Tuesday 16 August 2016

أحكام وأركان الحج والعمرة1- فضائل الحج وشروط وجوبه



  



أحكام وأركان الحج والعمرة 1- فضائل الحج وشروط وجوبه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران: 97). وقال عز وجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ..} البقرة: 157). وقال سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: 27) وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". فالحج ركن من أركان الإسلام، وعبادة جليلة لها خصائصها وفضائلها.
من فضائل حج بيت الله الحرام:
إن حج بيت الله الحرام من أفضل الأعمال: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". متفق عليه. وعند أحمد والطبراني في الكبير عَنْ مَاعِزٍ رضي الله عنه-عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْجِهَادُ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ تَفْضُلُ سَائِرَ الْعَمَلِ كَمَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا". وصححه الألباني.
ومن فضائل الحج: أنه يمحو الذنوب ويكفر السيئات، وينفي الفقر ويسد الحاجات، ويرفع المراتب والدرجات. يمحو الذنوب ويكفر السيئات، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". متفق عليه. وللترمذي: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

والحج ينفي الفقر ويسد الحاجات، كما عند أحمد والترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ".

والحج يرفع المراتب والدرجات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي يقول: "ما ترفع إبل الحاج رجلا ولا تضع يدا إلا كتب الله له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع بها درجة". رواه البيهقي وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.

ومن فضائل الحج: أنه إذا كان مبرورا فليس له ثواب وجزاء إلا الجنة. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ". وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ". قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ؟ قَالَ: "إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ". رواه الطبراني في الأوسط، وابن خزيمة، والحاكم، وهو صحيح لغيره.

ومن فضائل الحج: أنه يهدم ما كان قبله، فعَنْ ابْنِ شِمَاسَة رحمه الله قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وقال: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ  فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ! فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: "مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟!" قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: "تَشْتَرِطُ بِمَاذَ؟ا" قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟!". رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مختصرا ورواه مسلم وغيره أطول منه.

ومن فضائل الحج أنه جهاد الصغير والكبير، والمرأة والضعيف ومن لا يقوى على الجهاد، بل هو أفضل الجهاد للمرأة. فعند البخاري وغيره عنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لَا، لَكُنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ". (وَسَمَّى رسول الله الحج جِهَادًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاهَدَة النَّفْس). ورواه ابن خزيمة أيضا، ولفظه: قلت: يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة".

وعند النسائي بسند حسن لغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "جِهَادُ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَالضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ". وعند ابن ماجه بسند صحيح لغيره عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ".

ومن فضائل الحج: أن الحجاج والعمار وفد الله العزيز الغفار. أخرج النسائي والحاكم وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ".

ومن فضائل الحج: أن من خرج حاجا أو معتمرا فمات، كتب له أجر الحاج والمعتمر إلى يوم القيامة، فعند : "من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة".
وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ- قَالَ النَّبِيُّ : "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". (والسدر: شجر النبق، يجفف ورقه ويستعمل في التنظيف)
فالذي يموت هنالك في إحرامه، يبعث يوم القيامة ملبيا، والناس يبعثون من قبورهم في فزع وقلق، وخوف وفرق، والأهوال جسيمة، والكروب عظيمة، فبينما الحال هكذا يأتي صوت لطالما اهتزت له قلوب، واشتاقت له أنفس، وتهافتت عليه أرواح، وطربت له آذان، ورددته ألسن، ودمعت له عيون، يبعث ملبيا يردد نشيج الحجيج يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

وبعد هذه المقدمة في فضائل الحج ، نؤكد على إن أحسن ما يؤدي به المسلم مناسك الحج والعمرة أن يؤديها على الوجه الذي جاء عن رسول الله لينال بذلك محبة الله ومغفرته (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران:31). ونبدأ بإذن الله تعالى في ذكر شروط وجوب الحج.

شروط وجوب الحج :

ذكر العلماء رحمهم الله شروط وجوب الحج ، والتي إذا توفرت في شخص وجب عليه الحج ، ولا يجب الحج بدونها ، وهي خمسة : الإسلام ، العقل ، البلوغ ، الحرية ، الاستطاعة .

1- الإسلام :

وهذا الشأن في جميع العبادات ، وذلك لأن العبادة لا تصح من الكافر، لقول الله تعالى : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ) التوبة/54 .

وفي حديث معاذ لما بعثه النبي إلى اليمن : ( إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ) متفق عليه .

2، 3 - العقل والبلوغ

لقول النبي : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) . (صححه الألباني في صحيح أبي داود )
فليس على المجنون حج ، كما يسقط عنه أركان الإسلام الأخرى، وإن فعلها فله أجر،ومن أعانه عليها له أجر .
لكن يصح الحج من الصغير الذي لم يبلغ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي لقي رَكباً بالروحاء- اسم موضع -فقال: «من القوم؟» قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: «رسول الله»، فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولكِ أجر» (رواه مسلم). وإذا أثبت النبي للصبي حجاً ثبت جميع مقتضيات هذا الحج فليُجنَّب جميع ما يجتنبه المُحرم الكبير من محظورات الإحرام، إلا أن عمدَه يعتبر خطأً، فإذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليِّه. فللصبي أجر الحج ، ولوليه أجر أيضاً.
ولكن هذه الحجة للصبي لا تسقط عنه حج الإسلام،  فإذا بلغ الصبي عليه أن يحج حجة الفريضة.

4- الحرية : فلا يجب الحج على العبد لأنه مشغول بحق سيده، وأيضا نقول إن حج به وليه ، أو أذن له بالحج فله أجر الحج، ولوليه أيضا.

5- الاستطاعة (القدرة):

قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران/97 .

والإستطاعة تنقسم إلى: الاستطاعة البدنية ، والاستطاعة المالية .

الاستطاعة البدنية : فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل الشخص مشقة السفر إلى بيت الله الحرام .

الاستطاعة المالية:  فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً , وإياباً والفقة على نفسه في مكة ، ويترك لأهله وعياله ما يكفيهم نفقتهم فترة غيابه عنهم.

قالت اللجنة الدائمة (11/30) :
الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله ، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه ، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها حتى في سفرها للحج أو العمرة اهـ .

ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى البيت الحرام فاضلةً عن حاجاته الأصلية ، ونفقاته الشرعية ، وقضاء ديونه . والمراد بالنفقات الشرعية : النفقات التي يقرها الشرع كالنفقة على نفسه وأهله ، من غير إسراف ولا تبذير ، فإن كان متوسط الحال وأراد أن يظهر بمظهر الغني فاشترى سيارة ثمينة ليجاري بها الأغنياء ، وليس عنده مال يحج به ، وجب عليه أن يبيع السيارة ويحج من ثمنها ، ويشتري سيارة تناسب حاله .
لأن نفقته في ثمن هذه السيارة الثمينة ليست نفقة شرعية ، بل هو إسراف ينهى الشرع عنه .
والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين ، وهي الديون.
فمن كان عليه دين ، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج ، وهذا هو الأصل ، إلا في بعض الحالات وهي :

من كان عليه دين ويريد الحج :
-إن لم يكن الدَّين حالًّا فلا حرج عليه في تقديم الحج على قضاء الدين؛ فقد ذكر أهل العلم أن الدَّين الذي يمنع من الذهاب إلى الحج هو الذي توفرت فيه الشروط التالية:
الأول: أن يكون حالًّا؛ فإن كان مؤجلًا فيشترط فيه فقط ألا يؤثر الذهاب إلى الحج على سداده.أي لا يكون الحج وتكاليفه يمنع من سداد الدين في وقته، فلا حرج عليه أن يحج قبل سداد الدين.
الثاني: ألا يأذن من له الدَّين؛ فإن أذن فلا بأس أن يحج المدين: ولو أدى ذلك إلى التأخر في السداد، ما دام قد أذن له المدين.
الثالث: ألا يوجد عنده ما يكفي لسداده:  فإن كان عنده ما يكفي لسداده فيما بعد، فلا بأس أن يحج، ولو لم يأذن الدائن.
الرابع: أن يكون الحج من مال الشخص نفسه:  فإذا تكفل غيره بنفقة حجه، فلا بأس في أن يحج.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/46) : " من شروط الحج : الاستطاعة ، ومن الاستطاعة : الاستطاعة المالية . ومن كان عليه دَيْن مطالبٌ به بحيث أن أهل الدَّين يمنعون الشخص عن الحج إلا بعد وفاء ديونهم فإنه لا يحُجّ ، لأنه غير مستطيع ، وإذا لم يطالبوه ويعلم منهم التَّسامح فإنه يجوز الحج ويكون صحيحاً
ويجوز الحج كذلك إذا كان الدَّين غير محدد الوقت للقضاء بميعادٍ معيَّن ، ويكون قضاؤه متى تيسر ، وقد يكون الحج سبب خيرٍ لأداء الدين . والله أعلم " انتهى .
وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج، فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط ، لأن الحج لم يجب عليه ، فكما أن الزكاة لا تجب على الفقير فكذلك الحج " أهـ
أما لو قَدَّم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين ، فكيف بغير الشهيد؟!  إلا أن يكون من ورثته من يقضي الدين عنه، فلا حرج عليه .
والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود .
ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك .
ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها ، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله .

سئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن رجل له مبلغ من المال في بنك إسلامي وراتبه مع أرباح المال تكفيه بصورة معتدلة ، فهل يجب عليه الحج من رأس المال مع العلم أن ذلك سيؤثر على دخله الشهري ويرهقه مادياً ؟ فأجابت :

" إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج لعدم الاستطاعة الشرعية ، قال الله تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) " انتهى .

والمراد بالحاجات الأصلية : ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كثيراً ، ويشق عليه الاستغناء عنه .
مثل : كتب العلم لطالب العلم ، فلا نقول له : بع كتبك وحج بثمنها ، لأنها من الحوائج الأصلية .
وكذلك السيارة التي يحتاج إليها ، لا نقول له بعها وحج بثمنها ، لكن لو كان عنده سيارتان وهو لا يحتاج إلا إلى واحدة فيجب عليه أن يبيع إحداهما ليحج بثمنها .
وكذلك الصانع لا يلزمه أن يبيع آلات الصنعة لأنه يحتاج إليها .
وكذلك السيارة التي يعمل عليها وينفق على نفسه وأهله من أجرتها ، لا يجب عليه بيعها ليحج .
ومن الحوائج الأصلية : الحاجة إلى النكاح .
فإذا احتاج إلى النكاح قدم النكاح على الحج وإلا قدم الحج .
إذاً فالمراد من الاستطاعة المالية أن يفضل عنده ما يكفيه للحج بعد قضاء الديون ، والنفقات الشرعية ، والحوائج الأصلية .
فمن كان مستطيعاً ببدنه وماله وجب عليه المبادرة بالحج .
ومن كان غير مستطيع ببدنه وماله ، أو كان مستطيعاً ببدنه ولكنه فقير لا مال له ، فلا يجب عليه الحج.
ومن كان مستطيعاً بماله ، غير أنه لا يستطيع ببدنه نظرنا :
فإن كان عجزه يرجى زواله كمريض يرجى شفاء مرضه فإنه ينتظر حتى يشفيه الله ثم يحج .
وإن كان عجزه لا يرجى زواله كمريض السرطان أو كبير السن الذي لا يستطيع الحج فهذا يجب عليه أن يقيم من يحج عنه ، ولا يسقط عنه الحج لعدم استطاعته ببدنه إذا كان مستطيعاً بماله .( دروس الشيخ بن عثيمين رحمه الله من شرح زاد المستقنع)
والدليل على ذلك :
ما رواه البخاري (1513) أن امرأة قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
فأقرها النبي على قولها إن الحج فرض على أبيها مع أنه لا يستطيع الحج ببدنه .

ويشترط لوجوب الحج على المرأة أن يكون لها محرم :

ولا يحل لها أن تسافر للحج فرضاً كان أو نفلاً إلا مع ذي محرم ، لقول النبي: ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) رواه البخاري ومسلم .

من هو المحرم للمرأة:

المحرم هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة .
وزوج الأخت أو زوج الخالة أو العمة ليس من المحارم ، وبعض النساء تتساهل فتسافر مع أختها وزوج أختها، أو مع خالتها وزوج خالتها، وهذا حرام،  لأن زوج أختها ، أو زوج خالتها ليس من محارمها ،فلا يحل لها أن تسافر معه .

ويشترط في المحرم أن يكون عاقلاً بالغاً .

لأن المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها والصبي والمجنون لا يحصل منهما ذلك
فإذا لم يوجد للمرأة محرم ، أو وجد ولكن امتنع من السفر معها ، فلا يجب عليها الحج

لا يشترط إذن الزوج لزوجته في حج الفريضة:

وليس من شروط الوجوب على المرأة إذن زوجها ، بل يجب عليها الحج إذا توفرت شروط الوجوب ولو لم يأذن الزوج .
قالت اللجنة الدائمة (11/20) :
حج الفريضة واجب على المرأة إذا توفرت شروط الاستطاعة ، وليس منها إذن الزوج ، ولا يجوز له أن يمنعها ، بل يشرع له أن يتعاون معها في أداء هذا الواجب اهـ .
وهذا في حج الفريضة أما النافلة فنقل ابن المنذر الإجماع على أن الزوج له منع زوجته من حج النافلة ، لأن حق الزوج واجب عليها فلا تفوته بما لا يجب عليها . المغني (5/35) . وهذا كما أنها لا تصوم النافلة إلا بإذنه، ويجوز له أن يقطع عليها صلاة النافلة.

اللهم بلغنا حج بيتك الحرام مرات عديدة وأعواما مديدة ووقف كل من نوي حج هذا العام وكل عام من بعده إلى الصحيح من نسك نبينا الكريم ، فيتبع ولا يبتدع ، ويلزم الأمر ولا يخالف ، وتقبله الله من جميع من أخلص الحج لوجهك الكريم وعمل لمرضاتك

No comments:

Post a Comment