Friday 15 January 2021

الجنة جعلنا الله من أهلها – ج 3 - مبعث أهل الجنة يحشرون وفودًا على النوق، بعد أن ينزع عنهم ما في صدورهم من غل

  


 


 مبعث أهل الجنة يحشرون وفودًا على النوق، بعد أن ينزع عنهم ما في صدورهم من غل 

 

لا يدخل الجنة أحد عليه وفيه شائبة من آثار الذنوب والمعاصي، ولا في قلبه ذرة من غل أو حسد أو حقد أو كبر، ولم يسلم  أحد في الدنيا من شيء منها، إلا الأنبياء ، فلا بد أن يهذب المؤمنون وينقون قبل دخول الجنة، كما قال تعالى:  {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ[ (الحجر 47)
وهذا من كرمه وإحسانه؛ كما قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أن الغل الذي كان موجودًا في قلوبهم" يندر أن تجد واحد ما في قلبه غل ولا حسد ولا حقد، فقد يبقى بقية في القلب، قال: "والتنافس الذي كان بينهم في الدنيا يقلعه الله ويزيله حتى يكونوا إخوانًا متحابين، وأخلاء متصافين"(تيسير الكريم الرحمن)

القنطرة هي مكان تنقية المؤمنين من الأدران قبل دخول الجنة:

أين هذه القنطرة؟ بعد أن يمر المؤمنون على الصراط ويسقط من يسقط من المنافقين والعصاة، وينجو من نجاه الله من المؤمنين، يصلون هنالك إلى القنطرة، وهي جسر يكون قبل دخول الجنة، وهو آخر موقف من مواقف يوم القيامة للمؤمنين قبل دخول الجنة؛

وهذا جسر مستقل وليس بمتصل بالصراط العظيم الذي يضرب فوق النار ليميز الله بين أهل النار وأهل الجنة.

أما هذه القنطرة فإن المؤمنين يحسبون عليها، وهي بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فيؤخذ للمظلوم حقه، ويكون بينهم معاتبات على أشياء، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة، وقد ذهب كل حقد أو حسد، أو غل من نفوسهم، قال تعالى{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ[ (الحجر 47) ،يدخلون الجنة وهم بغاية النقاء والصفاء، صفاء القلوب. 
وهذا القصاص الذي يكون في ذلك الموقف ليتم التهذيب، وتكتمل التنقية، وقد روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن أبي سعيد رحمه الله، قال: قال النبي: " يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فيُحْبَسُونَ علَى قَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ مَظالِمُ كانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيا، حتَّى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لهمْ في دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أهْدَى بمَنْزِلِهِ في الجَنَّةِ منه بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيا." (البخاري)
قال ابن حجر-رحمه الله-: إذا خلص المؤمنون من النار، يعني نجوا من السقوط فيها، بعد أن جاوزوا الصراط، هذبوا ونقوا. ( فتح الباري)
وأخرج الحاكم وأحمد من حديث جابر بن عبد الله بن أنيس رفعه إلى النبي ﷺ قاليَحشُرُ اللهُ العِبادَ يومَ القِيامةِ  عُراةً غُرلًا بُهمًا قال : قُلْنا وما ( بُهْمًا ) ؟ قال ليس مَعَهُم شيءٌ ، ثُم ينادِيهم بصوتٍ يسمعُه مَنْ بَعُدَ كما يسمعُه مَن قَرُبَ : أنَا الدَّيانُ ، أنَا الملِكُ ، لايَنبغِي لأحدٍ من أهلِ النارِ أنْ يدخلَ النارَ ولهُ عند أحدٍ من أهل ِالجنةِ حقٌ؛ حتى أقُصُّه مِنه، ولاينبغِي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أنْ يدخلَ الجنةَ ولِأحدٍ من أهلِ النارِ عِندَه حقٌ حتى أقُصُّهُ مِنه، حتى اللطْمةَ قال : قُلنا : كيفَ ، وإنَّما نأتِي عُراةً غُرلًا بُهمًا ؟ ! قال: الحسناتُ والسيئاتُ."  (قال الألباني:"حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب)

 قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا القصاص غير القصاص الأول الذي في عرصات القيامة؛ لأن هذا قصاص أخص، لأجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوبهم، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير لما في القلوب، ولو لم يكن منه عمل يحاسب عليه وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاصالبدني"  (شرح العقيدة الواسطية)

فائدة:

أقسام عصاة المؤمنين يوم القيامة:

العصاة من المؤمنين يوم القيامة على قسمين:
أحدهما: من معصيته بينه وبين ربه؛ فدل حديث ابن عمر على أن هذا القسم على قسمين أيضاً: قسم تكون معصيته مستورة في الدنيا، فهذا الذي يسترها الله عليه في يوم القيامة، وهو بالمنطوق.
وقسم تكون معصيته مجاهرة، فلا يستر الله عليه يوم القيامة، ودل عليه قوله : " كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه" (رواه البخاري )
-
القسم الثاني من عصاة المؤمنين، وهم من كانت معصيته بينه وبين العباد، أي عليهم حقوق للخلق:

فهؤلاء على قسمين أيضاً:

قسم ترجح سيئاتهم على حسناتهم: فهؤلاء يقعون في النار، وإذا كان معهم أصل التوحيد يخرجون بالشفاعة حتى ينتهون  إلى رحمة رب العالمين، فيخرج من بقي في قلبه أدنى شيء من الإيمان.
القسم الثاني: قوم تتساوى سيئاتهم وحسناتهم: فهؤلاء لا يدخلون الجنة حتى يقع بينهم التقاص على القنطرة؛ كما دل عليه حديث أبي سعيد. (فتح الباري،لابن حجر).
ثم يكون السوق إلى الجنة بعد أن يجاوز المؤمنون الصراط، ويقفون على هذه القنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض، ويدخلون الجنة على أكمل حال، طاهرة قلوبهم من كل شائبة وغل، ونقص.

صفة سَوق المؤمنين إلى الجنة:

وبعد هذا التطهير يقسم المؤمنون إلى جماعات وزمرا متعددة، والزمر جمع زمرة، وهي الفوج من الناس المتبوع بفوج آخر،قال ابن كثير رحمه الله: زُمَرًا جماعة بعد جماعة، المقربون، ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كل طائفة مع من يناسبهم، الأنبياء والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، كل زمرة تناسب بعضها بعضًا (تفسير القرآن العظيم) والجنة أبواب، فإنهم يتنوعون في زمر بتنوع أعمالهم التي اشتغلوا بها.

 وتساق هذه الجماعات المؤمنة الموحدة إلى الجنة سَوْق إكرام وإعزاز لتدخلها، فإذا وصلوا إلى أبواب الجنة فتحت لهم أبوابها الثمانية، واستقبلهم خزنة الجنة استقبال تشريف، سلموا عليهم ، ودعوا لهم وخاطبوهم . وقد بين الله مشهد هذا السوق، واستقبال خزنة الجنة لهم، فقال تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (الزمر 73).
وسوق أهل الجنة هو سوق إكرام يذهبون راكبين، يسرع بهم إلى دار الكرامة والرضوان؛ كما يفعل بالوافدين الذين يتلقون إلى الملوك، فيساقون إليهم في مواكب مهيبة، قال ابن عباس رضي الله عنهما:  وَفْدًا: أي ركبانًا؛ لأنه في الإكرام أحسن وأعلى من أن يمشوا مشيًا على أقدامهم. وقال أبو هريرة: على الإبل

ويدل على كون المؤمنين يساقون إلى الجنة وهم ركوب، قوله تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (مريم 85) 

اللهم اجعلنا منهم

No comments:

Post a Comment