Monday 28 November 2016

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات - سورة الحشر ح 3 - اصنااف الذين يستحقون أن يعطوا من مال الفيء

 



 



تفسير وربط للآيات- وبيان المتشابهات -سورة الحشر ج 3  

أصناف الذين يستحقون الفيء

في هذا الجزء من السورة يفصل الله تعالى في ثلاث فئات من الناس الذين يستحق فقرائهم من مال الفيء، وهذه الفئات الثلاثة هي :
الفئة الأولى: المهاجرين:
يقول تعالى مبينًا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) أي:خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله، وهو من باب البيان لقوله: ( وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) فلما ذكروا بأصنافهم قيل المال لهؤلاء، لأنهم فقراء ومهاجرون وقد أخرجوا من ديارهم؛ فهم أحق الناس به.
حال المهاجرين: وهم الذين أخرجهم كفار مكة؛ أي أحوجوهم إلى الخروج؛ وكانوا مائة رجل، وهم سادات المهاجرين:
قال قتادة: هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والأهلين والأوطان حبا لله ولرسول، حتى إن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع.
-وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها، أي ليستدفيء من برد الشتاء يحفر لنفسه حفرة في الأرض.
-وقال عبدالرحمن بن أبزى وسعيد بن جبير: كان ناس من المهاجرين لأحدهم العبد والزوجة والدار والناقة يحج عليها ويغزو، ومع ذلك فقد نسبهم الله إلى الفقر وجعل لهم سهما في الزكاة.
وقوله تعالى: ( يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) أي يطلبون أو يقصدون غنيمة في الدنيا ( وَرِضْوَانًا ) في الآخرة؛ أي مرضاة ربهم، ( وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ينصرون الله في الجهاد في سبيل الله. ورضوانه أي:هؤلاء الذين صَدَقوا قولهم بفعلهم.
فائدة :
ما ذكر الله تعالى المهاجرين في القرآن إلا لقبهم ب ( الصَّادِقُونَ )
وفي فضل المهاجرين من الصحابة يقول ربنا:
{ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون }، وهذا بيان لفضل الصحابة الكرام من المهاجرين، الذين تركوا ديارهم وأموالهم طاعة لله، وابتغاء مرضاته، بأن لهم الدرجات العلى في الآخرة، والمنازل الرفيعة، وأنهم هم الفائزون حقاً .
- وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني؛ فإن الله تعالى جعلني له خازنا وقاسما، ألا وإني باد( أي يبدأ بالعطايا) بأزواج النبي فمعطيهن، ثم المهاجرين الأولين؛ أنا وأصحابي اخرجنا من مكة من ديارنا وأموالنا.
قالَ رسولُ اللَّهِ :" أبشِروا يا معشرَ صعاليكِ المُهاجرينَ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ تدخلونَ الجنَّةَ قبلَ أغنياءِ النَّاسِ بنِصفِ يومٍ وذاكَ خمسُ مائةِ سنةٍ " ( رواه ابو داود- وصحح هذا الجزء من الحديث الألباني) والصعاليك : أي الفقراء.
الفئة الثانية: الأنصار:
ثم قال تعالى مادحًا للأنصار، ومبينًا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حَسَدهم، وإيثارهم مع الحاجة، فقال: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أي:سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم – من بيعة العقبة الأولى-
قال عمر:وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم كرامتهم. وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تَبوّءوا الدار والإيمان من قبل، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم.( رواه البخاري ).
وقوله: ( يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ) أي:مِنْ كَرَمهم وشرف أنفسهم، يُحبّون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم.
قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد، حدثنا حميد، عن أنس قال:قال المهاجرون:يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساةً في قليل ولا أحسن بذلا في كثير، لقد كَفَونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله! قال: " لا ما أثنيتم عليهم ودَعَوتُمُ الله لهم " .( صحيح الإسناء على شرط الصحيحين – البداية والنهاية )
وقال البخاري: قال أنس بن مالك: دعا النبي الأنصار أن يُقطع لهم البحرين، قالوا:لا إلا أن تُقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها. قال: « إما لا،  فاصبروا حتى تلقوني، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة "( تفرد به البخاري من هذا الوجه) رفض الأنصار عطية رسول الله لهم، إلا أم يعطي المهاجرين مثلها، وهذا يدل على شدة إثرتهم لإخوانهم المهاجرين على أنفسهم.
قال البخاري: عن أبي هريرة قال: " قالت الأنصار:اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال:لا   فقالوا: تكفونا المؤنَةَ ونَشرككُم في الثمرة؟ ، قالوا:سمعنا وأطعنا."
( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) أي:ولا يجدون في أنفسهم حسدًا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنـزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة، ولا يحسدون المهاجرين على ما خصوا به من مال الفيء وغيره.
قال:الحسن البصري: ( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ) يعني:الحسد.
( مِمَّا أُوتُوا ) قال قتادة: يعني فيما أعطي إخوانهم. وكذا قال ابن زيد. ومما يستدل به على هذا المعنى-في فضل ترك الحسد- ما رواه الإمام أحمد عن أنس قال:كنا جُلوسًا مع رسول الله فقال: « يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة » . فطلع رجل من الأنصار تَنظُف لحيته من وضوئه، قد تَعَلَّق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى. فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله ، فتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال:إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال:نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تَعارّ تقلب على فراشه، ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غَضَب ولا هَجْر ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرَار « يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة » . فطلعت أنت الثلاث المرار ، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملكَ فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسولُ الله ؟ قال:ما هو إلا ما رأيت. فلما وليت دعاني فقال:ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجدُ في نفسي لأحد من المسلمين غِشّا، ولا أحسدُ أحدًا على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله:هذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق " ( وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين)
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) يعني ( مِمَّا أُوتُوا ) المهاجرون. قال:وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم من الأنصار، فعاتبهم الله في ذلك، فقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال:وقال رسول الله: « إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم » . فقالوا:أموالنا بيننا قطائع. فقال رسول الله : « أو غير ذلك؟ » . قالوا:وما ذاك يا رسول الله؟ قال: " هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر " . فقالوا:نعم يا رسول الله.

صور من إيثار الأنصار لإخوانهم المهاجرين:

-في الصحيحين عن أنس: " أن الرجل- أي من الأنصار- كان يجعل للنبي النخلات من أرضه حتى فتحت عليه قريظة والنضير، فجعل بعد ذلك يرد عليه ما كان أعطاه" ( وهذا لفظ مسلم)
- وعن أنس بن مالك:" لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام ويكفونهم العمل والمؤونة؛ وكانت أم أنس بن مالك تدعي أم سليم، وكانت أم عبدالله بن أبي طلحة، كان أخا لأنس لأمه؛ وكانت أعطت أم أنس رسول الله عذاقا لها( العذق هو النخل)؛ فأعطاها رسول الله لأم أيمن مولاته، ثم أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أن رسول الله لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم. قال: فرد رسول الله إلى أمي عذاقها، وأعطى رسول الله أم أيمن مكانهن من حائطه" (خرجه مسلم أيضا)
-وفي البخاري عن أبي هُرَيرة قال:أتى رجل رسول الله فقال:يا رسول الله، أصابني الجهدُ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي : « ألا رجل يُضَيّفُ هذا الليلة، رحمه الله؟ » فقام رجل من الأنصار فقال:أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته:ضَيفُ رسول الله لا تَدّخريه شيئًا. فقالت:والله ما عندي إلا قوتُ الصبية. قال:فإذا أراد الصبيةُ العَشَاء فنوّميهم وتعالى فأطفئي السراج ونَطوي بطوننا الليلة. ففعلَت، ثم غدا الرجل على رسول الله ، فقال: « لقد عجب الله، عز وجل - أو:ضحك- من فلان وفلانة » . وأنـزل الله عز وجل: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة، رضي الله عنه.
وقوله: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) يعني:حاجة، أي:يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.
أفضل الصدقة:
قد ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: « أفضلُ الصدقة جُهْدُ المُقِلّ » أي المحتاج،  وهذا المقام أعلى من حال الذين وَصَف اللهُ بقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ) [ الإنسان8 ] . وقوله: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) [ البقرة 177 ]
فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء الممدوحون في هذه السورة – الأنصار- آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه.
 - ومن أفضل الصدقة: تصدق الصديق، رضي الله عنه، بجميع ماله، حتى قال له رسول الله : « ما أبقيت لأهلك؟ » . فقال:أبقيت لهم الله ورسوله.
- من أفضل الصدقة: ا ما ورد في الماء الذي عُرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوجَ ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.
-  من أفضل الصدقة: ما جاء في موطأ مالك عن عائشة رضي الله عنها: « أنه بلغه عن عائشة زوج النبي ، أن مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف؛ فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه؛ فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إياه. قالت: ففعلت. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك." ومعنى( شاة وكفنها ) كان هذا من طعام العرب : يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا سلخوه غطوه كله بعجين البر وكفنوه به ثم علقوه في التنور، فلا يخرج من ودكه شيء إلا في ذلك الكفن؛ وذلك من أطيب الطعام عندهم.»
وعائشة رضي الله عنها في فعلها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة، وأن من فعل ذلك فقد وقى شح نفسه وأفلح فلاحا لا خسارة بعده.
وقوله: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) أي:من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح،  وقيل الشح المراد بالآية: الشح بالزكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضيافة، وما شاكل ذلك. فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك وإن أمسك عن نفسه،  ومن وسع على نفسه ولم ينفق فيما ذكرناه من الزكوات والطاعات فلم يوق شح نفسه.
وكما أنزل الله تعالى في المهاجرين وفضلهم على الناس ، فقد جمع في الأنفال بين المهاجرين والأنصار في الفضل، قال تعالى: ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا وأولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزقٌ كريمٌ ) ( الأنفال74) ففي هذه الآية جمع الله الفضل لفريقي الصحابة، وهم المهاجرون والأنصار، من هاجر، ومن آوى، فشهد لهم بحقيقة الإيمان، ووعدهم بالمغفرة والرزق الواسع.

أحاديث في التنفير من الشح:

روى الإمام أحمد: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: « إياكم والظلّم، فإن الظُّلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشُحَّ، فإن الشّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سَفَكُوا دماءهم واستَحلُّوا محارمهم "  (انفرد بإخراجه مسلم)
عنده أيضا عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله : " اتقوا الظُّلْم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الفُحْش، فإن الله لا يحب الفحش ولا التَّفَحُّشَ، وإياكم والشُّحَّ؛ فإنه أهلكَ من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا "( . ورواه وأبو داود )
وقال الليث، عن يزيد [ بن الهاد ] عن سُهَيل بن أبي صالح، عن صفوان بن أبي يزيد، عن القعقاع بن اللجلاج عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله يقول: " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا " .
الفرق بين الشح والبخل:
-قال القرطبي : جعل بعض أهل اللغة الشح أشد من البخل. وفي الصحاح: الشح البخل مع حرص؛ تقول: شحِحِت ( بالكسر ) تشِح. وشححت أيضا تشح وتشح. ورجل شحيح، وقوم شحاح وأشحة.
-وقال ابن القيم أنَّ: - الشحَّ هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه ( فهو حالة النفس ).
-والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه ، ودليله قوله تعالى: ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ) – فقال عنهم يبخلون بما آتاهم ، أي بما عندهم-   
وقال ابن القيم : فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشحِّ، والشحُّ يدعو إلى البخل، والشحُّ كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحَّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحَّه ووقي شرَّه، وذلك هو المفلح ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
- يرى ابن مسعود رضي الله عنه: أن البخل هو البخل بما في اليد من مال، أما الشح فهو أن يأكل المرء مال الآخرين بغير حقٍّ، روى ابن أبي حاتم قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال:يا أبا عبد الرحمن، إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال له عبد الله:وما ذاك؟ قال:سمعت الله يقول: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وأنا رجل شحيح، لا أكاد أن أخرج من يدي شيئًا! فقال عبد الله: " ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا، ولكن ذلك البخل، وبئس الشيء البخل "
- وفرق ابن عمر بينهما فقال: (ليس الشحيح أن يمنع الرجل ماله، ولكنه البخل، وإنه لشرٌّ، إنما الشحُّ أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له)
وعن أنس بن مالك، عن رسول الله قال: " بَرِئ من الشح مَن أدى الزكاة، وقَرَى الضيف، وأعطى في النائبة "( رواه ابن حبان: ضعيف، وقال ابن حجر إسناده حسن)
والمعاني متقاربة ، وقد تؤول إلى تعريف ابن القيم .. والله أعلم .
روى ابن جرير الطبري.عن أبي الهياج الأسدي قال:كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: « اللهم قني شح نفسي »لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: « إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل » وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
الفئة الثالثة: الذين جاءوا من بعدهم ( التابعين ):
وقوله: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم المهاجرون ثم الأنصار، ثم التابعون بإحسان، كما قال في آية براءة: ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)[ التوبة100] فالتابعون لهم بإحسان، وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة وهم المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية؛ ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان والمغفرة ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ ) أي:قائلين: ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا ) أي:بغضًا وحسدًا ( لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ، قالوا:  من كان في قلبه غِلّ على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاثة منازل: المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله، فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجًا من أقسام المؤمنين.

قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: الفقراء المهاجرين والذين تبوءوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه المنازل.
وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة:أن الرافضي الذي يسبّ الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) .ويلاحظ انهم في دعائهم لهم دعوا الله واستعطفوه باسمه الرءوف الرحيم، فقالوا : إنك ربنا رءوف بالعباد رحيم بهم ، فارفأ بإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وأرحمهم، والرحمه والرأفة ، هما تجاوز عن السيئات، وتضعيف للحسنات، والعفو عما بينه وبينه تعالىة سبحانه الرؤوف الرحيم .
وحدث ابن أبي حاتم: عن عائشة أنها قالت:أمروا أن يستغفروا لهم، فسبوهم! ثم قرأت هذه الآية: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ ) الآية.
وروى البغوي عن عائشة قالت:أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد ، فسببتموهم. سمعتُ نبيكم يقول: « لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها » .اللهم لا تجعلنا منهم.
يا رب اجعل آخر دعوانا أن :
الحمد لله رب العالمين
ربنا تقبل منا وتب علينا واغفر لنا وارحمنا
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

No comments:

Post a Comment