Thursday, 25 February 2016

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات –سورة القمر ج 1




  




سورة القمر ج 1  

تعريف بالسورة : 

1) السورة مكية ، وتسمى سورة ( اقتربت ) :
2) من المفصل .
3) آياتها 55 .
4) ترتيبها الرابعة والخمسون .
5) نزلت بعد الطارق .
6) بدأت السورة بفعل ماضي ،لم يذكر لفظ الجلالة " الله " في السورة .
محور مواضيع السورة :
سورة القمر من السور المكية ، وقد عالجت أصول العقيدة الإسلامية ، وهى من بدئها إلى نهايتها حملة عنيفة مفزعة على المكذبين بآيات القرآن ، وطابع السورة الخاص هو طابع التهديد والوعيد والإعذار والإنذار مع صور شتى من مشاهد العذاب والدمار .

أسبب نزول السورة : 

1) عن مسروق عن عبد الله قال انشق القمر على عهد رسول الله فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة .. سحركم فاسألوا السُحَّار فسألوهم فقالوا : نعم قد رأينا . فأنزل الله ـ عز وجل ـ { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر .
2) عن إبن عباس قال جاء العاقب والسيد وكانا رأسي النصارى بنجران فتكلما بين يدي النبي ـ بكلام شديد في القدر ، والنبي ساكت ما يجيبهما بشيء حتى انصرفا فأنزل الله ( أَكُفَّارُكُمْ خَيرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ ) . الذين كفروا وكذبوا بالله قبلكم . ( أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ في الزُّبُرِ ) الكتاب الأول .. إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ) .
3) عن ابن عباس في قوله ( سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر ) قال كان ذلك يوم بدر قالوا ( نَحْنُ جمِيعٌ مُنْتَصِرْ ) فنزلت هذه الآية . 

فضل السورة : 

ورد في فضل السورة ما لا يصح سنده، وسنشير إليه:
1) عن عائشة مرفوعا من قرأ ( ألم تنزيل ) و( يس ) و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ( تبارك الذي بيده الملك ) كُنَّ له نورًا وحرزًا من الشيطان والشرك ، ورُفِعَ له في الدرجات يوم القيامة . ( في إسناده كذاب )
2) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه : من قرأ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) في كل ليلتين بَعَثَهُ الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر. ( موضوع – الألباني)  
 قد تقدم في حديث أبي واقد :أن رسول الله كان يقرأ ب( ق )، و( اقتربت الساعة)  في الأضحى والفِطْر، وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار، لاشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد وبدء الخلق وإعادته، والتوحيد وإثبات النبوات، وغير ذلك من المقاصد العظيمة. 

تفسير السورة 

يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها. كما قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ )[ النحل1]، وقال: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) [ الأنبياء1 ] وقد وردت الأحاديث بذلك، قال الحافظ أبو بكر البزار:
حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا خلف بن موسى، حدثني أبي، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله خَطَبَ أصحابه ذات يوم، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شِفٌّ يسير، فقال: « والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا » ( رواه الهيثمي – رجاله رجال الصحيح )
حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره، قال الإمام أحمد: عن ابن عمر قال:كنا جلوسا عند النبي والشمس على قُعَيْقِعان بعد العصر، فقال: « ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى » ( حسن – أو حسن الإسناد)
وعن سهل بن سعد قال:سمعت رسول الله يقول: " بعثتُ أنا والساعةُ كهذه منْ هذه ، أو كهاتينِ" . وقرنَ بينَ السبابةِ والوسطى .) ( البخاري )
قال بهز: خطبنا رسول الله قال:فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: « أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصَرْمٍ وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صُبَابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يُلقَى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرًا، والله لتملؤنه، أفعجبتم! والله لقد ذكر لنا أن ما بين مِصْرَاعَي الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام » انفرد به مسلم .
وقال أبو جعفر بن جرير:حدثني يعقوب، حدثني ابن عُلَيَّةَ، أخبرنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي قال:نـزلنا المدائن فكنا منها على فَرْسَخ، فجاءت الجمعة، فحضر أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة فقال:ألا إن الله يقول: ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق، فقلت لأبي: أيستبق الناس غدا؟ فقال:يا بني إنك لجاهل، إنما هو السباق بالأعمال.
وقوله: ( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) :قد كان هذا في زمان رسول الله ، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: « خمس قد مضين:الروم، والدخان، واللزام، والبطشة، والقمر » . وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. 


ذكر الأحاديث الواردة في ذلك:


عن محمد بن رافع قال:سأل أهل مكة النبي آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فقال: ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ).ورواه مسلم
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك؛ أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يريهم آية، فأراهم القمر شِقَّين، حتى رأوا حِرَاء بينهما .
وعندالإمام أحمد: عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال:انشق القمر على عهد رسول الله فصار فرقتين:فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا:سحرنا محمد. فقالوا:إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
وقال ابن جرير:حدثنا ابن مثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود بن أبي هند، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال:قد مضى ذلك، كان قبل الهجرة، انشق القمر حتى رأوا شقيه.
عن ابن مسعود قال:انشق القمر على عهد رسول الله شقين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله « اشهدوا » . رواه البخاري ومسلم.
والأحاديث في انشقاق القمر على عهد رسول الله كثيرة أكتفي بهذا منها.
وقوله: ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً ) أي:دليلا وحجة وبرهانا ( يعرضوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) أي:لا ينقادون له، بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم، ويقولون:هذا الذي شاهدناه من الحجج، سحرٌ سحرنا به. ومعنى ( مُسْتَمِرٌّ ) أي:ذاهب. قاله مجاهد، وقتادة، وغيرهما، أي:باطل مضمحل، لا دوام له. 

في اللغة :

في القرطبي قال:مستمر: أي ذاهب؛ من قولهم: مر الشيء واستمر إذا ذهب.
 وقال مستمر:أي محكم قوي شديد، وهو من المِرة وهي القوة.
وقال الأخفش : مستمر: هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله.
وقيل: معناه مر من المرارة. يقال: أمر الشيء صار مرا، وكذلك مر الشيء يمر بالفتح مرارة فهو مر، وأمره غيره ومره. وقيل: دائم.
وقيل: يشبه بعضه بعضا؛ أي قد استمرت أفعال محمد على هذا الوجه فلا. يأتي بشيء له حقيقة بل الجميع تخييلات. 

عودة للنفسير:

 ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) أي:كذبوا بالحق إذ جاءهم، واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم.
وقوله: ( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) أي واقع ، قال قتادة:معناه:أن الخير واقع بأهل الخير، والشر واقع بأهل الشر. أي يستقر بكل عامل عمله، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار. وقرأ شيبة (  مُسْتقَرٌّ ) بفتح القاف؛ أي لكل شيء وقت يقع فيه من غير تقدم وتأخر.
وقوله: ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ ) أي:من الأخبار عن قصص الأمم المكذبين بالرسل، وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب، مما يتلى عليهم في هذا القرآن، ( مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ) أي:ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي على التكذيب.
وقوله: ( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ) أي:في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله فيها حكمة بالغة، ( فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ) يعني :أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة، وختم على قلبه؟ فمن الذي يهديه من بعد الله؟ وهذه الآية كقوله تعالى: ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) [ الأنعام:149 ] ، وكذا قوله تعالى: ( وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) [ يونس:101 ] .
( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ )  يقول تعالى:فتول يا محمد عن هؤلاء الذين إذا رأوا آية يعرضون ويقولون:هذا سحر مستمر، أعرض عنهم وانتظرهم إلى ( يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ) أي:إلى شيء منكر فظيع، وهو موقف الحساب وما فيه من البلاء، بل والزلازل والأهوال .
 ( خشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ) أي:ذليلة أبصارهم ( يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ ) وهي:القبور، ( كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ) أي:كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي ( جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ) في الآفاق؛ ولهذا قال: ( مُهْطِعِينَ ) أي: مسرعين ( إِلَى الدَّاعِي ) ، لا يخالفون ولا يتأخرون، ( يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ) أي:يوم شديد الهول عَبُوس قَمْطَرِير ( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير) ٍ [ المدثر:9 ، 10 ] .  

ما الفرق بين الجراد المنتشر هنا في هذه الآية،  والفراش المبثوث في قوله تعالى: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ )( القارعة 4)

في كل آية بين الله تعالى مرحلة من المراحل التي يكون عليها الناس عند خروجهم من قبورهم : يبدأ الناس في البدايه متخبطين حائرين مباشرة أول خروجهم من القبور،  ومعنى حائر لا يدري ان يذهب. مثلا إذا حصل في البيت صوت فرقعه يقوم أهل البيت من النوم مفزوعين ،  كل واحد يقوم لا يدري ماذا هناك فيكون متخبط حائر، كل يجري في اتجاه، (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) وبعد ان يعرفوا مصدر هذا الصوت ومكانه يبدأوا كلهم يتجوا اليه، أو بعيدين عنه،  في نظام معين فهذا بالضبط مايشير الحق اليه سبحانه وتعالى .
الفراش بالذات حشره من الحشرات الطائره،  دائما يسير متخبطا حائرا على غير هدى ، فهذا في مرحلة القرع،  انما في الثانيه (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ )، فالناس قد سمعوا الدعوه وعرفوا مصدر الصوت، فيسيرون نحو مصدر الصوت
( خشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) يخرجون من الاجداث اذلاء كانهم جراد لماذا جراد؟ لان الجراد اذا سار يسير في نظام فالجراد يطير في الجو سرب وراء بعض بانتظام لاتوجد واحده تسبق الاخرى فالقرآن يريد ان يصور ان خروج هؤلاء الى الداع ويوم يسمعون الدعوه يتجهون اليه مجبورين طائعين.والله أعلم.

عودة للنفسير:

ثم يقص الله على عباده للعبرة والموعظة منأحبار الأمم السابقة،  فيقول تعالى: ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) أي كذب قبل قومك يا محمد قوم نوح وصرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون، ( وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ) قال مجاهد: ( وَازْدُجِرَ) أي:استطير جنونا. وقيل: ( وَازْدُجِرَ ) أي:انتهروه وزجروه وأوعدوه: ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)  [ الشعراء:116 ] . قاله ابن زيد، وهذا متوجه حسن.
( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) أي:إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم، غلبوني قومي ( فَانْتَصِرْ ) فانتصر لي ، وانتصاره لنبيه انتصار لدينه، قال الله تعالى: ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) فأجبنا دعاءه وأمرناه باتخاذ السفينة وفتحنا أبواب السماء بماء كثير، ( وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا ) أي:نبعت جميعُ أرجاء الأرض، حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونا، ( فَالْتَقَى الْمَاءُ ) أي:من السماء ومن الأرض ( عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) أي:أمر مقدر، قد قضي عليهم .
قال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس: ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) كثير، لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده، ولا من السحاب؛ فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماءان على أمر قد قدر. 

في اللغة :

الهمر الصب؛ وقد همر الماء والدمع يهمر همرا. وهمر أيضا إذا أكثر الكلام وأسرع. وهمر له من ماله أي أعطاه الكثير من ماله.

( وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ) :قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والقرظي، وقتادة، وابن زيد:هي المسامير.
في اللغة :
دُسُر جمع دِسار: وهو المسمار،  واختاره ابن جرير، قال:وواحدها دسار، ودَسَر الشيء: أي دفعه بقوة وشدة ، كما يدفع المسمار في الخشب، أو الحائط ( معجم المعاني الجامع )
وقال مجاهد:الدسر:أضلاع السفينة. وقال عكرمة والحسن:هو صدرها الذي يضرب به الموج.  وغير ذلك، والأول أولى .
وقوله: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) أي:بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا ( جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ) أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصارًا لنوح عليه السلام.
وقوله: ( وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً ) قال قتادة:أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة. والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن، كقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [ يس41- 42 ] . وقال: ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) [ الحاقة 11-12 ] ؛ ولهذا قال ها هنا: ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) أي:فهل من يتذكر ويتعظ؟
قال الإمام أحمد:عن ابن مسعود، قال:أقرأني رسول الله ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) فقال رجل:يا أبا عبد الرحمن، مُدَّكر أو مُذَّكر؟ قال:أقرأني رسول الله: ( مُدَّكِرٍ )
وروى البخاري مثله.
وروى البخاري أيضا من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله، قال:كان رسول الله يقرأ: ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) .
وقوله: ( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ) أي:كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به نُذُري، وكيف انتصرت لهم، وأخذت لهم بالثأر.
( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ) أي:سهلنا لفظه، ويسرنا معناه لمن أراده، ليتذكر الناس. كما قال: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ [ ص:29 ] ، وقال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [ مريم:97 ] .
قال مجاهد: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ) يعني:هَوّنّا قراءته. وقيل:يسرنا تلاوته على الألسن.
وروى الضحاك عن ابن عباس لفته لطيفة قال: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين، ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله، عز وجل.
قلت:ومن تيسيره، تعالى، على الناس تلاوة القرآن ما تَقدّم عن النبي أنه قال: « إن هذا القرآن أنـزل على سبعة أحرف » . والحديث له طرق شتى في كتب الحديث.
وقوله: ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) أي:فهل من متذكر لهذا القرآن الذي قد يَسَّر الله حفظه ومعناه؟
وقال محمد بن كعب القرظي: فهل من منـزجر عن المعاصي؟
ومن أجمل ما قيل فيها ، قول ابن أبي حاتم: عن ابن شَوْذَب، عن مَطَر - هو الوراق- في قوله تعالى: ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) هل من طالب علم فَيُعَان عليه؟
وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم، عن مطر الوراق و [ كذا ] رواه ابن جرير ، وروي عن قتادة مثله. 

اللهم علمنا من القرآن العظيم ما جهلنا وذكرنا منه ما نُسِّنا ، وأعنا على حُسن تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا

No comments:

Post a Comment