Tuesday 7 November 2017

مختصر البيان في علوم القرآن- الفاظ في القرآن يظن بها أنها مترادفات وليست كذلك الخوف – الخشية –والشفقة – والرهبة

 









   


الفاظ في القرآن يظن بها أنها مترادفات وليست كذلك
الخوف – الخشية –والشفقة – والرهبة

جاء فيما كتبه السيوطي رحمه الله ألفاظ يُظن بها الترادف، وليست منه، من ذلك الخوف والخشية، لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى منه، وهي أشد من الخوف؛ فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية، أي يابسة. وهو فوات بالكلية.
والخوف من قولهم: ناقة خوفاء، أي بها داء وهو نقص، وليست بفوات، ولذلك خصّت الخشية بالله في قوله: (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ).

وفرق بينهما أيضاً أن الخشية تكون من عظم المخشى، وإن كان الخاشي قوياً.فهي خوف يشوبه تعظيم من علم بما يخشى منه وعظمته.
 والخوف يكون من ضعف الخائف، وإن كان المخوف أمراً يسيراً.
 ويدل على ذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدل على العظمة، نحو: شيخ، للسيد الكبير، وخيش لما غلظ من اللباس، ولذا وردت الخشية غالباً في حق الله، من خشية الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء).
وأما قوله تعالى:  (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ)، ففيه نكتة لطيفة، لأنه وصف الملائكة، ولما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظاً شداداً فهم بين يديه تعالى ضعفاء، ثم أردفه بالفوقية الدالة على العظمة، فجمع بين الأمرين، ولما كان ضعف البشر معلوماً لم يحتج إلى التنبيه عليه.
قال السيد محمد رشيد رضا رحمه الله: "   فإن كان بين الخوف والخشية فرق فالأقرب عندي أن تكون الخشية هي الخوف في محل الأمل، ومن دقق النظر في الآيات التي ورد فيها حرف الخشية يجد هذا المعنى فيها، ولعل أصل الخشية مادة خشت النحلة تخشو، إذا جاء ثمرها دقلاً (رديئاً)، وهي مما يرجى منها الجيد".
ويشبه هذ الألفاظ في القرآن  الألفاظ والتي كثيراً ما تفسَّر بمعنى واحد، كلمة (الإشفاق)،و ( الوجل )  والكثيرون يفسرونها بالخوف، ولكننا حينما نمعن النظر في آي القرآن الكريم نجد أن بين كلمة ( الإشفاق) والخوف بوناً بينهما شاسعاً، فهذه الكلمة (الإشفاق) تكاد تقتصر استعمالاتها على عباد الله تبارك وتعالى.
 (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) والذين آمنوا مشفقون منها (أي الساعة)، ومن هنا كان الإشفاق عناية مشوبة بخوف، وقد يغلب جانب هذا أو ذاك، أعني العناية أو الخوف حسب ما يقتضيه السياق، (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) يغلب فيه جانب العناية، (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) يغلب فيه جانب الخوف.
وما أجمل ما قاله ابن فارس من أن الشين والفاء والقاف أصل واحد يدل على رقة في الشيء، ثم يشتق منه، فمن ذلك قولهم: أشفقت من الأمر إذا رفقت وحاذرت.
وكلمة (وجل)، فهذه الكلمة التي تفسر بالخوف كذلك،  نجدها في كتاب الله تعالى تستعمل في سياق أخص من الخوف، فالوجل هو استشعار الخوف، وهو حالة نفسية تعرض للنفس عند بداية شيء ما، وحينما نمعن النظر فيما يشبه هذه المادة، بخاصة في حرفيها الأولين ندرك دقة المعنى للكلمة من جهة، وما بين الكلمات العربية من وشائج القربى، وذلك مثل كلمات (وجس)، وهي الإحساس بالشيء، و(وجد) و(وجف)، فالوجل أحد مقدمات الخوف، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).

  والقرآن الكريم وهو يأسرنا بروعة بيانه ،وهو يحدثنا عن قصة إبراهيم عليه اسلام يذكر الوجل تارة والخوف تارة أخرى.

وإجالة للفكر بعض الشيء، نجد أن كلاً من الكلمتين استعملت في مكانها اللائق بها الذي لا يصلح فيه غيرها، ففي سورة الحجر (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)، وفي سورة الذاريات: ( هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ{24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ{25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ{26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ{27} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ)، فلقد ذكرت كلمة (الوجل) عند دخولهم وتسليمهم عليه، ولكن كلمة (الإيجاس بالخوف: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) )جاءت في السياق القرآني بعد ذلك حينما امتنعوا عن الأكل.(  أوجس: أي وقع في نفسه الخَوفُ )
وهكذا نجد أن كلاً من الوجل والخشية والإشفاق ليست بمرادفات للخوف.  والله أعلم

No comments:

Post a Comment