Wednesday 2 July 2014

مختصر شامل في أحكام الصيام - الدرس الحادي عشر - رمضان والقرآن الكريم 1



 



رمضان والقرآن الكريم  


تلاوة القرآن الكريم من أفضل العبادات، وأعظم القربات، وأجلّ الطاعات؛ خاصة عندما تكون في شهر رمضان الذي أُنزل فيه والذي فيه تضاعف الحسنات.
أنزل الله عز وجل القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك ، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185)، يقول ابن كثير -رحمه الله-: "يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه.
وكما اختص الله هذا الشهر بأن أنزل فيه جميع الكتب السماوية على الأنبياء ، كما ورد في الحديث ، قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله عن واثلة يعني ابن الأسقع: أن رسول الله قال: (أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان)
 وقد روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه: (أن الزبور أنزل لاثنتي عشرة خلت من رمضان، والإنجيل لثماني عشرة) والباقي كما تقدم رواه ابن مردويه.
 وأما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبيِّ الذي أُنزل عليه جملة واحدة،
وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر1)، وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) (الدخان 3) ، ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس، قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في ثلاث وعشرين سنة(  النسائي و الحاكم ] ، ثم إنه نزل على نبينا محمد خلال ثلاث  وعشرين عام حسب الحوادث والتساؤلات ، قال ابن عباس: (إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أُنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام) رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وهذا لفظه.
 وأي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن ؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة قال عز وجل : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا )( الكهف 1).
وهكذا قدَّر الله تعالى وأنزل القرآن في شهر رمضان :( شَهْرُ‌ رَ‌مَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْ‌آنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْ‌قَانِ ۚ ) ( البقرة 185) فارتبط القرآن بشهر رمضان.
رمضان والقرآن :
عن ابن عباس قال: ( كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة) ( البخاري مسلم ).
قال الإمام ابن رجب : دل الحديث على:
- استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك ، وعرض القرآن على من هو أحفظ له .
-وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان ، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها : أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة وأنه عارضه في عام وفاته مرتـــين ( البخاري  ومسلم)  
- وفيه استحباب الإكثار من قراءة القرآن ليلا ، قال ابن رجب رحمه الله : وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعـالى (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)  ( المزمل 6)
حال السلف مع القرآن في رمضان :
وقد كان للسلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره:
- كان الزهري إذا دخل رمضان يقول : إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام .
- قال ابن الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم .
- قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن .
- وقال سفيان : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه .  
وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله .
- كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين .
 = وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة
-     وقال ربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة .
-     وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل
-     وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان ، قال مالك : و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال : كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة . [ البيهقي في الشعب]
أيهما أفضل الإكثار من قراءة القرآن أم تدبره؟
 
فإن قلت أي أفضل ؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يقللها مع التدبر والتفكر ؟ قلت لك : اسمع ما قاله النووي .
قال النووي رحمه الله : والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني وكذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه [ أي لهذي الصنفين يستحب لهما التأني في ا القراءة بما لا يخل من التدبر ] ،من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ، ولا يقرؤه هذرمة – أي بسرعة مخلة- . [ نقله عنه ابن حجر في الفتح 9/97 ].
و أما حديث ابن عمرو قال قال رسول الله : ( لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ) (أبو داود 1394والترمذي 2949 وقال حديث حسن صحيح ) فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم :
- قال ابن رجب : إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداوة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان ، خصوصا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق و غيرهما من الأئمة و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره [ لطائف المعارف 360 ]
- وقال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث :وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك،  وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم ، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق.
-      وقال النووي : أكثر العلماء أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.  والله أعلم . [ الفتح 9/97]
هل تعقل هذه الروايات عن السلف وسرعتهم في ختم القرآن؟
فإن قال قائل بعض هذا الذي ذكر عن أحوال السلف مع قراءة القرآن لا يقبله عقل ولا يقره منطق، فإنني أقول له ما قاله الإمام اللكنوي رحمه الله  قال : فإن قلت بعض المجاهدات مما لا يعقل وقوعها قلت : وقوع مثل هذا وإن استبعد من العوام فلا يستبعد من أهل الله تعالى، فإهم أعطوا من ربهم قوة وصلوا بها إلى هذه الصفات، ولا ينكر هذا إلا من ينكر صدور الكرامات وخوارق العادات .
- وإن الذاكرين لهذه المناقب ليسوا ممن لا يعتمد عليه أو ممن لا يكون حجة في النقل بل هم أئمة الإسلام و عمد الأنام ؛ كأبي نعيم وابن كثير والسمعاني وابن حجر المكي وابن حجر العسقلاني والسيوطي والنووي والذهبي ومن يحذو حذوهم [ إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة 101 ]

والخلاصة:
-     وقد سبق أن ذكرت كلمة الإمام ابن رجب التي قرر فيها أن مثل هذا الاجتهاد سائغ في الأزمنة المفضلة والأماكن المفضلة وأما طوال العام فالأولى للمؤمن ألا يختمه في أقل من ثلاث وإن لم يكن ذلك ممنوعا ، قال الذهبي رحمه الله : و لو تلا ورتل في أسبوع ولا زم ذلك لكان عملا فاضلا ، فالدين يسر ، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الرابتة و الضحى و تحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة ودبر المكتوبة والسحر ، مع النظر في العلم النافع و الاشتغال به مخلصا لله مع الأمر بالمعروف ورشاد الجاهل وتفهيمه وزجر الفاسق ونحو ذلك ، لشغل عظيم جسيم ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين ، فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه [ السير 3/84-86]


No comments:

Post a Comment