Monday 21 July 2014

مختصر شامل في أحكام الصيام – الدرس العشرون ؛ ليلة القدر



 




 ليلة القدر

قال الله تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:1-3)  وقال : (  من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه  (أخرجه البخاري ومسلم)، وكان النبي يتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها وكان يوقظ أهله ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر. وفي المسند عن عبادة مرفوعاً: ( من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر )  وللنسائي نحوه، قال الحافظ: إسناده على شرط الصحيح.
حال السلف لتحري ليلة القدر:
وورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين والاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً لليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها. فيا من أضاع عمره في لا شيء، استدرك ما فاتك في ليلة القدر، فإنها تحسب من العمر، العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها، من حُرِم خيرها فقد حُرم.
متى تتحرى ليلة القدر:
وهي في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الوتر من لياليه الآخرة، وأرجى الليالي سبع وعشرين، لما روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: ( والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين ). وكان أُبي يحلف على ذلك ويقول: ( بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها ).
أن الله قد يختص بعض خلقه فيطلعه على علامة من علامات ليلة القدر، كما حدث هذا لبعض أصحاب النبي ، روى ذلك البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله : "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"
والله أعلم.
قال ابن حجر في الفتح : فالعلماء مختلفون في تعيين وقت ليلة القدر اختلافا كثيرا، ولعل الراجح إن شاء الله أنها تنتقل في ليالي العشر الأخير من رمضان، وهي في الأوتار آكد منها في الأشفاع، وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون.
 قال الشيخ العثيمين رحمه الله: والصحيح أنها تتنقّل فتكون عاماً ليلة إحدى وعشرين، وعاماً ليلة تسع وعشرين، وعاماً ليلة خمس وعشرين، وعاماً ليلة أربع وعشرين، وهكذا؛ لأنه لا يمكن جمع الأحاديث الواردة إلا على هذا القول، لكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، ولا تتعين فيها كما يظنه بعض الناس، فيبني على ظنه هذا، أن يجتهد فيها كثيراً ويفتر فيما سواها من الليالي. انتهى.
أما بالنسبة لاختلاف المطالع فخروجا من الخلاف فالأولى للمسلم أن يجتهد في الوتر والشفع من الثلث الأخير من رمضان ، فيدركها بإذن الله على كل حال.
خير الدعاء في ليلة القدر:
وعن عائشة قالت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: ( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )( رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني).
علامات ليلة القدر:
علامات ليلة القدر منها آيات سابقة لها ، أي في ليلتهاوهي ثلاث علامات:
الأولى : أن تكون ليلتها لا حارة ولا باردة:
  قال ﷺ: ( ليلة سهلة طلقة لا حارة ولا باردة ) رواه البيهقي والحاكم بسند حسن وأحمد،  سهلة : يسيرة فيها سكينة وفيها أنوار بشعر بها أهل الإيمان ، طلقة : أي مضيئة
الثانية : أن تكون وضيئة مُضيئة:
لقوله في الحديث السابق ( طلقة ) أي مضيئة ، وقوله  فيما رواه الإمام مسلم ( من يذكر حين طلع القمر مثل شق جفنة )  
جفنة : الإناء الكبير الذي يوضع به الطعام ، أي نصف إناء – ليلة القدر ليست في الليالي القمرية ، هي في أواخر الشهر ، فالقمر فيها ليس بدرا ، ولكنه من النصف إلى الهلال- وهي بسبب وجود قمرها بهذا الشكل فإنها مضيئة ، وضيئة .
قال : ( ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة .)  رواه ابن خزيمة وصححه الألباني .
وقال : (إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها ، وهي في العشر الأواخر ، وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرا يفضح كواكبها ، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها ). رواه ابن حبان .
فهي ليلة بلجة طلقة، يحس الإنسان فيها بارتياح، ليس فيها حر شديد، ولا برد شديد، ولا حر ولا قر مريحة جداً، وهي وضيئة .
الثالثة : كثرة الملائكة في ليلة القدر:
وقال رسول الله : ( إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى .) رواه ابن خزيمة وحسن إسناده الألباني ،وقال تعالى سبحانه جل في علاه :(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّ‌وحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ‌بِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ‌ ) ( القدر 4 ) ، وهي لذلك سلام هي كما وصفها ربها سبحانه وتعالى : (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ‌) ( القدر 5)
أما العلامات التي تليها والتي تدل على أن الليلة السابقة كانت ليلة القدر فواحدة وهي :
الرابعة : أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع :
وقال : ( وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها) رواه مسلم وفي الرواية السابقة وهي أضعف منها أن أشعتها حمراء ، والحمرة هي قبل البياض، ويجوز أن تكون حمراء أشعتها ثم تبيض، والله أعلم.
يعني تطلع في اليوم الذي يليها، وتلك العلامة بشارة لمن قام تلك الليلة
لأنها تكون بعد انقضاء ليلة القدر لا قبلها.

وهناك علامات أخرى لكنها لا تثبت
مثل أنه لا تنبح فيها الكلاب ، ولا يُرمى فيها بنجم ، أو أن ينزل فيها مطر.
قال د. عبد العزيز الفوزان:
" إذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره، فقد بقي فيه أجلّه وأخيره، لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته، وموضع الذؤابة منه.
ولقد كان يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهاداً حتى لا يكاد يُقدر عليه، يفعل ذلك وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به - فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها، لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سبباً لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.
روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره".
وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر".
فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات، فينبغي لك أيها المسلم أن تفرِّغَ نفسك في هذه الأيام، وتخفّف من الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس. فإنها -والله- أيامٌ معدودة، ما أسرعَ أن تنقضيَ، وتُطوى صحائفُها، ويُختم على عملك فيها، وأنت لا تدري هل تُدركُ هذه العشرَ مرةً أخرى، أم يحولُ بينك وبينها الموت، بل لا تدري هل تُكمل هذه العشر، وتُوفّقُ لإتمام هذا الشهر، فاللهَ اللهَ بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها ولياليها، وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص على إيقاظ أهلك، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.
وإنَّ لمن الحرمان العظيم، والخسارة الفادحة، أن نجد كثيراً من المسلمين، تمرُّ بهم هذه الليالي المباركة، وهم عنها في غفلة معرضون، فيمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو ولعب، وفيما لا فائدة فيه، أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت آخر، ليست له هذه الفضيلة والمزية.
فأروا الله من أنفسكم خيراً واجتهدوا في هذه الليالي المباركات، وتعرّضوا فيها للرحمات والنفحات، فإن المحروم من حُرم خير رمضان، وإن الشقي من فاته فيه المغفرة والرضوان، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "رغم أنف من أدرك رمضان ثم خرج ولم يُغفر له" رواه ابن حبان والحاكم وصححه الألباني.
إن الجنة حُفّت بالمكاره، وأنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "من خاف أدلج - يعني من أول الليل- ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم- المسافر إلى الدار الآخرة -وكلنا كذلك - بمن يسافر إلى بلد آخر لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، فإن كان جاداً في سفره، تاركاً للنوم والكسل، متحملاً لمشاق السفر، فإنه يصل إلى غايته، ويحمد عاقبة سفره وتعبه، وعند الصباح يحمد القوم السرى.
وأما من كان نوّاماً كسلان متبعاً لأهواء النفس وشهواتها، فإنه تنقطع به السبل، ويفوته الركب، ويسبقه الجادّون المشمّرون، والراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال إلا على جسر من التعب والمشقات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200]." انتهى

No comments:

Post a Comment