سورة الذاريات
ح1
التعريف بالسورة :
1) سورة مكية .
2) من المفصل .
3) آياتها 60 .
4) ترتيب نزولها هي
الحادية والخمسون .
5) نزلت بعد الأحقاف.
6) بدأت السورة باسلوب
قسم " والذاريات
" ويقصد بها الرياح.
والأقسام في بداية سورة الذاريات أربع أقسام بدأها الله
تعالى بالقسم باستخدام أداة القسم :وهي واو القسم ( التي استعيض بها عن
الباء )، ثم عطف عليها الثلاث أقسام التالية بـ ( الفاء ) التي هي حرف عطف يفيد الترتيب
والتعقيب، وجواب هذه الأقسام الأربع هو
( إِنَّمَا تُوعَدُونَ
لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ). ثم جاء بعدها بقسم خامس بأداة
القسم ( الواو) فقال: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ) وجوابه هو : ( إِنَّكُمْ لَفِي
قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ).
وفي السورة أيضا قسم سادس ، قد أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة
سبحانه وتعالى فيقول: ( فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ )، وهذا القسم جوابه : ( إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)، إن ما توعدون من العودة بعد الموت والحساب والجزاء إنه لحق كما أنكم
تنطقون.
محور مواضيع السورة :
هذه السورة الكريمة من
السور المكية التي تقوم على تشييد دعائم الإيمان ، وتوجيه الأبصار إلى قدرة الله
الواحد القهار، وبناء العقيدة الراسخة على أسس التقوى والإيمان .
تفسير السورة:
قال شعبة بن الحجاج، عن
سِمَاك، عن خالد بن عَرْعَرَة أنه سمع عليا وشعبة أيضًا، عن القاسم بن أبي بزَّة،
عن أبي الطُّفَيْل، سمع عليًا. وثبت أيضًا من غير وجه، عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب:أنه صعد منبر الكوفة فقال:لا تسألوني عن آية في كتاب الله، ولا عن سنة عن
رسول الله، إلا أنبأتكم بذلك. فقام إليه ابن الكواء فقال:يا أمير المؤمنين، ما
معنى قوله تعالى: (
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) ؟ قال:الريح ،قال: ( فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا ) ؟ قال:السحاب. قال : ( فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ) ؟ قال:السفن. قال: ( فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا
) ؟ قال:الملائكة .
وقد قيل:إن المراد ( وَالذَّارِيَاتِ
ذَرْوًا ):الريح كما تقدم و( فَالْحَامِلاتِ
وِقْرًا ) وقرًا:السحاب كما تقدم؛ لأنها تحمل الماء.
فأما ( فَالْجَارِيَاتِ
يُسْرًا ) ، فالمشهور عن الجمهور
- كما تقدم- :أنها السفن، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا. وقال بعضهم:هي النجوم
تجري يسرا في أفلاكها، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى، إلى ما هو أعلى منه،
فالرياح فوقها السحاب، والنجوم فوق ذلك، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك، تنـزل
بأوامر الله الشرعية والكونية.
وهذا قسم من الله عز جل على وقوع المعاد؛ ولهذا
قال: ( إِنَّمَا تُوعَدُونَ
لَصَادِقٌ ) أي:لخبر صدق، (وَإِنَّ الدِّينَ
لَوَاقِعٌ)، وهو:الحساب أي:لكائن
لا محالة.
عودة للتفسير
ثم عاد إلى القسم فقال
سبحانه: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ
الْحُبُكِ ) فأقسم بالسماء ذات
البهاء والجمال والحسن والاستواء، كأنها محبوكة أو منسوجة نسجاً، قال الضحاك:مثل
تجعد الماء والرمل والزرع إذا ضربته الريح، فينسج بعضه بعضا طرائق [ طرائق ] ،
فذلك الحبك. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: ( ذَاتِ الْحُبُكِ ) :حبكت بالنجوم وذلك كالنساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه.
وكل هذه الأقوال ترجع
إلى شيء واحد، وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنها من
حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة
بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات.
في اللغة:
يقال منه حبك الثوب يحبِكه بكسر الباء،
حبكا أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد أحتبكته
إعجاز علمي:
وعلماء الفلك اليوم يطلقون على مادة الكون مصطلح (النسيج الكوني)،
بعدما ثبت لهم أن الكون ذو بنية نسيجية، وقد لا نعجب إذا علمنا أن هنالك علماً
يدرس بناء الكون أو بنيته النسيجية هذه. هذه البنية النسيجية تحدّث عنها القرآن
بوضوح! فقال سبحانه: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ )، ونحن نعلم بأن النسيج يُحبك حبكاً ليصبح متيناً وقابلاً للاستعمال،
فالإنسان لا يستفيد شيئاً من خيوط النسيج إذا لم تكن محبوكة ومترابطة لتشكل له
لباساً يحتمي به، لذلك نجد القرآن يتحدث عن البنية النسيجية بكلمة واحدة هي (الْحُبُكِ)، يقول تعالى: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ) [الذاريات7].
إذا نظرنا إلى الكون من الخارج رأينا نسيجاً رائعاً متماسكاً
ومحبوكاً بدقة فائقة يتألف من آلاف الملايين من المجرات والغبار الكوني وأشياء
يعجز العلم حتى الآن عن إدراكها، كل هذا وصفه الله تعالى بثلاث كلمات ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ )
عودة للتفسير:
وقوله: ( إِنَّكُمْ لَفِي
قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) هذا جواب القسم
الذي هو ( وَالسَّمَاءِ) أي إنكم يا أهل مكة ، أيها المشركون
المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب، اختلفت أقوالهم منها ساحر بل شاعر
بل أفتراه بل هو مجنون بل هو كاهن بل هو أساطير الأولين. وقيل: أختلافهم أن منهم
من نفى الحشر ومنهم من شك فيه. وقيل: المراد عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله
خالقهم ويعبدون غيره. وأقوالهم لا يلتئم بعضها مع بعض ولا يجتمع. وقال
قتادة:إنكم لفي قول مختلف: أي ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به.
( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ
أُفِكَ ) أي:إنما يروج على من هو
ضال في نفسه؛ لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال
غَمْر، لا فهم له، كما قال تعالى: (
فَإِنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلا مَنْ هُوَ صَالِ
الْجَحِيم ) [ الصافات161-163] .وقال
الحسن البصري:يصرف عن هذا القرآن من كذب به.
في اللغة :
أفكه يأفكه أفكا، أي: قلبه وصرفه عن الشيء؛ ومنه قوله تعالى: ( أجئتنا لتأفكنا ) ( الأحقاف 22 )، والأفك فساد العقل. الزمخشري: وقرئ ( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ
أُفِكَ ) أي يحرمه من حرم؛ من أفك الضرع إذا أنهكه
حلبا. وقال اليزيدي: يدفع
عنه من دفع. والمعنى واحد وكله راجع إلى معنى الصرف.
وقوله: ( قُتِلَ
الْخَرَّاصُونَ ) قال
مجاهد:الكذابون. قال:وهي مثل التي في عبس:( قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) [ عبس17]، والخراصون
الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون، أي:لعن المرتابون.وهكذا كان معاذ، رضي الله عنه،
يقول في خطبه:هلك المرتابون.
في اللغة :
( الْخَرَّاصُونَ ) هو جمع خارص، والخرص الكذب، والخراص الكذّاب، وقد خرص يخرُص- بالضم - خرصا
أي كذب؛ يقال: خرص واخترص، وخلق واختلق، بمعنى كذب؛ حكاه النحاس.
والخرص أيضا حزر ما على النخل من الرطب تمرا. وقد خرصت النخل والاسم الخِرص
بالكسر؛ يقال: كم خرص نخلك، والخرّاص الذي يخرصها فهو مشترك.
وقوله: ( الَّذِينَ هُمْ فِي
غَمْرَةٍ سَاهُونَ ) الذين
هم في الكفر والشك غافلون لاهون. والغمرة ما ستر الشيء وغطاه، ومنه نهر غمر
أي يغمر من دخله، ومنه غمرات الموت.
( يَسْأَلُونَ أَيَّانَ
يَوْمُ الدِّينِ ) :وإنما
يقولون هذا تكذيبا وعنادا وشكا واستبعادا. قال الله تعالى: ( يَوْمَ هُمْ عَلَى
النَّارِ يُفْتَنُونَ ) .
قال ابن عباس، ومجاهد،
والحسن، وغير واحد: (يُفْتَنُونَ)
: يعذبون، يحرقون. كما
يفتن الذهب على النار. ( ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ):أي ذوقوا عذابكم. ( هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
) :أي:يقال لهم ذلك
تقريعًا وتوبيخًا وتحقيرًا وتصغيرًا.
وله تعالى: « إن المتقين في جنات وعيون » لما ذكر مال الكفار ذكر مال المؤمنين أي
هم في بساتين فيها عيون جارية على نهاية ما يتنزه به. ( آخذين ما آتاهم ربهم )أي ما أعطاهم من الثواب وأنواع
الكرامات؛ وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: ( آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ
رَبُّهُمْ ) أي عاملين بالفرائض. ( إِنَّهُمْ كَانُوا
قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ) أي قبل دخولهم الجنة في الدنيا ( مُحْسِنِينَ ) بالفرائض. وقال ابن عباس: المعنى كانوا
قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين في أعمالهم.
ثم إنه تعالى
بَيَّن إحسانهم في العمل فقال: ( كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) ، اختلف المفسرون في
ذلك على قولين:
أحدهما:أن « ما » نافية، تقديره:كانوا
قليلا من الليل لا يهجعونه. قال ابن عباس:لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها
ولو شيئا. وقال قتادة، عن مطرف بن عبد الله:قلَّ ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها
لله، عز وجل، إما من أولها وإما من أوسطها.
والقول الثاني:أن « ما » مصدرية، تقديره: كانوا قليلا من الليل
هجوعهم ونومهم. واختاره ابن جرير. وقال الحسن البصري: ( كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ ) : أي ينامون قليلا من الليل ويصلون أكثره. قال
عطاء: وهذا لما أمروا بقيام الليل. وكان أبو ذر يحتجز ويأخذ العصا فيعتمد عليها
حتى نزلت الرخصة « قم الليل إلا قليلا » [ المزمل 2 ] الآية. فوصفهم أنهم كابدوا قيام الليل، فلا
ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، حتى كان الاستغفار بسحر. قال
الحسن البصري:كان الأحنف بن قيس يقول:عرضت عملي على عمل أهل الجنة، فإذا قوم قد
باينونا بونًا بعيدا، إذا قوم لا نبلغ أعمالهم، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون.
وعرضت عملي على عمل أهل النار فإذا قوم لا خير فيهم يكذبون بكتاب الله وبرسل الله،
يكذبون بالبعث بعد الموت، فوجدت من خيرنا منـزلة قومًا خلطوا عملا صالحا وآخر
سيئا.
وقال عبد الرحمن بن زيد
بن أسلم:قال رجل من بني تميم لأبي:يا أبا أسامة، صفة لا أجدها فينا، ذكر الله قوما
فقال: ( كَانُوا قَلِيلا مِنَ
اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) ، ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم. فقال له أبي:طوبى لمن رقد إذا نعس،
واتقى الله إذا استيقظ.
وقال عبد الله بن
سلام:لما قدم رسول الله ﷺ المدينة، انجفل الناس إليه، فكنت فيمن انجفل.
فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه رَجُل كذاب، فكان أول ما سمعته يقول: « يا أيها الناس،
أطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام،
تدخلوا الجنة بسلام » .
وقال الإمام أحمد:حدثنا
حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن
الحُبُلى، عن عبد الله بن عمرو؛ أن رسول الله ﷺ قال: « إن في الجنة غرفا يرى
ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها » . فقال أبو موسى الأشعري:لمن هي يا رسول الله؟
قال: « لمن ألان الكلام،
وأطعم الطعام، وبات لله قائما، والناس نيام » .
في اللغة :
هجع يهجع هجوعا، وهبغ يهبغ هبوغا بالغين
المعجمة إذا نام.
وقوله عز وجل: ( وَبِالأسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ) .
قال مجاهد، وغير واحد: يصلون. وقال آخرون:قاموا الليل، وأخروا الاستغفار إلى
الأسحار. كما قال تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) [ آل عمران17 ] ، فإن كان الاستغفار في صلاة فهو
أحسن. وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: « إن الله ينـزل كل
ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول:هل من تائب فأتوب عليه؟ هل
من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر » .
وقال كثير من المفسرين
في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب:أنه قال لبنيه: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [ يوسف 98 ]
قالوا:أخرهم إلى وقت السحر.
قوله تعالى: (
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لما وصفهم بالصلاة ثنى
بوصفهم بالزكاة والبر والصلة،قيل هذا الحق غير المعين هنا ولا محدد هو
حق غير الزكاة يصل به رحما، أو يقري به ضيفا، أو يحمل به كلا، أو يغني محروما.
وقاله ابن عباس؛ لأن السورة مكية وفرضت الزكاة بالمدينة. أما قوله تعالى في سورة «
المعارج » : ( والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم ) [ المعارج25 ] فالحق هنا
موصوف بأنه المعلوم فهو الزكاة التي بين الشرع قدرها وجنسها ووقتها، فأما غيرها من
الصدقات فليس بمعلوم؛ لأنه غير مقدر ولا مجنس ولا موقت. ( لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ ) السائل الذي يسأل الناس لفاقته؛ فهو الذي يبتدئ بالسؤال، وله حق، كما قال الإمام أحمد:عن فاطمة
بنت الحسين، عن أبيها الحسين بن علي قال:قال رسول الله ﷺ: « للسائل حق وإن جاء
على فرس » .
( وَالْمَحْرُومِ ) الذي حرم المال. واختلف
في تعيينه؛ فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وغيرهما: المحروم المحارف الذي ليس له
في الإسلام سهم. وقالت عائشة رضي الله عنها: المحروم المحارف الذي لا يتيسر له
مكسبه؛ يقال: رجل محارَف بفتح الراء أي محدود محروم، وهو خلاف قولك مبارك. وقد
حورف كسب فلان إذا شدد عليه في معاشه كأنه ميل برزقه عنه. وقال قتادة والزهري:
المحروم المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا ولا يعلم بحاجته. وقال زيد بن أسلم: هو
الذي أصيب ثمره أو زرعه أونسل ماشيته. وقال القرظي: المحروم الذي أصابته الجائحة
ثم قرأ ( إن لمغرمون. بل نحن محرومون ) في قصة أصحاب الجنة ، ونظيره في الواقعة:
« بل نحن محرومون » [ الواقعة: 66 ] وقال أبو قلابة: كان
رجل من أهل اليمامة له مال فجاء سيل فذهب بماله، فقال رجل من أصحابه: هذا المحروم
فاقسموا له. وقيل: إنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه. وهو يروى عن ابن عباس أيضا. وقيل:
إنه من وجبت نفقته بالفقر من ذوي الأنساب؛ لأنه قد حرم كسب نفسه حتى وجبت نفقته في
مال غيره. وقال قتادة، والزهري: ( الْمَحْرُوم ) :الذي لا يسأل الناس
شيئا، قال الزهري وقد قال رسول الله ﷺ: « ليس المسكين بالطوَّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان،
ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه » .وهذا الحديث قد أسنده
الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر .
وعن أنس أن النبي ﷺ قال: " ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي
فرضت لنا عليهم فيقول الله تعالى وعزتي وجلالي لأقربنكم ولأبعدنهم " ثم تلا رسول الله ﷺ ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ذكره الثعلبي.
وقوله: ( وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ
لِلْمُوقِنِينَ ) أي:فيها
من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات
والحيوانات، والمهاد والجبال، والقفار والأنهار والبحار، واختلاف ألسنة الناس
وألوانهم، وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى، وما بينهم من التفاوت في العقول
والفهوم والحركات، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من
أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه؛ ولهذا قال: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) :قال قتادة:من تفكر في
خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة.
ثم قال: ( وَفِي السَّمَاءِ
رِزْقُكُمْ ) يعني:المطر، ( وَمَا تُوعَدُونَ ) يعني:الجنة. قاله ابن
عباس، ومجاهد وغير واحد.
وقوله: ( فَوَرَبِّ السَّمَاءِ
وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) يقسم تعالى بنفسه
الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء، كائن لا محالة، وهو حق لا
مرية فيه، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون. وكان معاذ، رضي الله
عنه، إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه:إن هذا لحق كما أنك هاهنا.
قال مسدد، عن ابن أبي
عَدِيّ، عن عَوْف، عن الحسن البصري قال:بلغني أن رسول الله ﷺ قال: « قاتل الله أقوامًا
أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا » .
لماذا خص النطق لتأكيد القسم ؟
قيل: خص النطق من بين سائر الحواس؛ لأن ما
سواه من الحواس يدخله التشبيه، كالذي يرى في المرآة، واستحالة الذوق عند غلبة
الصفراء ونحوها، والدوى والطنين في الأذن، والنطق سالم من ذلك، ولا يعترض بالصدى
لأنه لا يكون إلا بعد حصول الكلام من الناطق غير مشوب بما يشكل به. وقال بعض
الحكماء: كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كل
إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره
اللهم اجعلنا ممن يستمعون
القول فيتبعون احسنه
جزاكم الله خيرا ووالديكم علي هذا المجهود الرائع
ReplyDelete