Monday 13 November 2017

تفسير وربط للآيات- ويبان المتشابهات – سورة الملك- ج1 – تبارك –الواقية- المنجية



 




تفسير سورة الملك- ج1 – تبارك –الواقية- المنجية


أسماء السورة:

 سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لاحتوائها ‏على ‏أحوال ‏الملك ‏‏‏سواء ‏كان ‏الكون ‏أم ‏الإنسان ‏، ‏وأن ‏ذلك ‏ملك ‏الله ‏تعالى ‏‏، ‏وسماها ‏النبي ‏سورة ‏‏" ‏تبارك ‏الذي ‏بيده ‏الملك ‏‏" ‏‏، ‏وسُميت ‏أيضا ‏تبارك ‏الملك ‏‏، ‏وسُميت ‏سورة ‏الملك .
 ‏وأخرج ‏الطبرانى ‏عن ‏ابن ‏مسعود ‏قال ‏‏: ‏كنا ‏نسميها ‏على ‏عهد ‏رسول ‏الله ‏ ‏المانعة ‏وروى ‏أن ‏اسمها ‏‏" ‏المنجية ‏‏" ‏‏، ‏وتسمى ‏أيضا ‏‏" ‏الواقية ‏‏" ‏وذكر ‏الرازى ‏أن ‏ابن ‏عباس ‏كان ‏يسميها ‏المجادلة ‏‏؛ ‏لأنها ‏تجادل ‏عن ‏قارئها ‏عند ‏سؤال ‏الملكين .

 التعريف بالسورة:

1-         مكية .
2-          من المفصل .
3-          آياتها 30 .
4-          ترتيبها السابعة والستون .
5-         نزلت بعد الطور.
6-         بدأت باحد أساليب الثناء " تبارك " أول سورة في الجزء التاسع والعشرون .
7-         الجزء (29) ، الحزب (57) ، الربع (1) .

محور مواضيع السورة:

 تعالج موضوع العقيدة في أصولها الكبرى ، وقد تناولت هذه السورة أهدافا رئيسية ثلاثة وهى :
1-         إثبات عظمة الله وقدرته على الإحياء والإماتة.
2-         وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين.
3-         ثم بيان عاقبة المكذبين الجاحدين للبعث والنشور.

سبب نزول بعض آيات السورة:

 قال تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به ) الآية . قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله فخبره جبريل بما قالوا فيه ونالوا منه فيقول بعضهم لبعض أسروا قولكم لئلا يسمع اله محمد.

فضائل السورة
ما يصح وما لا يصح من فضائل سورة الملك :

ورد في فضل سورة الملك جمع من الأحاديث وفيها أنها تشفع لصاحبها وتنجيه من عذاب القبر، والظاهر ـ والله أعلم ـ أن التنجية إنما تحصل لمن احتاج لها من أهل المعاصي والذنوب، وقيل إنها تمنع من المعاصي التي توجب عذاب القبر: ففي الحديث أنه قال: سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر )رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي(
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي قال: " إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: تبارك الذي بيده الملك" ( رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني.)
عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال : " يُؤتى الرجلُ في قبرِه ، فتُؤتى رجلاه ، فتقولُ : ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ ؛ كان يقرأ [ علي ]{ سورةَ الملكِ } . ثم يؤتى من قِبلِ صدرِه ، أو قال بطنِه فيقولُ : ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ ، كان أوعى في سورةِ { الملكِ } . ثم يؤتى من قبلِ رأسِه ، فيقولُ : ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ ، كان يقرأ بي سورةَ { الملكِ }، فهي المانعةُ، تمنعُ عذابَ القبرِ، وهي في التوراةِ سورةُ { الملكِ }، من قرأها في ليلةٍ فقد أكثرَ وأطيبَ ." ( رواه زر بين حبيش – صحيح الترغيب ، حسنه الألباني)
وفي رواية عنه: من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله عز وجل بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله نسميها المانعة، وإنها في كتاب الله عز وجل، سورة من قرأ بها في كل ليلة فقد أكثر وأطاب . رواها النسائي، وحسنه الألباني.

وعن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر ـ فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها، فأتى النبي فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر،  وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتى ختمها، فقال رسول الله : هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر. رواه الترمذي، وقال الشيخ الألباني: ضعيف، وإنما يصح منه قوله: هي المانعة. ( في الترغيب والترهيب – حديث ضعيف )
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: المانعة ـ أي تمنع من عذاب القبر، أو من المعاصي التي توجب عذاب القبر،وقوله: هي المنجية ـ يحتمل أن تكون مؤكدة لقوله: هي المانعة ـ وأن تكون مفسرة، ومن ثمة عقب بقوله: تنجيه من عذاب القبر. اهـ.
وقال الزرقاني: وأخرج عبد بن حميد والطبراني والحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل: اقرأ تبارك الذي بيده الملك فإنها المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقاريها، وتطلب له أن ينجيه من عذاب الله وينجو بها صاحبها من عذاب القبر.
وأخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن مرة قال: كان يقال: إن من القرآن سورة تجادل عن صاحبها في القبر تكون ثلاثين آية فنظروا فوجدوها تبارك، قال السيوطي: فعرف من مجموعها أنها تجادل عنه في القبر وفي القيامة لتدفع عنه العذاب وتدخله الجنة. اهـ.   والله أعلم.

التفسير:

قوله تعالى: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ )
( تَبَارَكَ )  يمجد تعالى نفسه الكريمة، فيقول تعالى ( تَبَارَكَ ) تفاعل من البركة وهي النماء،  وقال الحسن : تقدس. وقيل دام. فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه. ويقوله : ( الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) خبر أنه بيده الملك، أي ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة، أي:هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله، وقال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، وقال محمد بن إسحاق: له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها من خالفه من إنعام وانتقام،ولهذا قال: ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
ثم قال: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) واستدل بهذه الآية من قال:إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق، ومعنى الآية:أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا؟
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا خُلَيْد، عن قتادة في قوله: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال:كان رسول الله يقول: « إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء "  ( لم أجده)
وعن أبي الدرداء أن النبي قال : (لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه؛  الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لوثّاب).( لم أجده)
قدم الله الموت في الآية على الحياة ؛ لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه. كما قال:( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ) [ البقرة:28 ] فسمى الحال الأول - وهو العدم- موتًا، وسمى هذه النشأة حياة. ولهذا قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [ البقرة:28 ] .
 وايضاً:  قدم الموت على الحياة، لأنه أقوى الناس داعيا إلى العمل، فمن نَصبَ موته بين عينيه أحسن عمله، فقدم الموت لأنه يرجع إلى الغرض المسوق له الآية .
قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار. والحياة عكس ذلك. ونقل عن ابن عباس: أن الموت والحياة جسمان، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر، فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي. وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي. وهذا الخبر عن ابن عباس يفتقر إلى النحسين أو التصحيح ليقطع العذر لقبوله، والله أعلم.
وولكن عندنا من قول ربنا تبارك وتعالى في كتابه، قال عن الموت: ) قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ( [السجدة 11]، فنسب الإماتة إلى ملك الموت ، وليس لكبش، وقال:( وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ ( [الأنفال50] ، وقال تعالى: ) حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ( [الأنعام 61]، ثم قال ) اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ( [الزمر 42]. فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم، وهو سبحانه المميت على الحقيقة، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط؛ حسب ما ورد به الخبر الصحيح. وعن مقاتل أيضا : خلق الموت؛ يعني النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة؛ يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا. قلت : وهذا قول حسن؛ يدل عليه قوله تعالى: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا )
وقوله: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي:خير عملا، أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله عز وجل، وأسرعهم في طاعة الله عز وجل، كما قال محمد بن عَجْلان: ولم يقل أكثر عملا،  وقيل: خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء. فاللام في ( لِيَبْلُوَكُمْ) تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت.
ثم قال: ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) أي:هو العزيز العظيم المنيع الجناب، وهو مع عزته ومنعته وقدرته على الخلق، فهو غفور لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن كان تعالى عزيزا قويا قادرا على الأخذ بالعاصي بذنبه، ولكنه مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز.
ثم قال: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي:طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره، لكن تحديد المسافة بين كل سماء وسماء لم يصح فيها قول صحيح عن النبي يؤخذ به ، وفيها قول عن عبد الله بن مسعود لا يسند للنبي ، قال في موقع الإسلام سؤال وجواب: وأثر الصحابي ليس كحديث النبي، فهو محل بحث ونظر إذا اشتمل على الغريب أو عارض ما هو أقوى منه ، وهكذا لم نقف على إسناد يصح في تحديد المسافة بين السماء والأرض أنها مسيرة خمسمائة عام.
يقول الشيخ محمد الحوت رحمه الله :
" لم يصح من ذلك شيء ، ولا مقدار ما بين كل سماءين ، ولا بين السماء والأرض ، من كون ذلك خمسمائة سنة ، أو ثمانين سنة " انتهى من " أسنى المطالب " (ص/164)
وقوله: ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( 3) أي:بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛ ولهذا قال: ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي:انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟. أي:شقوق.
قراءة أخرى:

( تَفَاوُتٍ )هذه قراءة ، وقراءة حمزة والكسائي ( من تفوُّت ) بغير ألف ومشددة، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه، والباقون ( من تفاوت) بألف، وهما لغتان مثل التعاهد والتعهد، والتحمل والتحامل، والتظهر والتظاهر، وتصاغر وتصغر، وتضاعف وتضعف، وتباعد وتبعد كلها بنفس المعنى.

في اللغة :

في معنى تفاوت؛ أي : كما يقال تباين يقال: تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد؛ أي فات بضعها بعضا، والمعنى: ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين - بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها - وإن اختلفت صوره وصفاته. ويدل عليه قوله تعالى قبله: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) وقيل: المراد بذلك السموات خاصة؛ أي ما ترى في خلق السموات من عيب، وأصله من الفوت، وهو أن يفوت شيء شيئا- يرتفع عنه أو ينخفض - فيقع الخلل لقلة استوائها.

عودة للتفسير:

قال ابن عباس،في قوله: ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي:شقوق او خروق، أو غير ذلك من خلل، وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق.
قوله تعالى: ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)، قوله : ( كَرَّتَيْنِ)، في موضع المصدر؛ لأن معناه رجعتين، أي مرة بعد أخرى. وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرة أخرى. فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا يرى فيها عيبا بل يتحير بالنظر إليها؛ فذلك قوله تعالى: ( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)، أي خاشعا ذليلاً صاغرا متباعدا عن أن يرى شيئا من ذلك.
في اللغة:
 خاسئا: أي متباعدا ، خاشعاً، يقال: خسأت الكلب أي أبعدته وطردته. وخسأ الكلب بنفسه، يتعدى ولا يتعدى. وانخسأ الكلب أيضا. وخسأ بصره خسأ وخسوءا أي سدر، وقال ابن عباس: الخاسئ الذي لم ير ما يهوى.

(وَهُوَ حَسِيرٌ) وهو كليل، أي قد بلغ الغاية في الإعياء. فهو بمعنى فاعل؛ من الحسور الذي هو الإعياء، والحسير المنقطع من الإعياء
ومعنى الآية: إنك لو كررت البصر مهما كررت، لانقلب إليك أي لرجع إليك البصر( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا )، ذليلاً يبعد عنه أن يرى عيباً أو خللاً، (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي كليل قد انقطع من الإعياء، من كثرة تكرار النظر ولا يرى نقصاً.
والله أعلم



اللَّهُمَّ ، ارحمنا بترك المعاصي أبدا ما أبقيتنا ، وارحمنا أن نتكلف ما لا يعنينا ، وارزقنا حسن النظر فيما يرضيك عنا.

No comments:

Post a Comment