حديث: الكفارات
والدرجات والمنجيات والمهلكات
عَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
ثَلاثٌ كَفَّارَاتٌ وَثَلاثٌ دَرَجَاتٌ وَثَلاثٌ مُنْجِيَاتٌ وَثَلاثٌ
مُهْلِكَاتٌ , فَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ : فَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي
السَّبَرَاتِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ، وَنَقْلُ الأَقْدَامِ
إِلَى الْجُمُعَاتِ ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ : فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ ,
وَإِفْشَاءُ السَّلامِ , وَالصَّلاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ , وَأَمَّا
الْمُنْجِيَاتُ : فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا , وَالْقَصْدُ فِي
الْغِنَى وَالْفَقْرِ , وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ ,
وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ : فَشُحٌّ مُطَاعٌ , وَهَوًى مُتَّبَعٌ , وَإِعْجَابُ
الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ " . ( الترغيب والترهيب – حديث حسن)
ذكر في الحديث ثلاثة أمراض مهلكة، وبإزائها ثلاث علاجات لهذه
الأمراض منجيات، فخشية الله مقابلة لاتباع الهوى؛ لأنها تمنعها، كما قال تعالى: { وَأَمَّا
مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}
[النازعات:40-41]، وذكر القصد في الغنى والفقر بإزاء الشح المطاع، وذكر كلمة الحق
في الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه. وهذه المنجيات الثلاث التي كان النبي ﷺ يسألها ربه فيقول: " اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في
الرضا والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر"
شرح
الحديث :
أولا : الكفارات
وسميت كفارات لأنها
تكفر الخطايا والسيئات
وهي كما وردت في الحديث الشريف ثلاثة: إسباغ الوضوء في
الكريهات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، ونقل الأقدام إلى الجُمُعات أو
الجماعات.
من فعل ذلك عاش بخير، ومات
بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه.
وهذه الخصال
الثلاثةالمذكورة من شأن فاعلها أن تكفر عنه السيئات، وترفع له الدرجات , كما ثبت
في صحيح مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: ألا أدلكم على ما
يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره،
وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم
الرباط.
فهذه ثلاثة أسباب مضمونة وبضمانة سيد الخلق وصفوة الأنبياء وأكرمهم على الله عزوجل, نبينا ﷺ على أنها تكفر الذنوب :
وقد دلّ القرآن على
تكفيره للذنوب في قوله عز وجل:{ يا أيها الذين آمنوا إذا قُمْتُم إلى الصلاةِ فاغسِلوا وُجوهَكم
وأيديَكم إلى المرافقِ وامسحوا برؤوسِكُمْ وأرجُلَكُمْ إلى الكعبين }إلى قوله تعالى:{ ما يُريدُ الله ليجعلَ عليكم من حَرَجٍ ولكن
يُريدُ ليُطَهِّرَكم وليُتِمَّ نعمتَهُ عليكُم}
وقوله تعالى{ ليُطَهِّرَكم} : يشمل طهارة ظاهر
البدن بالماء، وطهارة الباطن من الذنوب والخطايا، وإتمام النعمة إنما يحصل
بمغفرة الذنوب والخطايا وتكفيرها، كما قال النبي ﷺ إن تمام النعمة:
النجاة من النار، ودخول الجنة.
فلا تتم نعمة الله عزوجل على عبده إلا بتكفير سيئاته.
وكون الوضوء لتكفر به
الخطاياه ، فقد ورد هذا المعنى في أحاديث منها ما في صحيح مسلم أنّ عثمان رضي الله عنه
أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ
مثل وضوئي هذا ثم قال: " من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه وكانت
صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة."
وقوله : إسباغ الوضوء:أي إتمامه وإبلاغه مواضعه الشرعية. كالثوب السابغ المُغطي للبدن كله.
وفي الحديث قوله: في الكريهات : وفسرت الكريهات بالبرد
الشديد، ويشهد له أن في بعض روايات حديث معاذ:،
وحديث أنس الذي بين أيدينا قوله: " إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ"
، والسبرة: شدة البرد.
ولا ريب أنّ إسباغ
الوضوء في شدة البرد يشق على النفس وتتألم به، وكما هو معلوم بأنّ كل ما يؤلم
النفس ويشق عليها فهو كفارة للذنوب ، وحتى وإن لم يكن للإنسان فيه صنع ولا تسبب،
كالمرض وكما دلت النصوص الكثيرة على ذلك
الحافز الثاني المكفر
للذنوب :" المشي الى المساجد"
اما المشي على
الأقدام إلى الجماعات وإلى الجُمُعات، ولا سيما إن توضأ الرجل في بيته ثم خرج
إلى المسجد لا يريد بخروجه إلا الصلاة فيه ، ما خطا خطوة الا رفع له بها درجة
وحطّ عنه سيئة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ انه قال: "
صلاة الرجل في الجماعة تَضْعُف على صلاته في بيته
وفي سوقه خمسةً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد
لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة،
فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاّه: اللهم صلي عليه،
اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة."
وفي صحيح مسلم عن أبي
هريرة رضي الله عنه, عن النبي ﷺ أنه قال :" من
تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت
خطوتاه: إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة.
وفي الصحيحين عن أبي
هريرة رضي الله عنه, عن النبي ﷺ أنه قال: " كل خطوة تمشيها إلى
الصلاة صدقة."
وفي المسند وصحيح ابن حبان رحمه الله من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: " إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات." وفيهما أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, عن النبي ﷺ أنه قال : " من راح إلى مسجد جماعة فخطوتاه: خطوة تمحو سيئة، وخطوة تكتب حسنة ذاهباً وراجعاً." وفي الصحيح أنّ النبي ﷺ أنه قال: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له بها حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئة، فليقرب أو ليبعد، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غُفر له."
أما عن فضل المشي للجُمُعات
كما في الحديث :" وَنَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ"
فله مزيد من الفضل ولا سيما ان كان بعد
الاغتسال, وكما في السنن من ابي أوس رضي الله عنه, أنّ النبي ﷺ أنه قال: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من
الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة: صيامها وقيامها"
وكلما بعد المكان
الذي يمشي منه إلى المسجد كان المشي منه أفضل لكثرة الخطا، وفي صحيح مسلم عن
جابر رضي الله عنه قال: كانت دارنا نائية عن المسجد، فأردنا أن نبيع بيوتنا
فنقرب من المسجد، فنهانا رسول الله ﷺ وقال:" إنّ لكم بكل خطوة
حسنة.
وفي صحيح البخاري عن
أنس رضي الله عنه, أن النبي ﷺ قال: " يا بني سلمة! ألا تحسبون آثاركم؟!".
وفي الصحيحين من حديث
أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال, أن النبي ﷺ قال:
" إن أعظم الناس أجراً
في الصلاة: أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم."
والمشي إلى المسجد
أفضل من الركوب كما تقدم في حديث أوس رضي الله عنه في الجُمع، ولهذا جاء في حديث
معاذ رضي الله عنه ذكر المشي على الأقدام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا
يخرج إلى الصلاة إلا ماشياً حتى العيد يخرج إلى المصلى ماشياً، فإن الآتي للمسجد
زائر لله، والزيارة على الأقدام أقرب إلى الخضوع والتذلل.
وفي صحيح البخاري من
أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي ﷺ قال: "من غدا إلى المسجد أو
راح أعدَّ الله له منزلاً في الجنة كلما غدا أو راح." والنُّزُل: هو ما
يُعدُّ للزائر عند قدومه.
وكلما شق المشي إلى
المسجد كان أفضل، ولهذا فُضل المشي إلى صلاة العشاء وصلاة الصبح، وعُدل بقيام
الليل كله , كما في صحيح مسلم من عثمان رضي الله عنه, أنّ النبي ﷺ قال: من صلى العشاء في
جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.
وفي الصحيحين من أبي
هريرة رضي الله عنه, عن النبي ﷺ أنه قال: أثقل صلاة على
المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً
الحافز الثالث المكفر للذنوب: انْتِظَارُ
الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ
والمراد بهذا الجلوس
في المساجد بعد الصلاة وانتظار صلاة أخر،ى كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" وانتظار الصلاة بعد
الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط." فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل، وهذا
أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم
يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن
كان كلما صلى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة
المرابط في سبيل الله عز وجل.
وفي المسند وسنن ابن
ماجة رحمه الله من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, قال: صليت مع رسول الله ﷺ المغرب، فرجع من
رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله ﷺ مسرعاً قد حَفَزه
النفَس، وقد حسر عن ركبته فقال: " أبشروا! هذا ربكم قد فتح عليكم باباً من أبواب السماء يباهي بكم
الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد
قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى."
وفي المسند عن أبي
هريرة عن النبي ﷺ قال: " منتظر الصلاة بعد
الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ، تُصلي عليه ملائكة الله
ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر."
ويدخل في قوله: والجلوس في المساجد بعد الصلوات: الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك, لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيهٌ بمن جلس ينتظر صلاة أخرى، لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى. وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده." وأما الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصةً فهو في صلاة حتى يصلي، وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه لما أخّر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم: قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة."
وفيهما أيضاً عن أبي
هريرة عن النبي ﷺ قال: "الملائكة تصلي عل أحدكم ما دام في مصلاه
ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في
صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة." وفي رواية لمسلم:
" ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه" ( أي حديث السان ونحوه )
وبالجملة فالجلوس في
المسجد للطاعات له فضل عظيم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: " لا يوطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله عز وجل كما
يتبشبش أهل الغائب إذا قدم عليهم غائبهم.”
وروى دراج عن أبي
الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن
النبي ﷺ قال: من ألف المسجد ألفه الله
هذا بعض من شرح
الكفارات التي جاءت في هذا الحديث الشامل
|
المواضيع
- أحاديث في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم (4)
- أحاديث نبوية شريف وشرحها (38)
- أدعية عظيمة (20)
- أنبياء الله- تعرف عليه (1)
- أنبياء الله- تعرف عليهم (49)
- الأمثال في القرآن (27)
- الجنة حعلنا الله من أهلها (3)
- الحج والعمرة (7)
- الدعاء في القرآن الكريم (9)
- القرآن الكريم ربط الآيات وبيان المتشابهات (194)
- المعرفة والترفيه (1)
- تدبر القرآن الكريم (80)
- ترحيب - مقدمة (1)
- حديث: شرح أحاديث الأربعين النووية (25)
- سلسلة في الفقه الميسر (44)
- شهر رمضان (24)
- شهر رمضان- رمضان والقرآن (4)
- صحابيات حول رسول الله صلى الله عليه وسلم (29)
- علوم القرآن الكريم (16)
- مناسبات دينية (2)
Friday, 19 February 2016
شرح حديث - الكفارات والدرجات والمهلكات والمنجيات - أولا الكفارات - ج1
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment