Saturday 12 July 2014

مختصر شامل لأحكام الصيام - الدرس الخامس عشر- الإعتكاف واحكامه.



 





الإعتكاف:

تعريف الاعتكاف :
لغة :الاعتكاف : افتعال من عكف على الشيء يعْكُف ويعْكِف عكفاً وعكوفاً وهو يأتي متعدٍ ويكون مصدره العكف ، ولازم ويكون مصدره العكوف .
والفعل المتعدي منه في الغة : بمعنى الحبس والمنع ومنه قوله تعالى :
( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)(الفتح من الآية25) أي : محبوساً. ويقال عكفته عن حاجته أي : منعته .
والفعل اللازم معناه في اللغة : بمعنى ملازمة الشيء والمواظبة والإقبال والمقام عليه خيراً كان أو شراً ومنه قوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) (البقرة 187 )أي مقيمون ، ومنه قوله : ( قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ) ( الشعراء 71)  أي ملازمون ، وقال تعالى : ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً ) ( طه 97) أي مقيماً .
الإعتكاف في الاصطلاح :
هو لزوم مسجد لعبادة الله تعال
ى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.
حكمته :
 
من حِكم الاعتكاف صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى بلم شعثه بالإقبال على الله تعالى وترك فضول المباحات وتحقيق الأنس بالله تعالى والاشتغال به وحده والتفكر في تحصيل مراضيه .
أدلة مشرعيته :
 
دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع :
1- الكتاب : قوله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) ( البقرة 125) وقوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ( البقرة 187)، فإضافته إلى المساجد المختصة بالقربات وترك الوطء المباح لأجله دليل على أنه قربة .
2- السنة : قول عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ) [ رواه البخاري ومسلم] . ويأتي غيره من الأحاديث .
3- الإجماع : نقله ابن المنذر وابن حزم والنووي وابن قدامة وشيخ الإسلام والقرطبي وابن هبيرة والزركشي وابن رشد .

فضل الإعتكاف:
وأجمع العلماء على فضيلة الاعتكاف ، ولم يرد في الاعتكاف أحاديث صحيحة ، ولذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة الاعتكاف نصوص صحيحة ، كما نص على ذلك الأئمة-رحمة الله عليهم- ومنهم الإمام أحمد قال : لا أعلم فيه شيئاً صحيحاً .
ولكن بستقرأ من النصوص ومن طبيعته أنه الاعتكاف قربة وطاعة شرعها الله عز وجل لعظيم ما يحصل فيها من الخير والبر للإنسان ، فالإنسان إذا اعتكف في بيت الله عز وجل لزم طاعة الله-سبحانه- ولزم أفضل الطاعات وأشـرفها وأحبها إلى الله عز وجل وهي ذكره ، كما قال-عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح عنه :
(( ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وخير لكم من إنفاق الورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضرب رقابكم وتضربوا رقابهم )) ، قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : (( ذكر الله )) ولو لم يكن في فضل هذه الطاعة إلا قوله سبحانه : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) لكفى فإن الإنسان إذا لزم بيت الله فقد لزم أحب البيوت إلى الله سبحانه  كما في الحديث الصحيح : (( أحب البلاد إلى الله مساجدها )) فهو يلزم أحب البلاد لفعل أحب الطاعات ولا شك أنه سيصيب من ذلك الخير في دينه ودنياه وآخرته فالإنسان إذا لزم المساجد معتكفاً على الوجه المعتبر وأدى لهذه العبادة حقها وقام بها وأقامها على وجهها ، فإنه أسعد الناس بما يكون فيها من الخير ،لأنك إذا استمررت عشر ليال وأنت في طاعة الله صائم النهار قائم الليل والناس حولك وهم يذكرون الله سبحانه ويعينونك على الطاعة والذكر حتى لو أنك سئمت أو مللت نظرت إلى غيرك ووجدته مجداً مشمراً في الخير قويت نفسك على الخير وانبعثت على الطاعة والبر ، فتجد لذة العبودية لله والأنس بالله عز وجل ولذة مناجاته وحلاوة دعائه وذكره سبحانه  فتخرج منشرح الصدر مطمئن القلب وقد وجدت خيراً كثيراً ما غفل عنه الغافلون .

وقت الإعتكاف :
 السُّنة في الاعتكاف أن يكـون في رمضان تأسياً بالنبي ، ولا بأس بالاعتكاف في غير رمضان ؛ لأن النبي صل اعتكف عشراً من شوال . ويَذِكْرُ المصنفون باب الإعتكاف في كتاب الصوم عادة ؛ لأن الاعتكاف إنما فعله النبي في شهر الصوم .

حكم الاعتكاف :
الإعتكاف سنة عن رسول اللهوقد حكي إجماعاً لأدلة مشروعيته المتقدمة .
اختلف العلماء في حكمه للمرأة على أقوال أرجحها هو قول الجمهور : أنه يسن لها الاعتكاف كالرجل .

واستدلوا لذلك بما يلي :
1- عمومات أدلة مشروعية الاعتكاف والتي لم تفرق بين الرجل والمرأة .
2- قوله تعالى :
( فاتخذت من دونهم حجاباً )( مريم 17) وقوله : ( كلما دخل عليها زكريا المحراب ) ( آل عمران 37) وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه .
3- حديث عائشة رضي الله عنها وفيه :
( إذنه لها ولحفصة رضي الله عنهما أن يعتكفا معه ) ( متفق عليه )  .
4- حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
( اعتكف معه امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي ) [ البخاري] . وقد جاء مفسراً بأنها أم سلمة رضي الله عنها .
5- حديث عائشة رضي الله عنها قالت
: ( كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله بإخراجهن من المسجد حتى يطهرن ) [ عزاه ابن قدامة في المغني لأبي حفص العكبري وقال : " إسناد جيد " .
وأما أمر النبي
بنقض قباب أزواجه لما أردن الاعتكاف معه فإنه فعل ذلك عليه الصلاة والسلام لما خافه عليهن من المنافسة والغيرة ولهذا قال : ( آلبر يُردن ؟ ) .

أقسام الإعتكاف:
1-   واجـب: وهو ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر.
2- مسنون: هو ما تطوع به المسلم قربة إلى بالله تعالى من غير نذر.

 شروط الإعتكاف:
1-   يشترط في المعتكف أن يكون مسلماً مميزاً ، طاهراً من الجنابة والحيض و النفاس.
2-   ويشترط أن يكون الاعتكاف في المسجد فلا يصح في غيره.
3-اشترط بعضهم الصيام للمعتكف ، وليس بدليل.

أركان الإعتكاف:
1-   النية.
2-   المُعتَكِف: وهو الشخص القائم بالطاعة.
3- المُعتَكَف: ويكون مسجداً.
1-          المكث في المسجد.

ما يستحب للمعتكف:
1-   الإكثار من الذكر و الصلاة و تلاوة القرآن و مدارسة العلم الشرعي.
2-   الاعتكاف في آخر المسجد حتى لا يشغله الناس عن الذكر.
3-  أن يكون معه ما يلزمه من طعام وشراب وملبس حتى لا يضطر للخروج من المسجد.
4-   اختيار أفضل المساجد إن أمكن (كالمسجد الحرام)، أو اختيار أفضل الأيام كالعشر الأواخر من رمضان.

مبطلات الإعتكاف:
1-   الجماع ليلاً أو نهاراً ولو خارج المسجد.
2-   الردة عن الإسلام.
3-  الحيض والنفاس للمرأة.
4- نية الخروج من الاعتكاف. 
5-  الخروج من المسجد بغير عذر.

 حكم الإعتكاف في غير رمضان والعشر الأواخر منه :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك على أقوال أرجحها هو قول الجمهور وهو أنه مسنون واستدلوا على ذلك بما يلي :
1- عمومات أدلة الاعتكاف وهي تشمل رمضان وغيره والعشر وغيرها .
2- حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ... وترك الاعتكاف في رمضان حتى اعتكف العشر الأواخر من شوال ) [ البخاري] وعند مسلم: ( العشر الأول من شوال ) . فدل على أن رمضان والعشر محل لشرعية الاعتكاف .
3- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سأل النبي
قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال ( فأوفِ بنذرك ) [ متفق عليه ] .وهذا يشمل كل ليلة في رمضان وغيره في العشر وغيرها من أيام العام.
4- حديث أبي هريرة رضي الله عنها قال : ( كان النبي يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ) [ البخاري] . فدل على أن غير العشر محل لشرعية الاعتكاف .


أقل وقت للإعتكاف
فقد اختلف أهل العلم في أقل مدة الاعتكاف: فذهب جمهورهم إلى أن أقله ما يطلق عليه اعتكاف عرفاً.  أما أقوال أهل المذاهب الأربعة فيه فهي:
قال ابن عابدين - وهو من علماء الأحناف - في حاشيته: وأقله - نفلاً - ساعة من ليل أو نهار عند محمد، وهو ظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة لبناء النفل على المسامحة ، وبه يفتى.
وقال صاحب (كشاف القناع) - وهو من علماء الحنابلة-: وأقله أي الاعتكاف ساعة. قال في (الإنصاف): أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً.
وقال الشنقيطي في شرح كتاب زاد المستقنع: أنه يجوز أن تعتكف أجزاء النهار ؛ لأنه إذا لم يشترط الصوم فإنه يجوز لك أن تعتكف أجزاء النهار ؛ لأن الليل جزء من اليوم ، فدل على جواز اعتكاف جزء من اليوم سواء كان ليلة كاملة أو كان نهاراً كاملاً أو كان ساعة كاملة . بل قال العلماء : لو أن إنساناً دخل الفريضة فنوى أن يعتكف مدة جلوسه في المسجد ، فإنه معتكف ويكون له فضل الاعتكاف إذا نوى ذلك . وذلك لإطلاق الكتاب والسُّنة . والأفضل والأكمل التأسي بالنبي في الاعتكاف الكامل خاصةً في العشر الأواخر .
وقال في (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج) - وهما من كتب الشافعية-: والأصح أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفاً أي: إقامة، ولو بلا سكون بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه .
والمعتمد عند المالكية أن أقل مدة الاعتكاف يوم وليلة، قال عليش في (منح الجليل شرح مختصر خليل): فمن نذر اعتكافاً ودخل فيه، ولم يعين قدره لزمه أقل ما يتحقق به، وهو يوم وليلة على المعتمد، ويوم فقط على مقابله. ا.هـ
 
الخلاصة:
فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه : اعتكاف , وعكوف ؟ فإذ لا شك في هذا , فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر , إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من عدد ، ولا وقتا من وقت .
والاعتكاف : فعل حسن , قد اعتكف رسول الله وأزواجه وأصحابه رضي الله عنهم بعده والتابعون ؟ وممن قال بمثل هذا طائفة من السلف – كما ورد عن سويد بن غفلة قال : من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ، ما لم يحدث  : ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن يعلى بن أمية قال : إني لأمكث في المسجد ساعة وما أمكث إلا لأعتكف . قال عطاء : حسبت أن صفوان بن يعلى أخبرنيه ؟ قال عطاء : هو اعتكاف ما مكث فيه , وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف , وإلا فلا .
ومن طريق مسلم : عن نافع عن ابن عمر قال : ( قال عمر : يا رسول الله , إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال : فأوف بنذرك ) . فهذا عموم منه عليه السلام بالأمر بالوفاء بالنذر في الاعتكاف , ولم يخص عليه السلام مدة من مدة ,
والاعتكاف في فعل خير , فلا يجوز المنع منه إلا بنص وارد بالمنع.

فالصحيح أنه يجوز أن تعتكف أجزاء النهار ؛ وأنه لم يشترط الصوم على الأصح ، فإنه يجوز لك أن تعتكف أجزاء النهار؛ لأن الليل جزء من اليوم ، فدل على جواز اعتكاف جزء من اليوم سواء كان ليلة كاملة أو كان نهاراً كاملاً أو كان ساعة كاملة . بل قال العلماء : لو أن إنساناً دخل الفريضة فنوى أن يعتكف مدة جلوسه في المسجد ، فإنه معتكف ويكون له فضل الاعتكاف إذا نوى ذلك . وذلك لإطلاق الكتاب والسُّنة .
والله تعالى أعلم وأحكم .



No comments:

Post a Comment