Wednesday, 5 March 2014

تدبر ىية من القرآن العظيم - الحزب العاشر - ج 1 سورة النساء - الهجرة أنواعها وأحكامها




تدبر آيات من  القرآن العظيم – الحزب العاشر – ج 2 – الهجرة أنواعها ، وأحكامها .

يقول الله تعالى في سورة النساء : (  وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )( 100 )
 
وفي هذه الآية سنتحدث عن الهجرة وأحوالها، ومتغيراتها إن شاء الله تعالى ، فهلم معي ..

التفسير : 

قوله تعالى : (  وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)  وفي هذه الآية تحريض على الهجرة، وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه، ما المقصود بـ ( مراغما ً) ؟ قالوا فيها هي المُتزحزح ، بمعنى المُتحَوَّل ، والمذهب ، والمُهاجر ، فالمراغم هو الذهاب في الأرض ، أو التحول من أرض إلى أرض .
وكان الرجل إذا أسلم عادى قومه وهجرهم ، فسمي خروجه مُراغماً ، لأنه راغم أهله وعاداهم – من رغم انفه  
وقوله: ( وسعة ) : أي في الرزق ، أو سعة البلاد ، وأيضا سعة من الضلال إلى الهدى ، وهو الأخص ومن القلة إلى الغنى. وقوله تعالى:  (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله)  أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند اللّه ثواب من هاجر كما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال، قال رسول الله : (إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى.. ) الحديث في الصحيحين

وفي قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .... )  ذكر في سبب نزول هذه الآية : أن رجل اسمه ضمرة بن جندب بن ضمرة كان مريضا في مكة بعد هجرة النبي ، ولما نزلت الآية (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ ...) ( 97 ) قال لأصحابه : والله ما لي من عذر ! إني لدليل في الطريق ( يقصد انه يعرف الطريق وهو يدل عليها ) وإني لموسر ، فاحملوني ، فحملوه فأدركه الموت في الطريق ، فقال أصحاب النبي : ( لو بلغ إلينا لتم أجره ) وقد كان مات بالتنعيم ، وجاء بنوه إلى النبي وأخبروه بالقصة فنزلت الآية .  وهذا عام في كل الأحوال ، قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عتيك قال: سمعت رسول اللّه يقول: (من خرج من بيته مجاهداً في سبيل اللّه، فخرَّ عن دابته فقد وقع أجره على اللّه، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على اللّه، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على اللّه )
وقال الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة قال، قال رسول الله : (من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً في سبيل اللّه فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة) [ من تفسير القرآن العظيم لابن كثير ]
 
وقد قسم العلماء الهجرة أو الخروج من المكان إلى مكان إلى نوعين : الأول : هربا  والثاني : طلبا ، وتفصيل ذلك [ من تفسير القرطبي ]

أما النوع الأول : الهرب ، فينقسم إلى ستة أقسام هي
1ـ الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة باقية إلى يوم القيامة لا تنقطع ، فمن كان في دار حرب لا يستطيع فيها أن يقيم دينه فيها ، فإن عليه أن يهاجر منها ، ( بدليل الآية 97 )، ومن بقيى في دار الحرب فقد عصى ويُختلف في حاله
 فَمَنْ أسلم في دار الحرب وجب عليه الخروج إلى دار الإسلام ليتقوى بإخوانه ويأمن على نفسه، أما إذا لم يجد الأذى في بلده وكان باستطاعته الحفاظ على دينه والدعوة إليه وجب البقاء فيه، ليكون نبراساً ومثلاً يحتذى، وعاملاً إيجابياً لهذا الدين يقتفى.

 أما الذي انقطع من هذا النوع بالهجرة هو الخروج من دار الحرب قاصدا مهجر النبي
2ـ الخروج من أرض البدعة ، فلا يحل لمسلم أن يقيم في أرض يسب فيها السلف أو يعمل فيها بالمعاصي ، إن لم يتمكن من تغيير المنكر ، كما قال تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ..) ( الأنعام 68 ) قال سعيد بن جبير: إذا عُمِل بالمعاصي في أرض فاخرج منها، وتلا ( ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها )
3ـ الخروج من أرض غلب عليها الحرام ، فأن طلب الحلال فرض على كل مسلم
4ـ الفرار من الأذية في البدن ، فإن خشي على نفسه فقد أذن له الله تعالى في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من المحذور ، واول من فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام فإنه لما خاف من قومه قال : ( إني مهاجر إلى ربي)( العنكبوت 26 ) ، وقال : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) ( الصافات 99 ) ، وقال عن سيدنا موسى عليه السلام : ( فخرج منها خائفا يترقب ) ( القصص 21 )
5ـ خوف المرض في البلاد الوخمة ، والخروج منها إلى الأرض النزهة ، ودليله : ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا ، وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ، منع ذلم بالحديث الصحيح
6ـ الفرار خوف الأذية في المال ، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والخوف على الأهل أيضا مثله ، وأكثر تأكيداً منه
النوع الثاني من أنواع الهجرة ، هو هجرة الطلب : وهو ينقسم قسمين هما
1ـ طلب دين ، وهو متعدد الصور منها تسعة صور :ـ
- سفر العبرة ، قال تعالى : ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ( الروم 9 ) 
ويقال في هذا كان سفر ذو القرنين إنما طاف في الأرض ليرى عجائبها – وهو مندوب
-سفر الحج ، وهو فرض
- سفر الجهاد
- سفر المعاش ، فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة ، فيخرج في طلبه لا يزيد عليه وهو فرض عليه
- سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله تعالى ، قال عز وجل : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) ( البقرة 198 ) يعني التجارة ، وهي نعمة من الله في الحج ، وإذا انفردت كانت أكثر ندبا
-طلب العلم النافع ، وهو مشهور سابقا منذ عهد الصحابة ، والتابعين ، ومازال باقيا
- قصد البقاع أو الأماكن المباركة قال : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ..)
- قصد الثغور للرباط بها ، وحتى لتكثير سواد المسلمين ليذودوا عنها
- زيارة الإخوان في الله ، قال صلى الله عليه وسلم ( زار رجل أخاه في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال : أين تريد ؟ فقال : أريد أخا لي في هذه القرية ، قال : هل لك من نعمة تربها عليه ، قال : لا غير أني أحببته في الله عز وجل ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته فيه ) ( مسلم )
الحمد لله رب العالمين الذي جعل لنا في الدين سعة ، وبحبوحة يعبده المسلم حيث كان ، ما دام لا يضيق عليه في دينه

اللهم اجعل لنا أجرا أينما كنا ، ولا تضيق علينا بلادنا بلاد المسلمين ، واجعل لنا سعة في ديننا وعيشنا حيث كنا في أرضك الواسعة ، وبارك لنا فيها

No comments:

Post a Comment