Tuesday 8 November 2016

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات- سورة الممتحنة ج1



 



تفسير وربط للآيات وبيان للمتشابهات – سورة الممتحَنة ج1

تعريف بالسورة موضوعاتها وأهدافها :

سورة الممتحَنة سورةٌ مدنيَّةٌ ، وعدد آياتها بلا خلاف ثلاثُ عشرة آية، وعدد كلماتها ثلاثمائة وأربعون كلمة .
السور المدنيَّة:  تعنى ببيان الأحكام التشريعية، مع الاستدلال على الأمور العقائدية كذلك الحال في مدنية سورة الممتحنة في بيانها للأحكام التشريعية، ومن أحكامها التشريعية ما يحدد علاقة المسلمين بغيرهم على المستوى الأسري والمجتمعات الأوسع.
 تناولت  السورة عددًا من المواضيع وهي :
1- التحذير من موالاة أعداء الله، والتأكيد على موالاة أهل الإيمان ، وهذه هي السمة العامة للسورة المميزة لها، والتي نزلت بسببها، وجاءت في أول آية منها.
2- إبراهيم عليه السلام ومن معه خير قدوة في الولاء والبراء.
3- الموالاة المباحة والموالاة المحرَّمة.
4- امتحان المؤمنات المهاجرات.
5- مبايعة الرسول للنساء.

الربط بين نهاية الحشر والممتحنة:

محور السورة: الولاء والبراء، وكلها تتكلم عن موالاة المسلم للمسلم،  ومعاداته للكفار، لكنها ميزت بين الكفار الذين يستحقون العداء من المسلمين ، ومن لا يعادون، وسيأتي التفصيل فيه.
الرابط بينها وبين ما قبلها: لما ذكر الله في نهاية سورة الحشر تمجيده لنفسه سبحانه في قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ،  فإن كنتم تمجدون الله وتنزهونه فلا توالوا أعدائي بداية المممتحنة الأمر بعداوة الكفـار وترك موالتهم قوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ )
وترتبط سورة الممتحنة، بما قبلها وما بعدها من سور المصحف الكريم ، بروابط موضوعية متينة ، فهي امتداد لقوله تعالى في خاتمة سورة المجادلة (لا تجد قوما يومنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)، فهذه الآية في سورة المجادلة ، وهي تحكي ما كان من خيار الصحابة، من براءتهم من أقربائهم الكفار وذلك في غزوة بدر، ومن ثم تأتي سورة الحشر بعدها وقبل سورة الممتحنة ، مورد جعل الاعتراضات المقصود بها تسديد الكلام وتبيينه للسامع ، مع ما به تمام الفائدة على حد تعبير ابن الزبير في البرهان ، فبعد أن ذكر سبحانه في المجادلة أن حال المومنين أنهم لا يوادون من حاد الله و رسوله  لو كانوا أقرب الناس إليهم ، جاء الاعتراض في سورة الحشر بتنزيه الله عن مرتكباتهم ثم أتبع بذكر ما عجله لهم من النقمة والنكال ، ثم عاد في سورة الممتحنة إلى النهي عن موالاة الأعداء والأمر بالتبري منهم .
وتتصل هذه السورة بسورة الصف بعدها التي افتتحت بتسبيح الله و تنزيهه عما لا يليق به ليرتفع المومن من حال من تقدم ذكرهم في آخر سورة الممتحنة عند قوله تعالى :( لا تتولوا قوما غضب الله عليهم)
وإذا كان ما ورد في الممتحنة ، قد جاء على طريق الوصية وسبيل النصح والإشفاق، فإن ما يقابله في سورة الصف جاء بصريح العتب والإنكار، ليكون بعد ما سبق في السورة قبل ، أوقع في الزجر.
وكم من فرق في الأسلوب بين قول الله تعالى في سورة الممتحنة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ..) الآيات ...وما تضمنه من التلطف والرفق ، وبين قوله سبحانه في سورة الصف: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)

اسم السورة :

تسمى سورة الممتحِنة ـ بكسر الحاء ـ أي المختبِرة ، أضيف إليها الفعل مجازا، أي : السورة التي تمتحن الإيمان، كما سميت سورة براءة:الفاضِحة لكشفها عن عيوب المنافقين، و هو ما جزم به الإمام أبو زيد السهيلي، و أصل ذلك آية الامتحان حيث يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) الآية ، فوصف الناس تلك الآية بالممتحِنة لأنها شرعت الامتحان، و ضيفت السورة إلى تلك الآية.
ورُوي الممتحَنة بفتح الحاء ، قال ابن حجر وهو المشهور إضافة إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمن بن عوف
و تسمى كذلك سورة : " الامتحان " و " سورة المودة " كما نقل الحافظ السيوطي عن الإمام السخاوي.
-وهي خامس سورة نزلت في المدينة النبوية المطهرة ، فهي مدنية آياتها ثلاث عشرة آية .
-وتعد الثانية والتسعين في تعداد نزول السور، ـ نزلت بعد الأحزاب وقبل النساء ـ "

نداءات السورة:  ( من موقع: ملتقى أهل التفسير )

تشتمل السورة على أربعة نداءات: واحد منها للنبي وهو النداء الثالث، والثلاثة الأخرى للذين آمنوا وهي كما جاء ترتيبها في السورة كالآتي :
النداء الأول : يحذر الله المومنين المهاجرين من مكة من اتخاذ المشركين أولياء لهم،  لأنهم أعداء الله أعداء الرسول،  وكافة المومنين،  لأنهم كفروا بالدين الحق وأخرجوا الرسول والمومنين من ديارهم، و يعلمهم بأن أواصر القرابة لا تنفع إزاء العداوة في الدين .
ثم ضرب الله لهم المثل في ذلك بقطيعة إبراهيم الخليل وأتباعه المومنين لقومهم وتبروئهم منهم ، ومما هم عليه من شرك ووثنية ، ثم بين أن هذا النهي عن موالاة المشركين ، لا يشمل إلا المعتدين منهم ، أما الذين لم يقاتلوا المسلمين قتال عداوة في دين ولا أخرجوهم من ديارهم فقد أمر ببرهم العدل في التعاملب معهم.  
وورد هذا من الآية الأولى إلى التاسعة .
النداء الثاني : يبين الله حكم المومنات اللائي جئن مهاجرات ، فيوجه المومنين إلى امتحانهن واختبار صدق إيمانهن ، فإن نجحن في ذلك فلا يرجهن إلى الكفار ، ويعوض أزواجهن المشركون ما آتوهن من المهور.
وفي المقابل على المؤمنين ألا يحتفظوا بالمشركات بل يجب أن يفارقوهن، وأن يسألوا أهلهن أن يرد إليهم ما أنفقوا عليهن.
وورد هذا في الآيتين العاشرة والحادية عشرة .
النداء الثالث: وهو للنبي ، أمره بمبايعة النساء على التبرؤ من خصال مذمومة لا يحق للمرأة المسلمة أن تتسم بها، وأمرهن بالتزام أحكام الشريعة الإسلامية فلا يشركن ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ببهتان يفترينه ولا يعصين الرسول  في معروف.
 وورد هذا في الآية الثانية عشرة،  ففيها البراءة من سوء الأخلاق.  
النداء الرابع:  هو نداء للمؤمنين يحذرهم من موالاة الكفار فينهاهم عن مودة من غضب الله عليهم، فيئسوا من الفوز بالآخرة ، كما يئس الكفار من أصحاب القبور منها.  ورد هذا في الآية الثالثة عشروهي الأخيرة.
هكذا تنتهي السورة بمثل ما بدأت به ليتم التناسق بين البدء والختام ، و يكون المحور الأساس الذي تدور حوله هو فكرة " العداوة في الله ، والمودة في الله "
والخلاصة: اشملت آيات هذه السورة الكريمة البراءة من عقائد باطلة تضعف إيمان العبد،  ومن صفات هدّامة لا تليق بالمؤمن العاقل , ولذلك أكّد على ذلك في خاتمة السورة فالوحدة في السورة هي البراءة من الشرك وأهله.
حتى إن اسم السورة له نصيب في تبيان ما عالجته السورة من موضوع. فالامتحان يُفضي إلى الجنوح إما إلى الإيمان أو الكفر. إما إلى الولاء وإما إلى البراء.

سبب نزول بدايات السورة : قصة حاطب بن أبي بلتعة:

كان سبب نـزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أن حاطبًا هذا كان رجلا من المهاجرين، وكان من أهل بدر أيضًا، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفًا لعثمان، فلما عزم رسول الله على فتح مكة بعد ان نقض أهلها العهد الذي عاهدوه الرسول في الحديبية، فأمر النبي المسلمين بالتجهيز لغزوهم، وقال: « اللهم، عَمِّ عليهم خبرنا » . فعمد حاطب هذا فكتب كتابًا، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله [ من غزوهم ] ، ليتخذ بذلك عندهم يدًا ( أي يكون له عندهم معروفا فيهتموا بالمقابل بأهله وأولاده عند الغزو)، فأطلع الله رسوله على ذلك استجابة لدعائه « اللهم، عَمِّ عليهم خبرنا » فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها، وهذا بيِّن في هذا الحديث المتفق على صحته. قال الإمام أحمد:

عن عليٍ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد، فقال: « انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظَعِينة معها كتاب، فخذوه منها » . فانطلقنا تَعَادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا:أخرجي الكتاب. قالت:ما معي كتاب. قلنا:لتخرجن الكتاب أو لنُلقين الثياب. قال:فأخرجت الكتاب من عِقَاصها، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله ، فإذا فيه:من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله . فقال رسول الله : « يا حاطب، ما هذا؟ » . قال:لا تعجل علي، إني كنت امرأ مُلصَقًا في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله : « إنه صَدَقكم » . فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: " إنه قد شهد بدرًا، ما يدريك لَعَلّ الله اطلع إلى أهل بدر فقال:اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ( أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه، وزاد البخاري في كتاب " المغازي " :  فأنـزل الله السورة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) .
وقد روي أنه – أي حاطب - جعل لها جُعلا – أي مالا يدفعه لها -على أن تبلغه قُريشًا ، فجعلته في رأسها - اي وضعت الخطاب في رأسها -، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، وأتى رسول الله الخبرُ من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال: " أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم "  .
وهكذا أجمع عدد من الصحابة على أنها نزلت في حاطب.
وذكر أن حاطبا لما سمع قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان.
وأيضا فإن قوله تعالى: ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) يعني بالظاهر؛ لأن قلب حاطب كان سليما؛ بدليل أن النبي قال لهم: " أما صاحبكم فقد صدق " وهذا نص في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده.

التفسير

فقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) يعني:المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء، كما قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) [ المائدة:51 ] . وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وغيرها في كتاب الله كثير في معادات المحاربين من الكفار، وقال تعالى: ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [ آل عمران:28 ] ؛ وقد قيل لأجل هذه الآية عذر رسول الله َحاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد.
ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد:
عن ربعي بن حرّاش قال: سمعت حُذيفة يقول: ضَرَب لنا رسول الله أمثالا واحدًا وثلاثة وخمسة وسبعة، وتسعة، وأحد عشر - قال:فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها، قال: « إن قومًا كانوا أهل ضعف ومسكنة، قاتلهم أهل تجبر وعداء، فأظهر الله أهل الضعف عليهم، فَعَمَدوا إلى عَدُوهم فاستعملوهم وسلّطوهم، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه " ( قال عنه الألباني : إسناده حسن)  .

مسألة في الجاسوس:

الجاسوس : وهو من تطلع على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم، وهذا إن كان مسلماً عند تجسسه، قد يكون حاله أنه ليس بكافر، أي إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم؛ كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين. فعفا رسول الله عنه ،وهذا يدل على أنه لا يقتل الجاوسوس  المسلم،إن لم يكن عهده التجسس والخيانه ، ولكنه إن تكرر الفعل منه صار جاسوسا حاله ، ويقتل، والكافر والذمي قيل يعاقبان ولا يقتلا ، إلا إن تظاهرا على الإسلام، وكان من حالهما أن كررا الفعل مرات فيقتلان.
قال عبدالملك: إذا كانت عادته تلك- اي المسلم، ويفعلها تكراراً- قتل، لأنه جاسوس، وقد قال مالك بقتل الجاسوس، وقال القرطبي : وهو صحيح لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض. وقال: ولم يقتل حاطباً لأنه ا أخذ في أول فعله.
وقال أصبغ: الجاسوس الحربي الكافر يقتل، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إلا إن تظاهرا على الإسلام فيقتلان. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي أتى بعين للمشركين( أي جاسوسا للمشركين)، اسمه فرات بن حيان، فأمر به أن يقتل؛ فصاح: يا معشر الأنصار، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! فأمر به النبي فخلى سبيله. ثم قال: ( إن منكم من نكِلُهم إلى إيمانِهم منهم فرات بن حيان ) أي تركه لادعائه الإيمان، وهذا يعني أن النبي  لم يتأكد من إيمانه بقوله ، ولكنه تركه للظن فقط  وأَطلقه يومها حتى لا يكون قد قتل مسلماً،[ قيل عنه أنه لم يزل يغزو مع رسول الله إِلى أَن توفي رسول الله ، فانتقل إِلى مكة، فنزلها، وكان عقبه بها. ولما أَسلم بعد هذه الوقعة حَسُن إِسلامه وفقه في الدين]   أسد الغابة.

عودة للتفسير:

وقوله: ( يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ) هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم؛ لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، ليس لسبب إلا كراهة الكفار لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده؛ ولهذا قال: ( أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ) أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين، كقوله: ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) [ الحج:40 ] .
وقوله: ( إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ) أي:إن كان خروجكم من دياركم في مكة المكرمة ليس إلا لله ، وجهادا في سبيله، وابتغاء مرضاة الله،  فلا تتخذوهم أولياء، ولا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم.

وقوله: ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ) أي:تفعلون ذلك وأنتم تخفون في صدوركم لهم المودة، وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر ( وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) وهذا ترفق آخر بحاطب، فلم يرمه الله تعالى بالكفر، وإنما قال عنه أنه ضل الطريق المستقيم، (  إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ) أي:لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال. ( وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) أي:ويحرصون على ألا تنالوا خيرًا، هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها ، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم ; ولهذا قال : ( فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا ) فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة، فكيف توالون مثل هؤلاء؟، وهم لا يتمنون لهم الخير ، فيودوا لو أنكم تكفرون ، كما قال تعالى : (  وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) ( النساء 89 )
وقوله: ( لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) أي:قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوءًا، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخَسِر وضَلّ عمله، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد، ولو كان قريبًا إلى نبي من الأنبياء.
روى مسلم عن أنس، أن رجلا قال:يا رسول الله: أين أبي؟ قال: « في النار » فلما قَفَّى دعاه فقال: " إن أبي وأباك في النار " ، وهذا تطبيق عملي من رسول الله في البراءة من الكفار.

اللهم أنا نعوذ بد أن نشرك بك ما نعلم ، ونستغفرك مما لا نعلم، اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والفقر ، ونعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت

No comments:

Post a Comment