Monday 28 November 2016

تفسير وربط للآيات وبيان للمتشابهات - سورة الحشر ج2

  



 



تفسير وربط للآيات- وبيان المتشابهات -سورة الحشر ج۲ – 

أحكام الفيء ، وما آتاكم الرسول فخذوه

التفسير:
وقوله تعالى: ( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) أي أي شيء قطعتم ، واللين:نوع من التمر، وهو جيد، أو هو العجوة ، وقيل غيره وسيأتي
ونزلت هذه الآية بسبب أن رسول الله لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم، وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم، وذلك أن النبي لما نزل على حصون بني النضير - وهي البويرة - حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أحد، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها. وقيل : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات. وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة. وكان ذلك عن إقرار رسول الله أو بأمره؛ إما لإضعافهم بها وإما لتوسيع المكان بقطعها. فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب : يا محمد، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على النبي. ووجد المؤمنون في أنفسهم حتى اختلفوا؛ فقال بعضهم: لا تقطعوا مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم: أقطعوا لنغيظهم بذلك. فنزلت الآية بموافقة الطرفين، تصديق من نهى عن القطع، وكذلك تحليل من قطع من الإثم، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله.
كان خروج النبي إليهم في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة، وتحصنوا منه في الحصون، وأمر بقطع النخل وإحراقها، وحينئذ نزل تحريم الخمر. ودس عبدالله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير: إنا معكم، وإن قوتلنا قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم؛ فاغتروا بذلك. فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم وألقوا بأيديهم، وسألوا رسول الله أن يكف عن دمائهم ويجليهم؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام. وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم؛ كحيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع. فدانت لهم خيبر.
ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر " أن رسول الله قطع نخل بني النضير وحرق." وفي ذلك نزلت : ( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) الآية.

حكم تخريب ديار العدو وتحريقها:

واختلف الناس في حكم تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها في الحرب على قولين:
الأول: أن ذلك جائز؛ قاله مالك في المدونة.
الثاني: إن علم المسلمون أن ذلك سيصير لهم لم يفعلوا، وإن يئسوا فعلوا؛ قاله مالك في الواضحة. والصحيح الأول، ودليله:  أن رسول الله قد علم أن نخل بني النضير سيصير له؛ ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها. وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا، مقصودة عقلا.

معنى اللينة في اللغة:
اختلف في اللينة ما هي؛ على أقوال عشرة: الأول: النخل كله إلا العجوة؛ قاله الزهري ومالك .
 وعن ابن عباس: أنها النخل كله، ولم يستثنوا عجوة ولا غيرها.
وعن الثوري: أنها كرام – أحسن- النخل.
وعن أبي عبيدة: أنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني.
 وقال جعفر بن محمد: إنها العجوة خاصة.
وقيل: هي ضرب من النخل يقال لتمره: اللون، تمره أجود التمر، وهو شديد الصفرة، يرى نواه من خارجه ويغيب فيه الضرس؛ النخلة منها أحب إليهم من وصيف.
 وقيل: هي النخلة القريبة من الأرض.
وقيل: إن اللينة الفسيلة؛ لأنها ألين من النخلة.
وقيل: إن اللينة الأشجار كلها للينها بالحياة
والقول العاشر: أنها الدقل؛ قال الأصمعي. قال: وأهل المدينة يقولون لا تنتفخ الموائد حتى توجد الألوان؛ يعنون الدقل.
قال ابن العربي: والصحيح ما قال الزهري ومالك- أنها النخل إلا العجوة- لوجهين: أحدهما: أنهما أعرف ببلدهما وأشجارهما. الثاني: أن الاشتقاق يعضده، وأهل اللغة يصححونه؛ فإن اللينة وزنها لونة، واعتلت على أصولهم ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وجمع اللينة لين. وقيل: ليان.
وقوله تعالى:( فبإذن الله ) أي بأمره ( وليخزي الفاسقين ) أي ليذل اليهود الكفار به وبنبيه وكتبه.

قوله تعالى: ( وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ ( يعني ما رده الله تعالى ) عَلَى رَسُولِهِ  (من أموال بني النضير. ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ) أوضعتم عليه، أو أسرعتم إليه، والإيجاف: الإيضاع في السير وهو الإسراع؛ يقال: أوجف الفرس إذا أسرع، وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته.  
والرِكَاب : الإبل، واحدها راحلة. يقول: لم تقطعوا إليها شقة،  ولا لقيتم بها حربا ولا مشقة؛ وإنما كانت من المدينة على ميلين؛ قاله الفراء. فمشوا إليها مشيا ولم يركبوا خيلا ولا إبلا؛ إلا النبي فإنه ركب جملا وقيل حمارا مخطوما بليف، فافتتحها صلحا وأجلاهم وأخذ أموالهم. فسأل المسلمون النبي أن يقسم لهم فنزلت: (وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية. فجعل أموال بني النضير للنبي خاصة يضعها حيث شاء؛ فقسمها النبي بين المهاجرين. فعن مالك؛ أنه لم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين؛ منهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة. وقيل: إنما أعطى رجلين، سهلا وأبا دجانة. ويقال: أعطى سعد بن معاذ ، وسيف بن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: سفيان بن عمير، وسعد بن وهب؛ أسلما على أموالهما فأحرزاها.

وفي صحيح مسلم عن عمر قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وكانت للنبي خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله تعالى. وقال العباس لعمر  رضي الله عنهما: اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن - يعني عليا رضي الله عنه - فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير. فقال عمر: أتعلمان أن النبي قال:" لا نورث ما تركناه صدقة "، قالا:  نعم،  قال عمر: إن الله عز وجل كان خص رسوله بخاصة ولم يخصص بها أحدا غيره. قال: (وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) ( ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا ) فقسم رسول الله بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال؛ فكان رسول الله يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي أسوة المال..... الحديث بطوله، خرجه مسلم.
وقيل: لما ترك بنو النضير ديارهم وأموالهم طلب المسلمون أن يكون لهم فيها حظ كالغنائم؛ فبين الله تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال؛ لأنهم حوصروا أياما وقاتلوا وقتلوا، ثم صالحوا على الجلاء. ولم يكن قتال على التحقيق؛ بل جرى مبادئ القتال وجرى الحصار، وخص الله تلك الأموال برسوله . وقال مجاهد: اعلمهم الله تعالى وذكرهم أنه إنما نصر رسول ونصرهم بغير كراع ولا عدة. ( وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ ) أي من أعدائه. وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله ﷺ. 
قوله تعالى: ( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ) قال ابن عباس: هي قريظة والنضير، وهما بالمدينة وفدك، وهي على ثلاثة أيام من المدينة وخيبر. وقرى عرينة وينبع جعلها الله لرسوله،  وبين أن في ذلك المال الذي خصه بالرسول عليه السلام سهمانا لغير الرسول نظرا منه لعباده. وقد تكلم العلماء في هذه الآية والتي قبلها، هل معناهما واحد أو مختلف، والآية التي في الأنفال -  كونها في الغنيمة، وتقسم كما سمى الله تعالى في الآية، الخمس لمن سمي له، والأخماس الأربعة لمن قاتل -؛ والأصح في هذه الآية: إنما غنم بصلح من غير إيجاف خيل ولا ركاب؛ فيكون لمن سمى الله تعالى فيه فيئا ، والأولى أنها للنبي خاصة، إذا أخذ منه حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين، وبهذا قال قوم منهم الشافعي: إن معنى الآيتين واحد؛ أي ما حصل من أموال الكفار بغير قتال قسم على خمسة أسهم؛ أربعة منها للنبي ، وكان الخمس الباقي على خمسة أسهم: سهم لرسول الله أيضا وسهم لذوي القربى - وهم بنو هاشم وبنو المطلب - لأنهم منعوا الصدقة فجعل لهم حق في الفيء، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وأما بعد وفاة رسول الله ، فالذي كان من ألفيء لرسول الله يصرف عند الشافعي في قول إلى المجاهدين المترصدين للقتال في الثغور؛ لأنهم القائمون مقام الرسول . وفي قول آخر له: يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثغور وحفر الأنهار وبناء القناطر؛ يقدم الأهم فالأهم، وهذا في أربعة أخماس الفيء. فأما السهم الذي كان له من خمس الفيء والغنيمة فهو لمصالح المسلمين بعد موته بلا خلاف؛ كما قال : ( ليس لي من غنائمكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ).
وكذلك ما خلفه من المال غير موروث، بل هو صدقة يصرف عنه إلى مصالح المسلمين؛ كما قال عليه السلام: " إنا لا نورث ما تركناه صدقة " . وقيل: كان مال الفيء لنبيه ، لقوله تعالى: ( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ ) فأضافه إليه؛ غير أنه كان لا يتأثل مالا، إنما كان يأخذ بقدر حاجة عياله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، ولذلك قال عمر: إنها كانت خالصة لرسول الله ، يعني بني النضير وما كان مثلها. فهاتان الآيتان في الفيء، إلا أن الثانية تبين من هم المستحقون.
قوله تعالى: ( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ ) أي:جميع البلدان التي تُفتَح هكذا، وقيل إن هذه الآية في بني قريظة، فحكمها حكم أموال بني النضير؛ ولهذا قال: ( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) إلى آخرها والتي بعدها. فهذه مصارفُ أموال الفيء ووجوهه.
قال الإمام أحمد:بسنده عن عمر رضي الله عنه، قال:كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله خالصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته - وقال مَرّة: قوت سنته- وما بقي جعله في الكُرَاع والسلاح في سبيل الله، عز وجل.

الأموال التي للأئمة والولاة فيها مدخل ثلاثة أضرب: أولها: ما أخذ من المسلمين على طريق التطهير لهم؛ كالصدقات والزكوات.
والثاني: الغنائم؛ وهو ما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب والقهر والغلبة.
والثالث: الفيء، وهو ما رجع للمسلمين من أموال الكفار عفوا صفوا من غير قتال ولا إيجاف؛ كالصلح والجزية والخراج والعشور المأخوذة من تجار الكفار،  ومثله أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم، أو يموت أحد منهم في دار الإسلام ولا وارث له.
فأما الصدقة فمصرفها الفقراء والمساكين والعاملين عليها؛ حسب ما ذكره الله تعالى.
واختلف في إعطاء الغني من الفيء؛ فأكثر الناس على إعطائه لأنه حق لهم. وقال مالك: لا يعطي منه غير فقرائهم، لأنه جعل لهم عوضا من الصدقة.
ويقسم كل مال في البلد الذي جبي فيه، ولا ينقل عن ذلك البلد الذي جبي فيه حتى يغنوا، ثم ينقل إلى الأقرب من غيرهم،
 (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
قوله تعالى: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ) أي كي لا يكون الفيء دولة: أي متداولا بين الأغنياء فقط.

في اللغة :

 الدَولة ( بالفتح ) الظفر في الجواب وغيره، وهي المصدر، و( دُولَةً )  وبالضم اسم الشيء الذي يتداول من الأموال،  وقيل: الدَولة اسم الشيء الذي يتداول، والدُولة الفعل.
ومعنى الآية: فعلنا ذلك في هذا الفيء، كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء، فبينا هذه المصارف لمال الفيء لئلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها، بمحض الشهوات والآراء، ولا يصرفون منه شيئًا إلى الفقراءمنه شيء، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه، وهو المرباع. ثم يصطفي منها أيضا بعد المرباع ما شاء؛ وفيها قال شاعرهم:
لك المرباع منها والصفايا
يقول: كي لا يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية. فجعل الله هذا لرسوله ؛ يقسمه في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس، فإذا جاء خمس وقع بين المسلمين جميعا.

قوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) قالوا في تفسيرها ثلاثة أقوال، وهي: 
-الأول : ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه، وما نهاكم عنه من الأخذ والغلول فانتهوا؛ قاله الحسن وغيره.
-الثاني: قال السدي: ما أعطاكم من مال الفيء فأقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه.
-الثالث : وقال ابن جريج: ما آتاكم من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه. ومثله أو قريب في المعنى منه قال الماوردي: إنه محمول على العموم في جميع أوامره ونواهيه؛ لا يأمر إلا بصلاح ولا ينهى إلا عن فساد. قال القرطبي: هذا هو معنى القول الذي قبله. فهي ثلاثة أقوال.
 من فوائد هذه الآية : الأمر باتباع نهج النبي  وسنته:

قال المهدوي: قوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي فهو كأنه الأمر من الله تعالى. والآية وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره ونواهيه دخل فيها، وقال الحكم بن عمير - وكانت له صحبة - قال النبي : ( القرآنُ صعبٌ مُستصعَبٌ لمن كرِهَه مُيسَّرٌ لمن تبِعه ، وإنَّ حديثي صعبٌ لمن كرِهَه مُيسَّرٌ لمن تبِعه ، فمن سمع حديثي فحفِظَه وعمِل به جاء يومَ القيامةِ مع القرآنِ ، ومن تهاون بحديثي فقد تهاون بالقرآنِ ، ومن تهاون بالقرآنِ خسر الدُّنيا والآخرةَ)  ( رواه الحافظ بن حجر: في لسان الميزان، قالوا عنه فيه عيسى بن إبراهيم بن لهمان ذكره أهل التجريح)
شواهد وجوب طاعة رسول الله من سير الصحابة ، وحديث رسول الله:
-قال عبدالرحمن بن زيد: لقي ابن مسعود رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له: انزع عنك هذا. فقال الرجل: أتقرأ عليَّ بهذا آية من كتاب الله تعالى؟ قال: نعم، ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ).
-وقال عبدالله بن محمد بن هارون الفريابي: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى وسنة نبيكم ؛ قال فقلت له: ما تقول  أصلحك الله، في المحرم يقتل الزنبور؟ قال فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )، وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبدالملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ( رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان وقال عنه: حسن )، ثم قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  أنه أمر بقتل الزنبورز."  قال القرطبي: علماؤنا: وهذا جواب في نهاية الحسن، أفتى بجواز قتل الزنبور في الإحرام، وبين أنه يقتدي فيه بعمر، وأن النبي أمر بالاقتداء به، وأن الله سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي ؛ فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسنة.
- قول عكرمة حين سئل عن أمهات الأولاد،  فقال: هن أحرار في سورة « النساء » عند قوله تعالى: « أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم » [ النساء: 59 ]، يقصد أنهن أحرار بسبب قول الله تعالى في سورة النساء ... الآية فالواجب طاعة الرسول، وهو القائلفيما يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: " من وَطِئَ أمتَه فولدَتْ له فهي مُعتَقَةٌ عن دَبْرٍ منه وفي لفظ أيُّما امرأةٍ عَلِقتْ من سيدِها فهي مُعتَقَةٌ عن دَبرٍ منه أو قال من بعدِه وفي لفظٍ فهي حرَةٌ من بعد موته." ( رواه ابن القيم، وهو ضعيف ، ولكن أخذ به وعمل به الفقهاءِهِ ) وقالوا: إذا وطء السيد أمته فولدت له، أو أسقطت مضغة تشهد القوابل- أربع منهن، أو قيل اثنتين- بالسقط ، أو قالوا ولو علقة ، فالأمة تعتق بموت سيدها، وقوله "عن دَبرٍ منه" أي بعد موت السيد.
-وفي صحيح مسلم وغيره عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ) فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب؛ فجاءت فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه! أما قرأت ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فَانتَهُوا )! قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه..
وقد ثبت في الصحيحين أيضًا عن أبي هُرَيرة؛ أن رسول الله قال: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه "  
وقال النسائي: عن ابن عُمَر وابن عباس:أنهما شهدا على رسول الله :( أنه نهى عن الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمزَفَّت، ثم تلا رسول الله ): ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

فائدة:
قوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )، جاء بلفظ الإيتاء وهو المناولة فإن معناه الأمر؛ بدليل قوله تعالى: ( وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) فقابله بالنهي، ولا يقابل النهي إلا بالأمر؛ والدليل على فهم ذلك ما ذكرناه قبل مع قوله : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) ،  وفي إشارة إلى أن ما يأمر به رسول الله فكأنما هو عطية لأمته، فاقبلوا عطيته، ولو اثقلت عليكم ففيها الخير لكم.
وقال الكلبي في الآية: إنها نزلت في رؤوساء المسلمين، قالوا فيما ظهر عليه رسول الله من أموال، المشركين: يا رسول الله، خذ صفيك والربع، ودعنا والباقي؛ فهكذا كنا نفعل في الجاهلية. وأنشدوه:
لك المرباع منها والصفايا ....وحكمك والنشيطة والفضول
فأنزل الله تعالى هذه الآية. ( وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، أي عذاب الله، إنه شديد لمن عصاه. وقيل: اتقوا الله في أوامره ونواهيه فلا تضيعوها. ( إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لمن خالف ما أمره به،  اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره؛ فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه، وارتكب ما عنه زجره ونهاه.

اللهم ارزقنا احسن لفهم والعمل ، وحسن الموالاة والطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، أنت ولينا ومولانا فاغفر لنا وارحمنا وأنت أرحم الراحمين

No comments:

Post a Comment