Sunday 26 November 2017

علوم القرآن – التفسير – الإسرائيليات في تفسير القرآن

  


  



علوم القرآن – التفسير – الإسرائيليات في تفسير القرآن

المقصود بالإسرائيليات :

يعم لفظ الإسرائيليات في التفسير اللون اليهودي والنصراني ، وكل ما ورد عنهم في تفسير القرآن الكريم ،وتأثير الثقافتين اليهودية والنصرانية في تفسير القرآن .
والسبب في وجود الإسرائيليات في تفسير القرآن وخاصة في قصص الأنبياء هو أن التوراة الإنجيل اشتملا – كما اشتمل القرآن – على قصص الأنبياء عليهم السلام وذلك على اختلاف في الإجمال والتفصيل ،
فالقرآن إذا عرض لقصة من قصص الأنبياء فإنه فإنه يتعرض لموضع العظة منها ، ولا يتعرض لتفاصيل وجزئيات المسائل ، فلا يذكر تارخ الوقائع ، ولا أٍسماء البلدان التى حصلت فيها ، أو أسماء الأشخاص التي جرت لهم الحوادث ،  بينما التوراة والإنجيل ففيهما تفصيل كل ما ورد من هذه الحوادث ، مما  شجع المفسرون المسلمون للأخذ بها لشرح الإيجاز ، وتوضيح ما غمض عليهم في القرآن .

مبدأ دخول الإسرائيليات في تفسير القرآن الكريم :

بدا دخول الإسرائيليات في تفسير القرآن الكريم من عهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، غير أنهم لم يسألوا أهل الكتاب عن كل شيء ، ولم يقبلوا منهم كل شيء ، بل كانوا يسألون عن توضيح لقصص القرآن وبيان لما أجمله ، مع توقفهم فيما يلقى عليهم فلا يصدقوا ، وذلك لما روى البخاري من أنه : " كان أهلُ الكتابِ يقرؤون التوراةَ بالعبرانيةِ، ويفسرونَها بالعربيةِ لأهلِ الإسلامِ ، فقال رسولُ اللهِ لا تصدقوا أهلَ الكتابِ ولا تكذبوهم، وقولوا: " {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]. وذلك لأنَّ اللهَ تعالى أمَرَنا أنْ نُؤمنَ بما أَنزلَ إلينا مِنَ القرآنِ وما أَنزلَ إليهم مِنَ الكتابِ، إلَّا أنَّه لا سَبيلَ لنا إلى أنْ نَعلمَ صحيحَ ما يَحكُونَه عَن تلك الكتُبِ مِن سَقيمِه إذا لم يَرِدْ في شَريعتِنا ما يُوضِّح صِدقَه مِن كَذبِه، فَنتوقَّفُ؛ فلا نصدِّقُهم؛ لِئلَّا نكونَ شركاءَ معهم فيما حرَّفوه منه، ولا نُكذِّبُهم؛ فلعَّله يكونُ صحيحًا فنكونُ مُنكرينَ لِمَا أُمرْنا أنْ نُؤمِنَ به،
 والصحابة في حكايتهم عن أهل الكتاب التزموا أمورا منها أنهم : لم يسألوهم عن شيء في العقيدة أو في الأحكام إلا إذا كان للإستشهاد والتقوية .
كما لو يسألوهم عن أشياء يشبه السؤال عنها العبث واللهو  ، كالسؤال عن أسماء أصحاب الكهف ، وإسم كلبهم ولونه ..
- كما كان الصحابة لا يصدقون أهل الكتاب فيما يخالف الشريعة أو ينافي العقيدة ، بل بلغ بهم الأمر أنهم إذا سألوا أهل الكتاب عن شيء فأجابوا عنه بما يخالف العقيدة أو ما اتفق عليه من الدين ، فإنهم يردوا عليهم خطأهم ، ويبينوا لهم الصواب فيه .
فالصحابة لم يخرجوا من دائرة الإباحة التي حدها رسول الله لهم في قوله :" بلغوا عني ولو آيةً ، وحدثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرجَ ، ومن كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مقعدَه من النارِ." ( رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو)
قال الشافعي في معنى الحديث : من المعلوم أن النبي لا يجيز الكذب ، فالمعنى ؛ حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجيزونه فلا حرج عليكم في التحديث به عنهم .
ولما جاء التابعون من بعدهم توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب ، فكثرت في عهدهم الروايات الإسرائيلية ، ويرجع ذلك لكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام ، وميل النفس لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية ،فظهر في هذا العهد مفسرون أرادوا أن يسدوا هذه الثغرات في التفسير فحشوا التفسير بكثير من قصص المتناقضة ، من هؤلاء : مقاتل بن سلمان ( ت 150هـ) الذي نسبه أبو حاتم إلى أنه استلقى علومه بالقرآن من اليهود والنصارى وجعلها موافقة لما في كتبهم .ثم جاء بعد عهد التابعين من شغف بالإسرائيليات ، وأفرط في الأخذ منها إلى درجة جعلتهم لا يردون قولا ، ولا يحجمون على أن يلصقوا بالقرآن كل ما يروى وإن كا لا يعقل .

قيمة ما يروى من الإسرائيليات :

تنقسم الإسرائيليات إلى ثلاث أقسام :
1- ما يعلم صحته ، بأن نقل عن النبي
نقلا صحيحا ، وذلك كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام  بأنه الخضر  ، فقد جاء الأٍمر صريحا على لسان رسول الله كما في البخاري ، وهذا القسم صحيح مقبول .
2- ما يعلم كذبه بأن يناقض ما عرفناه من شرعنا ، أو كان لا يتفق مع العقل ، وهذا القسم لا يصح قبوله أو روايته .
3- ما هو مسكوت عنه ، لا هو من قبيل الأول ، ولا هو من قبيل الثاني ، وهذا القسم نتوقف فيه ، فلا نؤمن به ، ولا نكذبه ، وتجوز حكايته : " لا تصدقوا أهلَ الكتابِ ولا تكذبوهم، وقولوا: " {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا...} " الآية
ثم إذا جاء عن أحد الصحابة شيء من هذا النوع  بطريق صحيح ، وكان قد جزم به ، فهو كالقسم الأول يقبل ولا يرد .
وإن كان لم يجزم الصحابي به فالنفس أسكن لقبوله لاحتمال أن يكون الصحابي قد سمعه من رسول الله ، أو ممن سمعه منه .
وأن جاء شيء من هذا القبيل عن التابعي ، فهو مما نتوقف فيه فلا يحكم عليه بصدق ولا كذب ، وذلك لقوة احتمال السماع من أهل الكتاب لما عروفوا من كثرة الأخذ عنهم ، وبُعد احتمال سماعه من النبي ، هذا إذا لم يتفق أهل الرواية من علماء التفسير على ذلك ، وحينئذ تسكن النفس إلى قبوله والأخذ به . والله أعلم

موقف المفسر من الإسرائيليات :

يجب على المفسر أن يكون يقظا إلى أبعد الحدود في تفسيره لما جاء عن أهل الكتاب ، ناقدا ذلك إلى أبعد ما يكون النقد من دقة وروية .
كما لا يجب عليه أن ينقل عن أهل الكتاب في تفسير المجمل من القرآن إذا كان في سنة نبينا بيان لها ، وعليه أن يلحظ أن الضروري يقدر بقدره ، فلا يذكر شيئا من ذلك إلا بما تقتضيه الضرورة للبيان .
فإذا اختلف المتقدمون من المفسرين في ئيء من هذا القبيل وكثرت أقوالهم ونقولهم ، فلا مانع  من نقل المفسر لهذه الأقوال جميعا ، على أن ينبه للصحيح منها ، ويبطل الباطل ، وليس له أن يحكي  الخلاف ويتركه ، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال .
على أن الخير للمفسر أن يعرض كل الإعراض عن هذه الإسرائيليات ، وأن يمسك عما لا طائل تحته ، فهذا أحكم وأسلم .

أقطاب الرواية الإسرائيلية :

1-  عبد الله بن سلام

هو أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي الأنصاري ، حليف بني عوف من الخزرج ، وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام ، أسلم عند قدوم النبي إلى المدينة .
قيل كان اسمة الحصين فسماه النبي عبد الله وشهد له بالجنة ، ففي البخاري عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : ما سمعت النبي يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، وقال وفيه نزلت هذه الآية : ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ) ( الأحقاف 10)
قصة إسلام عبد الله بن سلام :

بلَغ عبدَ اللهِ بنَ سَلامٍ مَقدَمُ رسولِ اللهِ المدينةَ ، فأتاه فقال : إني سائِلُك عن ثلاثٍ لا يَعلَمُهنَّ إلا نبيٌّ : ما أولُ أشراطِ الساعةِ ، وما أولُ طعامٍ يأكلُه أهلُ الجنةِ ، ومن أيِّ شيءٍ يَنزِعُ الولدُ إلى أبيه ، ومن أيِّ شيءٍ يَنزِعُ إلى أخوالِه ؟ فقال رسولُ اللهِ : ( خبَّرني بهنَّ آنفًا جِبريلُ ) . قال : فقال عبدُ اللهِ : ذاك عدوُّ اليهودِ منَ الملائكةِ ، فقال رسولُ اللهِ : ( أما أولُ أشراطِ الساعةِ فنارٌ تَحشُرُ الناسَ منَ المشرقِ إلى المغربِ ، وأما أولُ طعامٍ يأكلُه أهلُ الجنةِ فزيادةُ كبِدِ الحوتِ ، وأما الشَّبَهُ في الولَدِ : فإنَّ الرجلَ إذا غَشِي المرأةَ فسبَقها ماؤه كان الشَّبَهُ له ، وإذا سبَق ماؤها كان الشَّبَهُ لها ) . قال : أشهَدُ أنك رسولُ اللهِ ، ثم قال : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ اليهودَ قومٌ بُهتٌ ، إن علِموا بإسلامي قبلَ أن تَسألَهم بَهَتوني عِندَك ، فجاءَتِ اليهودُ ودخَل عبدُ اللهِ البيتَ ، فقال رسولُ اللهِ : ( أيُّ رجلٍ فيكم عبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ ) . قالوا : أعلَمُنا ، وابنُ أعلَمِنا ، وأخيَرُنا ، وابنُ أخيَرِنا ، فقال رسولُ اللهِ : ( أفرأيتُم إن أسلَم عبدُ اللهِ ) . قالوا : أعاذه اللهُ من ذلك ، فخرَج عبدُ اللهِ إليهم فقال : أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأشهَدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ ، فقالوا : شرُّنا ، وابنُ شرِّنا ، ووقَعوا فيه .

علمه:

وقد روى عبد الله بن سلام عن النبي ، وروى عنه إبناه يوسف ومحمد .
وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس والجابية ، ومات بالمدينة 43هـ  
أما مبلغه من العلم :
 فقد شهد له اليهود أما النبي أنه أعلمهم وابن أعلمهم ، كما جاء في البخاري . وليس عجبا أن يكون على هذه المكانة من العلم بعد أن اجتمع لديه علم التوراة وعلم القرآن ، اما ما يروى عنه فإننا نعرضه على ميزان الصحة ،فهو من خيار الصحابة .

2:ـ كعب الأحبار

هو أبو اسحق ، كعب بن مانع الحميري ، المعروف بكعب الأحبار، من اليمن .
أٍسلم في خلافة عمر رضي الله عنه ، وبعد إسلامه انتقل إلى المدينة ، وغزا الروم في خلافة عمر ، ثم سكن الشام ، إلى أن مات بحمص سنة 32هـ .
علمه :
كان كعب الأحبار على مبلغ عظيم من العلم في الثقافة اليهودية والإسلامية.، ولهذا كان يقال له كعب الأحبار ، ولقد نقل عنه في التفسير وغيره.
ثقته وعدالته :
 كان بعض الصحابة يأخذون عنه ، وروى عنه الإمام مسلم في صحيحه.غير أن البعض من العلماء طعن في فيه .وقد يرجع ذلك لما روي البخاري في شأنه قال : عن معاوية وقد وذكر كعب الأحبار فقال : " إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب " وقال ابن الجوزي : المعنى أنه بعض الذي يخبر به كعب الأحبار عن أهل الكتب يكون كذبا ، لا أنه يتعمد الكذب ، وإلا فقد كان كعب الأحبار من خيار الأحبار .

2-  وهب بن منبه

هو أبو عبد الله وهب بن منبه اليماني الصنعاني ، صاحب القصص ، من خيار علماء التابعين ، ولد سنة 34هـ ومات سنة 110هـ .
روى عن عدد من الصحابة ، وأخرج له البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
كان وهب بن منبه واسع العلم ، كثير الأطلاع على الكتب القديمة ،ولا ينكر أنه كان من المكثرين من الإسرائيليات  في القصص، غير أنه لا يتهم بشيء من الكذب

3-  عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج

الأموي مولاهم ، أصله رومي نصراني،، ولد سنة 80هـ ، ومات سنة 150 هـ .
و قد تعرض لكثير من الوضع عليه لما له من المكانة العلمية ، فنسبوا إليه ما لا يصح عنه وشوهوا سمعته ، كما فعلوا بكعب الأحبار من قبل . له موضوعات .
كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة ، وكان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذها .
وكان الإمام مالك يقول فيه : كان ابن جريج حاطب ليل
هو أبو خالد ، أو أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، ، كان من علماء مكة ومحدثيهم ، وهو أول من صنف الكتب بالحجاز ، وهو قطب الإسرائيليات في عهد التابعين .
روى عن أبيه ، وعطاء بن رباح ، وزيد بن أسلم والزهري وغيرهم ،وروى عنه ابناه عبد العزيز ومحمد ، والأوزاعي والليث ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وحماد بن زيد
مبلغه من العلم :
هو أول من صنف الكتب في الحجاز ، وقد كان رحالة في طلب العلم ، ولد في مكة وطوف كثير من البلاد فرحل إلى البصرة واليمن وبغداد .
عدالته :
لم يظفر من ناحية عدالته بإجماع العلماء على توثيقه وتثبته فيما يرويه ، وإنما اختلف فيه ، فمنهم من وثقه ، ومنهم من ضعفه ، ، قال فيه الإمام أحمد : إنه من أوعية العلم ، وقيل وعاء لعلم امتزج صحيحه بسقيمه .

فعلى المفسر أن يكون على حذر فيما يروي عن ابن جريج في التفسير حتى لا يروي ضعيفا ، أو يعتمد على سقيم .

No comments:

Post a Comment