيا الكافر. { وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي للكافرين. والوقف عليه حسن، ويبتدئ { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ } أي للمؤمنين. وقال الفراء: { وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } تقديره إما عذاب شديد وإما مغفرة، فلا يوقف على { شديد } . { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } هذا تأكيد ما سبق، أي تغر الكفار، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة. وقيل: العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيدا في العمل للدنيا، وترغيبا في العمل للآخرة.
قال ابن كثير في هذا المثل: هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة، ثم تكتهل، ثم تكون عجوزًا شوهاء، والإنسان كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريًّا لين الأعطاف، بهي المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وَيَنْفَد بعض قواه، ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجزه الشيء اليسير، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [ الروم 54 ] .
قال ابن جرير:حدثنا علي ابن حرب الموصلي، حدثنا المحاربي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله : « موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها. اقرؤوا: ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) » وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة .
وقال رسول الله : « لَلْجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله، والنار مثل ذلك »  انفرد بإخراجه البخاري في « الرقاق »
ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلهذا حثه الله على المبادرة إلى الخيرات، من فعل الطاعات، وترك المحرمات، التي تكفر عنه الذنوب والزلات، وتحصل له الثواب والدرجات، فقال تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } والمراد جنس السماء والأرض، كما قال في الآية الأخرى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [ آل عمران:133 ] . وقال هاهنا: { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} أي:هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم، كما قال في الصحيح:" أن فقراء المهاجرين قالوا:يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. قال: « وما ذاك؟ » . قالوا: يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويُعتقون ولا نُعْتِق. قال: « أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم:تسبحون وتكبرون وتحمدون دُبُر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين » . قال: فرجعوا فقالوا:سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا، ففعلوا مثله! فقال رسول الله : « ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء »
ثم يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) أي:في الآفاق وفي نفوسكم ( إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) أي:من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة.
وقال بعضهم: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) عائد على النفوس. وقيل:عائد على المصيبة. والأحسن عوده على الخليقة والبرية؛ لدلالة الكلام عليها، كما قال ابن جرير:
حدثني يعقوب، حدثنا ابن عُلَيَّة، عن منصور بن عبد الرحمن قال:كنت جالسًا مع الحسن، فقال رجل:سله عن قوله: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) فسألته عنها، فقال:سبحان الله! ومن يشك في هذا؟ كل مصيبة بين السماء والأرض، ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة
وقال قتادة: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ ) قال:هي السنون. يعني:الجَدْب، ( وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) يقول:الأوجاع والأمراض. قال:وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم، ولا خلجان عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر.
وهذه الآية الكريمة من أدل دليل على القَدَرية نُفاة العلم السابق قبحهم الله وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو هانئ الخولاني:أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي يقول:سمعت عبد الله بن عَمرو بن العاص يقول:سمعت رسول الله يقول: « قدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة » .
ورواه مسلم في صحيحه وزاد بن وَهب : « وكان عرشه على الماء »

وقوله: ( إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) أي:أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله، عز وجل ؛ لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
وقوله: ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) أي:أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تأسوا على ما فاتكم، فإنه لو قدر شيء لكان ( وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) أي:جاءكم، ويقرأ: « آتاكُم » أي:أعطاكم. وكلاهما متلازمان، أي:لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم، فلا تتخذوا نعم الله أشرًا وبطرًا، تفخرون بها على الناس؛ ولهذا قال: ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) أي:مختال في نفسه متكبر فخور على غيره.
وقال عكرمة:ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفَرَح شكرًا والحزن صبرًا.
ثم قال: ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) أي:يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه، ( وَمَنْ يَتَوَلَّ ) أي:عن أمر الله وطاعته ( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) كما قال موسى عليه السلام: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [ إبراهيم8 ] . 

اللهم إنّا  نعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل ، ومِنَ الجبن والبخل، ونعوذ بِكَ مِنْ غَلَبَة ِالدَّيْنِ وقَهَرِ الرِّجال

No comments:

Post a Comment