Tuesday 1 November 2016

الأمثال في القرآن - المثل الثالث عشر - سورة الأنعام - الهداية لدين الله كنور يضيء ظلمات الكفر والضلال

 




  



الأمثال في القرآن – المثل الثالث عشر- الهداية لدين الله كنور يضيء ظلمات الكفر والضلال


مثل اليوم في الهداية لدين الله ، نور يضيء ظلمات الضلال والكفر، وهو من التشبيهات البسيطة – غير المركبة – بين أمره

آية المثل :
قوله تعالى : (  أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )  ( الأنعام 122)

التفسير :ـ

هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا، أي: في الضلالة، هالكًا حائرًا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله. ( وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) أي: يهتدي به كيف يسلك، وكيف يتصرف به. والنور هو: القرآن، كما رواه العَوْفي وابن أبي طلحة، عن ابن عباس. وقال السُّدِّي: الإسلام. والكل صحيح.

) كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ) أي: الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، (لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) أي: لا يهتدي إلى منفذ، ولا مخلص مما هو فيه، [وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله أنه قال: "إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل" إسناده صحيح.

 وهو كما قال تعالى: ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [البقرة : 257] ، وأيضا قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  ) [الملك 22] ، وقال تعالى: ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ  ) [هود : 24] ،

ما ورد في معاني الظلمات والنور

ورد في المقصود من الظلمات والنور في هذه الآية عدة معاني، كلها يحتملها اللفظ، ومعناها يتصور، ومنها:
-    النور هو الهدى والإيمان، وقال الحسن: القرآن،  وقيل: الحكمة. وكل هذه الأقوال متشابهة.
-    وقيل: هو النور الحسي المذكور في قوله: ( يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ) ، وقوله: ( انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ) ( الحديد 12-13)  
-    كان ميتا حين كان نطفة،  فأحييناه بنفخ الروح فيه؛ حكاه ابن بحر.
-    وقال ابن عباس: أو من كان كافرا فهديناه، وقال : نزلت في حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله وأبي جهل. وقال زيد بن أسلم والسدي: (فَأَحْيَيْنَاهُ) عمر رضي الله عنه، ( كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ ) أبو جهل لعنه الله.
     والصحيح أنها بهذا التأويل عامة في كل مؤمن وكافر.
-    وقيل: كان ميتا بالجهل، فأحييناه بالعلم، وأنشد بعض أهل العلم ما يدل على صحة هذا التأويل لبعض شعراء البصرة:
        وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور
         وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور

مناسبة ضرب مثل الهداية بالنور:

ووجه المناسبة في ضرب المثلين هاهنا بالنور والظلمات، ما تقدم في أول السورة: ( وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) [الأنعام 1 ]، فسبحانه جعل بعد خلق السموات والأرض وأوجد – النور والظلمات – وفي هذه الآية تحتمل أن يكون المقصود في الآية 1 من سورة الأنعام ، النور الحسي المعروف الذي أنار الله به الأرض بعد الظلام الذي كان يغلفها – فالأصل هو الظلمات ومن ثم جعل الله النور – نقول أنه اللفظ يحتمل المعنى الحسي للنور والظلمات، ويحتمل أيضا نور الهداية الذي يضيء به ظلمات الضلال لمن اهتدى .

فوائد الآية :ـ

1-كلما ورد ذكر النور في القرآن ذكر بصيغة الإفراد ، والظلمات تذكر دئما بصيغة الجمع ، والسبب أنه النور لا يكون إلا واحداً في كل نوع من أنواعه أو جزئي من جزئياته ، ويقابل كلا منهما ظلمات متعددة:
-     فالحق واحد لا يتعدد والباطل الذي يقابله كثير .
-    والهدى واحد لا يتعدد والضلال الذي يقابله كثير ، مثال ذلك توحيد الله تعالى وما يقابله من التعطيل والشرك في الألوهية بأنواعه ، والشرك في الربوبية بأنواعه وفضيلة العدل وما يقابلها من أنواع الظلم، وهكذا .
-     وأصل ومصدر النور واحد هو رب العالمين ، ومصادر الظلمات متعددة .

2-والإيمان بالله تعالى واتباع هديه نور يضيء بصيرة المؤمن ، وعلى قدر اعتقاده وإيمانه يكون النور الذي يمشي به .

3-الكافر ليس له نور يستضيء به من ربه، بل هو يتخبط في ظلمات الضلال حائرا في الدنيا، ويوم القيامة يمشي على الصراط في ظلمة حالكة، يستنجد بالمؤمن أن ينظره يقتبس من نوره كما قال عنهم تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُ‌ونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِ‌كُمْ ) ( الحديد 13 )

4-إنما حياة القلوب بالإيمان والإتباع ، وبالقرآن منه يستمد المؤمن نوره في الدنيا،  وهداية طريقه إلى جنات النعيم في آخرته.


اللهم إنا نسالك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ونسالك بأنك أنت الله الحي القيوم ذو الجلال والإكرام،  ونسالك بأنك أنت الله أرحم الراحمين أن ترنا الحق حقاً وترزقنا اتباعه ، وترنا الباطل باطلا وترزقنا اجتنابه، وأن تنر بصائرنا وتجعلنا هداةً مهديين ، ولا تجعلنا ضالين ولا مضلين


No comments:

Post a Comment