Sunday 21 August 2016

الأمثال في القرآن 12- المثل العاشر - من سورة البقرة- الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.

 



 



المثل العاشر– من سورة البقرة – الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ

مثل اليوم في التنفير والتخويف من الربا

قال تعالى:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275)

تفسير الآيات وشرح المثل:

قال تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا } أي الذين يأخذون الربا فينتفعون به بأكل، أو شرب، أو لباس، أو سكن، أو غير ذلك؛ لكنه ذكر الأكل؛ لأنه أعم وجوه الانتفاع، وأكثرها إلحاحاً.
{ الرِّبا } في اللغة: الزيادة؛ ومنه قوله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [الحج5] أي زادت. وقال الله تعالى : { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس } أي ليكثر { فلا يربو عند الله } [الروم 39]
وفي الشرع: زيادة في شيئين منع الشارع من التفاضل بينهما.
قوله تعالى: { لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }، اختلف المفسرون في هذا القيام ومتى يكون على قولين:

القول الأول:  قال الجمهور: إنهم لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس؛ يعني: كالمصروع الذي يتخبطه الشيطان؛ و«التخبط» هو الضرب العشوائي؛ فالشيطان يتسلّط على ابن آدم تسلطاً عشوائياً، فيصرعه؛ فيقوم هؤلاء من قبورهم يوم القيامة كقيام المصروعين - والعياذ بالله - يشهدهم الناس كلهم؛ وهذا القول هو قول جمهور المفسرين؛ وهو مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.أي يقومون يوم القيامة قيام الذي به مس أو جنون، قال ابن عباس : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا، ويؤيده ما ورد من دعاء النبي : أَعُوذُ بالله من الشيْطانِ الرجِيمِ من هَمْزِهِ، ونَفْثِهِ، ونَفْخِهِ، فقيل : يا رسول الله ! ما هَمزُهُ، ونَفْثُهُ، ونَفْخُهُ ؟ فقال : " أَمَّا هَمزُهُ: فالمُوتَةُ، وأَمَّا نَفثُهُ: فَالشِّعْرُ. وأما نَفْخُهُ: فَالِكِبْر". وقول رسول الله هو الموتة أي الخنق، وخنق الشيطان يجعله كالمجنون يتخبط ، فآكلي الربا كما كانوا في الدنيا مجانين في طلب الربح وتكثير أموالهم بالربا، يبعثون يوم القيامة مجانين. 

القول الثاني: إنهم لا يقومون عند التعامل بالربا في الحياة الدنيا إلا كما يقوم المصروع؛ لأنهم - والعياذ بالله - لشدة شغفهم بالربا كأنما يتصرفون تصرف المتخبط الذي لا يشعر؛ لأنهم سكارى بمحبة  المال ، كل طرق كسبه كالربا، وسكارى بما يربحونه - وهم الخاسرون؛ فيكون القيام هنا في الدنيا؛ شبَّه تصرفاتهم العشوائية الجنونية المبنية على الربا العظيم -الذي يتضخم المال من أجل الربا- بالإنسان المصروع الذي لا يعرف كيف يتصرف؛ وهذا قول كثير من المتأخرين؛ وقالوا: إن يوم القيامة هنا ليس له ذكر؛ ولكن الله شبَّه حالهم حين طلبهم الربا بحال المصروع من سوء التصرف؛ وكلما كان الإنسان أشد فقراً كانوا له أشد ظلماً؛ فيكثرون عليه الظلم لفقره؛ بينما حاله تقتضي الرأفة، والتخفيف؛ لكن هؤلاء ظلمة ليس همهم إلا أكل أموال الناس.

وكثير من المعاصرين يجمعوا القولين؛  يقولون أنهم في الحياة في حالة من السكرة والجشع والهلع كالمجانين،  فعوقبوا يوم القيامة أنهم لا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ( قالها الشيخ السعدي رحمه الله )
فاختلف المفسرون في معنى «القيام» ومتى يكون؛ لكنهم لم يختلفوا في قوله تعالى: { الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }؛ يعني متفقين على أن الشيطان يتخبط الإنسان؛ و{ من المس} أي بالمس بالجنون؛ وهذا أمر مشاهد: أن الشيطان يصرع بني آدم؛ وربما يقتله - نسأل الله العافية -؛ يصرعه، ويبدأ يتخبط، ويتكلم، أصل الخبط الضرب والوطء وهو ضرب على غير استواء يقال : ناقة خبوط للتي تطأ الناس وتضرب الأرض بقوائمها.
قوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا }  الباء للسببية يعني أن حالهم هذا بسبب أنهم عُمّي عليهم الفرق بين البيع والربا؛ أو أنهم كابروا فألحقوا الربا بالبيع؛ ولذلك عكسوا التشبيه، فقالوا: إنما البيع مثل الربا، ولم يقولوا: «إنما الربا مثل البيع»، كما هو مقتضى الحال.
وخلطهم للربا بالبيع إنما هو لما كان عليه أهل الجاهلية إذ كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه فطالبه به فيقول الغريم لصاحب الحق : زدني في الأجل حتى أزيدك في المال فيفعلان ذلك ويقولون سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند المحل لأجل التأخير؛ فكذبهم الله تعالى وقال : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا } قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا }،أي أباح البيع، وطلب الزيادة بطريق التجارة وحرم الربا؛ وهذا رد لقولهم: { إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا }؛ فأبطل الله هذه الشبهة بما ذكر.
قوله تعالى: { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}  أي من بلغه حكم الربا بعد أن تعامل به { فَانْتَهَى}  أي فكف عن الربا بالتوبة منه { فَلَهُ مَا سَلَفَ}، أي ما أخذه من الربا قبل العلم بالحكم.
قوله تعالى: { وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } أي شأنه إلى الله  تبارك وتعالى  في الآخرة؛ { وَمَنْ عَادَ} أي ومن رجع إلى الربا بعد أن أتته الموعظة { فَأُولَئِكَ}: أتى باسم الإشارة الدال على البعد؛ وذلك لسفولة مكانه، أي هوى بعيداً؛ أَصْحَابُ النَّارِ } أي أهلها الملازمون لها؛ وأكد ذلك بقوله تعالى: { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

الفوائد:

1 - التحذير من الربا، حيث شبه آكله بمن يتخبطه الشيطان من المس.
2 - أن من تعامل بالربا فإنه يصاب بالنهمة العظيمة في طلبه.
3 - أن الحكم لله  تبارك وتعالى وحده؛ فما أحله فهو حلال؛ وما حرمه فهو حرام سواء علمنا الحكمة في ذلك، أم لم نعلم؛ لأنه تعالى رد قولهم: { إنما البيع مثل الربا } بقوله تعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربا }؛ فكأنه قال: ليس الأمر إليكم؛ وإنما هو إلى الله. فالله تعالى هو كما قال {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: 8] فهو لا يحل شيئا ويحرم غيره إلا لحكمة ولوجود فرق بينهما، وقوله تعالى: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة: 50]
4 - أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم فهو حلال له بشرط أن يتوب، وينتهي؛ لقوله تعالى: { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ }.
5 - أنه لو تاب من الربا قبل أن يقبضه فإنه يجب إسقاطه؛ لقوله تعالى: { فَانْتَهَى }؛ ومن أخذه بعد العلم فإنه لم ينته؛ ولهذا قال النبي في عرفة في حجة الوداع: «ألا وإن ربا الجاهلية موضوع؛ وأول رباً أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله» فبين أن ما لم يؤخذ من الربا فإنه موضوع.

أحاديث في التحذير من الربا:

عن عوف بن مالك الأشجعي، أن رسول الله قال:"  إياك والذنوبَ التي لا تُغفَرُ، ( وفي رواية : وما لا كفارةَ من الذنوبِ )، فمن غَلَّ شيئًا أُتِيَ به يومَ القيامةِ ، وأكلَ الرِّبا ؛ فمن أكل الرِّبا بُعِثَ يومَ القيامةِ مجنونًا يتخبَّطُ ، ثم قرأ : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " [ البقرة 275 ] (الألباني  في السلسلة الصحيحة، وقال عنه : حسن)

وأخرج البخاري من حديث سمرة بن جندب قال: " رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فقالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى طرف النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل الذي على الشاطئ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء رجع ورُجم، فقلت: ما هذا الذي رأيت؟ قيل: هذا آكل الربا" 
.
وأخرج مسلم في صحيحه قوله : " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"  كلهم ملعونون، إما تؤكل أو تأكل أو تكتب أو تشهد عليه، واقع في اللعنة من بعيد.

ومن عظم شأن الربا قال تعالى: { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}


اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات حُب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حُبّك ، وحب من يُحبِك ، وحُب عمل يقربني إلى حُبك . ، اللهم حاسبني حساباً يسيراَ .

No comments:

Post a Comment