Monday 7 July 2014

مختصر شامل لأحكام الصيام - الدرس الثالث عشر - رمضان والقرآن؛ صلاة التراويح



  




من السنن التي سنَّها رسول الله   لهذه الأمة في شهر رمضان، صلاة التراويح، التي اتفق أهل العلم على أنها سنة مؤكدة في هذا الشهر الكريم، وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام؛ وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن رسول الله كان يرغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
وعند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله : ( يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول : أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك )

وهذه الصلاة هي زيادة في فضل شهر رمضان وبركته ، أن المؤمن يجتمع له فيه جهادان لنفسه جهاد بالنهار على الصيام و جهاد بالليل على القيام فمن جمع بين هذين الجهادين ووفيى بحقوقهما وصبر عليهما وفيّ أجره بغير حساب".
لماذا سميت تراويح :
 
وصلاة التراويح سنة مؤكدة عن رسول الله وسميت بذلك لأنهم كانوا يصلون أربع ركعات ثم يتروحون _ أي يستريحون-، ثم يصلون أربعاً ثم يستريحون حتى يكملوها، ومعنى يصلون أربعاً، أي:‏ مثنى مثنى، كل ركعتين بسلام.

صلاة التراويح شرعت لأجل القرآن :

وصلاة التراويح هي من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم ، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها شرعت ليسمع الناس كتاب الله مجودا مرتلا، و لذلك استحب للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة
وقد كان النبي   يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال أتيت النبي  في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال :(الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة)  ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة [ أحمد ، باقي مسند الأنصار]
وكان عمر قد أمر أبي بن كعب و تميما الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام و ما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، و في رواية أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها ،بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال وبعضهم في كل سبع منهم قتادة وبعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطارد،كل هذا التطويل والقيام من أجل تلاوة القرآن وتعطير ليالي شهر القرآن بآيات القرآن 
 .
صلاة التراويح سنة عن رسول الله يصليها في جماعة:

القيام في  رمضان  لصلاة التراويح في جماعة هو سنه عن رسول الله ولم يداوم عليه خشية أن يفرض،فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله فصٌلِّي بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال:( أما بعد فإنه لم يخف عليِّ مكانكم، ولكني خشيتٌ أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)، فتوفي رسول الله والأمر على ذلك"
وبعد وفاة رسول الله وأٌمن فرضها أحيا هذه السنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب ليلةً في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرَّهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أٌبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ـ يريد أن الصلاة آخر الليل – التهجد – أفضل، وكان الناس يقومون أوله"
قلت: مراد عمر بالبدعة هنا البدعة اللغوية، وإلا فهي سنة سنها الرسول وأحياها عمر الذي أٌمرنا بالتمسك بسنته: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" الحديث في البخاري
وعن عروة بن الزبير أن عمر جمع الناس على قيام شهر رمضان، الرجال على أبي بن كعب، والنساء على سليمان بن أبي حثمة.
وروي أن الذي كان يصلي بالنساء تميم الداري  
.
عدد ركعات صلاة التراويح:

أما عن عدد ركعاتها، فلم يثبت في تحديدها شيء عن النبي   ، إلا أنه ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام أنه صلاها إحدى عشرة ركعة كما بينت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن كيفية صلاة رسول الله   في رمضان، فقالت: "ما كان رسول الله   يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" متفق عليه، ولكن هذا الفعل منه لا يدل على وجوب هذا العدد، فتجوز الزيادة عليه، وإن كانت المحافظة على العدد الذي جاءت به السنة مع التأني والتطويل الذي لا يشق على الناس أفضل وأكمل.

وثبت عن بعض السلف أنهم كانوا يزيدون على هذا العدد، مما يدل على أن الأمر في ذلك واسع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "له أن يصلي عشرين ركعة، كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعي, وله أن يصلي ستا وثلاثين، كما هو مذهب مالك, وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة...والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نص على ذلك الإمام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد فان النبي لم يوقت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره".
سئل العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله عن عدد ركعات التراويح فأجاب:(القول الراجح في عدد صلاة التراويح أن الأمر فيها واسع وأن الإنسان إذا صلى إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة أو سبع عشرة ركعة أو ثلاثاً وعشرين ركعة أو تسعاً وثلاثين ركعة أو دون ذلك أو أكثر فالأمر في هذا كله أمر واسع ولله الحمد ولهذا لما سئل النبي   ما ترى في صلاة الليل قال: ( مثنى, مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)  ولم يحد النبي   للسائل عدداً معيناً لا يتجاوزه فعلم من ذلك أن الأمر في هذا واسع)


وقت صلاة التراويح:

وأما وقتها فيمتد من بعد صلاة العشاء إلى قبيل الفجر والوتر منها، وله أن يوتر في أول الليل وفي آخره، والأفضل أن يجعله آخر صلاته لقوله عليه الصلاة والسلام:(اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) متفق عليه، فإن أوتر في أوله ثم تيسر له القيام آخر الليل، فلا يعيد الوتر مرة أخرى، لقوله ﷺ: (لا وتران في ليلة) رواه الترمذي وغيره.

ويجوز للنساء حضور التراويح، لقوله : (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) رواه البخاري ومسلم، ولكن بشرط أمن الفتنة، فتأتي متسترة متحجبة من غير طيب ولا زينة ولا خضوع بالقول، وقد قال ﷺ: (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة). رواه مسلم.

حكم صلاة العشاء خلف إمام يصلي التراويح:

هل يجوز لمن فاتته صلاة العشاء مع الجماعة ودخل المسجد والإمام يصلي التراويح ، هل يجوز له أن يدخل مع هذا الإمام الإمام صلاة العشاء ليحصل له أجر الجماعة؟
والجواب:  إن اقتداء من يصلي العشاء بمن يصلي التراويح أو غيرها من النوافل محل اختلاف بين أهل العلم فمذهب الجمهور عدم صحة الاقتداء في هذه الحالة لاختلاف نية الإمام مع نية المأموم، وذهب الشافعية رحمهم الله تعالى إلى صحة صلاته وتحصيله لفضيلة الجماعة وهو الراجح لأن اختلاف النية غير مؤثر، لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فتكون نافلة لمعاذ رضي الله عنه وفريضة لقومه ونيتهما مختلفة وأقرهم النبي على ذلك.
قال الشمس الرملي رحمه الله تعالى في نهاية المحتاج: وتصح العشاء خلف التراويح كما لو اقتدى في الظهر بالصبح، فإذا سلم الإمام قام ليتم صلاته الأولى له إتمامها منفرداً، فإن اقتدى به ثانيا في ركعتين أخريين من التراويح جاز كمنفرد اقتدى في أثناء صلاته بغيره. وعلى هذا فمن فاتته صلاة العشاء ووجد الإمام في التراويح دخل معه بنية العشاء ليحصل له فضل الجماعة..

هل يوتر مع الإمام من أراد أن يقوم للتهجد أخر الليل؟

الجواب من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء قال: قد صح عنه قوله - كما في الترمذي وغيره: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا الحديث صريح في الترغيب في إكمال القيام مع الإمام .
كما جاء أيضا نهيه عن الإيتار مرتين فقد روى الترمذي وغيره : (لا وتران في ليلة).
كما جاء أمره صلى بجعل الوتر آخر صلاة الليل، ففي الصحيحين وغيرهما : ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا )
ولما كان الحديث الأول يقتضي إتمام الصلاة مع الإمام بما في ذلك الوتر، ويقتضى الحديث الثاني النهي عن تعدد الوتر. ويقتضي الحديث الثالث استحباب جعل الوتر آخرا، رأى أهل العلم للعمل بهذه الأدلة جميعا أنه ينبغي لمن قام مع الامام وهو ينوي أن يتهجد بعد ذلك من الليل أن يصلي مع الامام قيامه وركعة الوتر حتى إذا سلم الإمام من وتره قام فشفعها بركعة. ثم إذا استيقظ من الليل صلى ما نشط له ثم أوتر بعد ذلك .
قال ابن قدامة في الكافي: (ومن أحب تأخير الوتر، فصلى مع الإمام التراويح والوتر، قام إذا سلم الإمام، فضم إلى الوتر ركعة أخرى؛ لتكون شفعًا ).
فإذا أحب من له تهجد متابعة الإمام في وتره لم يسلم معه، بل ينتظر حتى يسلم الإمام ثم يقوم فيأتي بركعة لكي تشفع له ركعة الوتر، ثم إذا أراد أن يتهجد صلى مثنى مثنى وأوتر بركعة؛ لينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف وفضيلة جعل وتره آخر الليل.

وهذا أفضل من نقض الوتر؛ لأن نقض الوتر فيه خلاف بين أهل العلم. والمشهور أن الأولى عدم نقض الوتر، وصفة نقض الوتر أن الإنسان إذا أوتر أول الليل ثم قام آخره للتهجد فإنه أول ما يصلي ركعة واحدة تشفع له وتره الذي صلاه أول الليل؛ وبهذا ينقض وتره، ويكون ما صلاه في أول ليله وآخره شفعا، ثم يتهجد ما شاء الله مثنى مثنى، ويختم صلاته بوتر؛ حتى يكون قد أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" ، هذه صفة نقض الوتر، وكما ترى فإنها في الحقيقة كمن أوتر ثلاث مرات ، أولها في أول الليل مع الإمام ، ثم إذا قام للتهجد ، ثم في آخر الليل.
فاحرص أخي الصائم أختي الصائمة على المحافظة على هذه السُّنَّة المباركة، وأدائها مع الجماعة، ولا تنصرف منها حتى يسلم الإمام ليكتب لك أجر قيام ليلة.

No comments:

Post a Comment