Tuesday 29 November 2016

تفسير وربط آيات وبيان المتشابهات - سورة الحشر ج 5- أسماء الله الحسنى

  



  



تفسير وربط للآيات- وبيان المتشابهات -سورة الحشر ج 5 – أسماء الله الحسنى

الجزء الـأخير من سورة الحشر، جزء نفيس مبارك، ذكر الله تعالى فيه بعض أسماءه وصفاته، وهذا الجزء الذي قالوا أنه المقصود بحديث رسول الله
عن العرباض بن سارية :  أنَّ رسولَ اللهِ كان يقرأُ المسبِّحاتُ قبل أن يرقدَ وقال إنَّ فيهنَّ آيةٌ أفضلُ من ألفِ آيةٍ " ( أخرجه ابو داود وغيره، ضعفه الألباني مرة، ثم حسنه )
قيل في تحديد الآية أنها آية سورة الحديد :( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ‌ وَالظَّاهِرُ‌ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِي) } ( الحديد 3 )
وقيل هي الثلاث آيات الأخيرة من سورة الحشر، والله أعلم.
 
وإلى شرح أسماء الحسنى التي وردت في ثلاث آيات في نهاية السورة 
 
قوله تعالى: ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا رب غيره، ولا إله للوجود سواه، وكل ما يعبد من دونه فباطل، وأنه عالم الغيب والشهادة، أي:يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فلا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير، حتى الذر في الظلمات، فهو سبحانه عالم السر والعلانية. ويعلم ما كان وما يكون، عالم بالآخرة والدنيا. وقيل: ( الْغَيْبِ) ما لم يعلم العباد ولا عاينوه. ( وَالشَّهَادَةِ ) ما علموا وشاهدوا، أو علمه بعضهم وغاب عن بعض، وهذا ما هو واضح من الإسم، ولا يقال لشيء عند الله غيب، فعنده سبحانه كل شيء شهادة، ولكن ما غاب عن العباد، هو ما يسميه الله غيباً، بحكم ما تعارفتم عليه، أو ما غاب عن بعضهم، وعلمه غيرهم. أو هو كل ما يتعلق بالساعة والقيامة والحساب والعقاب.... فكل ذلك ما غاب عن جميع البشر، ولا يغيب عنه سبحانه.
وقوله: ( هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وقد قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [ الأعراف156] ، وقال: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)  [ الأنعام:54 ] ، وقال: ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [ يونس:58 ] .
الآية: 23 (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
قوله تعالى: ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ)
 الله سبحانه هو الْمَلِكُ ، الذي له غاية الجلالة والمهابة ، وهو صاحب الملك ومالك الملك ، الذي ينفذ أمره في ملكه ؛ وله الملك والملكية جميعاً . وهو صاحب الملك التام . وهو المالك : صاحب الملك الذي ينفذ أمره على المالكين حتى يمنعهم من التصرف في ملكهم . وهو المالك للمُلك .قال الله سبحانه : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء} ( آل عمران 26  )، وهو سبحانه المليك المقتدر يعنى : الرب والمالك، القادر على إنفاذ كل أمر، كما قال تعالى ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ( القمر 55)  فهو الَملك العظيم المُلك .
قال أمــيَّـة بن أبي الصلت :
لك الحمدُ والنَّعْماءُ والفضْلُ ربَّنا *** ولا شيْءَ أعلَى منكَ جِداً وأمْجدُ .
مليْكٌ على عرْشِ السَّمَاءِ مهيْمنٌ *** لعـزَّته تعْـنُو الوجـوهُ وتسْجُدُ .
وكل هذه الأسماء قريبة المعاني تدل بمجموعها على اتصافه سبحانه بالملك التام الشامل المحيط الذي لايند منه شيء ، ولا يخرج عنه حي .
فالرب سبحانه وتعالى ملكاً له الملك كله،  وله الحمد كله،  أزمة الأمور كلها بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه،  مستوياً على سرير ملكه لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته عالماً بما في نفوس عبيده،  مطلعاً علي أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ، ويرى، ويعطي، ويمنع، ويثيب، ويعاقب، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.
الْقُدُّوسُ: أي المنزه عن كل نقص، والطاهر عن كل عيب.
 والقَدَس ( بالتحريك ) : السطل بلغة أهل الحجاز؛ لأنه يتطهر به. ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء من البئر بالسانية. وكان سيبويه يقول: قَدوس وسَبوح؛ بفتح أولهما. قال ثعلب: كل اسم على وزن فَعول فهو مفتوح الأول؛ مثل سَفود وكَلوب وتَنور وسمور ،  إلا السُّبوح والقُدوس فان الضم فيهما أكثر؛ وقد يفتحان.
القدوس هو المبارك وهو الطاهر الذي تعالى عن كل دنس ، وقيل : تقدسه الملائكة الكرام وهو سبحانه الممدوح بالفضائل والمحاسن .
الله القدوس : هو المنزه عن الأضداد والأنداد والصاحبة والولد ، الموصوف بالكمال ، بل المنزه عن العيوب والنقائص كلها ، كما أنه منزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال وقال ابن جرير الطبري: ( التقديس: هو التطهير والتعظيم ... قدوس : طهارة له وتعظيم،  لذلك قيل للأرض : أرض مقدسة يعني بذلك المطهرة،  فمعنى قول الملائكة ونقدس لك : ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس ، وما أضاف إليك أهل الكفر بك، وقد قيل : إن تقديس الملائكة لربها  صلاتها ) ثم ذكر بعض أقوال المفسرين ومنها : التقديس : الصلاة ، أو التعظيم والتمجيد والتكبير ، والطاعة وذلك أن الصلاة والتعظيم ترجع إلى التطهير لأنها تطهره مما ينسبه إليه أهل الكفر به .
« السَّلَامُ » أي ذو السلامة من النقائص. وقال ابن العربي: اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله ( السلام ) : النسبة، تقديره ذو السلامة. ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال: المعنى الأول :: معناه الذي سلم من كل عيب وبريء من كل نقص
 الثاني: معناه ذو السلام؛ أي المسلم على عباده في الجنة؛ كما قال: « سلام قولا من رب رحيم » [ يس: 58 ]
 الثالث: أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه.
وعليه فهذا المعنى والذي قبله يكون صفة فعل، وعلى أنه البريء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات،  وقيل: السلام معناه المسلم لعباده.
قوله تعالى: « الْمُؤْمِنُ » أي المصدق لرسله بإظهار معجزاته عليهم ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب.
وقيل: المؤمن الذي يؤمن أولياءه من عذابه ويؤمن عباده من ظلمه؛ يقال: آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف؛ كما قال تعالى: ( وآمنهم من خوف ) [ قريش: 4 ] فهو مؤمن.
وقال مجاهد: المؤمن الذي وحد نفسه بقول: « شهد الله أنه لا إله إلا هو » [ آل عمران: 18 ] .
( الْمُهَيْمِنُ ) وقال قتادة: المهيمن معناه المُشاهد. وقيل: الحافظ. وقال الحسن:المصدق؛   وقيل: الرقيب الحافظ.
وقيل أنه:  الشاهد.. تقول "فلان مُهيمنِّي على فلان" إذا كان شاهدُك.
فجميع المعاني: (شاهد وأمين ورقيب وحافظ) كل هذه دلالات اسمه تعالى المهيمن،
وجميع هذه المعاني تظهر وتنجلي في قول الله تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ......) [المائدة: 48]
فالقرءان مهيمنٌ على ما سواه من الكتب المنزلة، فهو شاهد لها فيما اتفقوا فيه،  وفي نفس الوقت هو مهمين عليها  بمعنى أنه فوقها وبمعنى يقرب من معنى (الرقيب).
وقوله: ( الْعَزِيزُ ) أي:الذي قد عزّ كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا يُنال جنابه؛ لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه، وقد سبق القول في هذا الإسم في أول السورة.
( الجبار ) قال ابن عباس: هو العظيم،  وجبروت الله عظمته. وهو على هذا القول صفة ذات، من قولهم: نخلة جبارة.
فكان هذا الاسم يدل على عظمة الله وتقديسه عن أن تناله النقائص وصفات الحدث.
وقيل: هو من الجبر وهو الإصلاح، يقال: جبرت العظم فجبر، إذا أصلحته بعد الكسر، فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير، فهو المصلحُ أمورَ خلقه، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم، قالها ابن جرير.
وقال الفراء: هو أن الإسم من أجبره على الأمر أي قهره. قال قتادة:الجبار: الذي جَبَر خلقه على ما يشاء. قال الفراء: ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار ودراك من أدرك. وقيل : الجبار الذي لا تطاق سطوته.
 ( الْمُتَكَبِّرُ ) الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله. وقيل: المتكبر عن كل سوء المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم. وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد.
والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم. وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته ثم قذفته في النار ) . وقيل: المتكبر معناه العالي.
 وقيل: معناه الكبير لأنه سبحانه أجل من أن يتكلف كبرا،  وقد يقال: تظلم بمعنى ظلم، وتشتم بمعنى شتم، واستقر بمعنى قر،  كذلك المتكبر بمعنى الكبير. وليس كما يوصف به المخلوق إذا وصف بتفعل إذا نسب إلى ما لم يكن منه. ثم نزه نفسه فقال: ( سُبْحَانَ اللَّهِ) أي تنزيها لجلالته وعظمته ( عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

الآية: 24 ( هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

قوله تعالى: ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ) الخلق:التقدير، والبَراء:هو الفري، أي المنشئ المخترع على غير مثال سابق( ولذلك يقال لكل من سبق إلى اختراع شيء: حاز براءة اختراع الشيء)، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، ومنه يقال: قدر الجلاد ثم فَرَى، أي:قطع على ما قدره بحسب ما يريده. وليس كل من قدر شيئًا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله، إما لقصوره في تصور تقديره أو لعجزه عن إتمام مراده،  قال الشاعر يمدح آخر
ولأنـــت تَفــري مــا خَــلَقت وبعـضُ القـوم يَخـلُق ثـم لا يَفْري
أي:أنت تنفذ ما خلقت، أي:قدرت، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد، ولا يقع فيه مراده.
و(  الْمُصَوِّرُ)  مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفه،  فالتصوير مُرتَب على الخلق والبراية وتابع لهما،  ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل، وخلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق: جعله علقة، ثم مضغة، ثم جعله صورة وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها. فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد جعل بعض الناس الخلق بمعنى التصوير، وليس كذلك، وإنما التصوير آخرا والتقدير أولا والبراية بينهما، ومنه قول الحق: ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير) [ المائدة: 110 ] ، الذي إذا أراد شيئًا قال له:كن، فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار،  كقوله: ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) [ الانفطار:8 ] ولهذا قال: ( الْمُصَوِّرُ ) أي:الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.
( لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
وقوله: ( لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ولله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى، الدالة على كمال عظمته، وكل أسمائه حسن، ومن كماله، أن جميع من في السماوات والأرض مفتقرون إليه على الدوام، يسبحون بحمده، ويسألونه حوائجهم، فيعطيهم من فضله وكرمه ما تقتضيه رحمته وحكمته،  وذكر الحديث المروي في الصحيحين عن أبي هريرة، عن رسول الله : " إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر "
وعن أنس بن مالك: أن رسول الله قال: ( من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) . وعن أبي أمامة قال: قال النبي ( من قرأ خواتيم سورة الحشر في ليل أو نهار فقبضه الله في تلك الليلة أو ذلك اليوم فقد أوجب الله له الجنة )( أبو أمامة الباهلي- ضعيف جداً)
وقال: ( من قالَ حينَ يصبحُ ثلاثَ مرَّاتٍ أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العليمِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ فقرأَ ثلاثَ آياتٍ من آخرِ سورةِ الحشرِ وَكلَ اللَّهُ بِه سبعينَ ألفَ ملَك يصلُّونَ عليهِ حتَّى يمسيَ وإن ماتَ في ذلِك اليومِ ماتَ شَهيدًا ومن قالَها حينَ يمسي كانَ بتلكَ المنزلةِ" ( مشكاة المصابيح – حديث حسن كما قال في المقدرمة)
( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) سبق شرح اسمه تعالى العزيز، الذي لا يريد شيئا إلا ويكون، ولا يكون شيئا إلا لحكمة ومصلحة.

تم بحمد الله وفضله تفسير سورة الحشر، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ربنا تقبل منا وأنت السميع العليم ، وتب علينا وأنت التواب الرحيم ، وصل اللهم وسلم على خير الخلق أجمعين ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، واجمعنا في زمرتهم يوم الدين
 

No comments:

Post a Comment