Sunday 10 January 2021

دعاء عظيم: من أدعية رسول الله ﷺ : اللَّهُمَّ اكْفِنِي بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ

  


 


 

دعاء لطلب الرزق وقضاء الدين

 

أَتى عَلِيًّا رضي الله عنه رَجُلٌ،فَقَالَ:يَاأَمِيرَالمُؤْمِنِينَ! إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي،فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ ، لَوْكَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَنَانِيرَ لأدَّاهُ الله عَنْكَ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: قُلْ:

" اللَّهُمَّ اكْفِنِي بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ."     

(رواه الترمذي وقال: حسن غريب، وصححه الألباني)

الشرح

جاء الرَّجل يطلب الإعانة الماليَّة لوفاء دينه وإنهاء مكاتبته والتَّخلُّص من رقِّه، فعلَّمه أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه هذا الدُّعاء العظيم، وأرشده إليه إشارةً إلى أنَّ الأولى والأصلح له أن يستعين بالله على أدائها، ولا يتَّكل على غيره، ووذلك عملا بما جاء في الدعاء قوله: «وَأَغْنِنِي بفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ»

-     فوائدالحديث:

يُؤخذ من هذا الحديث فوائدُ عظيمة:

الفائدةالأولى:

التَّوكُّل على الله حقًّا، والاستعانة به صدقًا على قضاء الدَّيْن والوفاء به، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق 2- 3)، قال قتادة: «من حيث لا يرجو ولا يُؤَمِّل» .

وقال رسول الله : «لَوْأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، أَلاتَرَوْنَ أَنَّهَا تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بطَانًا» صحيح

فالتَّوكُّل على الله عزوجل من أعظم الأسباب الَّتي يُسْتجلب بها الرِّزق ويُتوسَّل بها لقضاء الدَّيْن، قال بعض السَّلف: «بحسبك من التَّوسُّل إليه أنْ يعلمَ مِنْ قلبك حُسْنَ توكُّلِك عليه، فكم مِنْ عبدٍ من عباده قد فَوَّضَ إليه أمرَه فكفاه منه ما أهمَّه، ثم قرأ: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق 2- 3] ، ثمَّ لابدَّ مع التَّوكُّل من السَّعي الصادق، والعمل بالأسباب المشروعة، واتِّخاذ التَّدابير اللاَّزمة، وطرح الكسل والبطالة.

ومن أخلص في نيَّته وتوكُّله، وصدق في سعيه وهمَّته أدَّى عنه ربُّه وقُضِي ديْنُه، قال رسول الله : «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّاهَ االلَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ عز وجل»  رواه البخاري

الفائدةالثَّانية:

التَّوجُّه إلى الله تعالى وإنزال الحوائج به، ففضله عظيم، ورزقه كريم، قال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء:32]، وقال: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب﴾ [الشَّرح:7- 8]، أي ارغب إليه وحده ولا ترغب إلى غيره، وجاء في وصيَّته إلى عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ»، أي اسأله ولا تسأل أحدًا سواه؛،لأنَّ السُّؤال فيه إظهار الذُّلِّ من السَّائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضُّرِّ ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضارِّ، ولا يصلح الذُّلُّ والافتقار إلاَّ لله وحده؛ لأنَّه حقيقة العبادة .

إنَّ الله تعالى يحبُّ من عباده أن يسألوه ويطمعوا فيما عنده وينزلوا حوائجهم به، فإذا فعلوا ذلك؛ رَزَقَهم من خزائنه، وأغناهم من فضله،قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ نَزَلَتْ بهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا باللهِ فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ برِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ»  ( الترمذي: حديث حسن )

ومن أصبح وأمسى لا يرجو إلاَّ ربَّه ولا يرغب إلاَّ فيما عنده كان غنيًّا قنوعًا، وعاش سعيدًا عزيزًا.

 الفائدةالثَّالثة:

فضيلة هذا الدُّعاء وأهميَّته في قضاء الدَّيْن، فالدَّاعي يدعو ربَّه الرَّزَّاق ذا القوَّةِ المتين أن يرزقه الكفاية من الحلال، والاستغناء بفضله عمَّن سواه.

فمن حرص على هذا الدُّعاء وواظب عليه محقِّقًا شروط الإجابة مجتنبًا موانعها؛ كفاه الله وأغناه وأدَّى عنه وأعانه، مهما عَظُمَ ذلك الدَّين، فخزائنه عزوجل لا تنفد، ورزقه لا ينقص، قال النَّبِيُّ : «إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلأَى لاَيَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْل وَالنَّهَار، أَرَأَيْتُمْ مَاأَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَافي يَمِينِهِ»  ( متفق عليه ) من رزقه الله من فضله لم يحتجْ إلى غيره.

الفائدةالرَّابعة:

فضيلة الحلال الطَّيِّب ورذالة الحرام الخبيث، إذ أنَّ البركة والخير في الأوَّل ولو كان قليلاً، والمحقُ والشَّرُّ في الثَّاني ولو كان كثيرًا، قال الله تعالى: ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ (المائدة 100).

واللَّفظ في الحديث عامٌّ فهو ينطبق في جميع الأمور، يتصوَّر في المكاسب، والأعمال، والنَّاس،  والمعارف من العلوم وغيرها؛ فالخبيث من هذا كلِّه لا يفلح ولا ينجب، ولا تحسن له عاقبة وإن كثر، والطَّيِّب وإن قلَّ نافعٌ جميلُ العاقبة.

وقال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة 276].

المحقُ هو الذَّهاب والنَّقص ورفع البركة، ويُربي هنا الزيادة والنَّماء والبركة، فالله عزوجل: «يمحق مكاسب المُرَابِين، ويُرْبي صدقات المنفقين، عكس ما يتبادر لأذهان كثير من الخلق؛ أنَّ الإنفاق ينقص المال وأنَّ الرِّبا يزيده، فإنَّ مادَّة الرِّزق وحصول ثمراته من الله تعالى، وما عند الله لا ينال إلاَّ بطاعته وامتثال أمره، فالمتجرِّئ على الرِّبا، يعاقبه بنقيض مقصوده، وهذا مشاهد بالتَّجرِبَة: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلا﴾ [النساء:122] »، فعلى العبد أن يسعى لكسب الحلال الطَّيِّب، ويرضى بما قسم الله له منه، ولا يغترَّ بكثرة الخبيث، فإنَّ عاقبته إلى قُلٍّ.

اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك

 

No comments:

Post a Comment