Monday 13 November 2017

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات- سورة الملك ج2 : زينا السماء الدنيا بمصابيح






 

تفسير سورة الملك ج2 : زينا السماء الدنيا بمصابيح
 



ولما نفى الله تعالى عن السموات في خلقها النقص، بيَّن كمالها وزينتها فقال: ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) جمع مصباح وهو السراج. وتسمى الكواكب مصابيح لإضاءتها وهي الكواكب التي وضعت السماء من السيارات والثوابت.
وقوله: ( وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) عاد الضمير في قوله: ( وَجَعَلْنَاهَا ) على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها، ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته،  فالشهب والنيازك هي قطع متفتته من الأجرام السماوية تهوي إلى الأرض، فهي من النجوم التي هي مصابيح، وليست هي بكمالها. والله أعلم.

وقوله: ( وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) أي:جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى، كما قال في أول الصافات: ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) [ الصافات6 - 10] .
قال قتادة:إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال:خلقها الله زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وقال محمد بن كعب: والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم، ولكنهم يتخذون الكهانة سبيلا ويتخذون النجوم علة، وقوله تعالى: (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ( أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق؛ ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

في اللغة :


سَعِيرُ النِّيرَانِ:لَهِيبُهَا، شُعْلَتُهَا، والنار تكون قد اشتد حرها فصارت حميم، يقال: سعرت النار فهي مسعورة وسعير؛ مثل مقتولة وقتيل، وحميم: على وزن فعيل في معنى مفعول،
يقال: قد سعَّرتها، وسَعَرتها، وأسعرتها، والمُسَعر: الخشب الذي يسَّعر به، واستعرت الحرب، نحو: اشتعل، وناقة مسعورة: مهيجة. والسعار: حر النار، وسعر الرجل: أصابه حر، قال تعالى: ﴿ إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء10]، وقال تعالى: ﴿وإذا الجَحِيمُ سُعِّرَت﴾ [التكوير12]، وقرئ بالتخفيف، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ [القمر47]
واستخدام كلمة السِّعر في السوق، تشبيها باستعار النار.


عودة للتفسير: 


قوله عز وجل: ( إِذَا أُلْقُوا فِيهَا ) يعني الكفار،  (سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ) يعني الصياح، ( وَهِيَ تَفُورُ) قال الثوري: تغلي بهم كما يغلي الحَبُ القليل في الماء الكثير، قال ابن عباس: الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها؛ تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. والشهيق في الصدر، والزفير في الحلق.
 وقوله تعالى: ( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) أي تكاد ينفصل بعضها من بعض،تتقطع، أو يتفرق بعضها عن بعض من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم، « من الغيظ » من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى. وقيل: ( مِنَ الْغَيْظِ ) من الغليان. وأصل ( تَمَيَّزُ ): تتميز. ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ)  جماعة من الكفار. (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ) أي على جهة التوبيخ والتقريع ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) أي رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم حتى تحذروا.
 فكان جوابهم:( قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) يذكر تعالى عدله في خلقه، وأنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه، كما قال تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ) (الإسراء 15)، وقال تعالى: ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ )( الزمر 71) ، وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة، فقالوا: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، أي : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر، أو نعقل عقل من يميز وينظر. ودل هذا على أن الكافر لم يعط من العقل شيئا، لما كنا على ما كنا عليه من الكفر باللّه والاغترار به، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم، أورد ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية عن رسول الله أنه قال: "  لِكلِّ شيءٍ دِعَامَةٌ ، ودِعَامَةُ المُؤْمِنِ عَقْلُهُ ، فَبِقدرِ عَقْلِه تَكُونُ عِبادَةُ رَبِّهِ ، أَما سَمِعْتُمْ قَوْلَ الفاجرِ عندَ نَدَامَتِه : لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" ( حكم الألباني عليه أنه موضوع )
قال اللّه تعالى: ( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ )، أي بتكذيبهم الرسل، وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة ، فاعترفوا  بذنوبهم ولو كان أول أمرهم الإنكار، كما قال تعالى: ( بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿١٤﴾ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ﴿١٥﴾( سورة القيامة ).
 ( فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ)، أي فبعدا لهم من رحمة الله. قال سعيد بن جبير: هو واد في جهنم يقال له السحق، (فَسُحْقًا ) منصوب على المصدر؛ أي أسحقهم الله سحقا؛ أي باعدهم بعدًا.
 وفي الحديث: (لن يَهلِكَ النَّاسُ حتَّى يُعذَروا مِن أنفسِهم) (رواه الإمام أحمد– حسن ) أي : لَنْ يَهلَكَ الناسُ"، أي: لَنْ يُهلِكَ اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ في الدُّنيا بموتٍ أو عذابٍ، "حتى يَعذِرُوا، أو يُعذِرُوا من أنفُسِهم"، أي: حتى يُكثِروا من الذُّنوبِ والمعاصي ولم يَبقَ لهم عُذرٌ بعدَما قامَت علَيهِم مِن الحُجَجِ ما قامتْ، كأمرٍ بمعروفٍ أو نَهيٍ عن مُنكَرٍ ولم يَستَجِيبوا، فيَستَوجِبوا بذلكَ العُقوبةَ ولا عُذرَ لهم بعدَ ذلكَ.



ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
 

 

No comments:

Post a Comment