Monday 1 August 2016

تدبر آيات من القرآن العظيم– الحزب 35 – سورة المؤمنون خلق النبي ﷺ إوائل السورة

 


 

سورة المؤمنون خلق النبي   إوائل السورة

قال الإمام أحمد رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : كان إذا نزل على رسول الله  الوحي يُسمع عند وجهه كدوي النحل ، فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا "
– ثم قال – لقد أُنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة ثم قرأ : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) حتى ختم العشر .( الترمذي )
ولما سُئلت عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين كيف كان خُلق رسول الله ؟ قالت : كان خُلق رسول الله القرآن ، فقرأت ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ – حتى انتهت إلى - وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)،  قالت : " هكذا كان خلق رسول الله "
وروى أبو سعيد الخدري مرفوعا للنبيقال : " خلق الله الجنّة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وغرسها وقال لها تكلمي فقالت : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فدخلتها الملائكة فقالت : طوبى لك منزل الملوك "
تفسير الآيات:
قال تعالى:
( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  )
هذه آيات جامعة لخصال نافعة من خصال الخير التي يحصل بها الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة. فقد جمعت هذه الآيات أسبابَ الفوز من الأعمال الصالحة العظيمة وهي: المحافظة على الصلاة الخاشعة، والإعراض عما لا ينفع من القول والعمل، وحفظ الفروج عن الحرام، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهود. ثم ختمت الآيات بذكر الجزاء الحسن لأهل هذه الأعمال الحسنة، وجزاء الإحسان الإحسان: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ( 10، 11)
وافتتح الله تعالى هذه الصفات بحرف(قد) الداخلِ على الفعل الماضي، وفائدة هذا الحرف التحقيق والتأكيد بأن الفلاح قد حصل وتمّ لمن تمسك من المؤمنين بهذه الأعمال الصالحة؛ ابتغاء وجه الله تعالى ومات على ذلك.
ومن حُسن الافتتاح لهذه الصفات والترغيب في التحلي بها: أنه ذكر الفلاح بها أولاً قبل أن يذكرها؛ لكي يرغبك أيها المسلم في التمسك بها حتى تنال ذلك الجزاء المقدَّم ألا وهو الفلاح.
إن هذه الصفات التي توصل إلى الفلاح والجنة لا يصح أن تكون إلا لمن اتصف بالإيمان الذي هو التصديق الجازم الذي لا يخالطه شك بكل ما يجب اعتقاده من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لذلك فقد جاء باعتقادهم قبل صفاتهم العملية ، فقال عنهم أنهم المؤمنون، ثم تجيء الأعمال الصالحة بعد ذلك؛ ليكتمل سببا الفلاح؛ إذ لابد من إيمان وعمل صالح، صفاء في الباطن، وصفاء في الظاهر. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ ( الكهف:107)
فقوله ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) أي: قد فازوا وسعدوا ونجحوا، وأدركوا كل ما يرام المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، والذين من صفاتهم الكاملة وأهمها أنهم
 ( فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) أولى هذه الصفات لأهل الإيمان الذين نالوا بها الفلاح والفوز بالفردوس؛ هو الخشوع في الصلاة ، والخشوع أساسه معرفة الله عز وجل، ومحله القلب، والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرا لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدبا بين يدي ربه، مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، سيدنا زيد الخير، أعطاه النبيُّ وسادةً ليتكئ عليها، فقال رضي الله عنه: والله ما كنت لأتكئ في حضرتك، لقد تأدب هذا الأدب لمعرفته أنه مع رسول الله، فما بال من كان مع الله تعالى.
والخشوع محله القلب؛ فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه؛ إذ هو ملكها، قاله عليّ رضي الله عنه، وقال الحسن البصري:كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح.

وقال محمد بن سيرين:كان أصحاب رسول الله يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فلما نـزلت هذه الآية: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم.
وكان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها يهاب الرحمن أن يمد بصره إلى شيء وأن يحدث نفسه بشيء من الدنيا. وقال عطاء: الخشوع هو ألا يعبث بشيء من جسده في الصلاة. وأبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " ( لا يصح إسناده مرفوعا). وقال أبو ذر: قال النبي " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه " ( رواه الترمذي- حسنه الألباني )
ومن رآى مكانه من الله تعالى وهو يصلي فإنه يستحضر قلبه فيما يقول ، ويفعل من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثابا عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها.
اختلف الناس في الخشوع، هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين. والصحيح الأول، قاله القرطبي ، والحديث عند النسائي يعارض هذا القول،  وروى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يلحظ في صلاته يمينا وشمالا، ولا يلوي عنقه خلف ظهره. وقال كعب بن مالك في حديثه الطويل: ثم أصلي قريبا منه - يعني من النبي - وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني... الحديث؛ ولم يأمره بإعادة – أي بالرغم من التفاته في الصلاة ومعرفة النبي  لم يأمره بالإعادة ، فهذا يضعف القول أن يكون الخشوع من واجبات الصلاة.
 والصحيح كما جاء في حديث المسيء صلاته أن الطمأنينة – وهي التأني في الصلاة وعدم السرعة هي ركن، والخشوع فيها من فضائلها ومستحباتها، وهي الغاية التي يتطلع المؤمن للوصول إليها في صلاته،  قال النووي في شرح المهذب: " يستحب الخشوع في الصلاة والخضوع وتدبر قراءتها وأذكارها وما يتعلق بها والإعراض عن الفكر فيما لا يتعلق بها، فإن فكر في غيرها وأكثر من الفكر لم تبطل صلاته لكن يكره سواء كان فكره في مباح أو حرام ، وقد نقل الإجماع على أنها لا تبطل، وأما الكراهة فمتفق عليها، ومما استدلوا به على أنها لا تبطل بالفكر حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به" ( رواه البخاري ومسلم ) وعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه: قال: صليت مع النبي العصر فلما سلم قام سريعا ودخل على بعض نسائه ثم خرج ورأى في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته فقال: " ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته." ( رواه البخاري ) انتهى.
ومن الأدلة على ذلك أيضا قول النبي في الإنبجانية: " إنها ألهتني آنفا في صلاتي" ،  وقوله في قرام عائشة: " فإن تصاويره لم تزل تعرض لي في صلاتي" ،  ونحو ذلك من الأدلة الدالة على أن عروض الفكر في أمور الدنيا أثناء الصلاة لا يفسدها، ومع هذان لا بد من القول أن بعض العلماء استحب إعادة الصلاة إذا ترك الخشوع فيها، وبعضهم لم يستحب ذلك.
والخشوع هو أول علم يرفع من الناس؛كما جاء في حديث أبي الدرداء في الترمذي، قال: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ فشخصَ ببصرِهِ إلى السَّماءِ ثمَّ قالَ: " هذا أوانٌ يُختَلَسُ العِلمُ منَ النَّاسِ حتَّى لا يقدِروا منهُ علَى شيءٍ" ، فقالَ زيادُ بنُ لَبيدٍ الأنصاريُّ:  كيفَ يُختَلَسُ العِلمُ منَّا وقد قَرأنا القرآنَ فواللَّهِ لنَقرأنَّهُ ولنُقرِئنَّهُ نساءَنا وأبناءَنا؟ فقالَ:"  ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا زيادُ إن كُنتُ لأعدُّكَ مِن فُقَهاءِ أهلِ المدينةِ هذهِ التَّوراةُ والإنجيلُ عندَ اليَهودِ والنَّصارَى فَماذا تُغني عَنهم،  قالَ جُبَيرٌ فلَقيتُ عُبادةَ بنَ الصَّامتِ قلتُ ألا تسمَعُ إلى ما يقولُ أخوكَ أبو الدَّرداءِ فأخبَرتُهُ بالَّذي قالَه أبو الدَّرداءِ قالَ:"  صدقَ أبو الدَّرداءِ إن شئتَ لأحدِّثنَّكَ بأوَّلِ عِلمٍ يُرفَعُ منَ النَّاسِ الخشوعُ يوشِكُ أن تدخُلَ مسجدَ جماعةٍ فلا ترَى فيهِ رجلًا خاشعًا" ( صحيح الترمذي – صححه الألباني)
( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ ) إن اللغو هنا الشرك. وقال الحسن: إنه المعاصي كلها. فهذا قول جامع يدخل فيه قول من قال: هو الشرك؛ وقول من قال هو الغناء. ( مُعْرِضُونَ ) رغبة عنه، وتنزيها لأنفسهم، وترفعا عنه، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه -إلا في الخير- كان مالكا لأمره، كما قال النبي م لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: ( ألا أُخبِرُك بمِلاكِ ذلك كلِّه . قلتُ : بلَى يا رسولَ اللهِ قال : كُفَّ عليك هذا ، وأشار إلى لسانِه . قلتُ : يا نبيَّ اللهِ ، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلَّمُ به ؟ قال : ثكِلتك أمُّك ، وهل يُكِبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهم ، أو قال : على مناخرِهم : إلَّا حصائدُ ألسنتِهم "( الترمذي، وقال عنه حسن صحيح)  فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة، كف ألسنتهم عن اللغو والمحرمات.
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) :الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه [ الآية ] مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النَّصَب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) [ الأنعام:141 ] .
وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا:زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) [ الشمس:9، 10 ] ، وكقوله: ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) [ فصلت:6، 7 ] ، على أحد القولين في تفسيرهاأن المقصود فيها زكاة النفس.
وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال؛ فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا، فهم يؤدون زكاة أموالهم، على اختلاف أجناس الأموال، ويزكون أنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفس بتركها وتجنبها، فأحسنوا في عبادة الخالق، في الخشوع في الصلاة، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة.
( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) عن الزنا، ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك، كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم من كل أحد ( إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) من الإماء المملوكات ( فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) بقربهما، لأن الله تعالى أحلهما.
( فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ) غير الزوجة والسرية ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه، المتجرئون على محارم الله. وعموم هذه الآية، يدل على تحريم نكاح المتعة، فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها، ولا مملوكة، وتحريم نكاح المحلل لذلك.واستدل من هذه الآية  الإمام مالك والشافعي وغيرهما على  تحريم الإستمناء أو ما يسمى بالعادة السرية ،وهو استدلال صحيح ، فالواجب الإبتعاد عنه، وبيان ذلك للشباب، وبيان ما ثبت من آثاره السيئة على الصحة النفسية لهم، بالإضافة إلى آثارها السيئة عليهم بعد الزواج.
وقد ورد في حديث ضعيف قوله : ( ملعون من نكح يده )
( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) أي: مراعون لها، ضابطون، حافظون، حريصون على القيام بها وتنفيذها، وهذا عام في جميع الأمانات التي هي حق لله، والتي هي حق للعباد، قال تعالى: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ) فجميع ما أوجبه الله على عبده أمانة، على العبد حفظها بالقيام التام بها، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين، كأمانات الأموال والأسرار، والأمانة في الأموال معروفة ومشهور الحث عليها، ولكن وقد لا يلتفت المسلم لأمانة للأسرار وأنها من الإمانه ، فكما يأتمن أحدنا الآخر على ماله،  كذلك من قال لك : اجعل هذا بيني وبينك ، فهو أمانة لا يجوز خيانتها، ونذكر هنا أن الله مدح الزوجات الصالحات بأنهن ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ ۚ ) ( النساء 34)، فالمرأة مأمورة بحفظ أسرار بيتها وزوجها، وكذلك الرجل،  وقد كانت خيانة زوجة لوط عليه السلام لزوجها كان في إفشائها سره ، فكانت إذا جاءه ضيف أخبرت أهل القرية ، وقد نهاها عن ذلك ، فسماها الله  خائنة ، واستحقت عذاب النار لذلك
 فعلى العبد مراعاة الأمرين، وأداء الأمانتين ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
وكذلك العهد، يشمل العهد الذي بينهم وبين ربهم والذي بينهم وبين العباد، وهي الالتزامات والعقود، التي يعقدها العبد، فعليه مراعاتها والوفاء بها، ويحرم عليه التفريط فيها وإهمالها  
( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) أي: يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها، فمدحهم بالخشوع بالصلاة، وبالمحافظة عليها، لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين، فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع، أو على الخشوع من دون محافظة عليها، فإنه مذموم ناقص، ويلاحظ هنا أن من شدة عناية الله تعالى بأمر الصلاة ولأهميتها في إصلاح النفس فقد بدأ الله تعالى أوصاف المؤمنين بأنهم في يتمون صلاتهم على أفضل ما يجب وتكةن فيه الصلاة ، فهم في صلاتهم خاشغ=عون ، ثم ختم أوصاف المؤمنين بأنهم يداومون على الصلاة، فإن لم تحز أيها المسلم على أعلى الدرجات الدرجات في الإيمان الذي يظهر بخشعك في الصلاة ، فلا يفوتك أن تداوم عليها فإن الصلاة كما وصفها ربنا وحث عليها فقال:( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ( العنكبوت 54)
( أُولَئِكَ ) الموصوفون بتلك الصفات ( هم الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ) الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها، لأنهم حلوا من صفات الخير أعلاها وذروتها، أو المراد بذلك جميع الجنة، ليدخل بذلك عموم المؤمنين، على درجاتهم ومراتبهم كل بحسب حاله.
( هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) لا يظعنون عنها، ولا يبغون عنها حولا لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله وأتمه، من غير مكدر ولا منغص.


اللهم إنّا نسألك الجنّة وما قرب إليها من قول وعمل
 ونعوذ بك من النار ، وما قرّب إليها من قول وعمل


No comments:

Post a Comment