Sunday 31 January 2021

السيرة النبوية الشريف في الطائف وليلة الجن

   


سيرة النبي المختار –تراكم الأحزان عليه بعد فقده لعمه، وزوجته:

 

واشتد البلاء على رسول الله من قومه بعد موت عمه أبي طالب وزوجة خديجة رضي الله عنها  فقد تجرءوا عليه ، وكاشفوه بالأذى، وطفق يتأثر بشدة بكل ما يحدث، ولو كان أصغر وأهون مما سبق . حتى إن سفيها من سفهاء قريش نثر التراب على رأسه، فجعلت إحدى بناته تغسله وتبكي ، وهو يقول لها : لا تبكي يا بُنيَّةُ فإنَّ اللهَ مانعٌ أباك ، ويقول بين ذلك : ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب .

 

زواجه بسودة ثم بعائشة رضي الله عنهما :

 

وفي شوال – بعد الشهر الذي توفيت فيه خديجة – تزوج رسول الله   بسودة بنت زمعة رضي الله عنها  وكانت تحت ابن عمها : السكران بن عمرو رضي الله عنه وكانا من السابقين الأولين إلى الإسلام . وقد هاجرا إلى الحبشة ، ثم رجعا إلى مكة ، فتوفي بها السكران بن عمرو ، فلما حلت تزوجها النبي وبعد أعوام وهبت نوبتها لعائشة .

أما زواجه بعائشة  رضي الله عنها  فكان أيضاً في شهر شوال ولكن بعد سودة بسنة ، تزوجها بمكة وهي بنت ست سنين، ودخل بها في المدينة في شهر شوال في سنة الأولى من الهجرة وهي بنت تسع سنين، وكانت أحب أزواجه إليه، وأفقه نساء الأمة . لها مناقب جمة وفضائل وافرة .

سيرة السيدة سودة

 

وهي بعدُ: أمُّ المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أمِّ عبد المطلب، تزوَّجها قبل رسول الله ابن عمٍّ لها هو: السكران بن عمرو ، أخو سهل وسهيل وسليط وحاطب، ولكلهم صحبة، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها

 

فأمست السيدة سودة -رضي الله عنها- بين أهل زوجها المشركين وحيدة لا عائل لها ولا معين؛ حيث أبوها ما زال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد الله بن زمعة على دين آبائه، وهذا هو حالها قبل زواج الرسول منها.

 

وتعدُّ السيدة سودة أوَّل امرأة تزوَّجها الرسول ﷺ بعد خديجة، وكانت قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله في الخمسين من عمره، ولما سمع الناس في مكة بأمر هذا الزواج عجبوا؛ لأن السيدة سودة لم تكن بذات جمال ولا حسب، ولا مطمع فيها للرجال، وقد أيقنوا أنه إنما ضمَّها رفقًا بحالها، وشفقة عليها، وحفظًا لإسلامها، وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة، وكأنهم علموا أنه زواج تمَّ لأسباب إنسانيَّة.

قد جمعت ملامح عظيمة وخصالاً طيبة، كان منها أنها كانت معطاءة تُكْثِر من الصدقة، حتى إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليها بغِرارة  من دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم. قالت: في غرارة مثل التمر؟ ففرَّقتها بين المساكين.

 

وقد وَهَبَتْ رضي الله عنها يومها لعائشة؛ ففي صحيح مسلم أنها: "لَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ"

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: "مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاَخِهَا- في جلدها- مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ".

وقد ضمَّتْ إلى تلك الصفات لطافةً في المعشر، ودعابةً في الرُّوح؛ مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي ، فقد روى ابن سعد في طبقاته عن إبراهيم، قال: قالت سودة لرسول الله : صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكتُ بأنفي مخافة أن يقطر الدم. قال: فضحك. وكانت تُضحكه الأحيان بالشيء

 

السيدة عائشة رضي الله عنها

ولدت السيدة عائشة بعد أربع سنوات من البعثة ، فنشأت في بيت مؤمنٍ بالله تعالى، يحمل همّ الدّعوة.

زواج الرّسول ﷺمن  السيدة عائشة:

 تزوّج النبيّﷺ من عائشة رضي الله عنها قبل الهجرة بسنتين ، وهي ابنة ست سنين، ودخل بها في المدينة وهي ابنة تسع سنين، ولقد كان زواجها بأمرٍ من الله تعالى؛ حيث رُوي في صحيح البخاري عن النبيّﷺ قوله: "أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ له: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُنْ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ" ،  وفي الحديث الصّحيح أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد رأى جبريل -عليه السلام- قد أتاه في هيئة عائشة رضي الله عنها، وأخبره أنّها زوجته في الدّنيا والآخرة، فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كانت عائشة بكراً ولم يتزوّج بكراً غيرها، وقد كانت تفتخر بذلك.

ولعل أن فترة الخطوبة قد طالت الى مايقرب من العامين لصغر سن السيدة عائشة..

 

وقد كان النبى ﷺ يوصي أم رومان  أم السيدة عائشة قائلاً: “يا أم رومان، استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها”.

وقد أحبت السيدة عائشة رسول الله ﷺ وأسعدتها زيارته لها حتى أنها كانت تتمنى أن يزرهم ليلا ونهارا  “ألا يخطئ رسول الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية”.

 

حتى أن الرسول ﷺ حينما هاجر مع أبى بكر الى المدينة وكانوا قد تركوا أهلهم، فبمجرد استقرارهم بالمدينة أرسلوا من يأتى بأهلهم ليعيشوا معهم فيها.

و في شوال سنة اثنتين للهجرة فى المدينة المنورة اكتملت فرحة المسلمين لانتصارهم في غزوة بدر الكبرى، وزادهم فرحا زواج رسول اللهﷺ بعائشة.

انتقلت أمنا عائشة رضى الله عنها إلى بيت النبوة في شهر شوال. حتى أن  أم المؤمنين أحبت هذا الشهر، وأحبت للنساء الزواج فى مثل تلك الأيام، فهى بالنسبة إليها أيام الخير والبركات.

 وقد عائشة بنت أبي بكر: بلغت السيدة عائشة -رضي الله عنها- مرتبةً رفيعةً في العلم، فكانت من أفقه نساء المسلمين وأكثرهنَّ علماً، فقد كانت من المُكثرين لرواية الحديث، وروى عنها كذلك كثير من كبار التابعين.

 جهاد عائشة رضي الله عنها: شاركت السيدة عائشة في بعض الغزوات كغيرها من أمّهات المؤمنين والصحابيّات رضي الله عنهنَّ، ففي غزوة أُحُد شاركت عائشة -رضي الله عنها- في ملء قِرَب الماء لجنود جيش المسلمين

 وقد حدَّث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن ذلك، فقال: (ولقد رأيتُ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ وأمَّ سُلَيمٍ، وإنّهما لمُشَمِّرَتانِ، أرَى خَدَمَ سوقِهما، تُنْقِزَانِ القِرَبَ على مُتُونِهما، تُفرِغانِه في أفواهِ القومِ، ثمّ تَرجِعانِ فتَملآنِها، ثمّ تَجيئانِ فتُفرِغانِه في أفواهِ القومِ)
الرسول في الطائف

وفي هذه الظروف قصد رسول الله الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته ، أو وينصروه ، فخرج إليها ماشياً على قدميه ، ومعه مولاه زيد بن حارثة ، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام حتى بلغ الطائف . ونزل على ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف ، فدعاهم إلى الإسلام وإلى نصرته على تبليغه ، فلم يستجيبوا له ، بل ردوا عليه أسوء رد ، فتركهم وقصد الآخرين ، ودعاهم إلى قبول الإسلام ونصرته ، ولم يزل ينتقل من رئيس إلى رئيس ، فلم يترك أحداً من أشرافهم إلا وكلمه ، وقضى في ذلك عشرة أيام ، لكن لم يجب له أحد ، بل قالوا له : اخرج من بلدنا ، وأغروا به صبيانهم وسفهاءهم وعبيدهم ، فلما تهيأ وخرج وقفوا له في صفين ، وأخذوا يسبونه ويشتمونه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه وقدميه وحتى اختضب نعلاه بالدم . وكان زيد بن الحارثة رضي الله عنه يقيه بنفسه ، ويدافع عنه ، فأصابه شجاج في رأسه ، واستمرت هذه السفاهة حتى وصل رسول الله إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف فدخل فيه ، فلما دخل فيه انصرفوا عنه .

وجلس النبي في الحائط تحت ظل حبلة من عنب ، متعمداً إلى جدار ، وقد أثر في نفسه ما لاقاه ، فدعا بالدعاء المشهور :  

" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس . يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني . أم إلى عدو ملكته أمري . إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك . أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .

ورآه ابنا ربيعة في هذا الحال فأخذتهما رقة . وأرسلا إليه بقطف من عنب مع مولى لهم نصراني اسمه عداس ، فلما مد النبي يده ليتناوله قال : بسم الله " ثم أكل . فقال عداس ، هذا الكلام ما يقوله أهل  هذه البلاد

  فقال له النبي :" من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ "

  فقال : نصراني ، من أهل نينوي .

  فقال : " من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ "

  فقال : وما يدريك ما يونس بن متى ؟

  فقال النبي:" ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي ". وقرأ عليه قصة يونس  عليه السلام  من القرآن ، فأسلم عداس على ما يقال .

ثم خرج رسول الله من الحائط ، وتقدم في طريقه إلى مكة ، وهو كئيب حزين مهموم ، حتى إذا بلغ قرن المنازل ، أظلته سحابة فيها جبريل ومعه ملك الجبال ، فرفع رأسه ، فناداه جبريل ، قال : أن الله بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت . ثم سلم ملك الجبال وقال : يا محمد ! ذلك ، فما شئت ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين – وهما جبلا مكة : أبو قبيس والذي يقابله – فقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .

وأفاق رسول الله من همه بمجئ هذا النصر ، وتقدم في طريقه إلى مكة حتى نزل بنخلة ، وأقام بها أياماً ، وأثناء إقامته بها صرف الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، وقد آمنوا به ، ولم يشعر بهم رسول الله حتى نزل بذلك القرآن : آيات من سورة الأحقاف ، وآيات من سورة الجن .

وبعد أيام خرج رسول الله من نخلة يريد مكة ، وهو يرجو من الله الفرج والمخرج ، ويخشى من قريش الشر والبطش ، فأحب أن يحتاط لنفسه>

 فلما دنا من مكة مكث بحراء ، وبعث رجلاً إلى بن شريق ليجيره ، فأعتذر بأنه حليف ، والحليف لا يجير ، فأرسل إلى سهيل بن عمرو ، فاعتذر بأنه من بني عامر بن لؤي، وهم لا يجيرون على بني كعب بن لؤي ، فأرسل إلى المطعم بن عدي ، وهو من بني نوفل بن عبد مناف أخي هاشم بنم عبد مناف جد النبي وعبد مناف أعز بطن في قريش ، فقال المطعم: نعم. وتسلح هو وبنوه ، ثم أرسل إلى رسول الله فجاء ودخل المسجد الحرام ، وطاف بالبيت ، وصلى ركعتين ، ثم انصرف إلى بيته ، والمطعم بن عدي وأولاده محدقون برسول الله بالسلاح . وكان المطعم قد أعلن في قريش أنه أجار محمداً ، فقبلوا ذلك منه .

No comments:

Post a Comment