تدبر آيات من القرآن العظيم– الحزب 34 – سورة الحج وأحكام سجود التلاوة
الجزب 34 كله سورة الحج ، وسورة الحج تتميز بميزة لا تشاركها سورة أخرى في
القرآن فيها ، وهي أن فيها موضعين للسجدة ، الموضع الأول الآية 18 ، وهو موضع متفق عليه بين الأئمة ، أما الموضع
الثاني فهو في الآية 77 ، وهو الموضع
المختلف عليه ، هل هو موضع سجود أم لا ؟
وما يؤيد وجود موضعين للسجود في سورة
الحج ما يلي :
ما رواه الترمذي وأبو داوود عن عقبة بن
عامر عن النبي ﷺ:( فضلت سورة الحج بسجدتين - فمن لم يسجد بهما
فلا يقرأهما -) ويتقوى هذا الحديث بمثله في مراسيل أبي
داود ، عن خالد بن معدان
ويؤيده أيضا فعل عمر رضي الله عنه أنه قرأ سورة الحج وهو في الجابية – موضع
في جنوب سوريا غرب دمشق، وقد اشتهر
في بداية الفتح الإسلامي لبلاد الشام حيث عقد الخليفة عمر بن الخطاب مع قادة جيش الفتح بعد معركة اليرموك مؤتمر الجابية الشهير- وسجد فيها سجدتين، وقال:
( هذه فُضلت بسجدتين )
ـ ويؤيده أيضا قول عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث
في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان .
وفي موضع السجدة الأول : قوله تعالى :
{ أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّـهُ
فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ } ( ١٨ )
يخبر سبحانه وتعالى أنه المستحق وحده للعبادة وحده لا شريك له ، فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا أو كرها ، وسجود كل شيء مما يختص به وحد سبحانه ، وقوله تعالى { مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ } أداة الصلة ( من ) تختص بالعاقل ، من الإنس أو الجن أو الملائكة ، والمقصود بمن في السموات : الملائكة في أقطار المسوات ، وبمن في الأرض : اي الحيوان والطير ، فإنهم يسجدون لله مجبولين على ذلك ، وقد جاء في الحديث عن معاذ بن أنس الجهني: عن رسولِ اللهِ ﷺ أنَّه مرَّ على قومٍ وهم وقوفٌ على دوابٍّ لهم ورواحِلَ فقال: " لهم اركَبوها سالمةً ودَعُوها سالمةً ولا تتَّخِذوها كراسيَّ لأحاديثِكم في الطُّرقِ والأسواقِ فرُبَّ مركوبةٍ خيرٌ مِن راكبِها وأكثَرُ ذِكْرًا للهِ تبارَك وتعالى منه " ( الهيثمي – مجمع الزوائد – اسناده حسن )
ثم خص الله تعالى الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب
بالذكر انها تسجد لله كونها قد عُبدت من دون الله ، فهناك من عبد الشمس ، ومن عبد
القمر ، ومن عبد شجرة ، ومن عبد حيوان ، حتى انتهوا إلى عبادة الفئران !!! عافانا
الله ، فبين الله تعالى أن كل ما عبدتم من دون الله فإنها تسجد لخالقها ، وانها
مربوبة مسخرة لعبادته جل وعلا .
وقوله تعالى : { وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } من سجد من الناس فإنه يسجد
طائعا مختارا متعبدا لله تعالى بسجوده له ، ومن حق عليه العذاب ، هو من امتنع وأبى
واستكبر ، ولذلك قال فيهم (وَمَن يُهِنِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ
مَا يَشَاءُ ) فمن عصى واستكبر عن السجود والخضوع لله ، فأول وأهون عذابه الهوان
على مرأى ومسمع الخلائق، أعاذنا الله تعالى من ذلك.
اللهم
استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض ، واسترنا يوم العرض
وفي
الموضع الثاني يقول عز وجل : { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قال القرطبي : لم يرها مالك وأبو حنيفة من العزائم؛ لأنه قرن
الركوع بالسجود، وأن المراد بها الصلاة المفروضة؛ وخص الركوع والسجود تشريفا
للصلاة.وقوله: { وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
} أي امتثلوا أمره. { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ندب فعل المستحبات فيما عدا الواجبات التي صح الندب بها من الله
ورسوله، من كل أعمال الخير للنفس وللعباد، ثم علق تعالى الفلاح على هذه الأمور
فقال: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي: تفوزون بالمطلوب
المرغوب، وتنجون من المكروه المرهوب، فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة
الخالق، والسعي في نفع عبيده، فمن وفق لذلك، فله القدح المعلى، من السعادة والنجاح
والفلاح
.
وفي سجود التلاوة أداب وأحكام :
أولا: فضله : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يا ويله أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ ) ( مسلم )
ثانياً : حكمه : ذهب جمهور العلماء إلى أن سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع: لما رواه البخاري عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِي اللَّه عَنْه - قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْهم وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ ) أخرجه الإمام البخاري
ثالثا: سجود التلاوة سجدة واحدة يسجدها المسلم إذا قرأ آية من آيات السجدة ، وهي معروفة المواضع في المصحف، مبينة بعلامة السجدة (۩ )
أولا: فضله : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يا ويله أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ ) ( مسلم )
ثانياً : حكمه : ذهب جمهور العلماء إلى أن سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع: لما رواه البخاري عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِي اللَّه عَنْه - قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْهم وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ ) أخرجه الإمام البخاري
ثالثا: سجود التلاوة سجدة واحدة يسجدها المسلم إذا قرأ آية من آيات السجدة ، وهي معروفة المواضع في المصحف، مبينة بعلامة السجدة (۩ )
رابعا: حكم سجود التلاوة أثناء الصلاة: يُسَن للإمام والمنفرد أن يقرأ آية السجدة في الصلاة الجهرية والسرية ويسجد متى قرأها، ومن لم يسجد فليس عليه شيء.
عَنْ أَبِي رَافِعٍ – رضي الله عنه - قَالَ : ( صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - صَلَاةَ الْعَتَمَةِ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ، فَسَجَدَ فِيهَا فَقُلْتُ لَهُ : مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ ، فَقَالَ : سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ ﷺ ، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ ) ( مسلم )
خامسا : سجدة التلاوة مثل سجود الصلاة فإذا سجد في الصلاة عند السجود يكبر وإذا رفع يكبر إذا كان في الصلاة: والدليل على هذا ما ثبت عن رسول الله ﷺ أنه في الصلاة يكبر في كل خفض ورفع، إذا سجد كبر وإذا نهض كبر - هكذا أخبر الصحابة عنه ﷺ من حديث أبي هريرة وغيره –
أما إذا سجد للتلاوة في خارج الصلاة فلم يرو إلا
التكبير في أوله، هذا هو المعروف كما
رواه أبو داود والحاكم. أما عند الرفع في خارج الصلاة فلم يرو فيه تكبير . عن ابن
عمر رضي الله عنهما :" كان رسول الله ﷺ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبّر وسجد
وسجدنا" ( البخاري ومسلم )
- كما وأنه لم يرد نص
في السلام منها ، فليس على من سجدها خارج الصلاة سلام منها.
سادسا: وليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة
كـ: (الأعراف ) و ( النجم ) و(
اقرأ ) وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعد الرفع منها قرآنا قبل أن يركع – كما يفعل
بعض الناس أن يتعمد أن يقرأ سورة الإخلاص، أو أي سورة قصيرة غيرها بعد الرفع من
سجدة التلاوة ، قبل أن يركع - وإن قرأ قيل فلا بأس.
سابعا: يقول في سجود التلاوة
ما يقوله في سجوده للصلاة :ومنها :
( سبحان ربي الأعلى ) ثلاثا أو يزيد وترا ، ويقول ( اللهم لك سجدتُ وبك
ءامنتُ ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشقَّ سمعَه وبصَرَهُ بحوله وقوته
، تبارك الله أحسن الخالقين ) ويقول ( سُبُّوحٌ قدوسٌ ربُ الملائكة والروح )
عن عائشة قالت ( كان النبي ﷺ يقول في سجود القرآن بالليل سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه
وبصره بحوله وقوته ) ( الترمذي – حسن صحيح)
وقد ورد أيضا فيها عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال:( يا رسول الله ؛ إني
رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فسجدتُ فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول: اللهم
اكتب لي بها عندك أجراً ، وضع عني بها وزراً ، واجعلها لي عندك ذخراً ، وتقبلها
مني كما تقبلتها من عبدك داود ) (
وراه الترمذي ابن حبان في صحيحه )
سابعاً : لا يشترط
لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة ، لأنه
ليس له حكم الصلاة في أصح قولي العلماء، والأفضل أن يسجد إلى القبلة، وأن يكون على طهارة، ولكن لا
يشترط ذلك ، ولعدم الدليل على ذلك،
ولأنه ﷺ كان يقرأ القرآن في مجلسه بين أصحابه فإذا مر بآية السجدة سجد
وسجدوا معه ، ولم يقل لهم لا يسجد إلا من كان على طهارة.
والمجالس تجمع من هو على طهارة ، ومن هو على غير طهارة ، فلو كانت الطهارة شرطا لنبههم النبي ﷺ إلى ذلك ، وقد أمره الله بالبلاغ ، ولو كانت الطهارة شرطا في سجود التلاوة لأبلغهم بذلك رضي الله عنهم ، ولو بلغهم لنقلوا ذلك لمن بعدهم ، كما نقلوا عنه سيرته وأحاديثه ﷺ.
والمجالس تجمع من هو على طهارة ، ومن هو على غير طهارة ، فلو كانت الطهارة شرطا لنبههم النبي ﷺ إلى ذلك ، وقد أمره الله بالبلاغ ، ولو كانت الطهارة شرطا في سجود التلاوة لأبلغهم بذلك رضي الله عنهم ، ولو بلغهم لنقلوا ذلك لمن بعدهم ، كما نقلوا عنه سيرته وأحاديثه ﷺ.
ثامناً: الأولى للمرأة
إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها، وإن سجدت للتلاوة بدون
خمار فلا حرج عليها، لأن سجود التلاوة ليس له حكم الصلاة ، وإنما هو خضوع لله
سبحانه وتقرب إليه مثل بقية الأذكار وأفعال الخير. والله أعلم
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب
العالمين
No comments:
Post a Comment