Wednesday 9 November 2016

تفسير للآيات وبيان المتشابهات - سورة الممتحنة ج 2



  






تفسير وربط للآيات وبيان للمتشابهات – سورة الممتحَنة ج2 القدوة الحسنة


يضرب الله تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمعاداة الكافرين والتبريء منهم لهم المثل والقدوة في أبي الأنبياء في البراء من الكفار فقال تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) فإنه سبحانه  لما نهى عن مولاة الكفار،  ذكر قصة إبراهيم عليه السلام، وأمرهم أن يتأسوا به، وبيَّن لهم أن من سيرته التبرؤ من الكفار؛ أي فاقتدوا به وأتموا به؛ إلا في استغفاره لأبيه، ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) :عني أصحاب إبراهيم من المؤمنين. وقيل: هم الأنبياء، ( إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ) أي:تبرأنا منكم ( وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ ) أي:بدينكم وطريقكم، ( وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا ) يعني:وقد شُرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدًا نتبرأ منكم ونبغضكم ( حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) أي:إلى أن تُوحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأنداد والأوثان.

في اللغة :
- والأسوة : ما يتأسى به، مثل القدوة والقدوة. ويقال: هو أُسوتك؛ أي مَثَلك وأنت مثله. وقرأ عاصم « ُأسوة » بضم الهمزة لغتان.
- برءاء: وبرآء جمع بريء؛ مئل شريك وشركاء، وظريف وظرفاء. وهي قراءة العامة على وزن فعلاء، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق « بِراء » بكسر الباء على وزن فِعال؛ مثل قصير وقِصار، وطويل وطِوال، وظريف وظِراف

وقوله: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) أي:لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن مَوعِدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه.
والسبب في نزول هذه الآية:
كان بعض المؤمنين يَدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم، ويقولون:إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه، فأنـزل الله، عز وجل:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) [ التوبة:113 - 114 ] . وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) أي: ليس لكم في ذلك أسوة، أي:في الاستغفار للمشركين، هكذا قال ابن عباس وغير واحد من أهل التفسير.
ثم قال تعالى مخبرًا عن قول إبراهيم والذين معه، حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم، فلجئوا إلى الله وتضرّعوا إليه فقالوا: ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) أي:أنت رَبَّنَا وكيلنا ضدهم، توكلنا عليك في جميع الأمور، وأن تكون لنا وليا وحاميا منهم بعد أن تبرأنا منهم، فسيطهرون لنا العدواة والأذى، وسَلَّمنا أمورَنا إليك، وفوضناها إليك، ( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي: وإليك ربنا المعاد في الدار الآخرة، فليسوا يرهبوننا، وأنت ولينا، وأتمم إبراهيم الخليل دعائه فقال: ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا )
المقصود في قوله ( فِتْنَةً )  ثلاث أقوال :
الأول: قال مجاهد والضحاك:معناه:لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا:لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا.
الثاني : وقال قتادة لا تُظْهِرهم علينا فيفتتنوا بذلك، أي نفتتن نحن بهم وبقوتهم، ونرى  أنهم إنما ظهروا علينا لأنهم هم على الحق. واختاره ابن جرير .
الثالث: قاله ابن عباس:لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
وقوله: ( وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أي: الغفر : هو الستر ، ومنه يقال عن ما يلبسه المحارب على رأسه ( المغفر) ، فإذا سألت الله تعالى أن يغفر ذنبك: أي واستر ذنوبنا عن غيرك، واعف عنها فيما بيننا وبينك، ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أي:الذي لا يُضَام من لاذ بجنابك ( الْحَكِيم ) في أقوالك وأفعالك وشرعك قدرك.

فائدة:
ختم إبراهيم عليه السلام دعاءه باسمي الله (  الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) إقراراً من إبراهيم بعزة الله تعالى ، وأنه منيع الجناب ، فهو قد تبرأ من الكفار وفيهم أباه ، ويعلم أنهم سيظروا له ولمن معه العداوة، فالتجأ إلى الله وتوكل عليه، وخاطب ربه بما يستحق بأنه هو قادر على أن يمضي حكمه فيعذب من أساء إليه، وعلى أن يغفر لمن يستحق العذاب، فهو الحكيم المنيع الجناب، لا يصدر عنه حكم إلا عن حِكمة منه سبحانه وتعالى. 
تنبيه :
في دعاء إبراهيم عليه السلام : ردد ثلاث مرات نداءه لربه بقول ( رَبَّنَا) : قال في الأولى : عليك توكلنا ، وفي الثانية : لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ، وفي الثالثة طلب العفو عن السيئات، أن يسترها ربنا ولا يأخذ بها .[ تودد إلى الله بإظهار تمام التوكل عليه ، ثم سأل الرب العفو والمغفرة ، وسأله أن يصرف عنا الفتن ]  هذه ثلاث ، أولها أظهار العبودية لله بتمام التوكل عليه، ثم السؤال.

ثم قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ) وهذا تأكيد لما تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضًا لأن هذه الأسوة المثبتة هاهنا هي الأولى بعينها وقيل بل المقصود مختلف – انظري الفائدة -
وقوله: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ) أي لا يقتدي بإبراهيم في البراء من الكفار إلا من كان يرجو رحمه الله ولقاء الله ، وهو مقر بالله والمعاد.
وقوله: ( وَمَنْ يَتَوَلَّ ) أي:عما أمر الله به، ( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) كقوله: ( إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ )  [ إبراهيم:8 ]

فوائد :

1- قوله تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) ثم قال تعالى:  ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) كرر ذلك مرتين، فما فائدة تكراره؟ وما الفرق بينهما؟
الجواب: أن الأولى: أريد بها التأسي بهم في البراءة من الكفار، ومن عبادة غير الله تعالى.
وأريد بالثانية: التأسي بهم في الطاعات واجتناب المعاصي لقوله تعالى بعده: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يريد ثوابه ويخشى عقابه. اهـ.
فقيل التأسي الأول المطلوب هو بالقول ، وفي الآية الثانية تأسي بالفعل . ففي الأولى أرشد ربنا بالتأسي بإبراهيم بكلامه وهو البراءة ، وفي الثانية يرشد إلى التأسي به بأفعاله وهي وإن لم تذكر لفظا ، إلا أنها مفهوم رجاء اليوم الآخر، فلا يرجو الخير في اليوم الآخر إلا من أكثر من الطاعات واجتنب المعاصي.

2- قوله تعالى: ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وبعده: ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )  
في الأولى ( تُلْقُونَ) وفي الثانية ( تُسِرُّونَ )، فما الفرق؟
 قيل: معناه أنكم تلقون إليهم بالأخبار، بسبب مودتهم
قال الزجّاج: تلقون إِليهم أَخبار النبي وسِرّه، بالمودّة -التي بينكم-.أهـ
وقيل : تلقون إليهم الإخبار، وتسرون المودة.  ( د. من فوائد الفيروز أبادي)

معنى اسم الله الغني الحميد:

 ( الْغَنِيُّ ): الذي [ قد ] كمل في غناه، وهو الله، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار.
( الْحَمِيدُ ): المستحمد إلى خلقه، أي:هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله، لا إله غيره، ولا رب سواه.

عودة للتفسير:

بعد ان أنزل الله تعالى آيات البراء من الكفار، وأمرهم بالتأسي بنبيه إبراهيم عليه السلام بالبراءة من أقرب الناس إليه وعداوتهم، يواسي عباده المؤمنين ويطمئنهم بأن: ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ) أي:محبة بعد البِغْضَة، ومودة بعد النَّفرة، وألفة بعد الفرقة،  وقيل: المودة تزويج النبي أم حبيبة بنت أبي سفيان، ( وَاللَّهُ قَدِيرٌ ) أي:على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة، فتصبح مجتمعة متفقة، وقيل أن هذه الآية بعد أن واجد المسلمين شدة ووجد من عداوة أقربائهم فنزلت: ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً )، وهذا بأن يسلم الكافر منهم وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وخالطهم المسلمون،  كما قال تعالى ممتنًا على الأنصار: ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا الآية)  [ آل عمران:103 ]،  وكذا قال لهم النبي : « ألم أجِدْكُم ضُلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألَّفَكُم الله بي؟ » ، وقال الله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)  [ الأنفال62 - 63 ] . وفي الحديث « أحبِبْ حَبيبَكَ هونًا مّا، فعسى أن يكونَ بَغيضَكَ يومًا ما. وأبغِض بغيضَك هونًا ما، فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما » ( روه الترمذي وقال عنه : غريب لا نعرفه إلا من  هذا الوجه ، وقال عنه الألباني أن سنده صحيح موقوفا على عليّ رضي الله عنه ) ، وقال الشاعر:

وَقَـد يجـمعُ الله الشـتيتين بعـد ما يَظُنــان كُــل الظــنّ ألا تَلاقَيـا
وقال الله تعالى: ( وَاللَّهُ قَدِيرٌ) على ذلك ، فلا يعجزه سبحانه شيء
وقوله تعالى: ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أي:يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه، من أيّ ذنب كان.

زواج النبي   من أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان:

وقد قال مقاتل بن حيان:إن هذه الآية نـزلت في أبي سفيان، صخر بن حرب، فإن رسول الله تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه بسبها رضي الله عنها
ورملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية، أبوها أبا سفيان في كان شبابه سيد بني عبد شمس بن عبد مناف، ثم نال سيادة جميع بطون قريش بعد معركة بدر بعد مقتل عتبة بن ربيعة وأبو الحكم عمرو بن هشام المخزومي ، ثم نال سيادة جميع فروع قبيلة كنانة في معركة أحد وبقي على هذا حتى فتحت مكة.
ولدت قبل الإسلام، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول، وهي من الثلّة المؤمنة التي أسلمت مبكراً في مكة.
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي، وعاشت معه أول زواجها في بدايات الدعوة المكيّة، وما فيها من المعاناة بسبب دخولهم في دين الله، اضطرتهم شدة المعاناة والتعذيب للهجرة من ديارهم، واختيار لهم رسول الله أرض الحبشة، فقال : إن فيها ملك عادل، لا يظلم عنده أحد" ،وهكذا هاجرت أم حبيبة مع زوجها إلى الحبشة ليظفروا بحرية العبادة  والأمان ، ولم تدم سعادتها طويلاً، فقد تنصر زوجها بعد فترة قصيرة من وجوده في الحبشة، وبقي على النصرانية حتى مات في بلاد الشام. فخطبها رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة ، فزوجه إياها ، وأصدقها النجاشي أربعمائة  ديناراً ، فكانت أكثر نساء رسول الله مهراً، وأولم لها، وبقيت في الجبشة حتى السنة السابعة للهجرة حيث عادت الى المدينة .

عودة للتفسير:

وقوله تعالى: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، وهي رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم،  كالنساء والضعفة منهم، وهذه الآية هي محكمة ليست بمنسوخة، وذلك أن أسماء بنت أبي بكر سألت النبي : هل تصل أمها حين قدمت عليها مشركة؟ قال: ( نعم )( أخرجه البخاري ومسلم) وقيل: إن الآية فيها نزلت.
روى عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه: أن أبا بكر الصديق طلق امرأته قتيلة في الجاهلية، وهي أم أسماء بنت أبي بكر، فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله وبين كفار قريش، فأهدت، إلى أسماء بنت أبي بكر الصديق قرطا وأشياء أخرى؛ فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله فذكرت ذلك له، فأنزل الله تعالى: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) . ذكر هذا الخبر الماوردي وغيره.
( أَنْ تَبَرُّوهُمْ ) أي:تحسنوا إليهم، وقوله: ( وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )  تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة. وليس يريد به من العدل؛ فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل؛ قاله ابن العربي المالكي .[ رواه عنه القرطبي في تفسيره] .

استدل من هذه الآية : وجوب نفقة الإبن المسلم على أبيه الكافر والعكس أولى:

قال القاضي أبو بكر في كتاب الأحكام له: استدل به بعض من تعقد عليه الخناصر على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر، وهذه وهلة عظيمة، إذ الإذن في الشيء أو ترك النهي عنه لا يدل على وجوبه، وإنما يعطيك الإباحة خاصة، وقد بينا أن إسماعيل بن إسحاق القاضي دخل عليه ذمي فأكرمه، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك؛ فتلا هذه الآية عليهم.
وقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) وفي الحديث الصحيح قول رسول الله : " المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم، وأهاليهم، وما وَلُوا "  .

وقوله: ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ) أي:إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم العداوة، فقاتلوكم وأخرجوكم، وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم الله عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم. ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال: ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذٌون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزِيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ


  

No comments:

Post a Comment