Tuesday, 15 April 2014

تدبر آية من القرآن العظيم - الحزب السادس عشر ج 1 - ستر العورة زينة بني آدم



تدبر آية من القرآن العظيم – الحزب السادس عشر ج 1 – ستر العورة زينة بني آدم 

في هذا الدرس نلقي الضوء على آية جميلة ، فيها خطاب من الله تعالى إلى جميع البشر، إلى بني آدم ، فما في هذا الخطاب يا ترى ؟  استحضروا قلوبكم واسمعوا وأنصتوا :ـ

 قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَ‌بُوا وَلَا تُسْرِ‌فُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِ‌فِينَ )  ( سورة الأعراف 31 )  
  
وسورة الأعراف مكية ، ومن خصائص القرآن المكي أن جله في تثبيت العقيدة ، والكلام في الثواب والعقاب ، ووصف الجنة والنار ، وما أعد تعالى لأهلهما ، وفي قصص الامم السابقة والرسل  
في الآية 31 من السورة أمران ، ونهي ، فالامر الأول : بأخذ الزينة بمعنى ستر العورة ، فالمقصود بها زينة الثياب، والثاني : بالأكل والشرب ، والثالث : بعدم الإسراف في الأكل - والشرب- 

قاعدة في تفسير القرآن : وهي أن لبعض الآيات سبب نزول ، نزلت الآية بسببه ، ولكن مع ذلك تبقى العبرة في المعني لعموم اللفظ الذي جاء في الآية ـ وليس لخصوص السبب، غير أن معرفة السبب توضح المعنى .
وسبب نزول هذه الآية : كما في الحديث في صحيح مسلم عن عروة عن ابيه قال :ـ كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس ، والحُمْس هم قريش وما ولدت ( أي كل من هو من قبيلة قريش يسمى الحُمْس ) كانوا يطوفون بالبيت عراة إلا أن تعطيهم الحُمْس ثيابا ، فيعطي الرجال الرجال ، والنساء النساء ، وكانت الحُمْس لا يخرجون من المزدلفة ( اي لا يقفون بعرفة )، وكان الناس كلهم يقفون بعرفات )ـ
وفي غير صحيح مسلم للكلام بقية ( ويقولون نحن أهل الحرم ، فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا ، ولا يأكل إذا دخل أرضنا  إلا من طعامنا ، فمن لم يكن له صديق بمكة يعيره ثوبا ، لا يسار يستأجر به كان بين أمرين : إما أن يطوف عرياناً ، وإما أن يطوف في ثيابه ، فإذا فرغ من طوافه إلقى ثوبه عنه فلم يمسه احد ، وكان هذا الثوب يسمى اللقى ، فكانوا على تلك الجهالة والضلالة والبدعة حتى بعث الله نبيه محمدا فأنزل الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) الآية ، فأذن مؤذن رسول الله   : ( إلا يطوف بالبيت عريان ) ـ
وعن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية وهي عريانة، وعلى فرجها خرقة، وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّهُ * وما بدا منه فلا أُحلُّهُ
فنزلت ( خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ونزلت (  قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ)  الآيتان. رواه مسلم  
ستر العورة :ـ

وهذه الآية استنتج منها الفقهاء وجوب ستر العورة ، وعلى أنها فرض من فروض الصلاة ، ذلك أن عموم اللفظ قوله تعالى:( عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ، ولم يخصص فقط عند المسجد الحرام بمكة ، فلزم أن يكون المعنى :ـ وجوب ستر العورة في الصلاة عند كل مسجد ، ووجوب سترها عموما في الصلاة وفي غير الصلاة .
وستر العورة من شروط الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بها للمستطيع ، ولغير القادر على ستر عورته ، كالمسجون يعرى من ثيابه ، او من لا يجد ثياباً يستر بها عورته ، فإنه يصلي جالسا ، يستر نفسة بقدر إمكانه ـ

التجمل في الصلاة: 

ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنّة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد، والطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض، كما قال الإمام أحمد عن ابن عباس مرفوعاً قال، قال رسول الله   : (البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر)، وللإمام أحمد أيضاً وأهل السنن، عن سمرة بن جندب قال، قال رسول الله   : (عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم) ويروى أن تميماً الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه 
.
ومن لطائف القصص التي تروى ، ما ورد في البخاري عن عمرو بن سلمة ( ابن أم سلمة زوج النبي ، وكان يحفظ من القرآن أكثر مما يحفظ بقية قومه وعمره في ذلك الوقت خمس سنوات ) قال :ـ لما رجع قومي من عند النبي قالوا ، قال ( ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن ) فدعوني فعلموني الركوع والسجود ( ولم يكن يحسنه لصغر سنه ) ، فكنت أصلي بهم ، وكانت عليّ بردة مفتوقة ( أي بها شق ) وكانوا يقولون لأبي : الا تُغطي عنا است ابنك )

وفي قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَ‌بُوا وَلَا تُسْرِ‌فُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِ‌فِينَ )،
قال بعض السلف: جمع اللّه الطب كله في نصف آية: (  وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)  ، وقال البخاري، قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة. وقال ابن عباس: أحل اللّه الأكل والشرب، ما لم يكن سرفاً أو مخيلة، وفي الحديث: (كلوا واشربوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن اللّه يحب أن يرى نعمته على عبده) ""رواه أحمد والنسائي وابن ماجه""، وقال الإمام أحمد قال رسول الله : (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ""ورواه النسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
والأمر هنا للإباحة وليس للفرض، فأباح الله تعالى الأكل والشرب ما لم يكن فيه إسرافا أو مخيلة ، أما أكل ما يسد الجوعة فهو مندوب إليه عقلا وشرعا ، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس، بل هو مأمور بأقله لإقامة الإود ، والحفظ من الهلاك.
ولذلك ورد في الشرع النهي عن الوصال ( مواصلة الصيام ليومين أو أكثر بدون إفطار أبداً ) لأنه يضعف الجسد ، ويميت النفس ، ويضعف عن العبادة
وقد اختلف في الزائد عن قدر الحاجة هل هو مكروه ، أم حرام ، والأصح أنه مكروه
ونحن قد ابتلينا في هذا الزمان بكثرة الأكل، نظرا لتوفره ، واتباعا لهوى النفس في التلذذ بأطايب الطعام.
 وكان قد قيل:ـ في قلة الأكل منافع كثيرة ، منها أن يكون الشخص أصح جسما ، وأجود حفظاً وأزكى فهما ، وأقل نوما ، وأخف نَفَساً.
 وفي كثرة الأكل كظ المعدة ، ونتن التخمة ، ويتولد عنه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج اكثر مما يحتاجة قليل الأكل.

 قال بعض الحكماء  : أكبر الدواء تقدير الغذاء ، ويذكر أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين : ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان : علم الأديان وعلم الأبدان. فقال له علي : قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا. فقال له : ما هي؟ قال قوله عز وجل (  وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)  . فقال النصراني : ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب. فقال علي : جمع رسول الله الطب في ألفاظ يسيرة. قال : ما هي؟ قال : (المعدة بيت الأدواء والحمية رأس كل دواء وأعط كل جسد ما عودته). فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا.
 وقد بين النبي هذا المعنى في قوله : (أصل كل دواء الحمية). والمعني بها  والله أعلم  أنها تغني عن كل دواء؛ ولذلك يقال : إن الهند جل معالجتهم الحمية، يمتنع المريض عن الأكل والشراب والكلام عدة أيام فيبرأ ويصح، روى مسلم عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : (الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في مِعىً واحد).
ويستحب للإنسان غسل اليدين قبل الطعام وبعده ، لقوله ( الوضوء قبل الطعام وبعده بركة ) ، وروي عن رسول الله أنه قال : (أبردوا بالطعام فإن الحار غير ذي بركة) حديث صحيح. ولا يشم الطعام  فإن ذلك من عمل البهائم، بل إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه، ويصغر اللقمة ويكثر مضغها لئلا يعد شرها. ويسمي الله تعالى في أوله ويحمده في آخره. ولا ينبغي أن يرفع صوته بالحمد إلا أن يكون جلساؤه قد فرغوا من الأكل؛ لأن في رفع الصوت منعا لهم من الأكل. وفي صحيح مسلم عن ابن عمران أن رسول الله قال : ( إذا أكل احدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، وبشرب بشماله )  وآداب الأكل كثيرة، هذه جملة منها.

وفي معنى: ( ولا تسرفوا  ) قالوا : لا تأكلوا حراما، فهو إسراف على النفس، وقيل : من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت، وقيل الإسراف هو الأكل بعد الشبع، وهو المفهوم من الآية، وقال لقمان لابنه : يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع ، فإنك إن تنبذه للكلب خير من أن تأكله ـ
ونذكر هنا فتوى للشيخ بن عثيمين رحمه الله لمن سألته عن بقايا الطعام التي يتركها أولادها الصغار تأكلها خوفا من رمي النعمة في القمامة فتأثم ، وإن اكلها هذا تسبب لها بالسمنة الزائدة ، فكان جوابه لها: ( جواز رميه في مكان يأكل منه حيوان أو طير ، في غير أماكن القمامة احتراما له ، ولا تأكل زيادة عن حاجتها ، فتعرض نفسها للأمراض )ـ 

النداء في الآية لبني آدم :

أخي أختي المسلمة : : بعد ما قرات في تفسير هذه الآية لعلك تتعجب معي أن يكون النداء التي بدأت به هو نداء لجميع البشر لبني آدم ، مسلمهم وكافرهم ، من كل  جنس أو لون ، فالآية توجيه لطيف لكل الناس بالإعتدال في الزينة، وذلك بستر عوراتهم وعدم التكشف والتعري القبيح ، والإعتدال في  والمأكل والمشرب لما فيه من مصلحة خالصة لهم، فهو أصح لأبدانهم وأذهانهم ،  فسبحان الحكيم العليم ، فلا كلمة في القرآن إلا في موضعها المقصود منها ، ولا يغني غيرها عنها.   

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

No comments:

Post a Comment